27 نوفمبر، 2024 7:45 ص
Search
Close this search box.

الشاعر الكبير محمد علي شمس الدين: نحن أبناء بدر شاكر السياب

الشاعر الكبير محمد علي شمس الدين: نحن أبناء بدر شاكر السياب

كتابات- مسقط
استكمل برنامج “كتاب مفتوح” الذي يعده ويقدمه الشاعران عبد الرزّاق الربيعي ووسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات في سلطنة عمان، الجزء الثاني من حلقة” رحلة في ممالك أميرال الطيور العالية” مع ضيف البرنامج الشاعر الكبير (محمد علي شمس الدين) وذلك مساء الخميس 5/11/2020. حيث قرأ الشاعر العديد من قصائده كما قدم آراءه وطروحاته في كثير من قضايا الشعر المعاصر والفكر النقدي في العالم العربي.
بدأت الأمسية برد الشاعر محمد علي شمس الدين على تغريدات الأستاذ غيلان ابن الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، والتي نشرها في حسابه على تويتر بعد الأمسية الأولى التي أقيمت الخميس الماضي وأشار فيها إلى ما ذكره الشاعر عن نهر بويب في أبي الخصيب عن كونه خيط رفيع من الماء يجتمع عليه الذباب وعن شباك وفيقة ووجوده، حيث تفضل قائلاً:
“أولاً تحية لغيلان ابن بدر شاكر السياب، فأنا كنت شغوفاً بالتعرف على بدر فيما لو كان ذلك مستطاعاً وعلى ابنه غيلان الذي أحبه لأنه ابن بدر شاكر السياب، وهذا الشغف هو شغف شخصي مني للتعرف إلى تلك الأماكن التي خلدها السياب في قصيدته (بويب والموت) وقصيدته (شباك وفيقة) لأن الأماكن في النتيجة هي أطلال وكانت رغبتي في أن أرى كيف أصبح نهر (بويب) رمزاً للحياة وللموت، وكيف أصبح شباك أزرق في جدار، نافذة للحب والشغف، وأنا أعرف تماماً أن بويب لن يكون سوى نفسه، وعندما ذهبنا هناك فعلاً تجمع حولنا الصبيان ليرشدونا إلى ما نريد، والأهمية في الموضوع هو أن السياب بقصيدته بويب والموت التي يبدأها بهذا المقطع:
أجراس برج ضاع في قرارة البحر
الماء في الجرار والغروب في الشجر

إلى أن يقول:
أ غابةٌ من الدموع أنت أم نهر؟
والسمك الساهر هل ينام بالسحر؟

نظر إلى ذوبان بويب في البحر ورأى من خلال ذلك حركة الموت:
فالموت عالم غريب يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك يا بويب

والسياب هنا استطاع أن ينقل بويب من جغرافيا أبي الخصيب إلى الميتاجغرافيا أو إلى الميتافيزيقي، بل إلى سؤال في الحياة والموت وإلى ما هو أبعد من بويب وابعد من أبي الخصيب وأبعد مني ومن كل شيء. وبالتالي لم يعد بويب نهراً يجري في أبي الخصيب بل أصبح بوابة الموت والحياة، لذلك قلت الأنهار يبتكرها الشعراء والمدن يصنعها الخيال”.
وأضاف أنه وصف بويب في الأمسية الماضية كما شاهده حينها، وصعد من هذا المشهد إلى استنتاجه الإبداعي لأن شغفه لم يكن ببويب النهر بمقدار ما كان همه كيف أن السياب استطاع أن يحول نهراً يسير في جغرافيا الأرض إلى نهر يسير في جغرافيا الحياة والموت وهذا هو الشعر وهذا ما يهمه. وأردف قائلاً: “نحن أبناء بدر شاكر السياب”.

