خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تواجه خطوات حكومة “الكاظمي”، نحو حلحلة الأزمات الاقتصادية بجذب استثمارات الدول سواء العربية أو الأجنبية، تحديات خطيرة أهمها تلك التهديدات التي تخرج من جانب الكتل السياسية الموالية لـ”إيران”، حيث صعّدت بعض الأحزاب السياسية والمجموعات المسلحة حملاتها، ضد مشروع الاستثمار السعودي المرتقب في “العراق”.
وفي الفترة الأخيرة، بلغ التنسيق بين “بغداد” و”الرياض” مراحل متقدمة للغاية، استعدادًا لبدء استثمارات سعودية في العراق بقيمة نحو 3 مليارات دولار، ستسهم في إنعاش اقتصاد البلاد وتوفر الآلاف من فرص العمل للعاطلين.
ومن خلال الاتفاقيات “العراقية-السعودية” الأخيرة، تخطط الرياض لإطلاق مشاريع زراعية ضخمة في 4 محافظات عراقية هي: “الأنبار، والنجف، والمثنّى، والبصرة”.
وتتجه السعودية، من خلال هذه المشاريع، إلى استثمار مليون هكتار، (الهكتار 10 آلاف متر مربع)، من الأراضي العراقية، بهدف تحويلها إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن، ليكون بذلك أكبر مشروع استثماري زراعي في العراق على الإطلاق.
باب للإستعمار..
وتزعم الحملة المضادة، ائتلاف (دولة القانون)؛ بزعامة “نوري المالكي”، و”قيس الخزعلي”، الأمين العام لميليشيا (عصائب أهل الحق)، حيث وصف الطرفان الاتفاق بأنه “باب للإستعمار”.
وقال ائتلاف “المالكي”، في بيان، إن: “هذا القرار أثار الكثير من الشكوك والتساؤلات عن أهداف إصداره في هذا الوقت، سيما أن هذا المشروع طرح أكثر من مرة في زمن الحكومات السابقة ورفض لاعتبارات إستراتيجية مائية وآمنية، ولأنه يحمل في طياته الكثير من التجاوز على حقوق العراقيين ويفتح الباب أمام إستعمار جديد تحت عنوان الاستثمار”.
من جانبه؛ أعتبر رئيس حركة (عصائب أهل الحق)، “قيس الخزعلي”، في بيان له؛ أن: “هذا المشروع فيه تهديدات أمنية خطيرة للغاية من قبل نظام له سوابق عديدة في الإضرار بأمن العراق واستقراره”، داعيًا “كل النخب الأكاديمية وشيوخ العشائر والطلبة والقوى السياسية إلى رفض هذا المشروع”، الذي وصفه بـ”الخبيث”.
مضيفًا أن: “هذا المشروع يتزامن مع مشروع التطبيع مع عدو العراق الأبدي، (إسرائيل)، الذي يقوده ويدعمه في الواقع النظام السعودي، بالإضافة إلى الأضرار الاقتصادية التي ستحصل بمخزون العراق الإستراتيجي من المياه الجوفية التي تحويها هذه الأراضي بسبب نوعية المزروعات التي يراد استغلال مياه العراق من أجلها”.
من أجل استمرار مصالح إيران..
ردًا على ذلك، اتهمت “وزارة الخارجية” السعودية من وصفتهم بـ”عملاء إيران في العراق”؛ برفض الاستثمارات السعودية من أجل استمرار مصالح “إيران”.
وقال المستشار في وزارة الخارجية السعودية، “سالم اليامي”، لموقع (الحرة) الأميركي، إن: “السعودية والعراق وقعتا، في الزيارات الأخيرة المتبادلة بين الطرفين، 13 اتفاقية، من بينها اتفاقيات تتعلق بالبنى التحتية للكهرباء والطاقة”.
وعلق “اليامي” على البيانات الصادرة من “الخزعلي” و”المالكي” بقوله: “عملاء إيران في العراق هم من يرفضون الاستثمارات السعودية من أجل استمرار مصالح إيران، إذ هناك أطراف لا يريدون للعلاقات العربية العراقية أن تتطور، ويريدون أن تنحصر علاقات بغداد مع طهران فقط”.
مخاوف من نجاح التجربة أم صفقة إبتزاز ؟
المراقبون يرون إن الحملات التي تشنها الأوساط المقربة من “إيران” ضد الاستثمارات غير الإيرانية، ليست سلوكًا جديدًا، إلا أن اللافت هذه المرة، هو أن الحملة المناوئة لا تتم عبر الترسانة الإعلامية الموالية لطهران، بل تتولى قيادات الصف الأول تلك الحملة.
