… قصص منسيه
كثيره هي القصص التي دفنت وتدفن بثقافتنا الشرقية خوفا من سخرية الاقارب وظلم المجتمع تاره وخوفا من اللوم والاسئ تارة اخرى…… لماذا كتب علينا ان نحاول نسيان الامنا ومآسينا ونكتم مشاعرنا لتكبر هي بدورها هذه المشاعر لتتحول الى امراض لا علاج لها…. كم من امهاتنا ونساء الوطن كتمت همومها وعانت من هذا الكتمان امراضا ثمنا لذلك…
تحدثني احداهن لماذا هذا الظلم علينا نحن النساء…. لماذا ندعي الراحة وباننا اجمل دون غيرنا… لماذا لا نتحدث عن قصص تقشعر لها ابداننا وتدمي لها قلوبنا وتنمحي بها مشاعرنا الجميلة كلما عصفت بذاكرتنا تلك الالام…
القصة الاولى…
تزوجت (س) عام 2002 وهي ما تزال في الثالثة عشر من عمرها وفقدت زوجها بحادث سير وهي في السادسة عشر من عمرها… انا لا اتحدث هنا عن الاقدار التي ارادها الله لخلقه… وانما هذه التركة الثقيلة كيف لفتاة في ربيع عمرها تحمل هذا الالم الذي تنوء الجبال بحمله…هذه العادات التي يعانيها مجتمعنا في تزويج الاطفال ليقاسوا الالم في شبابهم بل طول حياتهم…
لم تنتهي القصة بفقدان زوجها واب اطفالها الايتام لتكون ارملة وهي طفلة… وانما اشد من ذلك هو فقدان اطفالها وحرمانها من رؤيتهم.. فالخلاف الذي نتج للعادات القبلية الموروثة والسيئة نشب بين العائلتين عائلة الزوج الفقيد وعائلة الزوجة التي فقدت زوجها ثم اطفالها بعد ان حكمت القبيلة ان الاطفال يعودوا لاجدادهم وهو كما يقول المثل السي الصيت (العظم لاهله) وكانها فرضية اجتماعية ينبغي ان نؤمن بها ونعمل بها دون وعي…ورفض اهل البنت بترك ابنتهم عند اهل زوجها خوفا وحرصا على ابنتهم . اليس فيكم رجل رشيد او امراة سوية…
لماذا هذا الظلم الذي تتعرض لها الفتاة وهي في السادسة عشر من عمرها لا دراستها اكملت ولا اولادها حظيت برعايتهم… لماذا كل هذا الثقل على نفوسنا نحن النساء لماذا نعاني ثقافة بائسة تشرع الظلم قانونا لها دون مراعاة لقلوب ومشاعر تلك الفتاة (س) التي فجعت بزوجها واطفالها التي لم تراهم منذ عام 2004 حسب وصفها…
قد يسال احدكم هناك قوانيين تحمي الام بحضانة اطفالها اقول لكم ان محاولاتها العديدة لم تنال منها شيئا لا بالقانون ولا بالقبيلة لان هناك اناس في مجتماعتنا فوق القانون وفوق القيم وفوق الاعراق…
لم تحظى (س) برؤية اولادها الا سبعة عشر عاما من ولادة ابنتها الصغيرة ذات الشهرين حينما فقدتها….
لماذا تمرض (س) بامراض لا حصر لها والتي عجز الاطباء عن علاجها بسبب فقدان اطفالها لماذا هذا الظلم بحق السماء…
عندما سألت ( س ) عن سبب تعاستها قالت وهي تتجرع مرارة كلماتها وتحاول جاهدة ان تحبس مشاعرها انه ظلم القبيلة والاعراف البالية وضعف القوانيين.
اكتب لكم هذه الكلمات واتخيل صريخ الام حينما تروي لي المشهد التي لا يترك انسان بضمير حي والا وقد جرحت مشاعره…
وتظل النظرة الاجتماعية للمرأة واهانة تقاليد القبيلة لها في العراق، في موقع المراجعة والبحث وصولا إلى ضرورة تعديل ما تتضمنه تلك النظرة والتقاليد البالية من غياب للإنصاف عبر تفضيل الذكر على الأنثى بين الأخوة في العائلة الواحدة…
وفي قصة اخرى ل(ص) ذات (19 عاماً) أرملة وأم لطفل يتيم، تعيش في إحدى قرى غرب العراق. هي ما زالت تحلم بإكمال دراستها التي تركتها مضطرة قبل ستة اعوام في المرحلة المتوسطة. تقول “تركت دراستي بعد الإذعان لرغبة والدي الذي أجبرني على الزواج وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وفي السادسة عشرة، أنجبت طفلي. بعد ذلك، خُطف زوجي في أثناء توجهه إلى عمله في أحدى دوائر المحافظة . حينها، عدت إلى والدتي التي هجرها والدي بعدما أخذ معه كل أوراقنا الثبوتية”. تضيف (ص) “كنّا عاجزين عن القيام بأي شيء، ولا سيّما أننا لم نكن نملك المال ولا نعرف كيفية إنجاز معاملات في الدوائر الحكومية. وكان والدي يصعّب الأمور علينا كلما قصدناه، ويرفض مساعدتنا ويتهمنا بالجهل والتخلف ويهزأ بعدم قدرتنا على القيام بأي شيء أو تقديم شكوى”. تتابع أبرار أنه “في أحد الأيام، احتجت إلى استصدار بطاقة وطنية للتقدم إلى الامتحان الوزاري بهدف إكمال دراستي المتوسطة، وكان لا بدّ لي من الحصول على شهادة الجنسية. لكنّ والدي رفض تسليمها لي…. وتتسائل اذا ما هناك قوانيين واعراف تحفظ لها حقوقها.
كثيرة هي القصص المنسية الصادمة لواقع المرأة العراقية والتي تكشق لنا كم من بيننا قلوب محطمة ومنسية، مما يجعل التساؤل مشروعا. ما الذي تبقى من كرامة المرأة العراقية ومشاعرها بعد كل هذا التعسّف والظلم وتحطيم القلوب للنساء؟
نور باسل حسين…
كاتبة و ناشطة عراقية مقيمة بملبورن…
اهتم بشوون المراة وحقوقها ومفاهيم الهوية الثقافية….