وحول إمكانية الشاعر الحفاظ على اللغة الشعرية العالية وسط التحديات المعاصرة التي تحيط به من كل جانب، قال الشاعر محمد علي شمس الدين أن هذا واجب الشاعر وسره في هذا الزمن الذي ورث أزمنة كثيرة من القلق والأسئلة والعذاب والتحدي والفرح أيضاً. ثم قرأ مقطعاً من إحدى قصائده.
وأردف قائلاً أن الشاعر هو ذلك الوتر الذي يهتز في رياح الأزمنة أكثر من سواه، لأنه يحمل شعوراً خاصاً بالأشياء من حوله، ورؤيته ورؤياه مختلفتان عن غيره. والآن بعد ازدياد المهمات وتحول العالم إلى عالم إشاري عنكبوتي، وبعد أن سحق الاستهلاك الإنسان وسحق الظلم الكائنات، أصبح الشاعر أكثر حساسية لما يجري، وأصبح الشعر، بعكس ما يقال، أكثر تأهباً وانتباهاً لما يجري فيه وحوله في هذا العالم. والشاعر هو الوتر الذي يعزف للعالم الألم والفرح والدهشة.
وعن سؤال حول إمكانية الشعر الاحتفاظ بالدهشة والمفاجأة في هذا العصر الملغوم بالتحديات وعن فكرة أوان الشعر، أجاب الشاعر محمد علي شمس الدين، أنه لا يستطيع القول أن الشعر هو ما كان غامضاً وحسب، رغم أن الغموض جزء من تكوين الحياة، لكنه في الوجود وليس في اللغة. وأن التعبير عن الإحساس بما يجري حولنا هو مهمة الشاعر، لذا قد يقول الشاعر كلمات شديدة البساطة ومألوفة ويومية ولكن وراء هذه البساطة أسئلة تضرب فيما وراء الظواهر وهو ما نسميه (الغيب) أو ما يسميه العالم بالميتافيزيقي.
وأضاف، أن كل شعر لا يطرح سؤالاً خلف الظاهر سيكون هشاً وعابراً بغض النظر عن بساطته أو غموضه أو حتى موضوعاته. وكشف أنه يجتمع أحياناً بالفلاحين بالجنوب اللبناني ويقرأ شعراً ليس هيناً، ويجد فيهم ثمة من يصغي ويبكي حين يسمع الشعر، لذا لم يفقد الشعر دهشته ومال زال يفاجأ العالم، فإذا فقد العالم دهشته بالشعر فهذه هي القيامة ولا يعود الإنسان إنساناً.
وعن علاقة الشعر بالفلسفة والعاطفة، تكلم الشاعر محمد علي شمس الدين قائلاً: “يجب أن تكون هناك أسئلة وجودية في الشعر” ثم قرأ مقطعاً من إحدى قصائد ديوانه (النازلون على الريح).
وأضاف أنه ليس مطلوباً من الشاعر أن يكون فيلسوفاً ولكن يجب أن يكون هناك سؤالاً، فالحالة الشعرية تطرح قشعريرة وسؤالاً في الوجود، أما الشعر الذي يعرض الفلسفة فهو تعليمي حِكَمي وهو ضعيف شعرياً. ثم قرأ بعدها مقطعاً من قصيدته الأيام:
تجري في جسدي الأيام
جسدي المجرى والأيام الماء
وحين يسائلني ملك الشعراء
هل ماء النهر هو النهر
أتلعثم
وأقول له لا ونعم
فأنا لا أشرح للطير سماء الطير
ولا أشرح للطفل حليب الأم.

كما أكد مقولته السابقة أن الشعر هو أحد أقدم جروح الغيب، وأنه يؤمن بالغيب، وأن كل شعر في العالم مهما ادعى واقعيته أو اشتراكيته، فهو يحتوي على قشعريرة تتعلق بالغيب وبالمجهول، ووحده الكائن البشري يفكر بالغيب والمجهول وهذا نتيجة العقل الذي أودعه الله سبحانه وتعالى فيه.

وحول إيمانه بأن الشعر ما زال قادراً على تغيير الواقع، تحدث الشاعر محمد علي شمس الدين عن أنه ما زال يعتقد ذلك، فعوامل التغيير لدى الإنسان كثيرة ومن أهمها الشعر الذي يعمل على مساحة النفس البشرية ويساهم بتكوين الرؤية للأشياء والكشف عن الهم وعن الطريق، ويعبر عن الألم وعن الحب وعن الحرية، ويعد الشعر فاعلاً مهماً من فواعل القوة الناعمة التي تساهم في هندسة النفس البشرية كالعلم أو أكثر. كما أشار إلى أن العرب أعطوا البشرية شيئين مهمين هما القرآن والشعر، فلقد كان الشعر (فلسفة قوم ليس لهم فلسفة سواها) كما قال الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب، واستمر هذا في شعرنا المعاصر منذ السياب والبياتي ولحد الان. وأكد أنه يقرأ الرفض العربي سياسياً واجتماعياً من خلال قصائد الشعراء.

وعن عزلته وشكل علاقته بأبي علاء المعري، ذكر الشاعر محمد علي شمس الدين أن المعري هو أحد أسلافه في الشعر وفي التكوين النفسي والفكري، وقد سعى إلى مزيد من التعرف إليه من خلال التعرف على الشيخ عبد الله العلايلي مؤلف كتاب (المعري ذلك المجهول). وذكر أيضاً أن المعري كان يعاني من ألم العقل أكثر من ألم النفس ويفكر كثيراً في الوجود والعالم وكان قاسياً على نفسه باختيار عزلة مثلثة كما أشار إليها في كتاباته، هذا بالإضافة إلى تأثره بفلسفة إخوان الصفا المتأثرة أصلاً بالفلسفة اليونانية القديمة. ولذلك يعتبر المعري أحد أهم الشكاكين في العالم، لكن شكه يختلف عن الشك الديكارتي من حيث كونه شكاً وجودياً.

