خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد الإعلان عن فوز “جو بايدن”؛ برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وسط نجاح تقديرات استطلاعات الرأي، بدأت الصحف تعدد أسباب فوزه بالرغم من العقبات الكثيرة خلال رحلته الانتخابية .
صحيفة (The Hill) الأميركية؛ ذكرت في تقريرها أن السر الأول هو تمسكه المستمر برسالته وأسبابه المنطقية للترشح. السر الثاني، هو صعوده المفاجيء القوي بعد الهزيمه القاسية التي مني بها ضد منافسيه في الانتخابات التمهيدية في “أيوا” و”نيوهامبشير”، قبل أن يحظى بدعمهم جميعًا لاحقًا أمام المرشح الجمهوري، ”دونالد ترامب”.
ورأت الصحيفة أن هذه الوحدة زادت من أسهم “بايدن” في الاستطلاعات ضد “ترامب”، وما ساعده أكثر تعامل “ترامب” مع وباء فيروس (كورونا) المستجد واستغلال “بايدن” ذلك كورقة لصالحه، موضحًا أن من العوامل الأخرى التي أسهمت في فوز “بايدن”، حث الديمقراطيين ناخبيهم على التصويت عبر البريد، وسط اتهامات غير مثبتة من “ترامب” بأن ذلك سيعزز التزوير.
طالب بإلتزام الهدوء..
وفيما طالب “ترامب” بوقف عد الأصوات، حث “بايدن”، الناخبين، على إلتزام الهدوء وشدد على ضرورة فرز الأصوات على أسس ديمقراطية، كما أن تفاقم وباء (كورونا)، حتى داخل “البيت الأبيض”، زاد أيضًا من أسهم “بايدن”.
وأشار التقرير الصحافي إلى أن نعت “ترامب”، لـ”بايدن”، طوال العملية الانتخابية بألقاب مثل: “جو النعسان”، واتهامه له بالتحرش الجنسي؛ فيما يواجه الرئيس نفسه اتهامات مماثلة، ناهيك عن مهاجمة ابنه “هنتر” بالفساد، كل ذلك لم يؤتِ ثماره، بسبب إفتقاره للأدلة.
وخلص التقرير إلى أن قول “بايدن” باستمرار: “سنواصل ما نفعله، وسيكون كل شيء على ما يرام”، ساعده بحشد ما يكفي من الأصوات من الأميركيين من أصل إفريقي وناخبي الضواحي والطبقة العاملة، مؤكدًا أن كل هذه العوامل، كان لها انعكاس حقيقي في نتيجة الانتخابات لصالح “بايدن”.
تفوق بملايين الأصوات..
وفي شيء من التفصيل للأسباب؛ ذكر موقع (BBC عربي)؛ أنه بعد ما يقرب من 50 عامًا من العمل في الشأن العام وحياة من الطموح لنيل رئاسة الولايات المتحدة، وصل “جو بايدن” إلى الرئاسة، موضحًا أنه لم تكن الحملة تلك التي توقعها أي شخص. لقد دارت خلال وباء يحدث مثله مرة واحدة في القرن وسط قلق غير مسبوق. كان “بايدن” يواجه رئيسًا غير مسبوق وغير تقليدي، لكنه وفريقه وجدوا في محاولته الثالثة طريقة للتعامل مع الصعوبات السياسية وتحقيق الانتصار، وإن كان بهامش ضيق وفقًا لتعداد “المجمع الانتخابي”، لكنه تفوق على خصمه بملايين الأصوات في المجمل.
وقدم الموقع خمسة أسباب جعلت ابن تاجر السيارات من “ديلوير” يفوز أخيرًا بالرئاسة هي :
1 – (كوفيد-19) المستجد..
ربما كان أهم أسباب فوز “بايدن” بالرئاسة خارجًا تمامًا عن إرادته.
