في المنام، حرية بلا حدود، أحداث بلا قيود، مواقف لا تعرف المستحيل، كل شيء في المنام مقبول ومستور، لا تفيد في دعوى ولا إقامة حدود، إنها مجرد أحلام … هكذا تأتي وهكذا نسردها
حلمتُ ليلة البارحة ( خير اللهم اگعلو خير ) بأن رجلاً، وكالعادة، يلبس جلباباً أبيضاً، على فرس أبيض، بيده مسبحة وقرطاس، فاقتربت من حضرته، لأستشف خبره، فنزل من محمله، واقترب مني، وسلّم عليّ بإيماءة من رأسه المبارك، ثم تركني، واقترب من جدول بجنبنا، فتقرفص على جرفه وشرع يتوضأ، يتوضأ، بخشوع الأولياء، وهدوء أهل الحكمة والإيمان، عاد إليّ وطلب مني صحبته
قلت له : الى أين ياحمانا ؟
قال لي : إنها البشرى، فقد صرتُ بمنصب جديد، أنوب عن الرئيس، وأصدر التوقيع، لكل أمر خطير
استلم مفاتيح القصر من النائب القديم، كان حزيناً، يكفكف دموعه بكمّه، وهو يودع قصره القديم
دخلنا القصر وتفاجأنا بفخامة الأثاث والموجودات، روعة في الترتيب والميّزات، لكن صاحبي أصرّ أن يرمي كل الأثاث خارج القصر، أخلاه برمشة عين من عفريت كان يرافقه، ثم أمر العفريت أن يؤثث القصر من جديد، أعطاه صكاً بـ ( 240 ) مليون دينار عراقي فقط، فلم تك إلّا لحظات، حتى امتلأ القصر بالأثاث الفاخر المهيب، ثم جلس على عرشه وطلب أهل بيته والعاملين، ليبلغهم تفاصيل الإمارة، ورفض أيّ منتسب لقصره، ما لم يكن من مدينة العمارة، ثم دعى بولده الجميل، وقال له، حذاري ياولدي من العراق حذاري، سأعطيك في سفارتنا بالكويت منصب الملحق التجاري، ولن ينافسك نجفي أو أنباري، لكن فؤاد أمّه أصبح فارغاً من فراقه، فارسله بعثة الى كندا قرب داره.
اقتربت من الرجل النوراني وقلت له : لكن قانون العراق يقضي أن تمنح البعثة، لمن استقر في العراق سنتين على الأقل، وابنك المحروس ما أتمها، فللتو أتى من كندا
قال لي : في عالم الأحلام، كل شيء بالإمكان
ثم دعى أخوته الكرام، الثلاثة الميامين العظام، فقال للخباز، لا تحزن على مافات، فالقادمات من الأيام جميلات، عيّنتك في منصب هام، في مكتبي أنت مدير عام، وأجرك أجر من لا يُظام، فاملأ الجيب وأنسه أيام الخبز والعجين، وأشركَ الأخوين الآخرين في رهط حمايته، فواحد يحمل ريشة النعام، والآخر يغطيه إذ ينام
مازلت أحلم، ومازلت في المنام، أجول في هذا القصر وهذا الهيلمان، دخلت صدفة وأنا على بعير، غرفة الخدم والعبيد، قالوا بحرقة واستغراب : هذا حرمنا من كلشي، حتى الچاي انجيبه ويّانه، گحف !
رجعت ببعيري الى وسط الصالة، فوجدت الرجل الأبيض يتوضأ من جديد، وسمعت في الصالة المجاورة دويّ قراءة وضجيج، دخلت ببعيري الى الصالة المجاورة لأرى ماهناك، رأيت أكثر من عشر بنات جالسات خلف المكاتب، غارقات في الكتابة والتدوين، وامراءة لباسها من نور، تطوف عليهن، واحدة بعد أخرى، فعرفت أنها امراءة النائب العزيز، وهي تكتب للقران تفسير، لتنشره بين العباد وتنقذهم من ظلال مرير
رجعت الى صالة النائب الكبيرة، فوجدت عند النائب ابنته الصغيرة، تقول له شكراً، لأني عند رئيس الوزراء عُينت خبيرة، وملّكوني شقة كبيرة، لكنني مللتُ العراق وسأرجع الى كندا رجعة سريعة، وراتبي يأتيني بلا نقيصة، سأرجع لأخواتي الموظفات في السفارة
ابتسم الرجل ودعاني الى جنبه، وقال احضر معي، فعندنا اجتماع للخبراء
دخل موكب عظيم من البصرة الفيحاء، جلسوا وقال قائلهم
: يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وأتيناك ببضاعة مزاجاة، ياسيادة النائب الجليل، البصرة تأن من الخراب، ومن الأمراض، ومن الفقر الذليل
طلب العزيز، ماءاً ليُجدد وضوءه، ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله، وقال اسمعوا لقولي ولا تحرفون، أما أنتم يا أهل البصرة، فتاريخكم خطير، اتبعتم صاحبة الجمل في ماضيكم الأسود، ولم تنصروا علياً، في حربه إذ أقبل، فلا عطية لكم، ولا مال مني اليكم يُرفد، أنتم جند المراءة
حرتُ في منامي كيف قال هذا القول ؟ وكيف يفكر هذا النوراني ؟ أهل البصرة، يُعيرون بماضٍ مختَلف عليه ؟
فقال لي وكأنه قرأ مافي صدري، نعم، أنا من حزبٍ هكذا يفكر، وهكذا يقول، ثم شمّر عن ساعديه وتوضأ من جديد، فأردت أن أكفر، لولا أنه نهرني، وتقدم نحو طشتٍ من الطماطمة وقام بعصره وهو يسبّح ويهلّل، وقال لي
: أنا أهيأ معجون طمامة للمحبة، سيوزع قريباً مع الحصة التموينية !
فززت من حلمي وأنا أعلس الملحف، وأهتف مقولة أرسطو القديمة ( كضّوني … لا سوّي طلابه )
تصبحون على وطن
خاص بكتابات
[email protected]