ثار الشعب العراقي منذ زمن بكل مكوناته على الاوضاع المعيشيه البائسه و انقطاع الماء و الكهرباء بين الحين و الاخر لكنه يثور اليوم على السلطه الحاكمه التي يصفها بالفاسده و المرتهنه للسياسه الايرانيه .
عبر الشعب العراقي عن ذلك بالشعارات التي رددها خلال تظاهراته المستمره و كلها تندد بايران و تعتبرها السبب الرئيس في مآسي الشعب العراقي .
استمعت الحكومه الايرانيه لهذه الشعارات فاوعزت الى حجاجها الحجاج ” قاسم سليماني ” والي الشام و العراق للتصرف بالشكل المناسب مع المتظاهرين العراقيين .
يقول العراقيون ان 850 شهيدا ارتقوا حتى الآن واصيب اكثر من 12 الف عراقي على يد رجال المليشيات التابعه للحجاج قاسم سليماني الذين اعتلوا سطوح المنازل في بغداد و مختلف المدن العراقيه لقنص الشباب العراقيين الثائرين ..
دفع هذا الظلم الكبير الذي وقع على الشعب العراقي المرجعيات الشيعيه العربيه في جنوب العراق لاصدار بيانات تدعو ايران للخروج من العراق و رفع يدها عن العراق و اهله، و خرج العلماء يتصدرون مظاهرات حاشده ترفع يافطات كتب عليها ” قاسم سليماني المجرم الدموي . ايران ام المفاسد ، بغداد حرة حرة ايران برا برا ” ثم حرقوا العلم الايراني في كربلاء و داسوا بارجلهم صور الساسه الايرانيين و غيروا اسم شارع الخميني الى شارع شهداء تشرين ثم اضرموا النار بالقنصليه الايرانيه بكربلاء.
ردت الحكومه الايرانيه على كل ذلك بقولها ” ان هذه التصرفات ليست غريبه على شيعة الانجليز ” وهذا مصطلح ايراني جديد لا ادري ماذا يقصدون به فرد عليهم العراقيون بقولهم ” ترى من هم شيعة اليهودي عبد الله بن سبأ ؟”
اما انا فاقول كان الله في عون العراق و اهله و سقى الله ايام عزك يا عراق.
فقد أئمّة قمّ وطهران صوابهم، فسهام انتفاضتي العراق ولبنان ضربت المتعصِّبين في مقتل، حتى سقطت من بين أيديهم أوراق الفقه والوعظ، واستبدلوها بحرب الشتائم، وهم يتباكون على تساقط مدن اعتقدوها مناطق نفوذ مذهبي دائم، لا تعير لهويتها الوطنية شأنا.
يعتقد أولئك “الأئمة” واهمين أن الولاء المذهبي، يلغي أولوية الولاء للوطن، ولا يأذن لأحدٍ بالتخلي عنه، كي لا يقع في “إثم المعاصي”، ومركز الولاء المذهبي “قم” تتعالى قدسيتُه في حضن نظام سياسي، يرى أتباعَ المذهب في كل مكان مجرد رعايا خاضعين له، ويأتمرون بأوامره.
بريطانيا المملكة العظمى التي لا تغيب عن مستعمراتها الشمس، ارتضت نظام الولاء للمذهب وباركت مرجعيته، على حساب الولاء للوطن، وكرَّسته في عهد استعماري مقبور، يضحى الواجهة المذهبية التي تستميل عقول وخواطر شعوب في مناطق استعمارها.
عصبية الولاء المذهبي فكرة غذَّتها بريطانيا “العظمى” إذن، وارتقت إلى معتقد إيماني له طقوسه وتقاليده، تعود الكلمة الفصل فيه إلى “المرجع الشيعي الأعلى” الذي يتبعه معتنقو المذهب في أمور الدين والدنيا.
يدرك “الأئمة تلك الحقيقة التي لم يغفلها التاريخ المعاصر، لكن المعنيين يتناسونها حفاظا على “هيبة” المرجع الأعلى، وإخفاء تبعيته لأكبر قوة استعمارية، ارتقت بـ”عظمة” دوره.
استثمر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ذلك الإرث البريطاني المذهبي، بإحياء دوره في احتلال أفغانستان (2001) والعراق (2003)، منتزعا فتوى المرجعية المذهبية بـ”ضرورة” هذا الاحتلال ومباركته، جاعلا دعاة المذهب بهويتهم الإيرانية واجهته الحاكمة في بغداد.
عبثا حاول نظامُ الولي الفقيه في طهران والمرجعُ الشيعي الأعلى إخفاء تلك العلاقة التدميرية لاستقرار الشعوب وأمنها، حتى طفح الكيل فانتفض الشعب العراقي بكل أطيافه، ومدنه التي اعتقدت إيران أنها صمام أمان لوجودها المنبوذ، لاسيما كربلاء “مرقد الحسين” والنجف مقر “المرجع الشيعي الأعلى” في ثورةٍ شعبية بعثرت حسابات طهران، وهددت بإسقاط مشروعها الطائفي التوسُّعي في الشرق الأوسط برمَّته، وأسقطت فكرة الولاء للمذهب على حساب الولاء للوطن، وأحرقت ورقتها التي تساوم بها القوى الاستعمارية الكبرى في تنفيذ مشاريعها.
صدمة شكَّلتها انتفاضة شعبية ضربت رأس المشروع الطائفي في الصميم، وجردته من أدوات البقاء والمساومة، فاقدا أهم قواعد وجوده، أفقدته قدرة النطق بخطاب مقنع سليم، حين اعتلى منابرَ الخطابة في قم وطهران “أئمة” اجتهدوا في شتم انتفاضة الشعب العراقي ووصفها بـ”الشغب” و”الإرهاب السياسي” في خُطب أثارت سخرية الإعلام والرأي العام الذي يرى انتفاضة العراق بوقائعها المتصاعدة حقا يجسِّد إرادة شعب في استعادة وطنه من غازٍ يتخفى بعمامةٍ طائفية لا تخدع أحدا.
انتفاضة شعب أفقدت خطيب جمعة طهران محمد علي موحدي كرماني صوابه، وهو يصف المنتفضين في العراق بأنهم “شيعة إنجليز” متنكرا لدور “الإنجليز” في إضفاء شرعية “قدسية” لمرجعيتهم المهزومة أمام قدسية الولاء للوطن.
يولَد الإنسان على الفطرة النقية والسليمة كما جاء ذلك في كل التشريعات السماوية وأكدته البحوث والدراسات النفسية والاجتماعية على السواء، إلا أن البيئة التي يعيش فيها الفرد هي التي تجعله صالحا أو طالحا، مصلحا أو مفسدا، لطيفا أو عنيفا، سليم النفس أو معقد الميول، ديمقراطي أو مستبدّ، متعايش أو عنيف، يقبل الرأي الآخر ويتعايش معه أو مستبدّ برأيه محاولا فرضه بكل الطرق.
ونقصد بالبيئة التي يعيش فيها هي كل المؤسسات والأفراد والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والدينية التي يحتك بها الفرد في سنوات تنشئته الاجتماعية الأولى سواء كانت مجتمعاتٍ مفروضة كالأسرة والمدرسة، أو مجتمعاتٍ اختيارية كالمجتمع أو الصداقات والجماعات والمنظمات والأحزاب بمختلف توجهاتها وقناعاتها، ولذلك يقولون إن الدول والمجتمعات تحكمها المؤسسات لأن نظمها هي التي تجعل من الإنسان الفردَ الصالح أو العكس، الإنسان المنتج أو الخامل.
ويمكن إسقاط هذا المنطق على كل السلوكيات والقيم والمعتقدات، فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر “الديمقراطية”، فإنها كقيمة وقناعة وسلوك في الآن ذاته لا يمكن تبنيها عند الكِبر أو تقمُّصها بعد فترة النضج أو التمثيل وخداع الآخرين بأنك شخصٌ أو مجتمع ديمقراطي، في حين أن القناعة العميقة مستبدَّة ومتسلطة، وإنما السلوك الديمقراطي هو تنشئة اجتماعية ابتداء من الأسرة إلى المدرسة إلى الشارع إلى الإعلام إلى الممارسة السياسية على مستوى الدولة، وقس على ذلك قيم: الصدق والنزاهة والأمانة وإتقان العمل وقبول الآخر والتعاطي مع الحرية وثقافة الحقوق والواجبات…
ولعل من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي أصبحت تميز المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة وبشكل مبرمج ومعلن وموجَّه هو ظاهرة “الكراهية” و”العنصرية” بين أبناء الشعب الواحد، والذي زاد من انتشار وحدَّة وتفاقم هذه الظاهرة هي مواقع التواصل الاجتماعي التي يغيب فيه الرقيبُ والعقاب والحساب، ظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري غذتها عديد الأطراف المستفيدة سواء كانت أطرافا داخلية ذات أجندات مفسدة وفاسدة أو أطرافا خارجية تحاول تعكير صفو الوحدة الوطنية وتخريب نسيجها الاجتماعي القوي الذي كان وإلى وقت قريب يميز المجتمع الجزائري من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وهذه أسباب انتشار وتفاقم هذه الظاهرة:
– تراجع دور المؤسسات الرسمية في الجزائر، لأن الأصل الذي يضمن الوحدة الوطنية ويحميها ويرقيها هو الدولة بمختلف مؤسساتها، وهنا لا أقصد بالدور الفعال هو الشعارات والخطابات الرنانة، بل غرس هذه القيم كثقافة دولة وسلوك مجتمع. ونلاحظ في بعض الأحيان أيضا أن الدولة تشتكي من هذه الظواهر في حين أنها الجهة التي من المفترض أن تكون محل الشكاوى، فهي التي بيدها كل الوسائل والفضاءات والإمكانات لغرس هذه الثقافة ونبذ كل أشكال الكراهية والعنصرية.
– تراجع المؤسسات غير الرسمية أيضا عن أداء دورها في الحدِّ من انتشار هذه الظواهر، وللأسف الشديد نلاحظ كذلك انخراط بعض هذه الفضاءات بقصد أو بغير قصد كي لا نظلم بعضها لتشارك في انتشار هذا المرض النفسي والمجتمعي العضال إنتاجا وتسويقا، كالأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني…
– المنظومة التربوية القائمة على الحشو المعرفي والتلقين التقني للمناهج الدراسية دونما إنتاج فعلي وحقيقي يعزز من قيم المحبَّة والتسامح وقبول الآخر أيا كان توجُّهه وانتماؤه، ما أدى إلى تراجع كبير للمدرسة الجزائرية في لعب دورها الحضاري والفعال في تصدير أناس فاعلين وإيجابيين للمجتمع لتعزيز القيم التي من المفترض أن تعطيها لنا المدرسة كفضاء لا أقول تعليميا فقط ولكن كفضاء تربوي حارس للقيم إنتاجا وحماية وتسويقا.
– جزءٌ من المسؤولية يتحمَّله الإعلام أيضا بمختلف قنواته وجرائده ومواقعه من خلال التوعية والتحذير الدائمين من خطورة هذه السلوكيات الخطيرة التي تهدّد الأمن النفسي والمجتمعي للشعب الجزائري، فالإعلام هو المرآة العاكسة للمجتمعات سواء الانعكاس الايجابي أو السلبي، وستحل الكارثة الكبرى إذا ما انخرط الإعلام في عملية إنتاج وتسويق خطاب الكراهية والعنصرية وهذا الذي ينبغي أن لا يتسامح معه المجتمع أبدا.
– الخطاب المسجدي الذي انزوى في الجانب القصصي والشكلي من ديننا الإسلامي العظيم وشريعتنا الحضارية، بل وسقط في شراك التنميط والتكرار والخوض في المسائل التي لا ينبني عليها تقدُّمٌ أو ازدهار أو تنمية، فتحوَّل المسجد من منارة للتغيير المجتمعي العميق إلى مجرد محطة روتينية يرتادها الكثيرون ويخرجون منها كما يدخلون على اعتبار أداء الفرض لا أكثر ولا أقل، فإعادة الدور الحضاري للخطاب المسجدي كفيلٌ بمساعدة مؤسسات الدولة والمجتمع في القضاء على هذه الظاهرة المقيتة وعلى غيرها من باقي الظواهر التي خرَّبت، وما تزال تحاول، النسيجَ الاجتماعي الجزائري.
– غياب العقوبة والردع فاقم من تزايد الكراهية في المجتمع الجزائري والعنصرية وقد قيل: “من أمن العقوبة أساء الأدب” لا أقول غياب النصوص والتشريعات، فقانون العقوبات كاف لتجريم هذه السلوكيات يُضاف إليه القانونُ الأخير حول تجريم العنصرية والكراهية، لكن كل الجزائريين يعلمون أن المشكلة لا تكمن في النصوص وإنما في الرغبة والإرادة في تطبيق هذه النصوص وتطبيقها العادل والصارم على الجميع، مهما كان هذا الجميع مقتدرا أو له مقامات عليا في الدولة أو المجتمع.
– الصراعات الإيديولوجية والعرقية والإثنية والسياسية في الجزائر، ومن دون تأطير، ساهمت كثيرا في انزواء كل جماعة وحزب ومنظمة ومدرسة فكرية على نفسها مع أتباعها تناصب العداء للآخرين بالرفض والكراهية والإقصاء والتحريض، ما عمَّق هذه السلوكيات كثيرا بالمجتمع الجزائري ليصبح ثقافة عامة وسلوكا شائعا ومنتشرا بين عموم الجزائريين، وأصبح المواطن بدل أن يحتمي بالوطن بمختلف تنوعاته بات ينزوي إلى قبيلته وعشيرته وحزبه وعِرقه طالبا اللجوء والحماية وكأننا في دويلات داخل الدولة الواحدة.
– مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعا حقيقيا لنشر كل أنواع الكراهية والعنصرية والتطرُّف والعداء للآخر على اعتبار أنها فضاءات تقلُّ فيها الرقابة ويشعر فيها المعتدي والمتنمِّر والعنصري بحرية أكبر لأنه يمتلك صفحته الخاصة وهو من يديرها بالنشر والتسويق وهو رئيس تحريرها، فيكتب ما يشاء ويعلق عمن يشاء حتى ولو اقتضى الأمر اختباءه وراء حسابات وصفحات وهمية.
– غياب فكرة “العقد الاجتماعي”؛ هذه الفكرة المنتِجة التي جاء بها عالم الاجتماع الشهير “إيميل دوركايم” والتي تعني اتفاق المجتمع على مجموعة قيم ومبادئ وقناعات توحِّده وتجعله أكثر تماسكا ولحمة وقوة وإنتاجا ضمن منظومة من الاختلاف والتنوع الذي يزيد المجتمع قوة لا تفرقة وتشرذما وصراعا في إطار قوانين صارمة وثقافة واعية تستجيب بكل رغبة وقناعة لهذا العقد الواحد والموحِّد للشعب بمختلف انتماءاته وفي مقدِّمتها فكرة “المواطنة”، إذ نلاحظ في عديد الدول وصول مواطنين من أصول أجنبية وثقافات مختلفة إلى سدة الحكم وإلى مناصب سيادية في هذه الدول بخلفية المواطنة وليس بخلفية الأصول والجذور والانتماءات.
يحتاج مجتمعنا الجزائري فعلا إلى جهود كبيرة وتضحيات عظيمة وإرادة صلبة وقوية للقفز على هذا المشهد الأليم الذي نعيشه للأسف الشديد، وذلك من خلال الاشتغال الحقيقي والجاد والمسئول على الفضاءات التسعة سالفة الذكر، وذلك بفتح ورشات للتفكير والتخطيط والتنفيذ، وبشراكة ومساهمة كل فعاليات المجتمع من دون إقصاء أو تهميش أو تضييق، فنحن نعيش ضمن مجتمع واحد وبلد واحد الأخطار فيه على الجميع والمنجزات فيها للجميع أيضا.