27 نوفمبر، 2024 1:21 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. منتصر منصور: إننا مواجهون في كل البقاع الحالمة بالحياة بورطة الجهل المزري

مع كتابات.. منتصر منصور: إننا مواجهون في كل البقاع الحالمة بالحياة بورطة الجهل المزري

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“منتصر منصور” كاتب سوداني، فاز مؤخرا بجائزة الطيب صالح عن روايته “الاقتراب من النص الحلو”. صدر له: (كتب نصوص “الرحلة أنثى”- مجموعة قصصية “الجسر يشكو”- رواية “نورا حكاية أخرى”. كما فاز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام/ مجموعة القصة القصيرة.

إلى الحوار:

* متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تفاعلت معه؟

– كعادة أي شغف، لكنه مع النشأة باكتشاف عالم مواز لما تقرأ فتبدأ في التجريب، إنتاج الأفكار والملاحظات الحياتية، إعادة تدوير الكثير من ركام الذكريات والواقع لتصنع مفردة يمكن أن يتفاعل معها القارئ.

بدأت المغامرة ولكنها لاتتعلق بكونها مغامرة، الفعل مرتبط بالمكان والشخص والهدف وبعد ذلك يحدث الرضا، كتبت الشعر وأنا صغير والنثر والقصص، وها أنا ما أزال داخل الورطة، ألقي أقلامي. ولا أستطيع أن أتكفل بذائقة أحد إلا مزاجيتي وتسكعها بين أروقة السطور.

* في كتاب “الرحلة أنثى” غزل يستخدم مجموعة مميزة من المفردات.. هل تسعى لعمل لغة خاصة بك. وكيف ذلك؟

– اللغة وعاء شامل لكل تجارب البشر في الأرض في إطار الزمان والمكان، هي تفصيلة تراكمية من مجموع أشياء كثيرة مجملها تاريخي وجغرافي وتأثير بيئي تخلّق من الأمكنة التي جعلت لفراغك شيئاً محسوساً في مدى آخر، “الرحلة أنثى” مجموعة انتقالات داخل سردية بلغة تنتج نفسها في إطار تعبيرها الخاص لكنها بكل حال لا تنفصل عن النثر، وعمدت على خلق توليفة لغوية ملائمة لرسم الحدث، لكن هذا لا يعني أنني أنتجتها كخط كتابي يمثلني لأن أفق التعبير عن الفكرة استلزم ذلك وقتها..

* في كتاب “الرحلة أنثى” ما هي تفاصيل صورة الأنثى التي ترسمها في كتابك؟

– تفصيلة صورة الأنثى لا تبتعد عن الأنثى في تجسيمها الأنثوي بابتعاد المخيلة، ومجاورتها بعض الأحيان لتفاصيل كثيرة تخالج الأنسنة المشرعة على الكتابة، صنع شيء يخص الأنثى لكنها ليست الأنثى في وهلتها الأولى، هي محض أفكار كثيرة انتقلت تأثيريا ولم تغادر براح موامتها فطرقنا عليها ببطء لحساسية المسمى ومرموزه، المسمى في كامل خيلائه الذي جعلنا نمضي وبعزم لنستصحب حسها ورِقتها، روعتها وقوة حضورها في أضابير أي كتابة ليشبه المحتوى الذي يغري العقل والروح بإنتيابات تتخللها التفاصيل التي تشبه الأرض حين نسعى عليها مطمئنين ونسميها وطن.

* في مجموعة “الجسر يشكو” ما أبرز الموضوعات التي تناولتها قصصك؟

– مجموعة “الجسر يشكو” مجموعة قصصية تتبادل داخل حيز فكرتها أشياء كثيرة، البيئة أعظمها، العلاقات المتداخلة والمتشظية، السعادة والندم، الفرح والورود، ما خلف فراغ الأحلام والواقع التخيلي، كل هذه الأطر تتجاذب الكثير من التدوين والذكريات والواقع لتنتج ربما “الجسر يشكو”.

* حدثنا عن روايتك “نورا وأشياء أخرى”؟

– رواية “نورا وأشياء أخرى” رواية تشتغل على إطار علائقي بين الإنسان وبئاته، حلمه وعشقه، تستصحب التاريخ في مغالطة سردية لتبذر حقائقية هنا وهناك دون إعاقة لمسلمات تطرأ في حيز التكوين، هي كتابة خلقنا لها شخوصا وأحداث لن يُعجب بها القارئ فقط، سيشعر بالكثير من الامتنان لوضعها هنا ويكِّن لها المشاعر وهو يتابع حيواتها بشغف.

* فزت بجائزة الطيب صالح عن روايتك “الاقتراب من النص الحلو”. كيف كان وقع الفوز عليك؟

– لن أقول أنني كنت أتوقع ذلك، فالتوفيق في محض حضوره رباني، لكن من خلال تعاملي مع النص الذي صنعه المكان الذي أعلمه جيداً، كان يخطر ببالي أنني سأكتب عنه رواية عظيمة الحدث وهذا ما حصل بالفعل لأنه استهلك الكثير من قلقي المعرفي حتى لا انحاز له، فاجتهدت لأصنع الرضا الداخلي حيال الحقيقة التي قد تكون معظمها قبيح، وكان علي أن أضع القبح أو أجمله ففعلت شيئاً. وقد كان.

* أنت محظوظ هذا العام رغم أنه عام العزل والتباعد الاجتماعي لكن إنتاجك الأدبي ازدهر فيه.. حدثنا عن ذلك؟

– للمفارقة أنني لم استغل العزل إلا في قراءة بعض الأعمال وتجويدها مثل “النص الحلو” وهنا لا دور للحظ إلا في جزئية العثور على بوابة للهروب عبر العوالم المعزولة، ومن ثم لم استفيد من العزلة التي لم تكن شعورية على الإطلاق لأنتج، بل في صميم هذه العزلة كنت أجنح لمغادرة نفسي ولا أذكر أنني أمتز فكرة لكتابة ما أو أتجاوزها، لكن استهواني الغرق في مكاتيب جدي الشعرية (المسادير)، وشاء أن يبلغ حضور إنتاجي الكتابي ذروة ظهوره بعد أن زايلته ظروف كثيرة أهمها الثورة السودانية، الكورونا، الفيضان..هذه أوقات استغرقتنا فيها الحياة وشغلتنا لذا جاء كل هذا الحضور في لحظة واحدة بلا تواتر وفقا لهذه الظروف.

* كتبت نصوص نثرية وقصص قصيرة لكن هل استقريت على كتابة الرواية أم ستستمر في التنوع؟

– أكتب وما أزال وأحتفي بالنثر والقصة القصيرة وهناك الشعر الذي ربما اكره الاعتراف به، لكن الكتابة في مشمولها كعمل إبداعي لا أُبوِبها (لا أخضع للتبويب) في شكل أنماط ولا أضع نفسي أسيرا لرغبة واحدة، وقد اشتغل في نفس الوقت على أكثر من عمل، لأن شكل الإضافات لا تتوقف على ضرب واحد بل تعمل مع بعضها في تشاركيه وقد اتركها لأزاول شيئاً آخر ثم أعود.

* في رأيك هل كان للثورة السودانية تأثيرات إيجابية على الثقافة وكيف ذلك؟

– هذا طبيعي إذ أنه حتى الثورات التي لم تنجح خلقت أثرا، إن المغزي الحقيقي للكتابة ليس إشباعا للذات، لكن من خلال التجارب الشخصية والمشاهدة والخوض في غمار التفاصيل والانفعال معها تجد ماُ يكسب الزخم، الثورة السودانية ألهمت الكثيرين ليصنعوا الواقع ويجملوه بالكتابة، إن الثيمات التي تمثل الثورة كثيرة جدا وتحيا بيننا، وحتى التثوير الأدبي على مستوى النص لن يكون خاتمة مطاف التأثير الذي خلقته ثورة شعب السودان ضد الظلم بل سيمتد لأجيال كثيرة، لذا أجدني مجازا لا أسمي الأدب أدب ثورة.

فثورتنا لم تُكمَّل بعد، ربما سأتفق مع الكتابة الراصدة رغم عدم أدبيتها لأن هناك مراحل أخلاقية يجب أن تتجرد فيها الكتابة من الخيال، لتصبح قادرة على إنتاج الفهم المغاير وتواكب الطارئ، وهي ليست بالضرورة كتابة أزمة بل أولويات وتفضيلات أقحمتنا نفسها في خضمها لنتعامل معها.. لكن مازالت السرديات العظمي في طور التخليق وتخضع لمآلات الحدث نفسه وإيجابيته ثقافياً وتأثيره وتأثر باقي العالم به.

* هل نجحت الثورة السودانية في تحقيق أهدافها ولم؟

– لم تنجح بعد، وهذا هو واقع الفعل الثوري الذي تصاحبه تحديات التغيير وإدراكها، التحديات التي تبزغ كل يوم في مخيلة الراهن وتمنعه من الاستكانة والاطمئنان، إننا مواجهون ومع نظائرنا في كل البقاع الحالمة بالحياة الملائمة بورطة الجهل المزري الذي يغتال الرؤى والأحلام، وعلينا حيال ذلك أن ننتدب الوعي الذي ننشد بأن يسير محازيا للتغيير، وقد يطول أمد ذلك.

لكن، لنا إرث نضالي باذخ من التضحيات، يجعلنا نطمئن قليلا ونبذل الكثير من الجهد للحفاظ على ما اكتسبتاه بالعمل الكثير لإضافة التحديثات التي تُعبِّر عنا ككيان وسط العالم وتحافظ على كرامتنا. باختصار ينتظرنا الكثير.. والكثير جدا لنعبر ونحقق أهدافنا.

نصين ل “منتصر منصور”..

يومٌ ما..

لم تكونِ سوي أُنثى كوشيِّة غنىَّ لها رعايا على سبيل نُوباتيا ونبتة وكرمة فصارت حضارة كاملة، كنت مأخوذا بسحر عناقاتك المتكررة لجسدي، قُلتِ ليِّ:

– أنا لا أعانقك لكنِّي أنبش العناقات القديمة في صدرك التي لم تفصح عنها كهرمٍ تلتصق أحجار صمتهُ طويلاً.

من يومها إنكشفت مدافناً كثيرة بحثتِ فيها عن كنوزي المخبأة، من أشعاري الرديئة، الغنائم وفخار أسفاري..

بعدها اصطحبتيني لجسدي، عبرتِ الصحاري لتبحثي عن أثر قبلة مفقود، حشدتِّ قبيلة وثنية كاملة كانت تؤدي طقوسها على مسرح ضلوعي، تَسقيني الخمر غدائراً فصرتُ خريطةً لم تنشأ على رصيفها الحدود لكنها مُغلّفة بالشواطئ، مُنذها وأنتِ تسبحين من مكان لآخر حتى صرت تغوصين كسفينة صيد وفير فاجأتها عاصفة..

كدتَ أنسى لأثر العناقات المسحوقة في دمي نفسي حين أخفيتُ الُقبل الكثيرة فلفحتها العاصفة التي أغرقتك، دارت بها سريعاً وأخذتها بعيداً ولم تشعرِ بذلك، فأحتللتِ صدري لقرون من الشوق..

لم أتمرد على قلبي الذي صار مُعدّ سلفاً لتعثر عليهِ عاشقة، أصبح ذلك كفيلاً لِصُنع حضارة كاملة من العناق الأبدي.

والصبيان الذين سيهتفون باسمي حتماً..

في يومٍ مــا بسطوة الحرية الفائقة.

____________________

كُوْفِيـــــــــد19

سَأُخْبِرك شَيْئاً حَبِيبَتي:

مَع هَذا المُسَمَّى (كُوفِيَد) لَنْ نَلتقِي كَثيِراً

ومَابَيْن فَاقَة آذانَنْا سنَجْتَرَّ أحَادِيثَنا القَليِلة..

سَتكُون القُبَلة مُعلًقَة فِيَ خِيُوطِ كَمامَة أو زَفْرة أنَبُوبْ تَنفُّس

وأُغَنيتِنا الطَوِيْلة التِي نَردِدَها لنْ تَجْعَل مَسافَة نَظرَاتِنا المُتَماحِكة قَصِيْرَة وآمِنةَ.

وسَتكُون الأشَوَاقْ كَامِنْة أو مَقْرُوَءة فَوق نُوَتاتِ الصَدْر.

فِي ظِل (كُوْفِيد) سَيْبَقىَّ الحُبْ مُعَلَّقاً مِثَل عِطَاسٍ رَطِبْ.

والأيَدِي نَاعِمْة وخَالِيَة مِن خِطُوط إِمٰرَأة العَزِيَّز.

وعَلى هَذا المُنوَال لنْ تُعَوِّلِي عَلىَّ أنَامِلِك لتُسَوِّي خُصلَة دهشتك المُكْتَظّة لِصِعُود مِرفَقِي.

عَلى مَرأىَّ مِن الَنْاسَ سَيْتَشاجْر عِطْرِكِ مَعٰ يَاقَتِي الَمْخَفِيّْة فِي نُقَطَةِ عَرَق لَاتَسْتَهوَّي إتْكَاءتِك.

فِي ظِل (كُوٰفِيد) سَيْكتَفِي كُلَّ جَسدٍ بِحُمَاهُّ و..السُعَال يَعْنٓي أنْنِي أتَذكّر وَجْهُكِ الَدُخَانِي بَيْن كُتُوف العَرَق وأرِيْحية النَشْوَة.

فِي ظِلْ (كُوفِيَد) لَنْ نُرَاوِد العَاطِفَةْ وسَنْستَعصِم بِلعِب الوَرْق وشَرابِ عَصِيِّر اللَيْمُون بِدُوَن عَسَلْ شَفَتيّْك.

فِي ظِل (كُوَفِيد) سَيْمتَلِيء الكَوٰن بِركَامٍ بَشْرِيٍ مُحْتَرِق

… ونُشَاهِد العَالْم كَمِدفَأة وَهوَ يَمٰحُو خَطْايَّا نَزْوَاتِه.

فِي ظِل (كُوْفِيد) لَنْ نَقُول: أنْ هَذْا جَوٌ مُلَائِم لِجَوَلةِ الَحَوّاس المُتَماسِكَة الأيْدِي..

نْتَمشَّي وَكأنَنْا تَعٔارَفَنا لِلٰتَو فِي طَي حُلَمٍ بَرِيء نَختْلِي فِيْهِ بِصَفْحةِ القَمْر.

تَمضِيً خَطْوَاتُنا كَغُرَزِ جُرْحٍ عَمِيّْقٍ فِي كَاحِل الَشَارِع، ولاَ نُبْرِر لِقَلبيَّنا ألَوَان قِفازَاتْها.

ولَنْ نُناقِش الَوِصَايَة الَسَمِيَّكة لِلقُمَاشْ الَذِي نَرَتَدِيِه

سَأَقُوْلُ لَكِ شَيٖئاً أخِيَّراً عَنّهُ:

فِي ظِلٖ (كُوَفِيّْد) لَنٔ نَجِد حَتْىَّ مُحَوِّلاً لِخَطٔ الَسِكَةٖ حَدِيّْد حِينَ نُدنْدِن ب”القِطار المَرَّ”.

ولَنْ يَلْتَقِ رَصِيِّف حالم بِشَارِعٍ الخيبة.

ولَا صَوٰتَ صَافِرَة تُغّْازِلْ مَحْطَّة الشجن..

ولَا بَاعْة مُتَجوِلُونَ بِالَوَردِ وَالَمٰنَادِيَل لِغُبَار الأسَئِلة.

ولا بَائِع سِجَائِر لِتُدخِنَهُ رِئْاتَ القَلٖقَ.

ولا دراويش يمدحون العشق بِطَارْ الَحْنِيّٰن.

ولَا شَحَاذِيِّن يَقْرَأوُن الَبْخَت فِي طَنِيّْن الَرَمٔل

ولَا بَائِعَة قَهْوَة مُتَبَّلَة جَيِّدَاً في مَرٰاَر الَأمٰزِجْة

ولا…قِطَةٌ تَدعَك فروة جسَدِها بِيَدِّ الشَبْع

اسمَعِيِّني جَيِداً:

فِي ظِلْ هَذٔا (الَكُوْفِيد) سَنْكُونَ خَطْيِن

لَنْ يَلْتَقيِا إلاَ نِهَايَةْ الَعَالْمَ.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة