القرى في الماضي كان تعيش في الظلم ويلفها الظلام وكانت علاقتها بالمدينة تكان تكون مقطوعة إلا ما ندر فالدروب بعيدة ووعرة واهل القرى لا يملكون خيولا للركوب أو عربات توصلهم للمدينة ولم يعتادوا على زيارة طبيب هناك أو خياط أو أصحاب مهن أخرى ولم يرتادوا مطعما أو مكان ترفيه ومريضهم يذهب للسيد لقراءة بعض السور والآيات القليلة التي حفظها على رأسه وشعور رؤوسهم لا تحلق حتى يتهيأ من يجيد حلاقتها بالموس من اهل القرية وفي كل عام يزورهم ( الزعرتي ) لختان أطفالهم في أشهر الصيف ويعتمدون في بقائهم على قيد الحياة على ماتوفره الأرض من شعير وقليل حنطة ويبقى احتياجهم لحاجيات وبضائع المدينة مرهون بعاملين الاول وجود بقال في القرية وهذا نادر أو وجود شخص من القرية يتردد على المدينة بين حين وآخر لأسباب تخصه اولا والقرية التي نتحدث عنها اليوم كانت علاقتها بالمدينة من خلال شخص اسمه ( عباس الصده ) الذي كان يقيم في القرية حينا ثم يذهب للمدينة ليعيش هناك حينا آخر بسبب ارتباطات معينة وكان هذا العباس حاد الذاكرة والذكاء وعلى عكس اهل القرية يجيد الكتابة والقراءة وكان كلما عزم على النزول للمدينة تجمع عنده أبناء القرية ليسجل في قائمة احتياجاتهم ويقبض اثمانها ويوعدهم بجلبها عند عودته للقرية وقد يطول مكوثه في المدينة لشهر أو أكثر فمن النساء من رغبت بقطعة قماش أو مرآة أو كمية من الكحل أو حتى ( علك بستج ) تكلف عباس وتدفع له الثمن ويسجل الاسم والاحتياج في قائمته وكذلك الرجال من احتاج الى مقص لتهذيب شاربه أو ( شيشة ) عطر أو غيرها وعندما يختفي شبح عباس عن القرية تستطيع من اوصته على حناء أو مسك ان تستدين من جارتها وموعد الوفاء على ( جية عباس الصده ) وحتى السكر والشاي يمكن استدانته مادام عباس الصده في المدينة وسيعود منها محملا بما تم توصيته على جلبه . وقصتنا اليوم في العراق تشبه قصة تلك القرية لكن احتياجات تلك القرية كانت حاجات حياتية بسيطة على عكس احتياجاتنا التي يتمثل اولها بحاجتنا إلى معرفة الله ومن يمثله بيننا وقدرة على ردع المعتدي وقطع يد السارق وشكم المستهتر وإيقاف المتطاول عند حده وحاجة من امان وشيئا من المصداقية وكثير من الوضوح لكن اختلافنا مع تلك القرية ان لهم ( عباس الصده ) يجلب لهم مايحتاجون ويوفره لهم من دون منة عليهم ونحن لا يوجد بيننا ( عباس الصده ) لننتظر مجيئه بما نحتاج فمن أين نأتي بعباس الصده آخر لننتظر ( جيته ) ونواعد الآخرين بالوفاء عند مجيئه ؟ والطريق بيننا وبين الله أو المدينة مقطوع ولايسلكه عباس محملا بما نحتاج .