كان العراق يتمتع بنظام صحي يتفوق على البعض من دول الجوار وحتى التي توصف بأنها أنظمة متقدمة رغم إن العراق كان يعيش في ظل دكتاتورية مجنونة ومغامرات سياسية قادت البلاد للعديد من الحروب ووضعته تحت عقوبة الحصار، ومع ذلك حافظ على نظامه الصحي وعلى مفردات البطاقة التموينية الغذائية وغيرها من الأنظمة .
ومنذ عام 2003 وبعد سقوط الدكتاتورية ومجيء القادة الديمقراطيين والوزراء الذين يسمون أنفسهم تكنوقراط ومع صعود أسعار النفط لذروتها التي سجلت أرقاما قياسية في عائدات العراق كان من المتوقع إن تشهد البلاد قفزة نوعية في مجالات الحياة كافة وفي المقدمة منها تطوير النظام الصحي للحفاظ على بعض المكتسبات التي تعد من منجزات الدولة العراقية وكوادرها الطبية وعقولها النيرة وخططها الستراتيجية المنسجمة مع الأنظمة الرصينة التي أقرتها منظمة الصحة العالمية .
لكن الوقائع تشير إلى انهيار تام في البنية التحتية لوزارة الصحة التي تعد بحق عند الذين يعلمون ويفهمون أنها وزارة سيادية من الطراز الأول لكن أسلوب المحاصصة اللعينة أسهم في تدمير الوزارة من الداخل من خلال ممارسة الضغوط على خيرة الأطباء العراقيين ودفعهم الهرب إلى المستشفيات الأهلية أو إلى شمال العراق وحتى خارج البلاد .. وتولت صناعة القرار في هذه الوزارة قيادات لا علاقة لها بالطب ولا تفقه شيئا عن صحة المجتمع ولا تعرف كيفية إدارة المؤسسات الصحية والمستشفيات،وكل ما تعرفه هو استقطاب الفاسدين والمريدين من أبناء الطائفة والعشيرة وشركاء مافيات للسيطرة على العقود بكل أشكالها المتعلقة بأعمار المؤسسات الصحية واستيراد الأجهزة والدواء وحتى الأوراق التي تحمل شعارات المؤسسات الطبية التي جيرت لبعض المتنفذين الذين يملكون المطابع وسلمت مخازن الوزارة لأشخاص غير أمناء يتاجرون بالدواء والأجهزة الطبية ويهربونها ولا يترددون في تزوير كل المستندات بل إن المتوقع، وليس هذا بالغريب، انهم يتاجرون بكل شيء خارج الضوابط والقوانين وهناك من الوقائع والحكايات ما لا يصدقه إنسان ولا يفعله حتى معشر الجان .
ولعل الحصيلة من هذه الفوضى الصحية هو هدر المليارات على حساب المواطن العراقي البسيط الذي لا يحصل على الحد الأدنى من الدواء والعلاج .. وتشير الأرقام بان حصة الفرد من هذه الميزانية الضخمة لا تزيد على 12 $ دولار بينما تصل في بلدان أخرى تحسب فقيرة قياسا لعائدات العراق النفطية لأكثر من 500 $ دولار وحتى هذا المبلغ الضئيل لا يصل إلى المواطن الذي لا يجد الأدوية في الصيدليات الحكومية وربما يحصل على ربعها وتسرق الأرباع الثلاث الأخرى .
كما يعاني أصحاب الأمراض النادرة والسرطان والقلب والمزمنة الأمرين، مرارة المرض ومرارة سوء المعاملة في المستشفيات الحكومية التي امتلأت بالأميين والطارئين الذين لا يحترمون سلمهم الوظيفي ولا يؤدون واجباتهم بصورة صحيحة ولا يقدرون الكفاءات الطبية وكلنا يعلم إن شفاء المريض يعتمد على الحلقات الوسطى من العاملين في المؤسسات من الممرضين والممرضات والمساعدين .. وأصبح هؤلاء يمثلون (شللا) من المفسدين اخترقوا المؤسسة الطبية بكاملها بشهادات مزورة وبشهادات خاصة بالولاء وليس لها علاقة بالعلم والدراسة .
ومن علامات انهيار النظام الصحي في البلاد ان اكبر المستشفيات التي كان يشار إليها بالبنان في الشرق الأوسط اختفت أو تخلفت مثال على ذلك مستشفى الرشيد العسكري الذي اختفى بالكامل مع أجهزته الطبية ومستشفى ابن البيطار الذي كان ماركة عالمية في الجراحات الطبية الخاصة بالقلب والأوعية الدموية وقد أصبح الآن هو ومستشفى ابن النفيس مجرد أسماء لا تمت بصلة للعظماء من أطباء العرب ابن النفيس والبيطار ولو عادت إليهم الروح وشاهدوا هذا الفساد الذي ارتبط بأسمائهم لاحتجوا وطالبوا برفعها فورا لأنها شوهت تاريخهم .. وحتى الآخر الذي وضعوا اسمه على مستشفى العيون، ابن الهيثم، أصبح يبصر الحالات المأساوية لآلاف المرضى الذين عليهم الانتظار لمدة قد تصل إلى عام لإجراء عملية جراحية بينما الطبيب نفسه يمكن إن يجريها في مستشفى أهلي خلال ساعات والحكومة واقفة تتفرج على حال المرضى في مستشفياته التي أصبحت أطلالا وبذلك تنازلوا عن شعارهم القديم ( وزارة الصحة تاج على رؤوس الاصحاء ) .
واليوم تبدأ جولتنا في مستشفى الشيخ زايد للطوارىء الكائن في بغداد حيث تتوارد لنا الاخبار وبكل تفاصيلها من قبل المراجعين الذين نقلوا لنا حوادث وممارسات يندى لها جبين الانسانية وبدورنا نضع هذه التساؤلات امام مجلس النواب والحكومة من الذين حافظوا على ضمائرهم الحية في وسط هذا الفساد الذي اخترق كل مفاصل الدولة .
اولا : نطلب اثبات صحة صدور الشهادات الدراسية لمدير الادارة والمعاون الاداري وبعض الاداريين ، كون هذه الشهادات اثيرت ضدها اللغط ، وبعض اللجان من صحة بغداد تعلم بهذا الامر الذي تمت ( طمطمته ) خدمة للمحسوبية والمنسوبية .
ثانيا : معرفة دور وعلاقة المعاون الفني الصيدلي في المستشفى مع البعض من شركات توريد الادوية ، وكيفية الموافقة على هذه الصفقات ، وتطبيق قانون من اين لك هذا بعد ان فاحت رائحة الثراء وسط البعض من منتسبي المستشفى ، فهل يحصل ان يكون احدهم خرج من دار مستأجرة ليشتري بيت بمبلغ 350 مليون مع سيارتين حديثة .. اغيثونا الله يرحمكم .
ثالثا : يشكو المرضى من الاساليب غير الحضارية والتي تصل الى الاهانة من قبل منتسبي المستشفى وتتغير هذه الممارسة بعد اعطاء ( البقشيش ) .
رابعا : استفحلت ظاهرة خطيرة في الشيخ زايد هي عدم الاهتمام والرعاية بالمرضى الا عند الذهاب الى عيادات الاطباء الخاصة من الذين يعملون في المستشفى ، حيث يتم التفاهم على كل شيء في العيادة الخاصة ومن ثم يأتي المريض وقد فتحت له كافة ردهات المستشفى .
خامسا : نطلب توضيحا من مدير المستشفى عن علاقة سائقه الخاص بتنسيبه في لجنة المشتريات، حتى يقال ان هذا السائق اصبح يأمر وينهي بدل المدير، وكذلك لابد ان نعرف دور شقيق مدير المستشفى المهندس الذي تم تعيينه. وماهي قيمة الاعمال التي نفذها في هذا الموقع؟ .
سادسا : ازدادت نسبة الوفيات في المستشفى بسبب قلة خبرة الكادر الطبي وغياب الاختصاص في المستشفى ، حيث تمت ملاحظة ذلك من خلال السجلات الخاصة، ويعود ذلك لاعطاء العلاج الخاطيء من قبل الاطباء المتدربين الذي لم يستطيعوا ان يشخصوا ابسط الحالات المرضية ما ادى الى الكثير من الوفيات وهذا مثبت رسميا .
سابعا : يعاني المرضى من حالات الذهاب والاياب بسبب المواعيد البعيدة للفحص بجهازي المفراس والرنين وتصل مدة الحجز الى عدة اشهر حتى يلجأ المرضى لزيارة العيادات الخاصة للاطباء المسؤولين عن هذا الجهاز ليتسنى لهم استلام اقرب موعد والسبب معلوم!! .
ثامنا : يعاني المرضى الراقدين في المستشفى من النوعية الرديئة للطعام المقدم لهم في وجبة الصباح ويتم بعدها تقديم وجبة الغذاء والعشاء مرة واحدة في الساعة الثالثة عصرا من اجل مغادرة العمال ومن ثم يغلق المطعم ، ولا نعلم ماهي كمية الطعام المقدم ومن الذي يدقق في ذلك ومثلا اذا كانت الوجبات ترصد لخمسين مريض وهناك 25 مريض وفي حالة مغادرة المرضى بعد وجبة الصباح فهل هناك سجلات تبين بالارقام عدد المرضى وعدد وجبات الطعام المقدم ، علما ان محتوى الغذاء من اردأ اللحوم الهندية .
تاسعا : يعاني المرضى من سوء الخدمات وخاصة الردهات التي تعاني من الاهمال والروائح النتنة ، وكذلك ملحق المستشفى حيث ثلاجات حفظ الموتى والدماء التي تغطي المنطقة المحيطة بها .
عاشرا : ونحن نعيش في وضع صعب بسبب العمليات الارهابية التي تنفذها قوى الاجرام فلابد ان يكون في مستشفى الشيخ زايد صالة للطوارىء مهيئة بشكل كامل ومتطور من الاطباء الاختصاص وكذلك الاجهزة المتطورة للاسعاف والعمليات السريعة ، لكن وللاسف هذا المستشفى لم يتوفر فيه الكادر الطبي المتخصص ولا اجهزة بمستوى الاصابات المتنوعة التي يتعرض لها المواطنون.
حادي عشر : الردهة النسائية تعاني من غياب الكادر النسائي المتخصص حيث يعاني هذا القسم من غياب كل ما يتعلق بمهنة الطب و تشرف عليه معينة مصرية ( اصبحت بتاع كله ) .
ثاني عشر : يعاني قسم طب الاسنان من غياب اطباء الاختصاص و جميع المواد المتعلقة بالعلاجات ، حيث يتم الاعتذار للمرضى من عدم وجود الحشوات والبعض من المضادات .
ثالث عشر : يعاني المواطنين من الذين يرومون التبرع بالدم باعتذار المستشفى لعدم وجود اكياس لحفظ الدم ويتم ارسالهم الى مصرف الدم في مدينة الطب ولانعلم هل ان كمية الدم في مبردات المستشفى كافية لاستخدامها في حالة الطواريء ام ان الامر يتعلق بالامبالاة ، وكذلك معاناة اهل المرضى مع سيارة الاسعاف التي يتعامل سائقها مع الاخرين وكأنه سائق تاكسي .
والدليل على ما نقوله هو منتجات وزارة الصحة ومستشفياتها الكبرى فمدينة الطب التي كانت علامة بارزة وكبيرة ترمز للخدمات الطبية المميزة أصبت طوابقها الخاصة بالعناية المركزة عبارة عن مقبرة تنتج كل ردهة عددا غير قليل من الموتى وهذا الأمر مسجل في سجلات المدينة فهي تؤشر إن الداخلين لا يخرجون منها إلا بالتوابيت لانعدام الخدمات وفقدان الضمير واستهتار الكادر الطبي وتحويل المرضى كحيوانات تجارب لأطباء مازالوا تحت التمرين وهذا الأمر لا تسمح به الدول المتقدمة و التجربة العلمية تحصل على عدد محدود من الحيوانات مثل الارانب والجرذان .
وختاما وبعد مطالبتنا البرلمان والحكومة نطالب ايضا وزير الصحة بالايعاز الى مدير صحة بغداد وصحة الرصافة وجميع الدوائر المعنية في الامر من التحقق في هذه المعلومات واتخاذ كافة الاجراءات القانونية بحق المقصرين واصحاب النفوس المريضة التي تغلب مصالحها الشخصية على حساب نكبات العباد والبلاد .