خاص: إعداد- سماح عادل
شهدت الفنون في العراق نشاطا ملحوظا في خلال ايام انتفاضة تشرين 2019، حدثت صحوة من نوع ما مع الحراك، فالموسيقى والأغاني والفن التشكيلي هي الفنون التي تأثرت سريعا بالحراك، تبعها الشعر، والسرد سواء قصة أو رواية.
يستمر ملف (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع، بمناسبة حلول الذكرى الأولى لاندلاعها. حيث نجمع في هذا الملف آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.
الاحتجاج الثقافي..
يقول الشاعر والناقد “عبد الأمير خليل مراد”: “لم تألف ثقافتنا العربية منذ بواكيرها أي نوع من الاحتجاج, وكثيرا ما يواجه المحتج التنكيل أو القتل, وقد رأينا كيف قتل الحلاج وذري, جسده في نهر دجلة, وكيف قتل زيد بن علي مصلوبا على, جذع نخلة, وكيف غيب في عصرنا الراهن عزيز السيد جاسم, وسواهم من حاملي الفكر ومقاومي السلطة, وسواهم من المحتجين على مواقف السلطة وتحولاتها في سياسة الناس وتدجينهم, وما ثورة تشرين الراهنة إلا صورة واضحة من الاحتجاج الثقافي والسياسي على السلطة التي ارتهنت إرادة الشعب العراقي, وتحول البلد إلى صرر من الدولارات التهمها السياسيون والأحزاب الفاعلة, بعيدا عن الواقعية وإرادة المغلوبين, ولعل هذه الثورة التي انبثقت من إرادة الرفض وعدم الاستسلام إلى الخديعة ومكر أولي الأمر وخداعهم في نهب المال العام”.
ويضيف: “تبلورت في متون هذه الثورة التشرينية الكثير من الفعاليات والنشاطات الثقافية على الفضاء الإلكتروني والمواقع الاجتماعية, أو البرنامج الثقافية التي اعتمدت هذه الصحوة الجمعية في أهدافها وسياقاتها المعرفية المختلفة إذ تجسدت هذه الفعاليات من خلال إلقاء القصائد والمسرحيات في ساحة التحرير، تحت نصب الحرية, أو بعض النشاطات في المحافظات الأخرى, كساحة الحبوبي في ذي قار, أو ساحة الحرية في بابل, وقد أصدرنا في اتحاد أدباء بابل ديوانا شعريا جماعيا، ضم العديد من القصائد التي ألقيت في هذه الأماكن, حيث قمت بإعدادها وتحريرها تحت عنوان (مرايا وطن) وقد سجل موضوعا في إحدى الجامعات العراقية كرسالة في الدراسات العليا”.
ويؤكد: “إن ثورة تشرين شكلت حافزا فاعلا للأدباء والمثقفين في كتابة روايات وقصص وقصائد قامت مضامينها على شرارة هذه الثورة, بالإضافة إلى الفن التشكيلي والكاريكاتير حيت أقيمت العديد من المعارض والفعاليات, التي تناولت هذه الثورة في موضوعاتها ومراميها، لقد أشعلت ثورة تشرين المنابر الثقافية, على تنوعها واختلافها, وجاءت كمنظومة ثقافية ومعرفية تلامس هموم الإنسان وحراكه الشعبي اليومي, وهي ممارسات لم تألفها ثقافتنا سابقا, بل أصبحت هذه الممارسة قضيتنا اليومية التي تلهب المشاعر وتهيمن على الوجدان الجمعي, وكأنها شمس يستقي منها المريدون أضواءهم كي يمدوا هذه الجماهير بأنوار التواصل, والالتحام مع وهج الثورة وإيقاده في كل مكان من أرض العراق”.
ملتقى الأدب والفن..
ويقول الشاعر “طاهر سلمان”: “إن ثورة تشرين لم تكن زوبعة في فنجان كما يدعي البعض والحكام إنما كانت ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة، وهي ثورة الشباب المثقف الواعي الذين نذروا أنفسهم لكي يحيا الوطن ويعيش سالما منعما، بظل حكومة لها انتماء وطني صرف، لذلك هب الشباب بكافة الأعمار لتحقيق هذا المطلب. لذلك شاهدنا الشباب المثقف الواعي فهناك الفنان الذي رسم بالريشة واللون مطلبه على الحيطان في ساحة التحرير بلوحات معبرة عن حبهم لوطنهم، ووجدنا الكاتب والروائي والباحث والسينمائي كل يدلو بدلوه فصارت ساحة التحرير ملتقى الأدب والفن، حتى المسرحيين عرضوا أعمالهم في الساحة وفي الهواء الطلق لشرح قضيتهم ومطلبهم الوحيد، البحث عن وطن، مما أرعب الحكام ولم يتوقعوا هذا المد الكبير، فاستهدفوا المتظاهرين بالقتل والتنكيل والخطف، ولكن باءت جهودهم بالفشل وبقي الشباب، وباقي قطاعات الشباب والعمال والكسبه يدا بيد دون خوف أو وجل، ويمر عام على هذه الثورة وهي بأوج بركانها وتحديها للصعاب وصولا إلى النصر العظيم”.
الموسيقى حرة..
ويقول “بهاء زهير القيسي”: “توضحت هذه التأثرات من خلال دور الشباب الواعي والغير مؤدلج إلا للهوية الوطنية، وامتاز بعدم الانقياد لتوجه فكري غير العدالة الاجتماعية والحرية الفكرية بغير قيود، أهمها كانت زيادة الوعي في الاطلاع على الثقافات والتعرف على الأدب الثوري في تجارب الشعوب. في مجال الموسيقى خرجت أغلب الفرق والعازفين من أجواء الصالونات والمنتديات، والتي كانت حكراً في حضورها على الزملاء والمتقربين للفن، أصبحت الموسيقى حرة في العراء تستعمل ألحان جديدة غير تقليدية، عملت على انتشار الاهتمام في الفن والموسيقى بشكل أوسع واضمحلال مفاهيم ضيقة حول العمل في الاتجاه الفني”.
سرديات اهتمت بروح الثورة..
ويقول الكاتب “شوقي كريم حسن”: ” الثورات التي لا تترك أثرا فكرياً وجدلاً معرفيا في حياة الشعوب لا يمكن أن تحمل سمات ومكونات الثورة، وثورة تشرين توافرت على مهمات خلت منها الكثير من ثورات الشعوب، أولهما الشباب الذي خطط للثورة ونفذها بدقة وحرص، والثاني ظهور تيارات معرفية داخل الساحات وخارجها حيث بدأت الاشتغالات الثقافية تتضح منذ بدا الشباب تلوين ورسم الأمكنة التي كانت مهجزرة ومحطمة. حتى تقديم العروض المسرحية والغنائية وإقامة الفعاليات الشعرية التي أنتجت شعراء جدد. وقراءات المشهد الروائي تحيلنا إلى سرديات اهتمت بالثورة وروحها ووثقت للشهداء ومضامين مواجهاتهم السلمية، هذا لم يحدث في مكان آخر من العالم، وأظن أن توهجات ثورة تشرين ستظل مشتعلة ومستمرة لأنها أيقظت الروح الوطنية الجمعية”.
ثورة مباركة..
يقول الكاتب “يوسف عبود جويعد”: “إن ثورة تشرين المباركة، التي انطلقت بفضل إيمان شباب واعي فوجئ الجميع بإحساسه الوطني وقدرته الفائقة على التغيير، وإقامة العدالة والمساواة ورفض ونبذ الظلم والفساد والتهميش، وكانت التظاهرات التي انطلقت شعلة وضاءة وإشارة واضحة لزج الكثير من أبناء الشعب، للقيام بدورهم الصحيح، والمساهمة الفاعلة من أجل مساندة الشباب ومؤازرتهم والاشتراك معهم، وهم وسط نيران مشتعلة من الدخانيات والرصاص الحي الذي ألهب سوح التظاهرات وجعل المواجهة قاسية وصعبة، إلا أن شبابنا تصدى لكل هذا بصدور عارية ودون خوف، وظهرت مواقف مشرفة، وحالات استشهاد سيذكرها التاريخ وستبقى خالدة، وكان من الطبيعي أن تكون لتلك الثورة التأثير الواضح على المثقف في كل المحافل، الأديب، الصحفي، المحامي، الفنان، أساتذة الجامعات، الطلاب في جميع المراحل، وهكذا وجدوا من الضرورة أن تكون تلك المساهمة فاعلة وواضحة، فنصبوا خيم وسط التظاهرات وتحركوا مع الشباب المتظاهرين، خيمة نقابة الفنانين، خيمة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، خيمة نقابة المحامين، وخيم الأطباء والإسعافات الفورية، وخيم لتداوي جراحات المتظاهرين، وخيم لطهي وتوزيع الطعام، وهكذا التصق المثقف مع شباب التظاهر، وتأثر وأثر وانعكس هذا التأثير على معنوياتهم وقدرتهم على المواجهة والصمود والصبر”.