الإخفاق.. التعثر.. التلكؤ.. مرحلة من مراحل حياتنا في مسيرة الأميال الملايين التي يتحتم علينا السير فيها، ومن غير المعقول طبعا أن يخفق المرء في كل خطوة يخطوها في عمله، لاسيما إذا كان واعيا ومدركا ويشعر بمسؤولية ماملقى على عاتقه من مهام، يترتب على عدم إنجازها عواقب وخيمة، وأضرار يحاسبه عليها الله والناس ونفسه -ان كان له ضمير حي-. وقد تكون هذه الإخفاقات بفعل فاعل، فيكون هذا الفاعل إذاك عدوا ينبغي الحذر منه والتوجس من نياته المبيتة مستقبلا.
يقول المثل: لكل حصان كبوة ولكل حليم هفوة. ولكن أن تستمر الكبوات وتكثر الهفوات، فهذا أمر ليس بالمعقول مطلقا، ومن المعيب ان يكون بحكم المقبول والمعهود في بلد له من السقطات كثير، أوقعه في مطباتها حاكموه وسلاطينه على مر التاريخ، لاسيما اذا كان هذا البلد عريقا في حضارته وتاريخه مثل العراق. ومن المفترض أن يكون بعد السقوط نهوض، فهل تحقق جزء ولو كان ضئيلا من النهوض على يد ماسكي زمام أمر البلاد؟.
لقد بات الحديث عن الاخفاقات المتتالية واللامتناهية التي يتحفنا بها مسؤولونا وساستنا، بين الفينة والأخرى في الساحة السياسية، أمرا كما نقول: (ما يلبس عليه عگال). ولو بحثنا أسباب هذه الاخفاقات لوجدنا أنها لم تأت من عطارد او المريخ، وإن كان بعضها نتيجة تدخلات دول وجهات خارجية، إذ سيتضح جليا أن الأسباب الرئيسة لهذه الإخفاقات هي التناحر والتضاد بين أرباب الحكم وصناع القرار أنفسهم، من داخل البيت العراقي وتحت قبب مجالسه، وبرعاية رؤساء هذه المجالس. وما يزيد الطين بلة أنهم مصرون على استمرار العداوات بينهم، بل وما انفكوا من إضرام النار في الهشيم قبل أن تنطفئ نار قد علا سناها من قبل، وهم بهذا يزيدون في العداوة ولوغا ويماطلون في إبعاد الصلح، ولا يتعظون من قول الإمام علي عليه السلام:
والق عدوك بالتحية لاتكن
منه زمانك خائفا تترقب
وماكان هذا الطود الشامخ لينطق كلاما ليس فيه حكمة -حاشاه- وهو الذي كان يتمنى ان تكون رقبته بطول رقبة البعير لتأخذ الكلمة مساحة زمنية قبل ان ينطق بها، وهو استخدام مجازي يحثنا على التأني في انتقاء مفردة أو إبداء رأي او إسداء مشورة. أما لقاء العدو بالتحية فقد يخال أحدنا أنه تنازل او ان فيه مساسا للكرامة، فتمنعه من أدائها عزة نفسه وكبرياؤه، ولو تمعنا في قول الإمام علي عليه السلام جيدا، لتبين لنا بعد النظر في العلاقات الإنسانية وسعة الأفق في احتوائها، اذا ماتخللتها أزمات قد تنذر بعواقب أمور لاتُحمد، وتفضي نتائجها الى شرور ونيران لاتخمد. فالعدو شئنا أم أبينا هو توأمنا منذ بدء الخليقة، يومها كانت السباع والضواري هي العدو الوحيد للإنسان، واليوم تنوعت أشكاله وتعددت مواهبه ومكائده، وصار الإنسان لأخيه الإنسان عدوا، فاق في خطره وتأثيره أكثر الحيوانات ضراوة وأشدها فتكا به. وما قصد إمامنا بإلقاء التحية على العدو إلا لغاية لو أدخلناها في حساباتنا لأدركنا أنها تصب بالنتيجة في مصلحتنا وتسهم باستقرار حياتنا على نهج سوي، يتيح لنا فرص العمل والنجاح والإبداع.
فهل لساستنا نظرة صادقة خالصة لهذا المعنى والمقصد البليغ والهدف المنشود من تحية العدو؟ وهذا قطعا لايبرر دعوات بعضهم اليوم الى وضع اليد بيد أعداء سجلوا عداءهم في لوح التاريخ بشكل غير قابل للحك والشطب والمحو، وطرزوا تلك العداوة بالمواقف الشنيعة التي لاتغتفر، فكما كانوا أعداء الأمس.. هم أعداء اليوم.. ومن المؤكد أنهم أعداء الغد وبعد غد أيضا.
[email protected]