خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في زيارة رسمية إلى بغداد، وقع رئيس الوزراء المصري، “مصطفى مدبولي”، السبت، 15 مذكرة تفاهم وبرنامج تعاون مع العراق في مجالات مختلفة، بحضور نظيره العراقي، “مصطفى الكاظمي”.
جاء ذلك خلال زيارة يجريها “مصطفى مدبولي” للعاصمة العراقية، “بغداد”، على رأس وفد رفيع المستوى، حيث وقّع وزيرا خارجية مصر والعراق “محضر اللجنة العليا العراقية المصرية المشتركة”.
وتضمنت الزيارة التوقيع على عدة مذكرات تفاهم وبرنامج تعاون وبروتوكولات في مجالات النقل والموارد المائية والصحة والبيئة والعدل والاستثمار والإسكان والإعمار والصناعة والتجارة والمالية.
كما وقّع وزير العدل العراقي، “سالار عبدالستار”، ووزيرة التعاون الدولي المصري، “رانيا المشاط”، مذكرة تفاهم للتعاون والتدريب وتبادل الخبرات في مجال العدل والقضاء.
ووقّع وزير الموارد المائية العراقي، “مهدي رشيد الحمداني”، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الموارد المائية والري، مع “المشاط”.
ووقّع أيضًا المدير التنفيذي لسوق العراق للأوراق المالية، “طه عبدالسلام”، و”المشاط”، مذكرة تعاون بين كل من سوق العراق للأوراق المالية والبورصة المصرية.
وفي مجال البيئة، وقّع وزير الصحة والبيئة، “حسن محمد التميمي”، مع “المشاط”، البرنامج التنفيذي الثاني للتعاون الفني في مجال حماية البيئة.
وفي المجال الصحي، تم توقيع مذكرة تفاهم في المجالات الصحية والدوائية والتدريبية، وقّعها عن الجانب العراقي وزير الصحة والبيئة، “حسن التميمي”، والمصري، “رانيا المشاط”.
أما في مجال النقل، فقد وقّع وزير النقل العراقي، “ناصر بندر”، ووزير النقل المصري، “كامل الوزير”، اتفاقية النقل البحري.
كما وقّعت وزيرة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، “نازنين وسو”، ووزير النقل المصري، مذكرة تفاهم في مجال الطرق والجسور، بالإضافة إلى مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الإسكان والتشييد، وقعها عن الجانب المصري وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، “عاصم الجزار”.
وفي المجال التجاري، وقّع وزير التجارة العراقي، “علاء حسن”، ووزيرة التجارة والصناعة المصرية، “نيفين جامع”، مذكرة تفاهم في مجال اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وتنظيم المعارض.
وفي مجال الصناعة، وقّع كل من وزير الصناعة العراقي، “منهل عبدالرحمن”، ووزيرة التجارة والصناعة المصرية، مذكرة تفاهم في مجال التعاون الصناعي، كما وقّعا بروتوكول تعاون في مجال مكافحة الدعم والإغراق والوقاية.
ووقّع أيضًا وزير الصناعة العراقي، والقائم بأعمال رئيس جهاز حماية المستهلك المصري، “أحمد فرج”، مذكرة تفاهم في مجال حماية المستهلك.
بالإضافة إلى ذلك، وقّعت رئيسة هيئة الاستثمار العراقي، “سها النجار”، والرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصرية، “محمد عبدالوهاب”، مذكرة تفاهم في مجال الاستثمار.
وتم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين اتحاد الصناعات العراقي واتحاد الصناعات المصري، وقّعه عن الجانب العراقي، رئيس اتحاد الصناعات العراقي، “علي الساعدي”، وعن الجانب المصري رئيس اتحاد الصناعات المصري، “محمد السويدي”.
ويأتي اجتماع اللجنة العليا هذا، في “بغداد”، تنفيذًا لمخرجات القمة الثلاثية “العراقية-المصرية-الأردينة”، التي انعقدت بـ”عمان”، في آب/أغسطس الماضي، وجمعت بين رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، والعاهل الأردني، الملك “عبدالله الثاني”؛ والرئيس “عبدالفتاح السيسي”.
يشار إلى أنه كان قد تم توقيع اتفاقية إنشاء اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، في تموز/يوليو عام 1988، حيث تمثل آلية مهمة من آليات الدبلوماسية الاقتصادية “المصرية-العراقية” لتنسيق أطر التعاون الدولي بين البلدين.
ومع توقيع هذه الاتفاقيات، تثار العديد من التساؤلات هو ما يمكن أن تقدمه للجانبين، وخاصة للجانب العراقي الذي يعاني من العديد من الأزمات، وما تمثله في مجال إعادة الإعمار.
ذات شقين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي..
تعليقًا على الزيارة، قال “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية القانونية، لـ (كتابات)؛ أنه لم تكن زيارة رئيس الوزراء المصري، “مصطفى مدبولي”، إلى “بغداد” مفاجئة، بل كان مخطط لها مسبقًا من خلال الاجتماعات الثلاثية التي جمعت وفود العراق والأردن ومصر، وزيارة “مدبولي” لبغداد لها شقان سياسي، واقتصادي.
عن الشق السياسي، أوضح “الشماع”؛ أن الزيارة تبعث رسائل لـ”تركيا”، التي تضغط على “بغداد” بملفات عده منها ملف المياه، وملف التوغل التركي لشمال العراق، وقصفه بحجة مطاردة عناصر (حزب العمال الكُردستاني)، يستطيع العراق أن يستفيد من هذه الزيارة لتخفيف الضغط التركي، حيث أن أوروبا وحلفائها من العرب، كـ”السعودية ومصر والإمارات”، يسعون إلى تضييق الخناق على “تركيا”؛ لما تمارسه في جنوب المتوسط واحتلالها لـ”ليبيا” ومناطق من “سوريا” و”شمال العراق”، وعلى بغداد أن تفكر ببناء تحالف عربي أوروبي يضم “السعودية والإمارات ومصر وفرنسا وبريطانيا”، للضغط على “تركيا”، كما هي تمارس ذات السياسة ضد العراق.
أما في الشق الاقتصادي، فقد تم توقيع خمسة عشر اتفاقية بين البلدين، على مستوى الطاقة والزراعة والإسكان، لكن ليس هنا النقطة؛ فالعراق وقع مئات الاتفاقيات مع دول عدة في مختلف المجالات، ولَم ترى النور، الحكمة تكمن في تطبيق هذه الاتفاقات، لا سيما وأن العراق بحاجة إلى ما يقارب أربعة ملايين وحدة سكنية، وتطوير في حقل الزراعة، وكذلك الطاقة، لكنه يعاني من قلة السيولة المالية، وهو عاجز عن تأمين رواتب موظفيه.
وأضاف أن العراق يجب أن ينحى باتجاه إبرام اتفاقيات ومعاهدات مع أي دولة ممكن أن يرى مصلحته معها؛ لأن أما يلغي اتفاقيات مع دولة ويذهب إلى دولة أخرى على حساب أخرى، يجب أن تكون له شخصيته المعهودة في المحفل الدولي.
ويرى “الشماع”؛ أن “مصر” ممكن أن تخدم “العراق” في تلك المجالات؛ لما تمتلكه شركاتها من خبرات وطاقات، ولكن أيضًا على “العراق” أن يطور إمكانياته الذاتية في إعادة بناء مؤسساته الاقتصادية والزراعية والصناعية والعمرانية.
تعديل سعر الصرف..
كما قال الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور “عبدالرحمن المشهداني”، إن زيارة رئيس الوزراء المصري، “مصطفى مدبولي”، إلى العراق كانت مقررة منذ فترة، وسبق تلك الزيارة اجتماعات بين وفود “مصرية-عراقية” في بغداد، وتمخضت تلك الاجتماعات عن الإعداد لتوقيع 15 اتفاقية تعاون بين الجانبين من أبرزها الزراعة والإسكان.
وأضاف أن: “المشكلة ليست في توقيع الاتفاقيات؛ بقدر ما تتعلق بعملية التنفيذ، فقد وقعت بغداد الكثير من الاتفاقيات مع عدد من الدول، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ، نظرًا للتحديات التي يمر بها العراق”.
وأشار إلى أن: “أبرز تلك التحديات هو التمويل، فلدى العراق مشكلة كبيرة في السيولة، فمنذ 4 أشهر لم يحصل الموظفون على رواتبهم، علاوة على المشكلة الأمنية”.
وتابع الخبير الاقتصادي: “كما قلنا إن أبرز الاتفاقيات هي ما تتعلق بقطاع الزراعة، وبالصادرات المصرية، تلك الاتفاقية قد تواجهها صعوبات في عملية التسعير للمنتجات المصرية، نظرًا لأن العراق يتجه إلى تعديل سعر الصرف للدولار، خلال الفترة المقبلة، بزيادة 25 في المئة تقريبًا، أي أن الدولار سوف يصل إلى 1500 دينار عراقي. بمعنى أن تغيير سعر الصرف سيؤدي إلى خفض الدخل الحقيقي للمستهلك بنسبة أكبر من نسبة انخفاض الدينار، لأن العراق يستورد 90% من احتياجاته الغذائية والصناعية، وبالتالي تغيير سعر الصرف سيؤدي إلى خفض الدخل الحقيقي، مما سينعكس سلبًا على أسعار السلع المستوردة ومنها السلع المصرية”.
وأشار “المشهداني” إلى أن: “القطاع الذي قد يكون له الأولوية هو قطاع الإسكان، حيث إن هناك عجزًا يقدر بـ 3 مليون وحدة سكنية يحتاجها العراق، وهنا يمكن الاستفادة من الخبرات المصرية في هذا المجال، والأمر يتعلق بما تستطيع مصر تقديمه للعراق في ظل الصراع السياسي وعدم الاستقرار الأمني في البلاد”.
العراق يلعب بورقة النفط..
من جهته؛ يرى الخبير الاقتصادي، “صالح الهماشي”، أن: “العراق يعيش أزمة مالية، وهو يحاول أن يلعب بورقة النفط، في ظل حاجة مصر إلى هذه المادة، فالعراق لا يستطيع دفع الأموال للمشاريع بسبب وضعه المالي، ومصر بحاجة كبيرة إلى الطاقة، كما أنها ستستفيد من تدني سعر النفط الذي سيبيعه العراق لها”.
وتابع “الهماشي” بالقول: “هذه الاستثمارات تعاني من واقع العمل العراقي المتردي، الذي يعرقل عمل الشركات بسبب نظامه المالي والإداري والفساد الموجود، لكن العراق يسعى دائمًا لإبرام هذه الاتفاقيات”.
وأضاف “الهماشي” قائلاً: “هذه الاتفاقيات سترى النور، بسبب المشاكل الاقتصادية التي تعانيها مصر والعالم، حيث النمو السكاني وتزايد العمالة، وستركز مصر في استثماراتها على الطاقة والإسكان، أي الاستثمارات الحكومية التي ستضمنها الدولة العراقية”.
سوق العراق استهلاكي..
أكد الدكتور “مصطفى أبوزيد”، مدير مركز “مصر” للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن بداية إعمار العراق تبدأ من “مصر”؛ ويحتاج هذا المشروع العملاق إلى 100 مليار دولار، وفقًا لما تم إعلانه في “مؤتمر إعادة الإعمار”، في عام 2018، لافتًا إلى أن هناك العديد من مجالات الشراكة بين مصر والعراق والأردن في مجال الربط الكهربائي وخط الغاز.
وأوضح “أبوزيد”، أن مصر تمتلك الخبرات والمهارات الفنية والإنشائية والقوة البشرية المدربة على تنفيذ المشروعات العملاقة، وهو ما ظهر بقوة في المشروعات التي تم تنفيذها خلال الست سنوات الماضية بما يؤهل مصر للمساهمة بقوة في إعادة إعمار العراق؛ من خلال الشركات الوطنية المصرية وتعزيز دور مصر الريادي كمركز للطاقة وقوة اقتصادية ناشئة.
وأضاف “أبوزيد”، إن زيارة رئيس الوزراء، الدكتور “مصطفى مدبولي”، للعراق تأتي في إطار تعزيز التكامل الاقتصادي بين البلدين، ولفت إلى وجود ترتيبات بشأن إنشاء منطقة لوجيستية للبضائع المصرية؛ وإنشاء مركز تجاري للمنتجات المصرية سيكون له أثر إيجابي على زيادة الصادرات المصرية للعراق، حيث أن السوق العراقي سوق استهلاكي كبير، وبالتالي سيساهم في زيادة الطلب على المنتجات المصرية وبالتالي زيادة حجم الإنتاج من تلك المنتجات وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين من خلال تفعيل اتفاقية التيسير العربية، والتي تهدف إلى تحرير التجارة بين مصر والعراق إلى جانب قطاع البناء والتشييد الذي سيساهم إعادة الإعمار، بالإضافة إلى الشراكة التصنيعية بين البلدين من خلال إعادة تحديث الصناعة العراقية وإعادة فتح المصانع المتوقفة.
العلاقات التجارية بين مصر والعراق..
يذكر أن قيمة التجارة بين مصر والعراق قد شهدت نموًا كبيرًا خلال الـ 8 أشهر الأولى من العام الجاري؛ بنسبة 62%، لتسجل 583.27 مليون دولار في مقابل 360.31 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2019.
وأوضحت نشرة التجارة الخارجية، الصادرة عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” المصري، ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين البلدين، خلال شهر آب/أغسطس الماضي، بنسبة 399%، لتبلغ 165.727 مليون دولار؛ في مقابل 33.197 مليون دولار، خلال نفس الشهر من 2019.
ويستحوذ العراق على 4.8% من إجمالي تجارة مصر مع الدول العربية، خلال الفترة من “كانون ثان/يناير – آب/أغسطس 2020″، كما يمثل 1% من حجم التبادل التجاري مع كل الأسواق العالمية خلال تلك الفترة.
ويصب الميزان التجاري بين مصر والعراق في صالح العراق بقيمة 51.414 مليون دولار، خلال أول 8 أشهر من العام الجاري.
200 % نموًا بالواردات المصرية من العراق..
وارتفعت قيمة الواردات المصرية من العراق بنسبة 200.7%، خلال الفترة من “كانون ثان/يناير – آب/أغسطس 2020″؛ لتبلغ 317.342 مليون دولار، في مقابل 105.536 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2019، لتستحوذ على 5.3% من الواردات المصرية من الدول العربية، وتمثل 0.7% من إجمالي الواردات المصرية من كل دول العالم.
كما شهدت واردات مصر من العراق نموًا كبيرًا بنسبة 11791%، خلال شهر آب/أغسطس الماضي، لتبلغ 132.946 مليون دولار، في مقابل 1.118 مليون دولار، خلال نفس الشهر من 2019.
وزادت قيمة الصادرات المصرية إلى العراق، خلال الـ 8 أشهر الأولى من 2020، لتبلغ 265.928 مليون دولار في مقابل 254.774 مليون دولار، خلال نفس الفترة من العام الماضي؛ بنمو 4.4%، لتستحوذ على 4.2% من قيمة الصادرات المصرية للدول العربية، وتمثل 1.5% من إجمالي الصادرات للعالم.
كما شهدت صادرات مصر للعراق نموًا بنسبة 2.2%، خلال شهر آب/أغسطس الماضي، لتبلغ 32.781 مليون دولار في مقابل 32.079 مليون دولار، خلال نفس الشهر من 2019.