وحول النشر الإلكتروني وعلاقته بالشعر، أكد الشاعر محمد علي شمس الدين، أن النشر الإلكتروني يمثل جداراً عالمياً للنشر يقرأه من يريد، ومن إيجابياته أن أدوات توصيل الإحساس الشعري لم تعد حكراً على أدوات معينة كالمؤسسات والصحف والمجلات، بل أصبحت مفتوحة، وهذا اتساع لأفق الحرية في التعبير وفي اختيار موضوع الكتابة. كما أن هذا الضخ الهائل من الكتابة الشعرية على مختلف تسمياتها، أعاد للشعر ما كان يطلق عليه بأنه ديوان العرب. لكن يبقى السؤال الأهم هل دخلت التقنيات في تركيب القصيدة؟ فالشعر برق في اللغة وصار إيجازه يقربه من الفنون الأخرى، لذا صار يستعين بالرموز كالرقم والسهم أو ما هو أبعد من ذلك كالصمت، فالشعر هو ذلك التردد بين الصوت والصمت.

وبخصوص قصيدة النثر، ذكر الشاعر محمد علي شمس الدين، بأنه شاعر غير مدرسي ويكتب القصيدة المركبة التي تستعمل الوزن واللاوزن وتستعمل الإشارة والصمت وكل الأساليب التي تخدم النص الشعري، وبالتالي هو ليس شكلانياً. وبالإحالة إلى سؤال بودلير (هل يمكن أن يُشتق من النثر قصيدة؟) فإنه يجيب بنعم حين يقدم الناثر قصيدة تحتوي على روح الشعر من خلال الإيقاع وليس الوزن. وأكد أنه يكتب النثر عندما تطلب القصيدة ذلك، لكنه ميال لناحية الوزن بما قاله إليوت (إن هناك شيء من الإيقاع في الشعر إذا اقتربت منه ابتعد وإذا ابتعدت منه اقترب) وهو ما شبهه أوكتافيو باث بالمحارة التي تسمع منها هدير البحر، وأشار أيضاً إلى كتاب الدكتور علوي الهاشمي المعنون (المتحرك والساكن).

وعن عدم رضاه عن المشهد النقدي العربي، أكد الشاعر محمد علي شمس الدين، أن هذا لا يمثل شكوى شخصية، حيث تناولت دراسات عديدة تجربته الشعرية باستفاضة، ولكنه ليس راضياً عن النقد العربي بسبب المقارنة مع الغرب حيث تتوفر المدارس الفكرية النقدية إلى جانب المدارس الفنية الإبداعية. ورغم أنه يقر بوجود منتج نقدي أدبي كبير في عالمنا العربي، إلا أنه يرى أن العمارة الشعرية العربية لدينا سابقة، بما لا يقاس، للنظرة النقدية إليها، وأن تأخر الفكر النقدي العربي هو جزء من التخلف العلمي وليس الأدبي وحسب، وأن التجربة الشعرية العربية المعاصرة منذ السياب لحد الآن لم تشهد فكراً نقدياً يتلاءم وحجمها وعمقها المعرفي، لذا نحن بأمس الحاجة للفكر النقدي.

أما بالنسبة لاتهامه بالنرجسية، فقد بين الشاعر محمد علي شمس الدين أن استخدامه لضمير المتكلم في قصائده هو مظهر سيميولوجي، وأنه يستخدم الأقنعة كثيراً في شعره، وبالتالي يصبح اثنين لا واحداً، فهنالك الأنا داخل القناع وهناك القناع الذي يجعل المستور داخله أكثر قوة وأبعد نيلاً ووصولاً، فالتخفي هو سيطرة. وحينما يستعمل القناع في شعره يحدث صراع بين الرمز المستعمل وبين أناه الشعرية، وهذا الصراع يدفعه لقتل القناع، ولن يتمكن من قتل القناع إلا إذا صار نرجسياً مع نفسه إبداعياً. ولكنه في النهاية لم ينفِ خصلة النرجسية عن شخصيته بل أكد أنه يبالغ فيها أحياناً.

بالإمكان مشاهدة الأمسية كاملة عبر الرابط https://youtu.be/d62FlSKiZtQ.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة