“الموصل” قصة فضيحة إنسانية .. حقوق فقراء المتضررين في دوامة الفساد والروتين !

“الموصل” قصة فضيحة إنسانية .. حقوق فقراء المتضررين في دوامة الفساد والروتين !

وكالات : كتابات – بغداد :

أكدت البعثة الأممية لمساعدة العراق، (يونامي)، أمس الجمعة، على لسان الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، “غينين بلاسخارت”، على الحكومة العراقية أعلنت إعتزامها إغلاق العديد من مخيمات النازحين، وتم بالفعل إغلاق عدد من المخيمات ودمجها خلال الأيام القليلة الماضية، ومن المتوقع إغلاق المزيد. معلنة عن دعم الأمم المتحدة والعمل على ضمان حصول النازحين، الذين غادروا المخيمات إلى ديارهم، على الدعم اللازم.

وعلى الرغم من تلك الدعايات السياسية والتصريحات الإعلامية؛ تكافح مدينة في حجم، “الموصل”، نوعًا جديدًا من المعاناة على أرض الواقع، في إطار معاناتها الكبيرة في استعادة حياتها فيما بعد “النكبة الداعشية” التي ألمت بها، في العام 2014، وانتهت قبل ثلاث سنوات، إلا أنها تعاني من مشكلة إنسانية عميقة تتعلق بتأخر وإهمال خارج المنطق، لمعاملات تعويض أهالي المدينة وهم بعشرات الآلاف، وما من مغيث لهم خصوصًا من الحكومة الاتحادية في “بغداد”.

معاناة على أرض الواقع..

ويتعلق الملف بآلاف الضحايا، من قتلى وجرحى ومفقودين ومتضررين بمنازلهم وسياراتهم. ولفهم حجم الكابوس القائم، فإن الإحصاءات الأممية الأخيرة تشير إلى تضرر ما يقارب 11 ألف وحدة سكنية، بعضها سوي بالأرض والآخر لحقت به أضرار كبيرة. ولهذا فبالإمكان التقدير بأن هذه الوحدات السكنية المتضررة، كان يقطنها عشرات آلاف الأشخاص.

إذ كان من الطبيعي أن تتحرك الحكومة لمحاولة تعويض هؤلاء، وأن يقدم المتضررون على تقديم طلبات التعويض بما لحق بهم من خسائر وأضرار في مرحلة الاحتلال الداعشي ومعركة تحرير المدينة. وفي ظل ما بعد الحصار الاقتصادي، الذي كانت تفرضه عصابات (داعش) على الموصليين، لم يكن لديهم أي خيار لإعادة إعمار منازلهم سوى اللجوء إلى المنظمات الدولية وترويج معاملات التعويض من قبل الحكومة العراقية.

وفي تصريحات لوكالة (شفق نيوز)، يقول المحامي، “محمد العكيدي”، وهو أحد المختصين في معاملات التعويض سواءً للمنازل أو السيارات أو لضحايا الإرهاب: “إن تسيير معاملة التعويض هو أشبه بالكابوس الذي لم يستيقظ منه الموصليون حتى اليوم، فأبسط معاملة تحتاج إلى إجراءات روتينية ما يقارب العام والنصف إلى عامين؛ وهنالك معاملات لم تكتمل حتى اليوم وقد مر أكثر من ثلاث سنوات على تحرير الموصل”.

وأوضح “العكيدي”؛ أن: “إحدى الإجراءات التي أنهكت المواطنين؛ هو التصريح الأمني الذي يتأخر لعام وأكثر من عام ونصف أحيانًا”. ويصف “العكيدي” ما يحدث، بالمهزلة؛ فمن غير المعقول ألا يحصل مواطن على وثيقة رسمية تثبت براءته من (داعش) إلا بعد عام أو عام ونصف، وهذا الإجراء أصبح العقبة الأكبر، ناهيك عن الحديث بباقي التفاصيل التي جعلت الآلاف من الموصليين يتركون معاملات التعويض ويفوضون أمرهم إلى الله بعد يأسهم من الحصول على التعويض.

إجراءات روتينية وآلاف المعاملات.. ينتهي أمرها على الأرض !

وقد حصلت وكالة (شفق نيوز)؛ على صور حصرية لآلاف المعاملات التي أكملتها اللجنة الفرعية، بعد أعوام من العمل، لينتهي بها المطاف مرمية على الأرض.

وتقول مصادر من داخل اللجنة؛ إن من المفترض أن يصادق الإدعاء العام على هذه المعاملات لتنتهي بعد ذلك؛ ويبقى فقط التخصيص المالي، ولكن رغم مرور أشهر على تولي الإدعاء العام هذه القضية إلا أن لجانه لم تصادق إلا على عشرات المعاملات فقط، وعلى ما يبدو فإن سنوات ثلاث أخرى ستمر ولن تكتمل هذه المعاملات.