فوباء (كورونا)؛ الذي حصد أكثر من 230 ألف حياة، غيًر الحياة والسياسة الأميركية بشكل جذري، عام 2020. وفي الأيام الأخيرة لحملة الانتخابات العامة، بدا “دونالد ترامب”، وقد ميز ذلك، حيث قال: “بالنسبة للأخبار المضللة، كل شيء (كوفيد كوفيد كوفيد)”، ردد ذلك خلال حملته في “ويسكونسن” الأسبوع الماضي، حيث زاد عدد حالات الإصابة بشكل كبير في الأيام الأخيرة.
إلا أن تركيز وسائل الإعلام على (كوفيد-19)؛ كان انعكاسًا للوضع وليس سببًا لقلق الناس من انتشار الوباء، الذي انعكس بهبوط شعبية “ترامب” في استطلاعات الرأي بسبب طريقة معالجته للوباء. وقد أظهر استطلاع أجري الشهر الماضي؛ أن “بايدن” يتفوق بسبعة عشر نقطة على “ترامب” فيما يتعلق بثقة الجمهور في كيفية التعامل مع الوباء.
وقد أدى الوباء وما نجم عنه من أزمة اقتصادية؛ إلى فقدان “ترامب” مصداقيته في الشعارات المتعلقة بالرخاء والنمو الاقتصادي التي كان يرددها.
كما عكس قلق الكثير من الأميركيين من غياب التركيز لدى إدارة “ترامب” وتشكيكها بالعلم وسياساتها العشوائية في معالجة القضايا الصغيرة والكبيرة ومعاملتها التفضيلية للمؤيدين.
كان للوباء ثقل كبير في خفض شعبية “ترامب” التي وصلت إلى 38 في المئة خلال الصيف، وهو ما استغلته حملة “بايدن”.
2 – حملة بدون ضجيج..
فعلى امتداد مسيرته السياسية؛ تمكن “بايدن” من بناء سمعة في قدرته على وضع نفسه في مأزق بتصريحاته. وقد أدت زلات لسانه إلى فشل حملته، عام 1987، وكذلك عام 2007.
أما في محاولته الثالثة لدخول “المكتب البيضاوي”؛ فكانت له زلاته أيضًا، لكنها كانت نادرة وعرضية وتأثيرها قصير الأمد.
وأحد أسباب هذا؛ كون الرئيس نفسه كان مصدرًا كبيرًا للأخبار، وكذلك كانت هناك مواضيع كبيرة تخطف الأضواء مثل فيروس (كورونا)، والاحتجاجات بسبب موت “جورج فلويد” والوضع الاقتصادي.
لكن لا شك أن بعض الفضل يعود إلى استراتيجية منسقة بشكل جيد قادتها حملته الانتخابية وعملت على فرض قيود على الأضواء المسلطة عليه، وأن تكون خطواته محسوبة وتقليل فرصة الإجهاد أو الإهمال في دفعه إلى مسلك يؤثر سلبًا على الحملة.
ربما كانت هذه السياسة لتأتي بمفعول عكسي لو كانت الظروف طبيعية ولا يسودها شبح الفيروس وخوف الناس من الإصابة به.
فقد اختارت حملة “بايدن” إفساح المجال لـ”ترامب” أن يكون في الصدارة للتفوه بأشياء عادت عليه بالضرر، ودفع ثمنًا لها في النهاية.
3 – أي شخص باستثناء “ترامب”..
في الأسبوع الذي سبق يوم الانتخابات؛ كشفت حملة “بايدن” النقاب عن إعلاناته الأخيرة التي تضمنت رسالة مشابهة بشكل لافت لواحدة أطلقت في بداية حملته العام الماضي؛ وخطاب قبول الترشيح في شهر آب/أغسطس، حيث قال إن الانتخابات “معركة من أجل استعادة روح أميركا”، و”فرصة لوضع الانقسام والفوضى وراء ظهرنا”.
وكان خلف هذا الشعار حسابات بسيطة. بنى “بايدن” حظوظه السياسية على الانقسام والاستقطاب، الذي كان يثيره “ترامب”، وأن الشعب الأميركي يريد قيادة أكثر هدوءًا وثباتًا.
