كتب حسن عز الدين : بدأ العراقيون يخطون أولى الخطوات نحو تجديد الثراء الثقافي في بلادهم، حيث يحاولون استعادة الكثير من الكتب والأرشيفات القيّمة التي سُرقت بعد سقوط صدام حسين ووضعها في المكتبة الجديدة.
مشروع المبنى الجديد للمكتبة المتطور جداً من الناحية التكنولوجية يُظهر جانباً من الطريق الذي قررت بغداد سلوكه نحو مشروع التطوير الحضري، فالمكتبة الجديدة ستستوعب حتى خمسة آلاف زائر.
لقد أثّر غزو القوات الحليفة إلى العراق في عام 2003 على التراث الثقافي العراقي بشكل بارز. فخلال تلك الأحداث تعرضت المكتبة الوطنية في بغداد إلى السرقة وإلى حريق اندلع في أروقتها. تسبب ذلك بالأذى للقسم الأكبر من الأرشيف، ربع كمية الكتب، الصور الفوتوغرافية والخرائط التاريخية، حيث يمكن شراء جزء منها، حالياً، في متاجر شعبية مقابل ثمن بخس جداً لا يعادل عُشر قيمتها الحقيقية.
مدينة الشباب
ولعل أمام العراق، حالياً، فرصة لبناء مكتبة جديدة بعد كل هذه الأعوام. حيث سيتم تنفيذ مشروع من إعداد مكتب إي أم بي إس الهندسي وإشراف وزارة الشباب والرياضة، كجزء من مشروع ضخم لمدينة الشباب التي تحتوي على 30 مبنى جديداً.
شكل المبنى الجديد للمكتبة في بغداد سيذكّرنا بالورقة الملقية على ضفة النهر، وستوفر مكاناً آمناً لنحو ثلاثة ملايين ملف على مساحة قوامها 45 ألف متر مربع. كما ستحتوي المكتبة، أيضاً، على صالة للسمعيات وقاعات للمؤتمرات، بما يمكّنها من استضافة نحو خمسة آلاف زائر.
لوائح شمسية
ويبدو للوهلة الأولى أن مبنى المكتبة المكون من سبع طبقات، ويكتفي باستلهام أنماط الهندسة الحديثة. ولكن الأمر المثير والجوهري يختبئ في الواقع تحت السقف، أو بكلام أدق، فيه، فطول القاعة التي سيغطيها يبلغ ثمانين متراً، وهو ما يجعلها أكبر قاعة للقراءة في العالم. ويبدو من خلال النظر إلى الداخل أن المكان سيكون ضخماً جداً.
والسقف يستخدم المفهوم المعتمد على شبكة الحبال الفولاذية والمعلقة بين الأقواس، التي تنسخ النظام الأساسي للمكتبة. وهي شبكة مربعة مشكّلة من تقاطع الحبال المختلفة. كل مربع من هذه يغطيه لوح منفرد أراد المهندسون أن تغطي السطح بأكمله.
هيكلها الذي يشبه شكل الساندويتش يتألف من تسع طبقات تضم الإطار والعوازل وحتى السطح الخارجي مع الألواح الشمسية. ثلث تلك الألواح تقريباً مبني على شكل كوة لإدخال النور. وقد رُكّزت على السطح بشكل غير متناسق ارتباطاً بالترتيب الداخلي للمكتبة، وبهدف استغلال ضوء الشمس بأفضل طريقة ممكنة. الألواح هي جزء من نظام التبريد السلبي. ويشكل هذا الأمر، بالإضافة إلى تدوير أشعة الشمس، انعكاساً لحالة الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على تصدير النفط.
عماد الديموقراطية
ويلقي العراقيون آمالاً كبيرة على مشروع بناء المكتبة الجديدة في بغداد، الذي هو الأول منذ السبعينات. «من الضروري أن يعزز العراق ديموقراطيته الفتية، ويديرها بشكل جيد من خلال توفير المعارف. وللمكتبات الجديدة دور فريد في دعم مسألة الحصول على المعلومات، وحرية الكلمة، والتنوع الثقافي والشفافية. من المهم تأمين احتياجات الجيل المقبل من العراقيين، ولذلك فإن المكتبة الجديدة هي مهمة لمستقبل بلدنا»، كما أفاد، أخيراً، لصحيفة الغارديان سعد إسكندر مدير المكتبة الوطنية في العراق.
ويتعامل المكتب الهندسي المسؤول عن المشروع مع الحكومة العراقية منذ عام 2003، وقد ساهم في تجديد البنى التحتية ووضع بعض المفاهيم الحضرية للأبنية المدنية والثقافية. «المكتبة ستخدم الزوار من كافة الفئات العمرية، هدفنا هو تشكيل فسحة لهؤلاء لقضاء وقت فراغهم، وتنظيم الفعاليات الاجتماعية، العروض المسرحية، وتأسيس نوادي القراءة»، كما أفاد أمير موسوي أحد مؤسسي مكتب إي إم بي إس الهندسي.
إلا أنه يضيف أن تشييد مشروع كهذا في بغداد لا يعتبر أمراً سهلاً. فحالة التوتر المستمرة والمتناسقة مع الحر الشديد، وعدم توافر البنى التحتية واليد العاملة المطلوبة، تبقى عوامل تؤثر بشكل سلبي على عملية البناء.
”لدينا في العراق حكومة فتية لا تملك الخبرة في توفير الخدمات الحديثة، كل شيء مسيّس، وكل طرف يقيس الأمور وفق مقياسه الخاص، ولكن حتى في ظل هكذا ظروف غير مثالية، نعتبر أن هناك ضرورة للتشييد والبناء”، كما يعتقد موسوي.