23 نوفمبر، 2024 7:13 ص
Search
Close this search box.

عندما يحترق الفقراء بسبب أسعار صرف الدولار

عندما يحترق الفقراء بسبب أسعار صرف الدولار

إنهم تجار الحروب و متصيدي الازمات ، ووقف معهم بائعون من أوطأ المستويات ومن حثالة البشر ونفاياته الذين لا يتمتعون بأية درجة من الشرف والحياء ، فمن ينهش لحم آخيه الآدمي بظروف مفتعلة وغير مبررة لغرض رفع الأسعار وقتل الضعفاء وبشكل سافر وعلني لا تصح عليه سوى أدنى التسميات ، ونقصد منهم أولئك الذين تلاعبوا ويتلاعبون بأسعار المواد الغذائية الأساسية ويحجبون البعض منها بحجة إن أسعار الدينار العراقي قد انخفضت أمام الدولار ، إذ تحول سعر البيض المنتج محليا والمحمي بإيقاف الاستيراد من 6 بيضات بألف دينار إلى 4 بألف دينار ، كما ارتفعت أسعار الطماطة من 750 دينار إلى 1500 – 2000 وهكذا لبقية المواد التي تدخل في سلة غذاء اليومية للمواطن البسيط مثل الخيار والباذنجان والبطاطا وسواها من المواد ، وهو ارتفاع لا يوجد ما يبرره لان أقصى ما وصله سعر صرف الدولار في هذه الأيام هو 1280 دينار بعد إن كان 1240 أي بفارق 40 دينار لكل دولار وبنسبة لا تشكل سوى 3% ، في حين إن الارتفاع في أسعار السلع تراوحت بين 50% – 100% من الأسعار ، والغالبية العظمى من الناس تعلم علم اليقين إن البنك المركزي العراقي لم يغير أسعار الصرف بل أكد في بيان أصدره بان ما يشاع بشأن تغيير سعر الصرف لا تتعدى عن آراء يعود أصلها لمن يروجها ، وهو رد خجول وقابل للتأويل لدرجة إن أسعار الصرف لم تعود لحدودها المقبولة لأنها اليوم ( 22 تشرين الثاني 2020 ) بحدود 1260 دينار وقابلة للزيادة وليس للنقصان ، وهو سعر يختلف عن السعر الرسمي للبنك المركزي الذي يبيع فيه الدولار لمن يبيع هو 1192 دينار / دولار ، والفرق البالغ 48 دينار لكل دولار لم تتم المساءلة في يوم من الأيام إلى أية كروش تدخل رغم إن شركات ومكاتب الصيرفة تخضع لرقابة المركزي وتبيع علنا وليس في الخفاء ، وتعتمد على العرض والطلب لأسعار الصرف دون أن يحرك من يعنيهم الأمر ساكنا بخصوص الموضوع ، وهي مسالة ليست جديدة وإنما سائدة في الأسواق منذ أن بدا البنك المركزي بفتح نافذة بيع العملة التي رفع لها شعار حماية المواطن من تذبذب أسعار الصرف واخرج البنك في سبيلها مئات المليارات من الدولارات بدعوى الاستيراد وتغطية احتياجات المواطنين .
والتغير في أسعار الصرف الذي يحصل في الأسواق بعيدا عن سياسات البنك المركزي لا يولد بالصدفة فاغلبها ( أمرا دبر في ليل ) ، فالارتفاع الأخير استغل تقديم الحكومة لما يسمى بالورقة (البيضاء) فانتهز المطبلون والمأجورون وبعض المنتفعين الترويج لفكرة تغيير سعر صرف الدولار على أساس إنها وسيلة ممكنة لتوفير مزيدا من الإيرادات لصالح الموازنة الاتحادية ، حيث اقترح بعضهم أن يكون السعر هو 1500 دينار مقابل الدولار وبذلك ستزداد الإيرادات الحكومية بنسبة 25% لتغطية عجز الموازنة الناتج عن انخفاض أسعار النفط وتخفيض الصادرات بموجب اتفاق اوبك + الذي لم يراعي ظروف العراق ، ومقترح الزيادة في أسعار الصرف لا يخنق الاقتصاد فحسب وإنما يقتل المواطن الفقير ، ونقصد بالمواطن الفقير هو الذي يقل دخله عن ألف دولار شهريا لأنه يعد دخل الكفاف في ضوء غياب أكثر الخدمات والارتفاع العالي في نفقات الحياة ، واغلب التحليلات التي روجت لهذه الفكرة من الواضح إن لعابها يسيل على ال53 مليار دولار المتبقية في احتياطي البنك المركزي بعد إن ( شفطوا ) ما يستطيعون من ثروات البلاد ، وكما نشرنا في مقالات سابقة فان تغيير سعر الصرف ربما يصلح عندما تكون هناك قاعدة إنتاجية متينة لان الهدف سيكون هو حماية المنتج المحلي ، بمعنى انه لا يصلح لواقعنا الحالي بأي شكل من الأشكال لأنه يعني انخفاض القدرات الشرائية لغالبية العراقيين ، لان المنتج المحلي يعتمد في الكثير من فقراته على الاستيراد مما يرفع التكاليف والأسعار عند تغيير سعر الصرف ، كما إن الأسواق ومنافذ الجملة والتجزئة غير مسيطر عليها بالتمام مما يجعل الارتفاع في الأسعار أضعاف مضاعفة من الارتفاع بسعر الصرف ( 25% ) ، ففي أحسن الاحتمالات سترتفع الأسعار بنسبة 100% وربما تتحول عمليات حماية المنتج المحلي إلى احتكار ، والمتضررون من هذا الإجراء هم غالبية الشعب أما أول المستفيدين فهم أصحاب الأموال والثروات واغلبهم يديرون الأعمال من خارج البلاد ومعظم ثرواتهم بالدولار مما يعني تضخمها بدون أية جهود لتضاف لما جنوه ب ( الحلال ) او بالفساد ، وفي المقابل ستنخفض قيمة النقود العراقية التي يحتفظ بها المواطن في الحسابات المصرفية او في أي مكان فكل دينار عراقي ستنخفض قيمته مقابل زيادة ثروات أصحاب الدولارات واغلبها مستثمرة خارج العراق .
وفي مثل هكذا ظروف ستتحول الحياة لمحدودي الدخل ( وهم النسبة الأكبر من السكان ) إلى أشبه بالجحيم في البلاد ، ولكم أن تتوقعوا ما ينتج عن ذلك من فساد وجريمة وضعف الولاء وغيرها من الظواهر والحالات التي لا تحمد ولا تعرف عقباها قط ، وفي الوقت الذي يأمل فيه الكثير بعدم تغيير أسعار صرف الدولار في هذه الأيام الحرجة التي تمر بها البلاد ، فأنهم يطالبون بإخضاع أسواق العملات من شركات ومكاتب ومصارف و( جنابر ) لرقابة الجهات المعنية على وفق التعليمات التي يصدرها البنك المركزي والتي لم تطبق في يوم من الأيام ، فالتلاعب بأسعار الصرف وتوجهها للزيادة وبشكل يلحق الضرر بالمواطنين والاقتصاد الوطني ترقى الى مفهوم الجرائم الاقتصادية كما وردت في النصوص التشريعية النافذة ، فمن تداعياتها إثارة القلق والبلبلة واكتناز الدولار وأعمام سياسة الدولرة التي لا تخدم اقتصادنا المثقل بالهموم ، كما إن من شانها زيادة الطلب على السحب من الإيداعات في المصارف الأهلية والحكومية مما يجعلها معسرة وربما غير قادرة على تلبية كل المسحوبات ، نظرا لما قدمته من قروض للحكومة في تسيير الأموال المالية كدفع الرواتب وتغطية النفقات وللإفراد للحالات التي تنص عليها التعليمات ، ونحن لا نقول هذا الكلام من باب التنظير وإنما من خلال المعايشة اليومية لأمور الناس لأننا نعيش معهم ونتشارك المعاناة ، ونفهم ما تحصل من أضرار لهم عند ارتفاع الأسعار بشكل تفصيلي فهناك تخوف من تكرار ما حصل في سوريا ولبنان وغيرها من البلدان عندما تهاوت أسعار العملات ، رغم الفوارق من حيث استمرار تدفق الدولار كناتج عن بيع النفط ( بغض النظر عن مقداره الحالي ) ، ومن الضروري أن لا ننسى إن كل دولار يدخل للعراق هو من حقوق العراقيين ويتوجب استخدامه وتوظيفه لسعادتهم ولتسهيل أمورهم الحياتية وليس للتفقير والإذلال لمصلحة المستغلين والسفهاء .

أحدث المقالات

أحدث المقالات