وأضافوا أن هناك تفسيرين محتملين لحالة “الإستنفار الاستثنائي التي تعيشها الأوساط المقربة من إيران داخل العراق هذه المرة، يتمثل الأول في خشية تلك الأوساط من نجاح تجربة تشجير مساحات واسعة من الصحراء العراقية المهملة طيلة عقود، ما قد يتسبب بمزيد من الإندفاع العراقي نحو مشاريع مماثلة بالشراكة مع المملكة العربية السعودية”.
أما التفسير الثاني، فقد ذهب إلى أن: “حملة التأليب التي تشنها أوساط إيرانية ضد المشروع تستهدف في جوهرها إبرام صفقة إبتزاز، تحصل بموجبها بعض القوى والفصائل على تمويلات مقابل السماح للمستثمرين بالعمل داخل العراق”.
خزان بشري يسهل تجنيده..
ويقول مختصون في الشأن العراقي، إن التدهور الاقتصادي، في المحافظات الجنوبية، يمثل إستراتيجية إيرانية، لإبقاء تلك المناطق، خزانًا بشريًا، يسْهل تجنيد أفراده، للإنضمام إلى الميليشيات في أي حرب إقليمية.
ورأى خبير اقتصادي عراقي، أن: “الفصائل المسلحة ترفض أي محاولة استثمار حقيقية تنتشل واقع المحافظات الجنوبية، وتحسن واقعها، لما يمثل ذلك من ضربة كبيرة لإيران، التي تتمدد في تلك المدن، ولم تحقق أي شيء خلال السنوات الماضية، غير امتصاص أموال العراقيين، وهو ما يشجع على دخول المزيد من الاستثمارات العربية”.
مضيفًا أن: “منح الضوء الأخضر للاستثمارات السعودية، بما تمتلكه من قوة اقتصادية كبيرة، سيبعد الشركات التابعة للفصائل المسلحة عن المنافسة، ويؤطر عملية الاستثمار بشكل سليم، ويؤسس لمرحلة جديدة”.
ولفت إلى أن: “عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله، عقدوا اجتماعًا خلال اليومين الماضيين، لتدارس الوضع الاقتصادي، وتم الاتفاق على إعادة هيكلة المكاتب الاقتصادية التابعة لها، لمواجهة التطورات الجديدة”.
لم تقدم مشاريع تخدم العراق !
من جهته؛ رأى المحلل السياسي، “بلال السويدي”، أن: “الفصائل المسلحة والأحزاب الموالية، لم تقدم للبلاد أي مشروع يذكر، لكنها مع مجيء الاستثمارات السعودية، بدأت حملة واسعة لتأليب الرأي العام ضد تلك المشروعات، وتصويرها على أنها إستعمار للأراضي العراقية، رغم أن مفهوم الاستثمار بعيد عن الإستعمار”.
موضحًا أن: “تلك المجموعات رفضت أي استثمار خارجي حقيقي، خلال السنوات الماضية، وهذا يعود إلى تهاون الحكومات السابقة مع تلك المجموعات، لكن مع مجيء حكومة مصطفى الكاظمي، بدا أن الوضع يختلف كثيرًا مع التوجه الحاصل نحو الاستثمارات وإنشاء مشروعات اقتصادية”.
تكشف وهم المشاريع الإيرانية..
بينما أوضح زعيم تيار (مواطنيون) العراقي، “غيث التميمي”، إن الاستثمارات “العملاقة” للسعودية وغيرها من الدول العربية، في العراق، ستكشف “وهم” المشاريع الإيرانية، مشيرًا إلى ما وصفها بسياسة “الهدم” التي تتبناها إيران من أجل السيطرة على العراق.
وعدد “البديل الإيراني”، الذي كان يظهر في كل أزمة يمر بها العراق، تكون إيران سببًا فيها في الأصل، مثل إتلاف الأراضي الزراعية في محافظة “البصرة” ليكون استيراد المحاصيل الإيرانية هو البديل.
وأضاف: “المملكة تريد إعادة إعمار المدن التي تضررت من احتلال تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش)، وتساعد الوسط والجنوب الشيعي. السعودية يهمها استقرار العراق”.
وتابع: “المشاريع السعودية ستضع منظومة طهران على المحك. الدول العربية يمكن أن تكون شريكًا حقيقيًا للعراق”.
وكان قد بلغ حجم التبادل التجاري، في 2019، بين “السعودية” و”العراق”، بحسب “الهيئة العامة للإحصاء” السعودية، نحو 1.2 مليار دولار أميركي، صعودًا من مليار دولار مسجلة، في 2018، بينما بلغ حجم التبادل التجاري المشترك، نحو 400 مليون دولار، في 2017.
و”السعودية” هي أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول، (أوبك)، بمتوسط إنتاج يومي 10 ملايين برميل يوميًا في الظروف الطبيعية، بينما العراق ثاني أكبر منتج في المنظمة بمتوسط إنتاج يومي 4.6 مليون برميل يوميًا.