جرائم تحت أعين أمنية .. “مرصد الحريات الصحافية” يتتبع مصيرضحايا الكلمة والرأي في العراق !

جرائم تحت أعين أمنية .. “مرصد الحريات الصحافية” يتتبع مصيرضحايا الكلمة والرأي في العراق !

وكالات : كتابات – بغداد :

بمناسبة الذكرى الثامنة لـ”اليوم العالمي للمكافحة الإفلات من العقاب”، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، سلط تقرير”مرصد الحريات الصحافية” الضوء على الإعتداءات التي وقعت على الصحافيين بعام 2020، والتي تم التكتم على هويات مرتكبيها.

وأكد تقرير المرصد على أن: “المعطيات والدلائل المتوفرة؛ تؤكد أن أغلب الإعتداءات والتهديدات العلنية التي طالت صحافيين ومؤسسات إعلامية تصدر غالبًا من جهات وأطراف يمكن للأجهزة الأمنية الرسمية والقضاء العراقي تحديدها وملاحقة المسؤولين عنها والمنخرطين فيها، لكن يؤشر عليهما عدم القيام بواجبهما في هذا الشأن، خاصة عندما تكون الجهة المهاجمة ذات صلة بحزب سياسي أو فصيل مسلح نافذ”.

وأشار التقرير إلى أن: “غالبية جرائم الاستهداف المباشر للصحافيين والفرق الإعلامية، خلال الفترة الأخيرة، ذات صلة بطبيعة عملهم في نقل أخبار وتطورات الاحتجاجات الشعبية، وما رافقها من قمع للمتظاهرين وحوادث اغتيال ناشطين”.

2020 أسوأ الأعوام على أصحاب الرأي..

وقد أستهل “مرصد الحريات الصحافية” تقريره بتأكيده على أنه؛ ربما لم تمر الصحافة العراقية، بعد 2003، بعامٍ يُقتل فيه الصحافيين وتقتحم مقرات وسائل الإعلام بسهولة إلى الحد الذي لا يتهم الفاعلون، بل يتم التكتم على هوياتهم مثلما حصل في 2020.

مراسل صحافي ومصوره يُقتلان قرب مقر قيادة الشرطة في “البصرة”، وآخر تُعترض سيارته بين منزله ومقر عمله تحت ضوء الشمس، ويتم اختطافه تحت تهديد السلاح، وغيره يُهدد علنًا، ولا يُرسل التهديد إلى هاتفه الشخصي بل ينشره المهددون على منصات إلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

فضائيتان يتم اقتحامهما؛ وواحدة منهما تُحرق في مشهدٍ باعث على “الابتسامة والضحك” لدى عناصر الأمن المكلفين بحمايتها، وقناتان فضائيتان آخريان تُهددان بمصير مماثل، فيما باحث معروف على المستوى الدولي، تنتهي حياته على يد مسلحين خرقوا حظر تجوالٍ كان مفروضًا يومها. لينسحبوا بدراجاتهم النارية بعد قتله على مرأى كاميرات المراقبة.

“مرصد الحريات الصحافية”، (JFO)، يلاحق كل هذه الأحداث في هذا اليوم، الذي يصادف الذكرى الثامنة لـ”اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب من الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين”، الذي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

“مرصد الحريات الصحافية” يبدي قلقه البالغ والعميق إزاء الظروف الحالية التي تكتنف العمل الصحافي في “العراق”، والمخاطر المحدقة بكثير من الصحافيين ووسائل الإعلام، خاصة أولئك الذين نقلوا أحداث احتجاجات تشرين، التي إنطلقت في (1 تشرين أول/أكتوبر 2019)، وسط وجنوب العراق، ولا تزال مستمرة في بعض المدن حتى الآن. وتعرض خلال هذه الفترة عدد من الإعلاميين والصحافيين والمصورين للقتل والاختطاف والمطاردة، فيما تعرضت مقار إعلامية للإقتحام وتحطيم معداتها وأخرى للحرق والتهديد بذلك علنًا.

