نجحتُ في الوصول إلى مكتب وكيل وزارة الثقافة والإعلام نوري المرسومي؛ لحسم مسألة تعيّيني في إحدى دوائر الوزارة.
كان ذلك ضحى يومٍ معتدل الطقس هو الأحد ١٩٩٢/٢/٩م.
سيظل ذلك اليوم مضيئاً في حياتي الصحفية ، وعلامةً فارقةً من علامات الكفاح، وإعادة الاعتبار .
إبتسم السيد الوكيل حين قرأ العبارة التي كتبتُها في عريضة المقابلة في حقل (الغرض من المقابلة).
كانت العبارة جريئةً إلى حدٍ ما (عادةً ما يُطلق بعض كتاب الصحف الصفر صفة جريئة على الممثلة التي تظهر بملابس غير محتشمة)!
قلتُ في العريضة 🙁 أُريد وضع حدٍ لحالة التبهذل في أروقة الدوائر الإعلامية طوال الأشهر السبعة الماضية)!
انفرجت شفتا السيد الوكيل المحسوب على التيار القومي عن ابتسامةٍ ودودٍ، وسألني : مَنْ هوَ الذي بهذلك؟
قلتُ مسترسلاً : إنَّ مسؤولي الدوائر لا يعطونني فرصةً للعمل، وكلما ذهبتُ إلى دائرةٍ اعلاميةٍ، يقولون لي :أنتَ فائضٌ، ابتداءً من جريدة (العراق) إلى دائرة الإذاعة والتلفزيون ، ثمَّ كانت محطة الرفض الأخيرة في جريدة (الجمهورية) التي تفضلتَ أنتَ، ونسبتني إليها.
شجعني اصغاؤه على متابعة الكلام فأضفتُ: حين أقابل المديرين العامين في الدوائر التي نسبتُ للعمل فيها، يردونني بجملةٍ مكررةٍ ويقولون : الملاك كامل، ولا نحتاج إليك!
مرت في ذهني كشريطٍ سينمائيٍّ صُور بكاميرا ذات تقنية HD أحداثٌ جرت عليَّ قبل نحو ستة أشهر، حين اقترح عليَّ شقيقي الشاعر والكاتب عبد الرزاق الربيعي أن يُدرج اسمي ضمن قائمةٍ مع مجموعةٍ من الأسماء الأدبية الشابة (كنتُ وقتها في الثامنة والعشرين من العمر) عن طريق منتدى الأدباء الشباب الذي يرأسه الشاعر عدنان الصائغ بكتابٍ إلى وزارة الثقافة والإعلام؛ لغرض تعييني في إحدى دوائر الوزارة، بعد شمولي بالتفييض في ديوان الرقابة المالية التي عينتني فيها وزارة التخطيط تعييناً مركزياً بعد تخرجي سنة ١٩٨٨م في قسم المحاسبة ـ كلية الإدارة والاقتصاد /جامعة بغداد،بتقدير (جيّد) ، لكنَّ التحاقي بخدمة العلم، وتسرحي من الجيش بعد حرب تحرير الكويت سنة ١٩٩١م سرق مني درجتي الوظيفية!
بدأت علاقتي بالكتابة مبكراً، فقد سلبت الكلمة لبي، وفتحتُ عينيَّ على مجلات الأطفال (سمير)، و(ميكي) و(مجلتي) و(المزمار)،
ووجدتُ فيها العالم السحري الذي أنشده، وحين نُشر لي أول نصٍ نثري عنوانه (النوارس الجديدة) في صحيفة (المزمار) جوار نص لشقيقي عبد الرزاق الربيعي سنة ١٩٧٦م، كانت الأرض لا تسعني من الفرح الحقيقي ، وبقيت سنواتٍ أُطيل النظر في المادة المنشورة بفرحٍ متجددٍ !
وبرغم أنَّني نشرتُ الكثير من الأعمدة الصحفية، والمقالات، والحوارات، والتحقيقات على مدى أكثر من ثلاثة عقود خلال مسيرتي في عالم الصحافة، إلا أنَّ فرحة نشر تلك المادة تظل في الصدارة.
لكنَّ هذه البداية المهمة كادت أن تُذبح حين انسقتُ مع ظاهرة (القطيع)، فلم أختر بعد حصولي على الشهادة الثانوية سنة ١٩٨٣م كليةً تتناسب مع ميولي الأدبية، بل ركزتُ في استمارة التقديم للقبول في الجامعة على درج اختصاصات الهندسة والعلوم والادارة والاقتصاد، والمفروض التركيز على اختصاصات الآداب، وحين وضعني القبول المركزي في كلية الادارة والاقتصاد تعاملتُ مع هذه الكلية كأنَّها قدر لا يمكن الافلات منه ، وهذا كان أكبر خطأ في حياتي؛ لأنَّي تحملتُ مشقة دراسة اختصاص لا أحبه، ولم أتكيف مع أجواء الكلية، ولا مع موادها، وظللتُ أُعاني الأمرين من جراء جفاف موضوعات الدروس.
مع ذلك لم أخرج خالي الوفاض من الكلية إذ تعرفتُ إلى عددٍ من الشخصيات الأكاديمية البارزة في حقول الإدارة والمحاسبة والاقتصاد وكانت لهم تأثيرات نوعية في أُسلوب تفكيري العلمي كالدكتور ماهر موسى العبيدي، والدكتور عامر الكبيسي، والدكتور أكرم عبد الحميد، والدكتور منذر المعتوق، كما كسبتُ أصدقاء رائعين مثل: الدكتورعماد فرج، وعبد الصاحب سلمان العبيدي الذي صار مدرساً لأحكام التلاوة والتجويد للقرآن الكريم في الجامع الهاشمي في الكاظمية، وعبد المهدي حسن الماجد البحريني الذي كان يصفني بأنَّني أخوه الثالث عشر في العراق !
لكنَّني كنتُ أتحيَّن الفرص للذهاب إلى كلية الآداب، والحضور في بعض دروس قسم اللغة العربية وقسم الفلسفة كمستمع لسنتين هما الأجمل في حياتي، بعد أخذ موافقة بعض الأساتذة للحضور في دروسهم ومنهم : الدكتور محسن غياض، والدكتور حسام الآلوسي، والأُستاذ مدني صالح.
كان الأساتذة يرتابون من وجودي بين طلابهم وعلى رأسهم الأُستاذ مدني صالح الذي كان يظنُّ أنَّني من العناصر الأمنية، فلما عرفَ أنَّني شقيق الشاعر عبد الرزاق الربيعي اطمأنَّ اليَّ، وأخذ بالثناء عليَّ، ووصفي بأنَّني أكبر معجبٍ به !!
ومن باب التحدي اشتركتُ في تحرير مجلة في كلية الإدارة والاقتصاد سنة ١٩٨٦م عنوانها (التحدي)، كنّا نطبع صفحاتها على الآلة الكاتبة ونسحبها على جهاز الرونيو، ونوزعها على الطلبة، وإذا تعذر إصدارها كنتُ ألجأ إلى طباعة مقالٍ انتقادي ساخرٍ في صفحةٍ واحدةٍ ، وتوزيعها على الطلاب كنشاطٍ ثقافي، بعد أخذ الموافقات اللازمة طبعاً !
لكنَّ فرصتي الأولى في النشر على نطاقٍ واسعٍ كانت في جريدة (البعث الرياضي) على يد الصحفي علي رياح مع ما يثيره اسمها من حساسيةٍ !
تعرفتُ إلى علي رياح مصادفةً في مدينة الكاظمية ، وهو في طريقه للدوام طالباً في قسم الترجمة في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية سنة ١٩٨٤م، وتعمَّقت علاقتي به كصديق، حتى إذا صار محرراً في جريدة (البعث الرياضي) منحني فرصة النشر بعمودٍ أسبوعي عنوانه (أخذ ورد) واظبتُ على كتابته ثلاث سنوات من سنة ١٩٨٦ وحتى سنة ١٩٨٨م.
كانت جريدة (البعث الرياضي) محطةً إعداديةً جيدةِ لي تتناسب مع ميولي الصحفية، وهوايتي في ممارسة لعبة كرة القدم، ومتابعة مبارياتها، وقد أتاحت لي لقاء عددٍ من الشخصيات الإعلامية لقاءً مباشراً مثل : إبراهيم إسماعيل، ويحيى زكي، وأحمد إسماعيل.
كان حضوري في خريف سنة ١٩٨٨م الموسم الثقافي لجمعية الخطاطين العراقيين التي أُسست سنة ١٩٧٤م ربيعاً ثقافياً مميزاً أسهم في صقل شخصيتي، وأعطاني الضوء الأخضر لمرحلة الدخول العملي في عالم الصحافة ، وقد التقيتُ وجهاً لوجهٍ مع شخصيات أكاديمية، وثقافية مؤثرة في وسطها مثل الدكتور الخطاط سلمان إبراهيم عيسى، والدكتور عبد الحميد العبيدي، والدكتور راجي التكريتي.
لكنَّ نجاحي الأبرز كان في صحيفة (الوطن) الكويتية، وتحديداً في الملحق الثقافي والفني للجريدة الذي تديره الشاعرة والكاتبة سعدية مفرح كل خميس، وكنتُ أُديمه بعمودٍ أُسبوعيّ عنوانه (أليس كذلك) سنة ١٩٨٩م، وتطور الأمر إلى الاشتراك في مجلة (الغدير) الكويتية الشهرية المهتمة بالأدب الشعبي بمادةٍ لها عنوان ثابت هو (شخصيات من الذاكرة) سنة ١٩٩٠م ، مع مراسلة مجلة (آخرالأسبوع) الأُسبوعية القطرية.
كنتُ أعدّ العدّة للعمل في الصحافة الكويتية بعد انتهاء الخدمة العسكرية، وبعد أن ظننتُ أنَّني قد مهّدتُ لذلك التمهيد الصحيح، ولم أدرك أنَّ (القائد الضرورة) سيغزو الكويت، ويعدها المحافظة التاسعة عشرة، فيصادر الحلم الكبير في حياتي الصحفية !
كانت التفاتةً كريمةً من الشاعرين عبد الرزاق الربيعي، وعدنان الصائغ خفّفت عني ما خسرته من فرصةٍ عملٍ صحفي أُصحح من خلاله مسيرتي المهنية، وأضعها على السكّة الصحيحة، فلما خسرتها تشبثتُ بفرصة وظيفةٍ تقليديةٍ وطَّنتُ نفسي عليها، فقد دأب أساتذتنا خلال سنوات الدراسة الجامعية على زقّنا زقَّاً بأهمّية مهنة المحاسب التي تدرّ ذهباً في دول الخليج، ولا ندري هل نحنُ من دول الخليج؟!
تحدّثتُ بشيءٍ من التفصيل عن علاقتي بالشاعر عدنان الصائغ ضمن كتابي المعد للنشر (وجوهٌ في ذاكرة الأرض)، لكنَّني لم أتحدث عن تأثير شقيقي عبد الرزاق الذي يكبرني بسنتين، والذي يُعد الرافد الرئيس في إغناء تجربتي في الكتابة، والمؤثر الأبرز في توجّهي الأدبي والإعلامي.
كانت حديقة بيتنا الكبير في مدينة الحرية غربي بغداد شاهدةً على سجالاتٍ فكريةٍ متنوعةٍ تمتد أحياناً إلى منتصف الليل يحتدم فيها الحوار كثيراً بين أصدقائه، وأصدقائي، الأمر الذي وفَّر عليَّ الكثير من الوقت والجهد في تحصيل المعرفة، والثقافة الأصيلة، ولم نكن نشعر بالوقت، وهو يمضي، ولا بدبيب النمل، وهو يناضل في تسلّقنا، ليصل إلى آذاننا، فلا نحسّ إلا بقرصةٍ خفيفةٍ !
وقد قيل من باب تقبّل الأمر الواقع : إذا قرصتك نملةٌ، فقل لها:شكراً !!
كانت صالة الاستقبال في بيتنا خلال سنوات الثمانينيات، والتسعينيات من القرن الماضي أشبه بصالونّ أدبيٍّ يوميٍّ يجتمع فيه ـ مع وجود المحاذير الأمنيّة طبعاً ـ شعراء، وأدباء وكتّاب منهم: الدكتور عبد الإله الصائغ، والشاعر فضل خلف جبر، والشاعر، والتربوي محمود الريفي، والقاص حسن مطلك، والشاعر عدنان الصائغ، والباحث والمترجم سعيد الغانمي، والباحث والتربوي ياس ناصر العبيدي، والشاعر رباح نوري، والدكتور عصام البرام، والدكتور برهان جبر حسون، والدكتور أحمد الدوسري، والكاتب والمخرج جبار المشهداني، والمخرج وديع نادر، والفنان طلال هادي، والكاتب سعد هدابي، و الرسام سمير جاسم فضلاً عن الأصدقاء: عبد العزيز النجدي، وعلاء حسين صفر، وفائق حسن نعمة، وسعد صافي، وسمير العاني، وربيع عامد صالح، ورعد زيد العزاوي، وماجد ناصر، والدكتور عقيل عباس الخاقاني، وطالب حبيب هندي، ومحمد مهدي الجنابي، وعلي رياح، وقصي عبد القادر، وأحمد عاتي، وجعفر المهاجر ، وعبد الحميد المشهداني، ومحمد هامل مشهد.. وغيرهم، مع ما يتبع تلك اللقاءات من تبادلٍ للكتب، ومتابعةٍ للعروض المسرحية، والسينمائية، والتلفزيونية المهمّة، وحضور الأماسي الأدبية والفكرية، والمعارض الفنية.
بعض مَنْ ذكرتُ أخذ فرصته في الحياة، وفي الحقول الثقافية والفنية والأكاديمية، وبعضهم ينطبق عليه قول الشاعر العباسي أبي الحسن التهامي :
بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً
حتَّى يُرى خبراً من الأَخبارِ!!
كانت علاقتي بمنتدى الأُدباء الشباب منذ تأسيسه مطلع الثمانينيات محدودةً، وكان حضوري محكوماً بنوع الفعالية التي أشعر أنَّها تضيف لي شيئاً مذكوراً.
لكنَّ شقيقي الربيعي كان يحفزني على الحضور ، بل ويزجّ بي في بعض الفعاليات برغم تحرّجي الشديد من اللقاء المباشر مع مجتمع المثقفين، كما حصل في الأُمسيَّة المخصّصة للشاعر الشهيد صباح أحمد حمادي
(١٩٦١/٣/٣م ـ ١٩٨٨/٦/١٦م) الذي تربطنا به صداقةٌ حقيقيةٌ، وكنتُ أُكثر من الترنم بواحدةٍ من قصائده العمودية العذبة التي يقول فيها :
تعب العشاق في الدرب وناموا
وأنا جاوزتُ في العشاق حدّي
قد تحدّيتُ ملوك الحبِّ
في الحبِّ ولي كان التحدي
..بحر أهل الحبِّ في مدٍّ وجزرٍ
وأنا بحري في مدٍّ ومدِّ !
إستدرجني الربيعي حين طلب مني كتابة كلمةٍ عن الشاعر الراحل، ولكنْ حين بدأت الأمسية نودي عليَّ لالقائها على المنصة ! وكانت تجربةً مثيرةً لكنَّها مشجّعة على أية حالٍ !
حدثٌ بارزٌ لا يُنسى توجتُ به علاقتي مع منتدى الأدباء الشباب حين نجحتُ في ترتيب محاضرةٍ للدكتور عليّ الوردي عن (الطبيعة البشرية)، وقد جرت على قاعة ابن النديم في باب المعظم مساء السبت الموافق ١٩٨٨/٢/٦وقد أصرّ أبي رحمه الله على حضورها، وكان يشاطرني الاعجاب بشخصية العلامة الوردي، فكانت من المحاضرات المعرفية الكاسرة للمألوف والتقليدي من الفكر الراكد.
أضاع خمولي وخوفي من أن أكون برغياً في الماكنة الإعلامية للسلطة فرصة الحصول على وظيفةٍ عن طريق قائمة الأدباء الشباب !
رُفعت الأسماء( ولم تجف الصحف) من دون اسمي، لكنَّ (الحكم) منحني وقتاً إضافياً فزجّ الربيعي والصائغ اسمي واسم الشاعر والمسرحي كاظم النصار في كتابٍ مُلحقٍ بدعوى أنَّ اسميهما سقطا سهواً، لنلتحق بقافلة المرشّحين للعمل في وزارة الثقافة والإعلام !
على مضضٍ، تحملتُ ما نُقل لنا عن أحد المسؤولين عن سبب منحنا فرصة التعيين في الوزارة بأنَّهم يعرفون جيداً توجهات وميول الأُدباء، ويخشون أن تأخذهم إحدى الجهات المعادية للحزب والثورة!
كان العدد الكلّي لطالبي التعيين ـ على ما تناهى إلى سمعي ـ نحو مئة وخمسين أديباً وشاعراً، ومَنْ هوَ على طريق الأدب ـ على شاكلتي ـ وقد قابلتِ المتقدمين لجنةٌ، من بينها رئيس تحرير مجلة (ألف باء) كامل الشرقي.
كان يوم مقابلتي هو السبت الموافق ١٩٩١/٨/١٠م.
شاهدتُ رجالاً بلُغوُدٍ في غرفة المقابلة في بناية وزارة الثقافة والإعلام في منطقة الصالحية لأول مرةٍ منذ بدء آثار الحصار على العراقيين بعد غزو الكويت قبل نحو عامٍ، ولا أدري هل هي دليل عافية أم مؤشرٌ على وجود حالةٍ مرضية ! وعجبتُ؛ إذ أنَّ الجوع لم يكتفِ بالحفر في البطون، وإنَّما حفر في النفوس !!
أدركتُ أنَّ الحصار (الظالم) لم يحاصر الجميع!
سألني الشرقي محدِّقاً النظر في لحيتي الكثّة التي رفضتُ تخفيفها قبل يوم المقابلة : أين تريد أن تعمل؟
قلتُ : أُحبُّ العمل في مجلة (ألف باء).
قال : لا يمكن ذلك؛ فعدد العاملين فيها كثير. ثمَّ أردف : اختر أُخرى.
قلتُ محاولاً التخلّص من العمل في الصحف ذات الخطاب التعبوي المباشر : أُفضَّل العمل في الصفحات الفنية في جريدة (العراق).
يبدو أنَّ الشرقي المتمرس في التعاطي مع مَنْ هو على شاكلتي، عرف ما يدور في خاطري، فأبدى موافقته على طلبي مضيفاً : إنَّ الصفحات الفنية في جريدة (العراق) ضعيفة!!
ذهبتُ إلى مقابلة رئيس تحرير جريدة (العراق) وكالةً نصر الله الداودي في مبنى الجريدة في شارع ٥٢ بحي الصناعة يوم الثلاثاء الموافق ١٩٩١/٨/٢٠م.
لفت نظري شارباه الغليظان، وبدا لي شخصاً قاسياً ذا ملامح حادّةٍ.
أحسستُ بعدم ارتياحه لي، وبادلته المشاعر نفسها.
قال : إنَّ اسمك غير موجود في القوائم التي وصلتنا من الوزارة.
ثمَّ أضاف بلهجةٍ فيها نوعٌ من التحدي : حتى لو ظهر اسمك منسباً إلينا فعليك أن تراجع الوزارة، وقل لهم : إنَّ جريدة (العراق) فيها فائضٌ، ونَسبّوني إلى جريدة أُخرى!
حين سمعتُ هذا الكلام تحرّكت في نفسي المشاعر السلبية، وأردتُ أن أُغيظه.
قلتُ له : كان بإمكاني أن أختار جريدةً أُخرى، لكنَّ الأُستاذ كامل الشرقي قال لي : إنَّ الصفحات الفنية في جريدة (العراق) ضعيفة!
غضب الداودي وأحمرّت وجنتاه من الغيظ، وعلا صوته قائلاً : وهل المسألة بيد كامل الشرقي، ما يشوف صفحاته الفنية الگشر (أي كالقشر في السطحية، والرداءة)!!
ابتسمتُ ابتسامةً صفراء، وشعرتُ بالارتياح لأنَّي استرددتُ شيئاً من كرامتي السفوح !
( السيرة مستمرةٌ، شكراً لمن صبر معي.. يتبع)
شروح صور
١. من اليسار إلى اليمين :عبد الرزاق الربيعي، وعدنان الصائغ، وعليّ جبّار عطيّة في منتدى الأدباء الشباب نهاية الثمانينيات.
٢. من اليمين يظهر عبدالرحمن مجيد الربيعي، ومحمد حياوي،وقبالته د. صباح ناهي، وعبد الرزاق الربيعي، وعليّ جبّار عطيّة، وكاظم ونيس عطيّة في منتدى الأدباء الشباب في نهاية الثمانينيات.
٣. من اليمين : الدكتور حاتم جبّار الربيعي، وأمّنا ، والشاعر حسن المطروشي، والشاعر السوري هاني نديم، وكاتب السيرة في صالة الاستقبال في بيتنا بمدينة الحرية ببغداد سنة ٢٠٠١ م