ربما كان السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء، موفقا الى حد ما، في إستعمال التعابير المجازية، للتعامل مع أكثر أزمات العراق والمنطقة حدة وغليانا، وهو يدرك أن هناك الكثير من الثعابين التي تواجهه، داخليا وخارجيا، وهو يريد أن يبحث عن أمثل الطرق للتغلب على سمومها، قبل أن تلدغه، وتزيحه من على كرسي السلطة بهزاتها الإرتدادية!!
وبالرغم من أن مربي الأفاعي في الهند، تخلوا عن مهنتهم ، التي كان يتكسب منها بعض الفقراء في العزف على مزاميرهم ، كي ترقص الأفاعي التي يحملونها في أقفاص خاصة، الا أن السيد الكاظمي وجد في تلك التعابير المجازية ، ما يمكن ان يكون بمقدوره ان يحمل مزماره، ليراقص الأفاعي التي تدور على مقربة منه، وما أكثرها، ويبدو أنها تحولت من الهند وباكستان الى العراق، ووجدت أرضا خصبة للانتشار في هذا البلد!!
وهناك من يلقي باللائمة على السيد الكاظمي لأنه إتخذ من (مقاربة) كان الرئيس اليمني السابق المرحوم علي عبد الله صالح قد إستخدمها لوصف حالة الصراع في بلاده، وما يواجهه أنذاك من ثعابين كثيرة، لكن القدر لم يسعف الرجل، ومات بلدغة ثعبان كما يعرف الكثيرون!!
ولم يستخدم ميكافيلي نفسه في كتابه (الأمير) ، الاسلوب الذي إستخدمه السيد الكاظمي، في انه يعتمد في منهج الحكم على مبدأ (الوسيلة تبرر الغاية) إذ لم نجد إشارة لدى ميكافيلي وهو المحترف في علم السياسة والحكم، أي إستخدام لـ ( المزمار) في (مداعبة الثعابين) التي تتصارع على مقربة من الحاكم، لانه ربما عدها وسيلة (تراجع) وربما (خوفا وقلقا) من المواجهة معها أو الاصطدام بها، وهو يريد ان يكون للحاكم القدرة على ( المبادأة) و(مواجهة الخصوم) بما يبعد شرورهم عنه، بطرق أكثر دراماتيكية ، وللتاكيد على أنه يمتلك من الشجاعة والقدرة مايكفي لمواجهتهم، ولكي لايظهر أمام الآخرين بدور الضعيف!!
كما أن ميكيافيلي ، وهو الخبير بعلم السياسة وفنونها، كان يركز على مواجهة (النجوم) ومن هم ينافسون الحاكم على (كرسي السلطة) ، وهو يدرك أن أي حاكم لايرغب بأن يكون هناك أكثر من (نجم) ينافسه،وربما لو كان ( ميكافيلي) في العراق، لـ ( شرد الرجل) وخرج ( بلا هدوم)!!
السيد الكاظمي يدرك أنه يواجه (خصوما) من نوع آخر، ربما أشد فتكا من تلك التي واجهها (ميكاقيلي)، وبالرغم من ان (رجل المخابرات) لابد وان يمتلك من الحنكة والشجاعة والحيلة والمراوغة والملفات الكثيرة ، لوقف (تداعيات) حالة الانهيار وغدر الخصوم، الا ان إستخدامه للمزمار والأفاعي، وحتى (الورقة البيضاء) هي وسيلة (ستراتيجية) طويلة الأمد للتعامل مع الأزمات، والشعب يريد ان يحافظ الان على مصدر عيشه وهو راتبه، ولقمة عائلته، و( الورقة البيضاء) ربما لاتفضي الى نتائج متوخاة الان، وقد يموت شعبه من الجوع ويهلك، إن لم تتوفر له أبسط مقومات الحياة، وهو الراتب، بل ان تلك (الورقة) قد تنقلب عليه وبالا، وتتحول الى (ورقة مصخمة) إن أدرك خصومه، انه لايجيد السباحة في المياه العكرة، لهذا فإنه قد لايكون بمقدور مزماره ان يرغم الافاعي على الرقص، أو أن تطرب على موسيقاه، وهي التي تعاني من فقدان حاسة السمع، كما يقال، بالرغم من ان خصومه يجيدون السمع، ويتلقفون أية وسيلة للانقضاض عليه، بسرعة البرق، لكنهم سرعان ما يتراجعون، بعدما تأكد لهم، أن الكاظمي (عاد الى رشده) ولم يعد بمقدوره الدخول في مواجهة معهم، وربما يترك مزماره و(يشرد) إن وجد في (الهروب نصف المراجل) كما يقال!!
أما (الهدنة) التي أعلنها كل من (الخصمين اللدودين) الولايات المتحدة وإيران، وايقاف مرحلة التراشق بالدوشكات والصواريخ بينهما، فلم تكن من نتائج (مزمار الكاظمي) لأن (الأفاعي المفترسة) تمتلك من الشراسة والفتك ما لا يكن بمقدوره ان يراقصهم مزماره، لكن (حرب الاعصاب) و (تهديدات ترامب وبومبيو) هي من وضعت (قواعد فك الإشتباك) وتم التوصل الى (هدنة مؤقتة) لحين انجلاء نتيجة الانتخابات الامريكية، ونكون الان أمام مقولة (لو هره لو وره) ، للتدليل على ان الخصمين العنيدين، يمكن ان تكون لديهما (القدرة على التعايش) أو إستخدام (الردع الثوري) الى ان يكون بمقدور من يمتلك (وسائل الردع) ايقاف الآخر عند حده، ولكي لايظن أن بامكان تحركاته (البهلوانية) ان تؤدي الى التغلب على الآخر، فيضطر (مرغما) على التراجع، بالرغم من ان أحوال بلده، قد وصلت الى (مرحلة من الانهيار) لم يكن بمقدوره بعدها ان (يغامر) أو (يقامر) بشعبه، ويوصله الى حالة من الارتباك والفوضى والضياع، لن يصحو منها ربما حتى بعد عقود!!
قبل أن تطأ أقدام السيد الكاظمي كرسي رئاسة الوزراء بأيام، عبرت عن تلك الحالة بمقال عنوانه: (الكاظمي أمام مهمة إنتحارية) ، لكن الرجل وجد أن ما يواجهه من أهوال، ليبس بمقدوره ان يواجه كل تلك الثعابين التي تجرعه كل يوم كؤوس الحنظل، ولم يكن قويا امامها بما يكفي، لايقاف (تداعيات) الحالة العراقية وانتكاساتها، وترك السيد الكاظمي العراقيين هم من ينتحرون، عندما تأخرت رواتب الملايين من موظفيهم ومسؤوليهم، ولم يعد بمقدوره أن يجد حلولا لأسوأ أزمة أقتصادية ، مرت في تأريخ العراق، منذ عصور ما قبل التاريخ، وهو قد أبقى الإستنتاج مفتوحا لما هو الاسوأ، وإستغله الخصوم للحديث عن إخفاقات يواجهها الكاظمي، ولم يكن لديه من الخطط ما يكفي لردع حالة التداعي وايقافها عند حدها!!
وربما تنفس الكاظمي الصعداء، بعد أزمات امنية، كادت أن تطيح به، على مقربة من بغداد، وبعد ان غادر المتظاهرون ساحات التظاهر ومرت إحتجاجاتهم بسلام، بالرغم مما شابها من جهات حاولت تشويه سمعتهم، بارتكاب مواجهات واعمال حرق ونهب لبعض المحال، وكان مخططا لها ان تحدث، الا ان الحالة العراقية بقيت كما هي، وخفت حالة التصعيد، بعض الشيء، لكن ما هو مخبء للكاظمي، أكثر مما هو متوقع له ان يحدث، والعراق (حبلى) بالمفاجئات،والسيد الكاظمي يجد في الكتل السياسية التي تصطرع وتعيش حالة احتراب داخلي بينها ومع دفة السلطة تحت قيادته، بسبب قرب الانتخابات المبكرة، أنها هي (الخطر الأكبر) الذي ليس بمقدوره ان يواجه أمواجه المتلاطمة، فبحر العراق هائج ، وسفينته المشرعة في وسط العواصف والأهوال، أمام مستقبل مجهول، مفتوح على كل الاحتمالات، وكما يقول العراقيون (الله هو الساتر)!!
الوضع العراقي، أكبر من حجم الأفاعي والثعابين، و(مزمار الكاظمي)..فالبلد أمام (وحوش مفترسة) تحيطه من كل حدب وصوب ، وكلما رأت (قطعة حمراء) هرولت خلفها لتصطدم بها، وتفترسها، وهي على مقربة منه، وهم يريدون أن يغرقوا مركبه في أي نهر يتهدده الفيضان، بل أنه حتى (الثيران) التي تصطرع داخله، لم يعد بمقدور أحد منا أن يعرف : (رجلها من حماها) كما يقال..وكان الله في عون السيد الكاظمي، على كل حال!!