لم تقدم مذكرات يفغيني بريماكوف، الكثير لتوضيح حقيقة الموقف السوفيتيّ من الجهود الرامية لدرء الحرب عن العراق، تنفيذا لقرار استخدام القوة، بعد غزو الكويت.
ولم نسمع او نقرأ تفاصيل شافية حول ما دار من حوارات بين مبعوث غورباتشوف وصدام حسين، لان بريماكوف في منشوراته المبتسرة، كان يعرض أساسًا، الرؤية السوفيتيّة، مع نقد، سافر او مبطن للتعامل الأميركي مع أزمة احتلال الكويت.
لكن تبدى واضحا ، ومن خلال المتابعة،لوقائع تلك الايام المثقلة بالقلق والترقب، والخوف على مصير العراق، ان مهمة بريماكوف، تعثرت ومن ثم إنتهت الى الفشل؛ لعاملين رئيسيين؛؛
الأول، سعى وزير الخارجية و فريقه
” الأميركي” لافشالها، سواء بعلم ودراية من غورباتشوف أم من وراء ظهره.
والثاني؛ نظرة الشك التي تعامل بها صدام حسين، ووزير خارجيته طارق عزيز مع يفغيني بريماكوف.
اذ لم يكن في مصلحة اداوارد شيفردنازة، المؤيد بقوة، لسياسة غورباتشوف، بالانفتاح على الغرب والولايات المتحدة، الى حد التحالف والانخراط في تعاون، سياسي، بعيد المدى، الوقوف في صف التيار المحافظ، الذي يعتبر بريماكوف أحد أبرز رموزه، مع انه لم يتأخر عن ركب التحول النوعي، الذي أحدثه نهج غورباتشوف تحت شعار فضفاض،تلخصه مقولة ” القيم الإنسانية المشتركة” و تعني، التخلي عن المواجهة الايديولوجية، ووقف رياح الحرب الباردة، وتغليب المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة، والغرب؛ على الشراكة مع الدول الساعية للتخلص من الهيمنة الأميركية.
وخلال توزيره، أبرم ادوارد شيفردنادزة، حزمة معاهدات مع نظيره الأميركي بيكر، وصفت بانها قدمت تنازلات معيبة للاميركان، سواء لجهة ترسيم الحدود المائية في بحر بارينتس، وتخلي موسكو عن حقوق تأريخية في المنطقة، او في حل حلف وارشو، دون الزام حلف شمال الأطلسي ، بعدم التمدد، وضم دول ماكان “المعسكر الاشتراكي” الى منظومته الدفاعية والأمنية والسياسية.
الى غيرها من الاتفاقيات والمعاهدات المثيرة للجدل الى اليوم في الدوائر الروسية. وينقسم الباحثون والمؤرخون حولها بين مرحب،وناقد.
لكنهم يجمعون بغض النظر عن ميولهم السياسية، على ان غورباشيوف، أطلق العنان لتحولات جذرية؛ بقرارات فردية، غيرمدروسة، وأنه أستخدمشيفردنازة، عديم الخبرة، بالسياسة الخارجية( لم يكن يتحدث اي لغة أجنبية ، ناهيك عن روسيته المتلعثمة باللكنة الجورجية)، لإحداث إنقلاب جذري في النظام السوفيتيّ، وإنهاء دور الدولة العظمى، والانخراط في شراكة نفعية مع الغرب.
وإذا كانت موسكو، قد كوفئت، على التحام موقفها بالموقف الاطلسي من العراق، بقرض اميركي، بلغ مليارا ونصف المليار دولار، فان ما أُعتبر حينها، مكافأة كبري، هو القرض الميسر بقيمة تزيد على الأربعة مليارات دولار، من أربع دول خليجية، السعودبة وعمان وقطر، وحكومة الكويت في المنفى.
وبفضل القرضين، ربما، رفع شيفردنازدة يده مصوتا في مجلس الامن الدولي لصالح قرار يجيز استخدام القوة ضد العراق لإخراجه من الكويت.
وكانت موسكو، قد أيدت كل القرارات الأممية الخاصة بالعراق، وبلغت 53 قرارا،بما فيها فرض العقوبات والحصار.
وقال لنا السفير السوفيتيّ السابق في الكويت وفِي ليبيا، باغوس اكوبوف، انه كان الوحيد تقريبا في اجتماع أنعقد لفريق الدبلوماسيين المستعربين؛ اعترض على التصويت لصالح قرار استخدام القوة ضد العراق، من منطلق ان فرص الحل السياسي، كانت ممكنة.
ووفقا للسفير اكوبوف فأن الكرملين ما كان ليسمح باستخدام القوة ضد العراق، لو كان سلف غورباتشوف ، ليونيد بريجنييف، ما زال في سدة الحكم.
سالناه، في مقابلة ضمن سلسلة حلقات برنامج” قصارى القول” بثت بمناسبة مرور ربع قرن على غزو العراق للكويت (2015).
هل نوقش الملف في مبنى وزارة الخارجية، والاستماع إلىآراء السفراء والخبراء , والاختصاصيين في الشرقالأوسط؟
وما هو دور إدوارد شيفردنادزة في التصويت في مجلسالأمن باستخدام القوة ضد العراق على خلفية بعضالتقارير التي تتهم شيفردنادزة بأنه قد حصل على فوائدشخصية من هذا التصويت؟
فكان جواب السفير اكوبوف:
“نعم في البداية تحدثت عن رأيي كسفير في ليبيا , والآخرون أيضاُ عبروا عن ارائهم , الكثيرون كانوا تحتضغوط القيادة ووافقوا على التصويت لصالح هذا القرار” .
وأضاف:
“اما السؤال حول موقف شيفردنازة, وغورباتشوفوغيرهما فقد كان لهم خط موحد. اذ أنهم كانوا متحدين في الموقف حول العلاقة مع الولايات المتحدة“.
وقال :
” ان تصويت الوزير في مجلس الامن الدولي تم بناء على اتفاق مع غورباتشوف. وقد أثبتت الاحداث التالية أناستخدام القوة، في مثل هذه القضايا لن يوصل إلى الحل . والأكثر من ذلك فإن الوضع تعقد اكثر فاكثر . وحسبالمعلومات التي كانت لدي ذلك الوقت ومن خلال تواصليمع العراقيين؛فأن صدام حسين كان جاهزا لسحب قواتهمن الكويت” .
سالنا السفير اكوبوف:
إذا كان صدام حسين مستعداُ للانسحاب، كما تقولون؛لماذاإذا فشلت مهمة بريماكوف ؟
بافل اكوبوف: “أنا لست بريماكوف ولا أستطيع الإجابةعنه، وثانياُ لا نعرف كيف جرت المحادثات مع صدامحسين , فقد مر وقت ليس بقليل على هذا الأمر، وما نعرفه ان بريماكوف، نقل في تلك الفترة رأي الاتحادالسوفييتي إلى صدام حسين، وأكد له أنه لن يقوم أحدبدعمه في هذه المغامرة . ونحن نعرف صفات صدامحسين , ومن الطبيعي أنه لن يوافق بسهولة على هذهالمهمة. ولا ندري كيف أثرت لقاءات بريماكوف مع صدامحسين على موقف القيادة العراقية .لكني استطيع التاكيد بأن صدام حسين ابدى استعدادا لإخراج قواته منالكويت .
واضاف:
” على ما يبدو فان التوصل إلى حل سلمي لم يكن لصالحالأمريكان، اذ انهم سعوا لإستثمار الغزو في السيطرة علىالخليج”.