أما عن خطورة بقائها على هذا الحال، فتشير المصادر إلى أن عود ثقاب واحد كفيل بإحراق حقوق الآلاف وجعل مليارات الدنانير مجرد رماد أسود لا قيمة له.

التعويضات تصرف بالمحسوبيات وشبهات فساد..

وبحسب معلومات، فان من بين أكثر من 50 ألف معاملة، لم يحصل إلا ما دون 1000 فقط على صكوك التعويض التي أوعزت “بغداد” بصرفها، خلال الفترة الماضية.

وبحسب المصادر؛ فإن غالبية المستفيدين من التعويض هم من المتنفذين والمقربين من النواب، بالإضافة إلى أصحاب الوساطات الذين قاموا بمتابعة معاملاتهم من “بغداد”، أما من ليس لديه مسؤول “يدعمه”، فتعويضه أشبه بالحلم الذي لن يتحقق إلا بعد سنوات.

وتقدر اللجان الفرعية قيمة التعويض بالنصف، أي أن من كانت قيمة الأضرار في منزله 30 مليون دينار، لا يحصل إلا على ما دون 15 مليون فقط أو 10 ملايين، هذا إن حصل عليها أساسًا.

يتحدث “أحمد محمود”، عما جرى معه أثناء عمليات التحرير؛ حيث خسر زوجته ومنزله وسيارته أيضًا. ومنذ سنوات هو “يقاتل” من أجل إكمال معاملات التعويض من دون جدوى.

ويقول: “هذه هي صور زوجتي أثناء نقل جثتها عبر النهر، والموصل بأسرها تعلم ما حدث معي، وأنا أعمل على إنجاز المعاملات منذ أكثر من عامين، ولكن دون جدوى”.

وتابع بحسرة قائلاً: “لا أعلم ما الذي أقوله حول التعويضات والإجراءات، لكن الحكومة ظلمتنا كثيرًا ونحن بأمس الحاجة إلى حقوقنا التي أصبحت أشبه بالأحلام”.

وأضاف قائلاً: “أنا بين شبابيك هذه الدائرة منذ عامين؛ ولا أعلم متى سأكمل المعاملة، وحتى إن أكملتها لا أعلم متى ستصرف الحكومة مستحقاتي. وإن سألتني كيف أعيش الآن مع باقي أفراد عائلتي، فأنا أعيش بأعجوبة والأيام التي تمر علينا هي من أسوأ الأيام”.

مسؤولية حكومة “بغداد”..

وللتدقيق في ما يجري على صعيد العلاقة مع “بغداد”، تحدث “محمد عكله”، وهو مدير سكرتارية اللجنة الفرعية، وقال: “إن ما يحدث من تأخير تتحمل بغداد مسؤوليته، وعلى الحكومة تخصيص مبالغ مالية لتعويض المتضررين، فغالبيتهم إما مشردون في الإيجارات أو غرقى بالديون التي أجبروا عليها لإعادة بناء منازلهم”.

وأوضح “عكله” أنه: “في السابق كان المواطن يضع اللوم علينا في التأخير، ولكن اليوم بعد أن أكملنا أكثر من 50 ألف معاملة للمنازل والعجلات؛ وأكثر من 10 آلاف معاملة للشهداء والجرحى، نحن لم نقصر في شيء ومازالت آلاف المعاملات في الغرف نعمل على إكمالها”.

وأضاف: “لكن من بين عشرات الآلاف لم يستلم، (التعويضات)، إلا ما دون الألف فقط، فمن هو المقصر؟”.

وبحسب القرار الأخير لـ”البرلمان العراقي”، بخصوص “قانون التعويضات”، فإن كل معاملة تبلغ قيمة التعويض فيها أكثر من 30 مليون دينار، يجب أن تصادق عليها “بغداد”، أما ما دون ذلك، فيجب أن يصادق عليها الإدعاء العام في الموصل. وقال “عكله” أنه: “في كلا الحالتين أعتقد أن الأمر سيستغرق لسنوات حتى يتم إكمال هذه المعاملات “.

وما تزال مئات المنازل في “الموصل” أشبه بالخرائب، ولم يعد إليها أصحابها على أمل نيل التعويضات أولاً، فمن لم يكن لديه إمكانية لإعادة إعمار منزله لم يبق له إلا الجلوس على أطلالها وبانتظار أمل لا أحد يعلم متى سيأتي.

ورغم جهود المنظمات الدولية والخيرين من أبناء المدينة في إعمار المنازل والمباني المتضررة، إلا أن حجم الدمار كبير وعدد المتضررين بالآلاف وبدون التعويضات الحكومية، سيكون من الصعب لملمة جراح الحرب التي ما يزال الموصليون يعانون منها حتى اليوم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة