18 نوفمبر، 2024 12:48 ص
Search
Close this search box.

الخيارات الثلاثة

نسب الى القيادي في حزب الدعوة عزة الشابندر قوله أن العراق الآن أمام ثلاث خيارات: إما التجويع أو التطبيع أو التقطيع! وسؤالنا هو كيف ولماذا؟ وسنحاول الأجابة عن هذا التساؤل عبر التحليل للأحداث.
ليس خافياً أن العراق الآن هو ساحة حرب بين المصالح المتضاربة لأمريكا وإيران، ونقول بين “المصالح” وليس بين الدولتين لأن ما يجمع بين أمريكا وإيران من أهداف أستراتيجية هو أكثر كثيراً مما يفرقهما. فكلا البلدين يسعيان الى تفتيت العراق وإضعافه وتقسيمه وإلتهامه إن أمكن ذلك. وما يقال عن العداء بين الدولتين إنما هو للآستهلاك الأعلامي وتضليل المُضلَلين أصلاً وزيادة في عماهم وتبعيتهم. وما يجري في العراق هو معركة لي أذرع وتحقيق مكاسب من طرف على حساب الطرف الآخروهذا ما دعى السيد مصطفى الكاظمي الى تصريحاته بشأن صعوبة التوازن بين القوى المتصارعة في العراق والتي يمكن فهمها بسهولة على الأساس.
وما قلناه لا يأتي بجديد لو كانت الأمور قد بقيت على ما هي عليه. أذن ما الجديد؟ بين تشرين الأول (اكتوبر) 2019 وبين تشرين الأول 2020 حصل الكثير، فقد سقطت حكومة عادل عبد المهدي وجاءت حكومة الكاظمي، ورغم أن الكاظمي لم يكن الشخص الذي من أجله أسقط المتظاهرون حكومة عبد المهدي، إلا أن الكاظمي جاء بأجندة مختلفة شعارها أنقاذ ما يمكن أنقاذه. إنقاذ ما تبقى من العراق وثرواته بعد أن أمعن الفاسدون والسراق في النهب والسرقة وتفننوا في إيجاد طرق جديدة لزيادة مكاسبهم الشخصية ومكاسب أحزابهم التي أصبحت مرفوضة من الشارع جملة وتفصيلا. فلم تعد أي شخصية مهما كان وزنها الأعتباري مهمة في نظر العراقيين ولا نزيهة ولا مقبولة في أدنى درجات القبول. واصبحت مسميات الأحزاب المشاركة في العملية السياسية ترتبط أرتباطاً عضوياً بالفساد وسوء الأدارة ومرفوضة من الشارع الثائر رفضاً قاطعا”. وأستدعى هذا الأمر أن تكون حكومة الكاظمي حكومة إنقاذ لما تبقى من العملية السياسية وشخوصها وأحزابها أيضاً.
وبين الشهر العاشر من 2019 و2020 حصل الزلزال الأكبر في العالم الذي ضربته جائحة كورونا وكانت حصة العراق منه كبيرة دفعها خسائرَ بشرية ومادية وكشفت عورات النظام الصحي والأجتماعي والمالي العراقي كما لم تكشف سابقاً، وكان على حكومة الكاظمي التعامل مع هذا الوباء أيضاً وتداعياته.
وبين 25/10/2019 ونفس التاريخ من عام 2020 كان هناك المحرك الهادر للأحداث وهو الشباب المتظاهر الذي لم يهدأ ولم يكل ولم يترك مواقع الأحتجاج لا فعلياً ولا فكرياً، فقد ثبتوا في مواقعهم في ساحات الأحتجاج رغم القمع والترهيب وسقوط الشهداء، ولم تتغير مطالباتهم بالتغيير الشامل والكامل ولم ترهبهم حملات الأختطاف والأغتيال ولم يغير مواقفهم التلويح بالمكاسب الآنية والمناصب البراقة.
1-3
وبين التاريخين أعلاه زادت حدة الصراع بين أمريكا وإيران مع أقتراب موعد الأنتخابات الرئاسية الأمريكية في الثالث من تشرين الثاني القادم. ودخلت أوربا على الخط بعد أنتهاء العقوبات المفروضة على النظام الإيراني والرفض الأوربي على تمديدها مقابل الأصرار الأمريكي على استمرارها.
في هذه الأجواء جاءت حكومة الكاظمي وهي تحاول إرضاء كافة الأطراف! وهذه مهمة مستحيلة. فلا المتظاهرون سيقبلون بأجراءات ومعالجات شكلية، ولا المتنفذون ومليشياتهم سيرضخون لأي إجراء جذري يمس سلطتهم ومكاسبهم ومواقعهم الوظيفية والسياسية. ومن جهة أخرى فأن أمريكا لن تسمح للوضع القائم أن يستمر ويستمر تغوّل أيران وتمدد اذرعها في العراق والمنطقة، كما إن إيران لن ترضى أن تتخلى عن كل شيء دون قتال.
كان تكليف الكاظمي برئاسة الوزارة وكما يبدو بدعم أمريكي ورضا إيراني بأعتباره الفرصة الأخيرة لأصلاح يهدأ الشارع ويمتص غضب الناس فقد وصلت الأمور في العراق حداً لا يطاق إبتداءً بغياب الخدمات ومروراً بأنتشار الفقر والمشاكل الأجتماعية الكثيرة وصولاً الى فساد الطبقة المهيمنة على مقاليد الأمور والمحاصصة المقيتة والمناطقية والعرقية التي لم يعرفها العراقيون سابقاً.
زار الكاظمي طهران ولم يحصل على ما يشفي غليله سوى الأصرار والعنجهية الإيرانية المعهودة. ثم زار واشنطن، فماذا حصل هنا وهناك. ما ساقدمه هو تحليل وليس معلومات. ابلغت واشنطن الكاظمي بضرورة تقليم أظافر أيران وتحجيم أدواتها وهي أساس الفساد في العراق وحصل منها على وعود بدعمه وربما حمايته فالموضوع أكبر من الكاظمي ويحتاج الى قرارات جريئة وجيش محترف يدين بالولاء المطلق للوطن وليس للأحزاب أورموزها. كما حصل من واشنطن على دعم اقتصادي ووعود بحل أزمة الكهرباء وبعض الأمور الأخرى. لكن كان عليه أن يدفع الثمن وهو التطبيع! هنا أحس الكاظمي بالنار تحت قدميه فهو أمام خياري التجويع أو التطبيع وكلاهما أمر من العلقم.
عاد الكاظمي الى بغداد ونقل رسالة واشنطن الى شركائه في العملية السياسية علهم يجدون له مخرجاً! أشاروا عليه بابقاء الأمور على ما هي عليه وليذهب المتظاهرون الى الجحيم. بل ذهبوا الى أبعد من ذلك فاصبح كل منهم يرمي الكرة في ملعب الآخر ويطالب بأن الأصلاحات يجب أن تسثنيه ولا بأس أن تأكل من جرف الآخرين.
أتجه الكاظمي الى أوربا وبتوصية أمريكية بأن ينظر إليه بعين العطف، ووجدت فرنسا وألمانيا وبريطانيا الفرصة كي تأخذ جزءاً من الكعكة وتم توقيع مذكرات تفاهم. وأطلقت التصريحات بأنتهاء أزمة الطاقة في العراق بحلول 2023 مما جعل عامة الشعب تتذكر تصريح الشهرستاني الشهير بأن العراق سيصدر الكهرباء نهاية عام 2013!

2-3
وبجمع كل هذه الشواهد والثوابت والمتغيرات نصل الى ما وصل إليه الشابندر بتصريحه الذي مر ذكره آنفاً. إما أن يجوع العراق بأن تبقى الأمور على ما هي عليه ويحصل ما لا يحمد عقباه، او يطبّع العراق علاقاته مع أسرائيل وهذا أمر يحتاج أن يطبخ على نار هادئة ويحتاج الى وقت لا يوفره الوضع العراقي المتفجر حالياً، أو أن يذهب كل بما حصل عليه من الكعكة ويتم تقطيع العراق وتقسيمه.
هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها العراق نفسه أمام هذه الخيارات، فقد كانت هذه الخيارات مطروحة أمام الحكومة العراقية في بواكيرالتسعينيات ولكنها أختارت التجويع على أمل مواجهته والحد من أثاره ولما أوشكت أن تحقق الهدف كان القرار بغزوه. فماذا سيختار الكاظمي؟
وقبل أن يقرر الكاظمي ما سيختار نقول “وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”

أحدث المقالات