خاص : كتابات – بغداد :
الحرب “العراقية-الإيرانية”، التي يمر على اندلاعها هذا العام قرابة الأربعة عقود، هي الحافز الأبرز لنظام الملالي في طهران على تشكيل وكلاء وميليشيات مسلحة موالية له في المنطقة “تقية من خطر العزلة أو انهاء وجوده”.. هذا ما أوضحه معهد “بروكينغر” في أحدث تقاريره التحليلية مؤخرًا.
لكسر عزلتها الدولية..
وكانت قد نشبت في العام 1980 حرب عنيفة، استمرت لمدة 8 أعوام متصلة، بين الجيش العراقي بقيادة، “صدم حسين”، والجيش الإيراني عقب عام من “ثورة” المرشد “الخميني”. وأسفرت عن مقتل نحو مليون شخص وخسائر مادية واقتصادية كبيرة للبلدين.
وبحسب تقرير “بروكينغر”؛ الذي أعده، “رانج علاء الدين”، فإن إيران كانت قد عانت من عزلة دولية عقب “ثورة الخميني”؛ فيما كان الرئيس العراقي الراحل، “صدام حسين”، يتمتع بدعم الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، مما دفع طهران إلى البدء في تشكيل شبكة من الوكلاء لها في منطقة .
فقد قامت طهران بتعبئة الجماعات العراقية الشيعية المعارضة، وسعت إلى إثارة انتفاضة في صفوف الأغلبية الشيعية، وتشجيع حدوث انشقاقات داخل الجيش العراقي، ولكن دون جدوى؛ إذ كان “نظام البعث” قادر على قمع أي تحركات معادية.
ولفت التقرير؛ إلى أن الجيش العراقي، بمكوناته من الشيعة والسُنة، قاتلوا ببسالة خلال الحرب مع إيران، مشيرًا إلى أن إخلاصهم لم يكن حبًا في نظام “صدام حسين”، بقدر ما كانت رغبتهمم في عدم تحول بلادهم إلى نسخة من إيران، التي سيطر عليها حكم ثيوقراطي ديني، أو أن تصبح بلادهم خاضغة لطهران.
سر الفشل أولاً..
ومن أسباب فشل إيران في إحداث تغييرات جذرية في العراق، آنذاك، هو انقسام المعارضة الشيعية العراقية وافتقادهم إلى الخبرة والإنضباط في ميادين المعارك، وفقًا للتقرير.
وفي كتابه (الحركة الشيعية في العراق)، قال عالم الاجتماع العراقي الراحل، “فالح عبدالجبار”، “إن حركات المعارضة قد فشلت لأنها لم تؤمم قضيتها بشكل كاف، إذ جرى إجبار الحركات الإسلامية الشيعية في العراق على النفي لتندمج في المجهود الحربي الإيراني، وبالتالي فإن تلك الجماعات عزلت عن التيار الوطني العراقي الذي ظهر خلال الحرب “العراقية-الإيرانية”؛ واحتضنه غالبية الشيعة الذين قاتلوا إيران”.
على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها إيران مع بعض الجماعات الشيعية العراقية، بما فيها تجنيد وتعبئة المنشقين العسكريين العراقيين وأسرى الحرب، لتأسيس ميليشيا (فيلق بدر)، بيد أنها فشلت في إسقاط “نظام البعث”، بعد أن نجح “صدام حسين” في استرضاء المجتمع الشيعي من خلال تخصيص ميزانيات كبيرة للأماكن المقدسة والعمل على تجديدها، وسعيه إلى تعزيز الهوية العربية للشيعة مدعيًا أنه من نسل “الإمام علي”.
استيعاب دروس الماضي..
لكن طهران، وبعد فشل ذريع في الماضي، تمكنت من استيعاب الدروس لتنحج لاحقًا، وبعد سقوط نظام “صدام حسين”، في العام 2003، من تشكيل شبكة من الوكلاء لها، لضمان أن العزلة الدولية التي كادت تهدد وجود نظام أثناء حرب الأعوام الثمانية لن تتكرر.
ووفقا لتقرير “بروكينغز”؛ فإن شبكة الوكلاء المسلحة الواسعة لديها ربما تكون أهم قدراتها الدفاعية والردعية حتى النووية منها، فميليشيات (حزب الله) اللبنانية، ومنذ تأسيسها، في العام 1982، استطاعت أن تسيطر على مفاصل الدولة في لبنان، وباتت ورقة أساسية بيد طهران وأداة لا غنى عنها في إعداد وتدريب ميليشيات أخرى في المنطقة.
وفي العراق، تعد ميليشيات منظمة (بدر)، في الوقت الحالي، أكبر قوة شبه عسكرية في البلاد، وتسيطر على زارة الداخلية ولها تأثير واسع النطاق على المؤسسات العراقية.
كما أنها تهيمن على قوة (الحشد الشعبي)، التي يزيد عدد أفرادها عن مئة ألف مقاتل، وقد استطاعت أن توسع نفوذها إلى سوريا، حيث ساعدت في دعم وبقاء نظام “بشار الأسد”.
ويشدد التقرير؛ أنه لولا الدورس المؤلمة للحرب “العراقية-الإيرانية”، لما كان (حزب الله) اللبناني و(فيلق بدر) العراقي بهذه القوة والنفوذ اليوم.
ويخلص التقرير، إلى أن مسألة “وكلاء إيران” باتت مجالاً رئيسًا يجب مراقبة تطوراتها وتبعاتها المدمرة التي هي إحدى التحديات الرئيسة منطقة الشرق الأوسط حاليًا.