خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تزداد الأزمة الاقتصادية العراقية سوءًا يومًا بعد يوم؛ فما بين عجز الحكومة وقرارات البرلمان ينتظر المواطن العراقي بصيص أمل ليضمن قوت يومه، وفي محاولة لحلحلة هذه الأزمة، اجتمعت اللجنة المالية النيابية بحضور رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، لمناقشة “قانون الإقتراض” وموازنة 2021.
ونقلت الجريدة الرسمية عن عضو اللجنة المالية، “جمال كوجر”؛ قوله: “بعد القراءة الثانية لقانون الإقتراض، طالبت اللجنة بإجراء جملة من اللقاءات المهمة مع رئيس الوزراء ووزيري المالية والتخطيط ومحافظ البنك المركزي لمعرفة خطة الحكومة لتبني الإصلاحات الاقتصادية”.
وأفاد عضو اللجنة، “أحمد مظهر الجبوري”؛ بأن: “هناك اجماعًا برلمانيًا على تخفيض أكثر لمبلغ الإقتراض، خاصة بعد أن خفضت وزارة المالية المبلغ من 41 تريليونًا إلى 31 تريليون دينار”.
تمرير القانون بعد ضغط مبلغ القرض..
وفي نهاية الاجتماع، أعلنت اللجنة عن الاتفاق على تمرير “قانون تمويل العجز المالي” وفق التوقيتات الدستورية والمبلغ الذي تراه مناسبًا.
وقالت اللجنة في بيان، إن: اللجنة المالية برئاسة النائب، “هيثم الجبوري”، رئيس اللجنة، وحضور الأعضاء التقت الإثنين، رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، لمناقشة “قانون تمويل العجز المالي” من أجل صرف رواتب الموظفين والنفقات الضرورية الاخرى.
وأكد “الجبوري”، خلال اللقاء؛ وفقًا للبيان، أن: اللجنة المالية عازمة على تمرير القانون بعد ضغط مبلغ القرض والتركيز على النفقات الضرورية والحاكمة، منها رواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الرعاية الاجتماعية والأدوية اللازمة لمواجهة جائحة (كورونا).
ولفت البيان إلى أن: أعضاء اللجنة المالية طرحوا أفكارهم ومقترحاتهم لرئيس الوزراء بشأن الخروج من الأزمة المالية الحالية وعدم إتباع سياسة الإقتراض وإثقال كاهل الدولة بالديون، ونتج عن ذلك اتفاق بين الطرفين لعقد لقاء شهري مشترك لتنفيذ تلك المقترحات وفق مبدأ الشراكة والتعاون بين السلطات لتصحيح الوضع الاقتصادي للبلد.
وتابع البيان، أن: اللجنة المالية اتفقت على تمرير “قانون تمويل العجز المالي” وفق التوقيتات الدستورية، والمبلغ الذي تراه اللجنة المالية مناسبًا ويضمن تأمين رواتب الموظفين ويحفظ قوتهم، فضلاً عن الاستحقاقات الضرورية الأخرى.
تشريع القانون خلال يومين..
كما أكد “جمال كوجر”؛ أن التصويت على “قانون الإقتراض” سيتم غدًا، الإربعاء، مضيفًا: “طلبنا من الحكومة البدء بإطلاق الرواتب بالمبالغ المتوفرة لديها لحين تشريع القانون خلال اليومين المقبلين”.
استخدام أزمة السيولة بشكل سياسي..
من جهته، أوضح “الكاظمي”، في تغريدة، أن البعض يحاول استخدام أزمة السيولة المالية كمادة سياسية، لكن تشكلت تفاهمات مشتركة بين الحكومة واللجنة المالية النيابية بأن الأزمة هي نتاج الأخطاء المتراكمة واخترنا حلها من خلال إصلاحات “الورقة البيضاء”.
تخفيض المبلغ من 41 إلى 12 تريليون فقط..
وأمس، أكدت اللجنة القانونية النيابية، أن “قانون الإقتراض” سيمرر داخل “مجلس النواب”؛ بعد تخفيض المبلغ من 41 إلى 12 تريليون فقط بما يؤمن دفع الرواتب.
وقال عضو اللجنة القانونية، “حسن خلاطي”، إن: “رسم صورة بأن مجلس النواب يعطل قانون الإقتراض ويعطل الرواتب أمر غير صحيح، ولكن القانون يغرق البلاد بالديون”، مضيفًا أن: “الرقم الذي طلبته الحكومة مبالغ به جدًا؛ وهناك تحفظات وانقسامات كبيرة بشأنه داخل مجلس النواب”، مشيرًا إلى أن: “القانون سيمرر بعد تخفيض المبلغ من 41 إلى 12 تريليون فقط؛ بما يؤمن رواتب الموظفين إلى نهاية العام الجاري”.
وأوضح أن: “أحد شروط التمرير أن تقدم الحكومة ورقة إصلاحية اقتصادية حقيقية للاقتصاد العراقي بعد تمرير الإقتراض بـ 12 تريليون، ويكون الإصلاح بدءًا من العام المقبل”.
تجنب زج العراق في الديون الثقيلة..
وكان “مجلس النواب” العراقي قد أنهى، يوم السبت الماضي، خلال جلسته؛ قراءة تقرير ومناقشة مشروع “قانون تمويل العجز المالي”.
وخلال الجلسة؛ طالب رئيس النواب العراقي، “محمد الحلبوسي”، عدد من النواب، بتبني اللجان النيابية المعنية لرؤية مالية إصلاحية تجنب العراق “زجه في الديون الثقيلة نتيجة الإقتراض الداخلي والخارجي الذي تعتمده الحكومة في تمويل العجز المالي”.
وأبدت اللجنة المالية تحفظها على عدم تقديم مشروع “قانون الموازنة الاتحادية” لعام 2020، ووجود مبالغة واضحة في تقديرات مبلغ الإقتراض، داعية إلى تقليص كافة بنود النفقات وحصرها في الأولويات الضرورية ودعم المشاريع الاستثمارية وفق آليات صرف تعتمد العدالة في التوزيع.
“الورقة البيضاء“..
وأطلقت الحكومة العراقية، في الشهر الماضي، “الورقة البيضاء”، الإصلاحية لمعالجة ظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي المتفشية في البلاد وتقوية الاقتصاد العراقي؛ وتمتد الورقة في نحو 100 صفحة، على أن يكون تنفيذها بين 3 و5 سنوات، وعنها قال رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، إنها: “مشروع حل لأزمة إدارة الاقتصاد المزمنة، والإعتماد الكامل على النفط وعدم تنويع مصادر الدخل”.
ومن جهتها، تكافح الحكومة لتأمين رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية الأخرى، جراء تراجع أسعار النفط بفعل جائحة (كورونا)، التي شلت قطاعات واسعة من اقتصاد العالم.
وبعد تأخير في صرف الرواتب قارب الـ 50 يومًا، وزعت “وزارة المالية” المدفوعات المتأخرة لرواتب القطاع العام، عن شهر أيلول/سبتمبر بالكامل، في 7 تشرين أول/أكتوبر 2020، والأيام التالية، فيما يؤكد وزير المالية، “علي علاوي”، أن توفير الرواتب للموظفين، البالغ عددهم 4.5 مليون موظف، يعتمد على تلقي الوزارة “موقفًا إيجابيًا” من مجلس النواب وموافقته على سياسة الإقتراض الواردة في “قانون تمويل العجز المالي”.
مخاوف من التعرض للإفلاس..
في المقابل؛ حذرت اللجنة المالية النيابية من أن العراق سيتعرض للإفلاس خلال 6 أشهر، في حال إقرار “قانون الإقتراض” الجديد.
وكان “مجلس النواب” قد أقر، في شهر حزيران/يونيو الماضي، مشروع قانون يتيح للحكومة الإقتراض الداخلي والخارجي لسد العجز المالي في البلاد.
وتضرر اقتصاد العراق بسبب انخفاض أسعار النفط، وسيصل عجز الموازنة العراقية إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو أعلى من أي مكان آخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب “صندوق النقد الدولي”.
“الصدر” يقدم 16 مقترح لحل أزمة الإقتراض..
إلى ذلك؛ قدم زعيم (التيار الصدري) نحو 16 مقترحًا لحل أزمة الإقتراض والوضع المالي في البلاد. وقال “مقتدى الصدر”، في بيان، إن: “بعضهم يحاول اللجوء للإستدانة والاستقراض من الداخل والخارج من أجل سد العجز الاقتصادي، إن جاز التعبير، أو سد رواتب الموظفين التي هي بحاجة ماسة إلى التنظيم والتشذيب والتمحيص لإخراج الفضائيين وذوي الرواتب المتعددة وذوي المناصب الزائدة، وما إلى ذلك”.
وأضاف أن: “الاستقراض سيزيد من تدهور العُملة العراقية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية. نعم، إن كلامي هذا سيؤذي بعض أفراد الشعب، لكنني تعودت على الصراحة”.
وتابع قائلاً: “من هنا، سأطرح بعض الأطروحات التي هي أنجح وأسرع فائدة من الاستقراض، وزج العراق في أتون الديون والتبعية والضغوط السياسية”.
وبالفعل، أدرج “الصدر” مجموعة من المقترحات؛ التي يراها كفيلة بحل الأزمة الخانقة التي يمر بها العراق حاليًا.
خطأ تراكمي من الحكومات السابقة..
معلقًا على الأزمة؛ قال الخبير الاقتصادي، الدكتور “كريم ناصر السلامي”، إن: “عدم وجود عدالة في توزيع الثروة من خلال إعداد الموازنة، الذي نتج عنها سياسات اقتصادية خاطئة، انعكست سلبًا على القطاغ العام مما القى بظلاله على القطاع الخاص”.
مشيرًا إلى أن: “القطاع الخاص تضرر أيضًا بأزمة عدم دفع رواتب الموظفين؛ لإعتماد اقتصاد السوق على سيولة تلك الرواتب”.
وأضاف “السلامي” إلى أن: “إدارة الدولة عمومًا فشلت في استيعاب الموارد البشرية الكبيرة في القطاع الخاص، وهو رأس مال بشري كان من الممكن فتح الباب بأوسعه في كافة القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية وغيرها”.
موضحًا أن: “الدولة اعتمدت فقط على قطاع النفط في تعظيم مواردها المالية في رفد الموازنة العامة، إضافة إلى القطاعات الخدمية وهي غير كافية بتمويل الموازنة التشغيلية من الرواتب التي تبلغ تقريبًا خمسة ونص مليار دولار؛ أي حوالي سبعة تريليون دينار عراقي”.
وأشار “السلامي” إلى أن: “هذا الخطأ التراكمي من الحكومات السابقة، ومايزال حتى الحكومة الحالية، لم يأخذ بنظر الاعتبار التوجه نحو تفعيل وتنشيط بقية القطاعات من أجل خلق واقع اقتصادي لهذه القوة العاملة والمهيئة للعمل واستثمارها من أجل تعظيم الموارد المالية وتعزيز الموازنة العامة لتحقيق تكامل اقتصادي”.
مضيفًا أن: “هذه الأخطاء سبب قيام أغلب فئات الشعب العراقي بتظاهرات تندد بهذه السياسات الخاطئة للحكومة الحالية والسابقة؛ لأنها لم توفر عدالة في توزيع الثروة ولا في خلق فرص عمل لكل الطاقات البشرية في البلد”.
مؤكدًا على أن: “حركة الشعب ستسمر ما لم تتخذ الدولة سياسية اقتصادية صحيحة لاستغلال الموارد المتاحة لما يملكه العراق، إضافة لاستغلال الموارد البشرية واستثمارها من خلال الجدية بوضع خارطة طريق للتنمية الاقتصادية”.
تحولت من مسألة اقتصادية إلى سياسية..
من جهته؛ يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور “فالح الزبيدي”، أن: “هناك سبعة ملايين موظف ومتقاعد، والدولة العراقية ملزمة بدفع ما يعادل ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار شهريًا كرواتب، وهو مبلغ لا يتوفر الآن لدى الحكومة، “لذا تذهب نحو الإقتراض الذي يجب أن يوافق عليه البرلمان العراقي”.
وتابع “الزبيدي” بالقول: “قضية الرواتب والإقتراض تحولت من مسألة اقتصادية إلى سياسية، فالحكومة ترمي الكرة بملعب البرلمان، على اعتبار أنها حكومة مؤقتة، والبرلمان يحمل الحكومة مسؤولية تأخر الرواتب وتوفير المبالغ لسد العجز، علمًا أن الإقتراض هو بمثابة تأجيل للمشكلة، وليس حلاً لها، في ظل دين وصل إلى 140 مليار دولار”.
وأضاف “الزبيدي” قائلاً: “الحكومة والبرلمان؛ كل منهما، يريد إحراج الآخر للحصول على مكاسب انتخابية مع قرب الانتخابات البرلمانية، والمتضرر هو الموظف البسيط، الذي لا يجد عملاً غير التوظيف في دوائر الدولة، نظرًا لغياب القطاع الخاص”.