خاص : كتبت – نشوى الحفني :
خلاف ظاهره الدفاع عن الإسلام، إلا أن باطنه يتكشف مع مرور الوقت من خلال توظيف الجماعات المتأسلمة لإتخاذ خطوات مضادة تأخذ المنحى الاقتصادي مستغلة الحملة المتصاعدة ضد “فرنسا”.
فما يحدث ظاهريًا؛ أنه بعد تصريحات للرئيس التركي، التي طالب فيها نظيره الفرنسي؛ بـ”فحص صحته العقلية”، استدعت “فرنسا” سفيرها في “تركيا”، فيما اعتبرت باريس أن “تصعيد اللهجة والبذاءة لا يمثلان نهجًا في التعامل”. في المقابل ارتفعت الدعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية.
دعوى المقاطعة هذه سبقتها دعوى أخرى من قِبل “السعودية” لمقاطعة البضائع التركية، وهو الأمر الذي يثير الشكوك حول نية الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، من الحملة التي يقودها ضد الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، بعد أن تعهّد بـ”عدم التخلي عن رسوم كاريكاتور” تجسّد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وجاء ذلك بعد مقتل أستاذ في التعليم الثانوي عرض على تلاميذه رسومًا كارتونية مسيئة للنبي محمد؛ سبق أن نشرتها مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية الساخرة.
أنقرة وحليفها تنظيم الإخوان يقفون وراء الحملة..
ذكر تقرير لـ (سكاى نيوز عربية)؛ أن حملة مقاطعة البضائع الفرنسية خرجت فجأة، فيما بدا من الجهات التي تدعم الحملة وتروج لها أنها ترتبط بـ”أنقرة” وحلفائها من “الإخوان المسلمين”؛ للتشويش على الحملة الأولى، بحسب متابعين.
وأوضح التقرير أن الدعوات كانت قد صدرت أولاً لمقاطعة البضائع التركية في “السعودية”، منتصف تشرين أول/أكتوبر الجاري، لتمتد بعدها الحملات الشعبية التي إنطلقت بدون قرار سياسي إلى “الإمارات والكويت ومصر وليبيا والمغرب”.
وفي ظل هذا الزخم لمقاطعة البضائع التركية، ظهرت فجأة حملة لمقاطعة البضائع الفرنسية، ليتضح أن “أنقرة” وحليفها، تنظيم “الإخوان”، يقفان وراء الحملة.
وتقول الحسابات، التي تقف وراء حملة مقاطعة البضائع الفرنسية؛ إنها تأتي في “إطار الرد على إهانات الفرنسين للدين الإسلامي”.
ويوضح التقرير أنه بإلقاء نظرة فاحصة على الحسابات الناشطة لهذه الحملة؛ تظهر أنها مرتبطة بـ”قطر وتركيا وتنظيم الإخوان”، حيث أمطرت “فرنسا” بالهجمات.
ولعبت هذه الهجمات الكلامية على العاطفة الدينية لتأجيج مشاعر الغضب ضد “فرنسا” وتحويلها إلى دعوة لقبول المنتجات التركية كبديل “مسلم” للمنتجات الفرنسية.
وتأتي هذه الهجمات الإعلامية في (تويتر)، على الرغم من أن التبادل التجاري بين “تركيا” و”فرنسا” بلغ نحو 14.7 مليار دولار، خلال 2019 فقط، بحسب أرقام تركية رسمية، وصرح وزير الخارجية التركي، “مولود جاويش أوغلو”، بأن “أنقرة” تخطط لرفع هذا التبادل إلى 20 مليار دولار، في 2020.
محاولة لإنقاذ بضائع تركيا في الشرق الأوسط..
وتبدو حملة مقاطعة البضائع الفرنسية محاولة من “أنقرة” لإنقاذ بضائعها في أسواق منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن “تركيا” تنافس “فرنسا” في مجال السلع الغذائية.
بالإضافة لذلك؛ وبحسب التقرير، نشطت حسابات مرتبطة بـ”قطر”، ممول تنظيم “الإخوان” وعناصر التنظيم، بالإضافة إلى حسابات مرتبطة بالأتراك في وسوم مقاطعة البضائع الفرنسية، والترويج للسلع التركية باعتبارها بديلاً، متناسين مثلاً الترويج لبضائع عربية قد تشكل تعويضًا لنظريتها التركية والفرنسية على حدًا سواء.
ومن الأصوات القطرية التي لعبت على العاطفة الدينية وحاولت استغلال الأمر لصالح تركيا، الصحافي القطري، “جابر الحرمي”.
مقاطعة كل ما هو تركي..
وجاءت حملة المقاطعة ضد البضائع الفرنسية؛ بعد اتساع نطاق حملات مقاطعة البضائع التركية، والتفاعل الشعبي الكبير الذي حظيت به.
وكان رئيس مجلس الغرف التجارية في السعودية، “عجلان العجلان”، في تغريدة على (تويتر): “المقاطعة لكل ما هو تركي، سواء على مستوى الاستيراد أو الاستثمار أو السياحة، هي مسؤولية كل سعودي، (التاجر والمستهلك)، ردًا على استمرار العداء من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا”.
وبالفعل، أعلنت متاجر عربية، منها أسواق “عبدالله العثيم” و”تميمي” و”باندا”، أنها توقفت عن استيراد المنتجات التركية، وأمتنعت عن عرض سلع “صنع في تركيا” أمام الزبائن.
ونشر تجار صورًا تُظهر خلو محالهم من البضائع التركية، كما أعلنت جمعيات تعاونية في بيانات رسمية انتهاء العلاقة التجارية مع “أنقرة”.
وشملت حملة المقاطعة الشعبية؛ مثل الأغذية والملابس وقطاع المقاولات وغيرها من الأنشطة الأخرى، لاسيما أن المنتجات والشركات التي ستقاطع لها بدائلها المتوفرة في أسواق المنطقة.
وبدا أن الحملة ستوفر فرصة للعديد من البدائل العربية الموجودة بالفعل في السوق والقادرة على إنهاء الحاجة للسلع التركية.
المحللون قالوا إن الدعوات التي انطلقت مؤخّرًا في عدد من دول العالم العربي لمقاطعة “تركيا” اقتصاديًا؛ تمثل تنبيهًا لها حتى تتوقف عن سياساتها المعادية للدول العربية وتدخلاتها في شؤونها.
استغلال اليمين المتطرف للأحداث..
من جهته؛ أشار موقع (ميديل إيست أون لاين)؛ إلى أن المشهد بتجلياته الراهنة يشير بكل وضوح إلى الجهة المستفيدة من كل هذا التوتير والتجييش، فاليمين المتطرف في “فرنسا” خاصة، وأوروبا عمومًا، يستغل مثل هذه الأحداث للاستقطاب والتحريض ليقنع المعارضين لسياساته بما يراه صوابًا في التعامل مع المسلمين والمهاجرين وترسيخ “الإسلاموفوبيا” في المجتمعات الأوروبية.
ويسجل اليمين المتطرف عادة نقاطًا على حساب اليسار في مثل هذه الأجواء الملتبسة والمشحونة التي يهيمن فيها خطاب الكراهية والتخويف من الآخر بسبب الاختلاف العقائدي والعرقي.
توظيف الإسلاميون لخطابات الكراهية..
وعلى الجبهة المقابلة يوظف الإسلاميون، (وليس المسلمين)، خطابات الكراهية والتمييز التي يسوقها اليمين المتطرف، لترسيخ فكرة أن الغرب يستهدف الإسلام.
يوضح الموقع أن “ماكرون” لم يقدر حساسية الموقف؛ وغاب عنه أن تصريحاته حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، قد تفجر موجة غضب يسهل استغلالها من اليمين المتطرف وجماعات الإسلام السياسي.
فرصة لتعزيز المظلومية..
وتقود جماعة “الإخوان المسلمين”، بدعم من الحاضنة التركية، حملة مضادة عنوانها ديني ومآربها سياسية، فـ”الإخوان” الذين وفرت لهم دول غربية، (بينهم فرنسا)، ملاذات آمنة وسمحت لهم بافتتاح مساجد ومدارس، وجدوا في تصريحات “ماكرون” فرصة لتعزيز مقولة المظلومية التي كانوا يرفعونها في بلدان المنشأ.
وكان لافتًا أن تحرك “الإخوان” جاء بعيد إعلان الرئيس الفرنسي حملة على جماعات الإسلام السياسي في بلاده، والتي يثبت إرتباطها بالتطرف أو الدعاية للتطرف.
وتقول مصادر قانونية إن هناك ثغرات في القوانين الأوروبية عمومًا، والفرنسية خصوصًا، أتاحت لجماعات الإسلام السياسي التمدد تحت ستار حرية المعتقد؛ وأنها عززت نفوذها على مرأى ومسمع من حكومات الدول التي تنشط فيها.
ومن ضمن تلك الجماعات جماعة “الإخوان المسلمين”، التي أنشأت هيئات وجمعيات خيرية وقنوات مالية وشبكات سرية، في مختلف دول العالم، خاصة في “بريطانيا” وتمددت إلى كل من “ألمانيا وفرنسا” دون قيد أو رقيب على أنشطتها.
وبعد عقود من علاقة ملتبسة وملاذات لـ”الإخوان” في الخارج تحت غطاء المظلومية، أصبحت الجماعة المحظورة والمصنفة تنظيمًا إرهابيًا؛ تحت مجهر عدد من الحكومات الغربية التي توجست من أنشطة مالية مشبوهة ومن قدرة التنظيم على استقطاب المزيد من الأنصار وتوظيف المساجد والمدارس الدينية منبرًا للترويج للتطرف.
إنشاء خلافة..
وبحسب موقع (العربية)، كشف تقرير صادر عن “مجلس الشيوخ” الفرنسي، في شهر تموز/يوليو الماضي، عن أن: “مؤيدي الإسلام السياسي يسعون إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا” من أجل “إنشاء الخلافة”، ويغذون في بعض المدن “نزعة انفصالية” خطيرة، من دون تقديم تفاصيل عن هذه الأعمال.
واقترح التقرير، الذي حررته، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، “جاكلين أوستاش-برينيو”، نحو 40 إجراء للحد من “التطرف”، من بينها منع التحريض والخطابات الانفصالية ومراقبة بعض المدارس والجمعيات، وتوعية المسؤولين المنتخبين ووسائل الإعلام، مبدية قلقها بإزاء الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة، لا سيما السلفية منها و”الإخوان”.