وكانت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” قد أعتمدت القرار رقم 68 / 163 لعام 2013، الذي أعلنت فيه أن يوم 2 تشرين ثان/نوفمبر هو “اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحافيين”، لرفع مستوى الوعي بشأن التحدي المتمثل في الإفلات من العقاب واتخاذ خطوات عملية لإيقافه.

وتصدر “العراق” من جديد، إلى جانب دول “الصومال وسوريا وجنوب السودان وباكستان والفلبين والمكسيك”، المؤشر العالمي السنوي للإفلات من العقاب، الذي تصدره “لجنة حماية الصحافيين”، التي أشارت، في تقريرها الصادر (28 تشرين أول/أكتوبر 2020)، إلى أن: “الفساد، وضعف المؤسسات، ونقص الإرادة السياسية لإجراء تحقيقات جدية، تشكّل جميعًا عوامل تقف خلف الإفلات من العقاب في تلك البلدان”.

ووفقًا لتحليلات “مرصد الحريات الصحافية”،  (JFO)، فإن غالبية جرائم الاستهداف المباشر للصحافيين والفرق الإعلامية، خلال الفترة الأخيرة، ذات صلة بطبيعة عملهم في نقل أخبار وتطورات الاحتجاجات الشعبية، وما رافقها من قمع للمتظاهرين وحوادث اغتيال ناشطين.

وتظهر المعطيات والدلائل المتوفرة أن أغلب الإعتداءات والتهديدات العلنية التي تطال صحافيين ومؤسسات إعلامية تصدر غالبًا من جهات وأطراف يمكن للأجهزة الأمنية الرسمية والقضاء العراقي تحديدها وملاحقة المسؤولين عنها والمنخرطين فيها، لكن يؤشر عليهما عدم القيام بواجبهما في هذا الشأن، خاصة عندما تكون الجهة المهاجمة ذات صلة بحزب سياسي أو فصيل مسلح نافذ.

جرائم تحت أعين أمنية..

مساء (10 كانون ثان/يناير 2020)، اغتال مسلحون المراسل التلفزيوني، “أحمد عبدالصمد”، والمصور المرافق له، “صفاء غالي”، في محافظة “البصرة”، وكانا حينها يغطيان التظاهرات في المحافظة. بعد يومين على اغتيالهما أعلنت “وزارة الداخلية” العراقية أن لجنة تحقيق شكلتها بشأن الحادثة “ستعلن النتائج في الأيام المقبلة”، فيما وصف محافظ البصرة، “أسعد العيداني”، الضحيتين، بأنهما: “صديقين عزيزين كان لهما دور في نقل الأحداث المهمة للشارع العراقي والبصري”.

لكن حتى اليوم لم يتم الإعلان عن أي نتائج للتحقيق، رغم أن حادثة الاغتيال وقعت قرب مقر قيادة الشرطة وسط “البصرة”، ما يعني إمكانية تحديد الجناة من خلال تتبع كاميرات المراقبة على الأقل أو الشهود العيان في موقع إرتكاب الجريمة.

وجاءت هذه الحادثة بعد أكثر من شهرين على اقتحام مسلحين يستقلون عجلات رباعية الدفع، مقر قناة (NRT عربية)، وقناة (دجلة)، وشركات بث فضائي، في العاصمة، “بغداد”، بسبب طبيعة تغطيتهما للتظاهرات الشعبية حينها، وقام المسلحون، (مساء 6 تشرين أول/أكتوبر 2019)، بتحطيم المعدات وترويع الصحافيين والفنيين العاملين في المؤسستين مع مصادرة هواتفهم النقالة، الأمر الذي اضطر بعضهم إلى مغادرة العاصمة لبعض الوقت أو دون عودة.

بعدها، في (9 آذار/مارس 2020)، اعترض مسلحون، الصحافي، في جريدة (الصباح)، شبه الرسمية، “توفيق التميمي”، بينما كان في طريقه من منزله في حي “أور”، ببغداد، إلى مقر عمله، فأنزلوه من سيارته تحت تهديد السلاح وأقتادوه إلى جهة مجهولة بعد أن سحبوا هاتفه وهاتف سائقه الشخصي، في وضح النهار.

ورغم تقدم عائلة “التميمي”، التي استقبلها لاحقًا رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، بشكوى رسمية، إلا أن مصيره لا زال مجهولاً حتى اللحظة.

وكان “التميمي”، قبل اختطافه، يفصح عن دعمه لـ”تظاهرات تشرين”، كما أبدى تضامنه مع الناشر والكاتب العراقي، “مازن لطيف”، الذي فُقد أثره في (1 شباط/فبراير 2020 )، دون توفر أية معلومات عن مصيره حتى الآن، مع وجود إعتقاد بأنه مختطف على خلفية دعمه للتظاهرات، مثل بعض الإعلاميين الناشطين.

في أدنى مراتب التصنيف العالم لحرية الصحافة..

ويقع “العراق” في المرتبة 162، (من أصل 180 بلدًا)، على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود” هذا العام.

في (18 أيار/مايو 2020)، اقتحم المئات مقر قناة (MBC عراق) في العاصمة، “بغداد”، وحطموا معداتها ثم أغلقوا المقر؛ على خلفية بثها معلومات في أحد برامجها تتحدث عن ضلوع نائب رئيس هيئة (الحشد الشعبي)، “أبومهدي المهندس”، في عملية تفجير السفارة العراقية في “بيروت”، عام 1981.

بعد إنتهائه من مقابلة متلفزة، وبينما كان الباحث والخبير بشؤون الجماعات المسلحة، “هشام الهاشمي”، المعروف على نطاق واسع، يهم بركن سيارته أمام منزله في منطقة “زيونة”، التي يسكنها مسؤولون حكوميون وضباط، اقترب منه مسلح وأطلق النار عليه من مسافة صفر، ثم عاد مرة أخرى ليطلق المزيد من الرصاص حتى يجهز على “الهاشمي”، قبل أن يركب دارجة نارية يقودها آخر وينسحبان من المكان، وبعدها توفى “الهاشمي” متأثرًا بإصابته.

منفذو هذه الجريمة، التي وقعت مساء (7 تموز/يوليو 2020)، ورصدتها كاميرات مراقبة منزلية بوضوح، لا زالوا حتى الآن طلقاء ولم يتم التوصل إليهم، رغم التعهد الرسمي الحكومي بذلك.

العديد مما يمكن اعتباره أدلة قد تقود إلى الجهة التي اغتالت “الهاشمي”؛ موجودة ومتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والسلطات تؤكد بدورها: “التوصل إلى خيوط مهمة” بشأن الحادثة، لكن دون الإمساك بالقاتل أو من أعطى الأمر بالقتل حتى الآن.

حرق وتهديد فاستقالات واعتذارات.. 

وفي (31 آب/أغسطس 2020)؛ اقتحمت مجاميع، ذات صلة بفصائل مسلحة، مقر قناة (دجلة) في منطقة “الجادرية”، وسط بغداد، وقامت بحرقه وتحطيم محتوياته مع تهديدات طالت العاملين في مكاتب القناة بمحافظات أخرى، وذلك بعدما بثت فضائية ملحقة بها أغان في أيام شهر محرم الذي يُحيي فيه المسلمون الشيعة ذكرى واقعة كربلاء، (61 هجرية)، دون أن ينفع القناة تقديمها اعتذارًا.

ورغم وجود تسجيلات مصورة تظهر بوضوح وجوه المتورطين باقتحام وحرق مقر هذه القناة، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تتحرك إزاءهم، بل أن صورًا جرى تداولها على نطاق واسع أظهرت بعض عناصر الأمن المكلفين بحماية القناة وهم يقفون موقف المتفرج وبعضهم يضحك بينما كان دخان الحريق يتصاعد من المكان.

على خلفية هذه الحادثة، استقال عدد من الصحافيين العاملين في قناة (دجلة)؛ بعد تلقي بعضهم تهديدات جدية بالتصفية، وقد أعلنوا عن ذلك على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، لتجنب التضييق وتفادي القتل أو الاختطاف المحتمل.

كما تعرضت قناة (UTV)، في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر الماضي، إلى تهديدات باقتحام مقرها في “بغداد” وحرقه؛ بعد حديث أدلى به ضيف في برنامج تبثه القناة حول المرجعيات الدينية، لكن القناة اعتذرت عن ذلك فتفادت مصير زميلتها (دجلة).

وتعرضت قناة (الحرة عراق)، هي الأخرى، إلى تهديدات مماثلة بسبب طبيعة تغطيتها المناوئة للفصائل المسلحة الفاعلة في البلاد، وبعد نشر موقعها على الإنترنت تقريرًا صحفيًا حول لقاء رئيسة بعثة (يونامي) في العراق، “غينين هينيس-بلاسخارت”، مع رئيس أركان (الحشد الشعبي)، “أبوفدك المحمداوي”، في (3 تشرين أول/أكتوبر) المنصرم.

السلطات العراقية لم تبدِ، على مدار السنوات الماضية، الاهتمام المناسب لملاحقة مرتكبي جرائم القتل المتعمد للمراسلين والكتاب والنشطاء الصحافيين، التي لم يُكشف عن مرتكبيها إلى الآن فقُيدت أغلب جرائم القتل المباشر للصحافيين ضد مجهول، بينما تُفاخر الأجهزة الأمنية بكشفها تفاصيل جرائم جنائية معقدة ذات طابع شخصي.

في “كُردستان العراق”..

لذا فقد دعى “مرصد الحريات الصحفية”، (JFO)، السلطات المعنية، إلى أن تقوم بواجبها في تأمين الحماية اللازمة للصحافيين ووسائل الإعلام. فضلاً عن تحري مصير الصحافي المختطف، “توفيق التميمي”، والكاتب “مازن لطيف”، وعدم التهاون فيما يتعلق بالإعتداءات والجرائم التي تُرتكب ضد المؤسسات والأشخاص العاملين في المجال الصحافي.

وشملت الإعتداءات الصحافيين في “إقليم كُردستان” أيضًا، ففي يوم (12 آب/أغسطس 2020)، قُتل الصحفي الكُردي، “هونر رسول”، بينما كان يغطي تظاهرات شعبية في مدينة “رانية” بمحافظة “السليمانية”.

وتشير الإحصاءات، التي أجراها “مرصد الحريات الصحافية”، منذ العام 2003 وحتى 2015 فقط، إلى مقتل 291 صحافيًا عراقيًا وأجنبيًا من العاملين في المجال الإعلامي، بضمنهم 164 صحافيًا و73 فنيًاً ومساعدًا إعلاميًا لقوا مصرعهم أثناء عملهم.

ووفقًا للابحاث التي أجراها “مرصد الحريات الصحفية” (JFO) ، فإن حقائق واضحة تبين تقاعسًا واضحًا من قبل السلطات الأمنية والتحقيقية من ملاحقة وتقديم المتهمين بتلك الجرائم للقضاء.

وتستند تلك الحقائق والإدلة على مجموعة جرائم استهدفت صحافيين بشكل مباشر في مناطق عديدة من العراق، إلا أننا نركز هنا على المناطق التي تتمتع بأمن نسبي واستقرار سياسي مثل “إقليم كُردستان”، فسلطات الإقليم لم تحقق بشكل جدي في عدد من قضايا قتل الصحافيين، فيما لم تكن وعود السلطات الأمنية الكُردية بملاحقة الجناة مقنعة لا لأسر الضحايا ولا للمنظمات المدافعة عن الصحافيين.

“مرصد الحريات الصحافية” (JFO) ، قد شخص وجود تقصير واضح لدى السلطات الحكومية المركزية في “بغداد” والسلطات في “إقليم كُردستان”، وتقاعس في ملاحقة مرتكبي جرائم استهداف الصحافيين من قبل الجماعات المسلحة أو العصابات الإرهابية، بل حتى الجهات السياسية النافذة في البلاد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة