فكرت كثيراً بمدخل أنتقد من خلاله أحداث الأسبوع المنصرم في العراق، فلم أجد حدثاً أكثر سوءً وأشد وطأةً على النفس من منظر المرأة التي ألقت بطفليها الى نهر دجلة من فوق الجسر.
ذلك هو جوهر ما يدور في العراق منذ عقود، أن يصل الإنسان مرتبةً أدنى من الضواري التي يمكنها أن تفتك بكل شيء، ولكنها تخضع للغريزة الأبوية حين تتعامل مع أشبالها.
تلك الحادثة ومثيلاتها اللاتي لم تُفلح آلة تصوير في رصدهن، من المفترض أن تُلغي كل ما يشد انتباهنا من أحداث وأن نمعن التركيز في حقيقة أننا حُطِّمنا في أعز ما يمكن أن يمتلكه الانسان وهو عمقه الأخلاقي الذي يجعل منه إنساناً.
لم تعد مشاكلنا مهمة عند تلك النقطة، فكل شيء بات يشبه الضرب بميت.
تبادلوا حرق الأعلام والشتائم والإتهامات وتحدثوا عن أزماتنا الإقتصادية والسياسية وعن ميناء الفاو الكبير وميناء مبارك والربط السككي والمادة ١٤٠ وإقليم الوسط والجنوب وعن إيران وإسرائيل وعن وحدة العراق أو تقسيمه وعن مذاهبكم وقومياتكم والعلمانية والثيوقراطية وهيبة الدولة ما الى ذلك من هراء، ما شئتم وطاب لكم جميعاً من زاخو الى الفاو ومن خانقين الى طريبيل، فما فعلته تلك المرأة بطفليها يقول بأننا قد انتهينا.
تحضرني الآن صورة داخل كتاب موسوعة الحرب العالمية الثانية لمؤلفه ريمون كارتييه، ويظهر فيها رجل بائس هزيل البنية شاحب الوجه، ممزق الثياب وبيده طبق معدني فيه بعض الماء وكان ينظر الى من التقط له الصورة بخوف ووجل شديدين، إذ كتب تحتها كارتييه واصفاً ذلك الرجل: (تلك الأشياء التي كانت تسمى بشراً).