القسم الخامس والعشرون .
*- بعدما تعرفنا على مجموعة المتناقضات وخلط الأوراق التي إحتواها قرار مجلس الوزراء المرقم (315) لسنة 2019 ، الذي لا يصلح إعتماده لأقل ما ينفع العاملين في دوائر الدولة المختلفة ، إلا من ناحية الكشف عن الضعف والهوان الذي يتمتع به أصحاب السلطة والقرار بعد الإحتلال ، المتمثل بعجز إداري وفشل تشريعي لا يليق به من الوصف إلا بالمنفذ والمشرع الطارئ ـ الذي لا يمتلك الحد الأدنى من كفاءة وخبرة أقل الممارسين أو المهتمين بشؤون الخدمة والوظيفة العامة ، المؤدي إلى ما رأيناه من التخبط الواضح في التفكير والممارسة التي تتجاذبهما الأهواء والأمزجة الشخصية ، وتدفع بهما التوجهات السياسية غير المهنية والمصالح الحزبية إلى حيث المجهول من الآراء والقرارات ، المتمثلة في كيفية أن يكون للمشرع نهجان في موضوع واحد ، أولهما أن يقرر الحد الأدنى للراتب التقاعدي بين (400.000- 500.000) ألف دينار شهريا بموجب المادة (5) من قانون التعديل ، وثانيهما أن يحدد بموجب المادة (6) من ذات القانون ، إستحقاق الراتب التقاعدي للمتعاقد بنسبة (75%) من الحد الأدنى من الراتب التقاعدي المذكور أعلاه ؟!. المقرر بموجب البند الثالث عشر المضاف إلى المادة (21) من قانون التقاعد ، وبالنص على أن ( تسري أحكام هذا القانون على العاملين في دوائر الدولة بصفة عقد ( موظف مؤقت ) من المشمولين بقرار مجلس الوزراء المرقم (315) لسنة 2019 ، على أن تستقطع التوقيفات التقاعدية المساوية لراتب قرينه الموظف على الملاك الدائم في ذات دائرته ، ويستحق الراتب التقاعدي إذا كانت لديه خدمة عقدية لا تقل عن (15) سنة وأكمل سن (50) سنة من العمر وبنسبة (75%) من الحد الأدنى من الراتب التقاعدي ) .
*- وعليه لا بد للمشرع أن يكون ملما بحدود المعقول من الفرق والتمييز بين التعيين المؤقــت والتعيين بعقـــد أولا ، ليتمكن من إتخاذ القرار التشريعي اللازم والسليم ثانيا ، بدلا مما إطلعنا عليه من تشريع لا يتميز عن غيره بالسوء والإرتباك ، حالتان كان لنا فيهما مراجعة بكتابنا الموسوم ( في قانون الخدمة المدنية- التعيين والتثبيت واحتساب الخدمات- دراسة تحليلية للنص القانوني والتطبيق العملي ) ، المودع لدى دار الكتب والوثائق ببغداد بالرقم (635) لسنة 2010 ، وبمقالتنا الموسومة ( التعيين المؤقـت … والتعيين بعقد ) ، المنشورة في صحيفة كتابات بتأريخ 31/7/2018 . حيث لا يتوجب على الدولة لزوم تعيين المتعاقدين بأي شكل كان على الملاك الدائم ، إلا عندما يعلن عن الوظائف الشاغرة وشروط إشغالها بالمنافسة على وفق مبدأ تكافؤ الفرص لجميع العراقيين ، بإعتبار العمل حق وواجب ضامن للتمتع بحياة حرة كريمة.
*- ونظرا لما يتصف به العقد وهو شريعة المتعاقدين ، من أداء الأعمال ذات الطبيعة الطارئة أو المؤقتة التي لا يمكن أو يتعذر إنجازها بقوى الملاك الدائم خلال مدة قصيرة ، فقد تأكدت مدة عقد التوظيف بعدم بلوغها مدة تزيد على مدة إنجاز تلك الأعمال في جميع الحالات والأحوال ، وليس كما حصل بعد إحتلال العراق سنة 2003 ، حيث التجديد السنوي إلى حين بلوغ ما سمي بالخدمة العقدية بما لا يقل عن (15) سنة ، بسبب القصور الفكري في كيفية تشغيل وتوزيع القوى العاملة حسب الحاجة من كل إختصاص ، أو نتيجة إبرام العقود الوهمية أو ترك العمل قبل إنجازه من قبل المتعهد بالتنفيذ لأسباب لم تعد خافية على أحد ؟!. ولعل مفردات البند المضاف توضح الأخطاء التي وقع بها المشرع الطاريء ، وتكشف ما لم يود بيانه لأسباب سياسية غير مهنية ، لا يمكن إعتبارها معيارا مهنيا للقياس عليها ؟!. لأن التوقيفات التقاعدية متساوية في جميع دوائر الدولة ، وتستقطع شهريا بمقادير النسب المحددة في المادة (17) من قانون التقاعد ، وليس بالطريقة (المساوية لراتب قرينه الموظف على الملاك الدائم في ذات دائرته) ؟!.
*- ثم لماذا يستحق المتعاقد للراتب التقاعدي ( بنسبة (75%) من الحد الأدنى من الراتب التقاعدي ) المقرر ؟!، وقد عين موظفا بعد إستيفائه لشروط التعيين ومن ثم التقاعد وفقا لقواعد القانون وليس بدونها ، وكيف يصح إختلاف أحكام القانون الواحد فيما يتعلق بتحديد مقدار الحد الأدنى للراتب التقاعدي ؟!، إلا إذا كان ذلك مؤشرا على عدم الإستحقاق أصلا ، وإن الذي تقرر منحه يمثل مكرمة السلطة وصدقاتها المدفوعة بالمن والأذى ، لإنبثاقها من خارج سياقات الإستحقاقات الطبيعية المقررة وفقا للقانون ؟!. مع إن إستقرار قواعد العمل وإستحقاقاتها المتكافئة . من عوامل التطور والتنمية البشرية ، في سبيل زيادة فرص العمل والإنتاج ، وما التغيير إلا لضرورة مهنية بعيدة عن أوهام وتطفل الفكر السياسي والحزبي الواهن ، الذي لم ولن يأت بخير للبلاد ولا للعباد.