وقد نجح الديمقراطيون في جعل هذه الانتخابات استفتاء على “ترامب” لا خيارًا بين مرشحين إثنين.
كانت رسالة “بايدن” الفعالة هي أنه “ليس ترامب”، وكثيرًا ما رددت حملته مقولة أن الأميركيين يستطيعون أن يعيشوا لأسابيع دون التفكير في السياسة. أريد لها أن تكون نكتة، لكن فيها بعض الحقيقة.
4 – الإعتدال..
فخلال حملة “بايدن” ليكون مرشح (الحزب الديمقراطي)؛ جاءت المنافسة من يساره، حيث امتلك “برني ساندرز” و”إليزابيث وارن”؛ حملات جيدة التمويل والتنظيم، وتمكنت من شحن جماهير من الذين يرتادون حفلات “الروك”.
“بايدن” تمسك باستراتيجيته القائمة على الوسطية بالرغم من ذلك، ورفض دعم نظام صحي حكومي وتعليم مجاني ونظام ضرائب يستهدف الأثرياء. هذا مكنه من استهداف المعتدلين وقلل من تأثير حملة الجمهوريين.
وانعكست هذه الاستراتيجية في اختيار “بايدن”، “كمالا هاريس”، نائبة له بدلاً من اختيار ممثلة لجناح اليسار في الحزب.
الذي كان “بايدن” قريبًا في جانب وحيد من “ساندرز” و”وارن”؛ هو موضوع البيئة والتغير المناخي. ربما توصلت حساباته إلى أن فوائد مغازلة الناخبين الشباب تستحق إمكانية فقدان الناخبين من القطاع الصناعي المعتمد على الطاقة في الولايات المتأرجحة.
وقال “فارشيني براكاش”، أحد مؤسسي مجموعة نشطاء البيئة (صنرايز موفمنت): “ليس سرًا أننا كنا ننتقد بايدن، حين كان نائبًا للرئيس بسبب خططه وإلتزاماته في الماضي، وقد تقبل الكثير من الانتقادات وتعامل معها، فكشف عن تفاصيل خططه للتعامل مع العدالة البيئية وخلق فرص عمل ووعد باتخاذ خطوات سريعة”.
5 – مال أكثر ومشاكل أقل..
في وقت سابق من هذه السنة؛ كانت ميزانية حملة “بايدن” فقيرة، وكانت حملة “ترامب” على النقيض، فقد استطاعت جمع ما يقرب من مليار دولار.
لكن تمكنت حملة “بايدن” من جمع الكثير؛ بدءًا من شهر نيسان/إبريل، وانتهت في وضع مالي أفضل من حملة “ترامب”، جزئيًا بسبب إسراف الأخيرة.
وفي بداية تشرين أول/أكتوبر؛ كانت حملة “بايدن” تملك أكثر من حملة “ترامب”؛ بما يقرب من 144 مليون دولار، وتفوقت على الجمهوريين في حملاتها الدعائية التلفزيونية في كل ولاية مهمة للمعركة تقريبًا.
ولا يعتبر المال كل شيء، فقبل أربع سنوات كانت حملة “كلينتون” تملك منه أكثر من حملة “ترامب” بكثير.
لكن في عام 2020، حين أدى وباء (كورونا) إلى تقييد الحملات الشخصية والاستعاضة عنها بالحملات الإعلامية، تمكن “بايدن”، بفضل تفوقه المالي، من الاستمرار في إيصال رسالته حتى نهاية الحملة، ووصل إلى ولايات كانت تعتبر بعيدة المنال، مثل: “تكساس وغورجيا وأوهايو وأيوا”. معظم هذه الرهانات لم تأت بنتائج لكن جهود “بايدن” أدت إلى وضع “ترامب” في موقع الدفاع، فكسب ولاية “أريزونا”، التي كانت تعتبر محافظة ونافس بقوة على “غورجيا”.
وتمنح النقود الحملة خيارات وتعطيها ميزة المبادرة، واستخدم “بايدن” ذلك بشكل جيد.