إنخرطنا في موجة من الضحك أنا والصديق خالد مروان بعد ان قال لي : (( أنت أصبحت مسؤوليتي بأن أخرجك من مرحلة البراءة ، وأكشف لك أسرار المرأة التي لايعرفها حتى الشيطان ، وأريدك ان تكون خليفتي في عالم الفسق والمجون )) .. المرأة والرجل كلاهما على الأغلب لايدركان إنهما ضحية وجود عدمي من دون غاية وجدوى ، ونادرا ما يتساءل أحدهما : على فرض أننا عشنا طويلا سعداء على هذه الأرض .. ماذا بعد ، وماذا يعني هذا ، وأصلا لماذا وجدنا مفهورين على عيش هذه الحياة بكل تنوعاتها ، وإختلافاتها ، وصراعاتها ، وأصل المشكلة أننا لم نكن بحاجة للتواجد في الحياة نحن البشر ، والوجود ليس بحاجة لنا هو الآخر ، فما وظيفتنا ومهمتنا ودورنا في هذه الصدفة العبثية ؟!
واحدة من التحديات التي تواجه البشر هي كيفية تعبئة فترة الإنتظار من الولادة لغاية الموت .. ماذا نختار ، وما الذي فعليا بمقدورنا إختياره ، وكيف نتصدى للمشاكل والتهديدات ، وعند إجراء جرد حساب بوعي يتموضع خارج الذات ويطل على طبيعة الحياة برؤية نقدية .. سنصطدم بفجيعة اننا مجرد آلات ، أو أشياء مسجونة داخل ظروف وقوانين مفروضة عليها من قبل هذا الوجود ، خالد مروان قال تمكنت من حل مشكلة تعبئة فترة الإنتظار من الولادة الى الموت .. بأن أصبح ينظر الى الحياة والوجود كله عبارة عن لعبة تدعو الى السخرية ، وتخلى عن الجدية وحساب الأرباح والخسائر (( صفعتني حقيقة غياب الغاية العاقلة من الوجود )) كان يردد دائما بمرارة خالد ويشعر بالإهانة كونه شيء من بين الأشياء تلاعبت بوجوده في الحياة صدف وغرائب وقوانين مجهولة !
سألت خالد مروان متحديا :
– هل تدعي لديك خبرة كافية بعالم المرأة ؟
ضحك وعلق قائلا :
– لا أدعي هذا الوهم .. خبير التحليل النفسي بيير داكو قال في كتابه حول المرأة .. (( المرأة كالماء تتخذ كافة الأشكال )) ومعنى هذا ليس هناك الكثير من المحددات لها كي نجعل لها مقاييس لتحليل شخصيتها والتنبؤ بسلوكها .. ويبدو هي أقرب للكائن الزئبقي .
إعترضتُ على هذا التوصيف .. فالمرأة لها سيكولوجيتها المحددة بفعل التطور التاريخي وقولبة البيئة ـ وربما غموضها ناتج عن الخوف من المجتمع ، أو عدم بذل الجهد من الرجل لمعرفتها بسبب تسلطه ورغبته استنساخها عنه ، وطوال التاريخ حتى في المجتمعات المتحضرة الرجل لم يتعامل مع المرأة كما هي بحكم الفروق الفردية عنه ، بل دائما كان يوحي لها أو يأمرها بأن تتشكل حسب رغباته ونزواته ، وتطبع المرأة على الطاعة والإستجابة جعلها تمسخ شخصيتها امام هذه السطوة الوحشية التي ترتدي احيانا قناع الحب !
وبما اني أكره الكلام ، وأحب الإصغاء للآخرين .. رحت أشجع خالد مروان وأحرضه على سرد ذكرياته ومغامراته ، ويبدو انه بعد ان إطمئن الى اني لا أصدر عليه أحكاما أخلاقية أو سلوكية ، وأحترم حريته الفردية .. تشجع على الكلام وكان يحدثني بإستمرار كما لو كان في جلسة بوح في حضور المحلل النفسي ، وقد حكى لي واحدة من القصص الغريبة في حياته قائلا:
– في أحد المرات راجعت دائرة من الدوائر في لندن .. كانت الموظفة مرعبة بطولها وضخامة جسمها لكن من دون ترهل ، وكانت جميلة جمالا مستفزا ينتزع منك براكين الإعجاب ويحيلك الى جثة هامدة ، جلست أمامها وكانت بالنسبة لي كالحلم البعيد ، ثم أخذت تستفسر مني حول سبب المجيء ، وبعد عدة أسئلة تحول الحوار الى منحى آخر حيث أمطرتني بزخات من الأسئلة حول حياتي ، وفي تلك اللحظة غابت عني خبرتي في عالم المرأة ، وارتبكت ، وتوهمت ان الموضوع قد يكون له علاقة بقضايا أمنية تخص اللاجئين ، وحتى لوكان عملها بعيدا عن الأجهزة الأمنية فإن المواطن هنا في أوروبا يتطوع بدافع وطني لحماية بلده ويبلغ عن الأشخاص الخطرين .. أخذ اللقاء طابع الإستجواب وأنا مستسلم أمام سطوتها وقوة حضورها وسحر جمالها .
سألت خالد ..
– لحظتها لماذا لم تتماسك وتخوض معها حوارا نديا وفي نفس الوقت تحلل مجريات اللحظة .. وأنت في عمر تجاوز الخمسين عاما وعشت مختلف التجارب النسائية بوصفك بحارا سابقا؟
– فقدت إتزاني حينما وجدتها تتكرم وتتنازل وتحاوني حول شخصيتي .. أبهرني جمالها اللاذع ، وأعتبرت هذه اللحظات نادرة سأغادر بعدها مكتبها ولم أرها ثانية ، وحينما انهيت معاملتي لديها ، فأجاتني بإبتسامة خفيفة وودعتني بحركة من رأسها ، وأعتبرت نفسي حققت إنجازا كبيرا بتبادل الحديث معها ، لكن القصة لم تنته ، فقد تلقيت إتصالا هاتفيا منها تطلب مني المجيء للدائرة لتصحيح بعض الأخطاء ، وحينها ذهبت وأنا في كامل أناقتي ، صدمتني بإستقبالها الجاف لي ، وبدأت على الفور تتشاغل بتصحيح الأخطاء ، ثم بين فترة وأخرى توجه لي سؤالا شخصيا وأنا منتشي بهذا الكرم منها ، وقبل مغادرتي مكتبها أخبرتني انها ترغب بالسفر الى الهند وبحكم اني بحار حدثتها عن رحلاتي المتكررة الى هناك ، سألتني إن كان لديّ مانع تتصل مساءا في التليفون ، وطبعا وافقت وحاولت السيطرة على فرحتي .
(( تكررت إتصالاتها ، وكان تحليلي ان السبب قد يعود للفضول في داخلها للتعرف على سفرات ومغامرات البحارة ، أي ربما كنت مجرد حكواتي للتسلية بالنسبة لها، وقبلت بهذا ، وبادرت الى دعوتي لتناول طعام العشاء في أحد المطاعم ، وكان لقاءا مختلفا سادته الحميمية من جانبها ، ومررت لي عدة كلمات إعجاب ، ومابين الشكوك والإرتياح إعتبرت ان هذه العلاقة جيدة حتى لو كانت مجرد دردشة ، لكني لم أتوقع مفاجأة دعوتها لي بعد حوالي إسبوعين لزيارتها في شقتها ، حيث إستعدت ثقتي بنفسي وبدأت أدرك انها إمرأة متفردة في نمط علاقتها بالرجل تعمد الى إخضاعه للفحص والتحليل ثم عقلها يقرر .))
(( أخبرتني بعد ان قضينا ليالي حمراء صاخبة .. انها ترفض ان يختارها الرجل حسب رغباته مثل أية سلعة بإسم الإعجاب والحب ، ولابد ان تكون هي من يختار كي تعيش لحظتها السعيدة .. كانت عقلانيتها خطيرة ، وكانت إستثمارية تسعى للحصول على ماتريد من العلاقة بالرجل ، ولا يوجد في قاموسها مفردات : العطاء والمشاركة الروحية .. إستنزفتني لفترة من الزمن وبعد ما صرت نمطا مكررا في حياتها تركتني بقساوة .. لا أعرف ماذا أصفها : هل هي أنانية ، أم أنها مخلصة لنفسها في البحث عن اللحظات السعيدة !))
قلت لصديقي خالد مروان .. إن كانت المرأة بحكم عوامل تاريخية وتكوينية غير مستقرة ويمكن (( ان تتخذ كافة الأشكال )) فإن هذا التلون منها غالبا يكون سلوكا دفاعيا لحماية نفسها وهو ليس عدوانيا ، في المقابل الرجل طوال التاريخ إتخذ شكل الشيطان وأشعل نار الصراعات والحروب ونشر الشر في كل مكان ، والإنسان عموما – رجلا ، أم امرأة – سواء خلقه الله أو كائنات ذكية أو صدفة عشوائية .. فإنه بفشله في ان يكون خيرا عادلا يعتبر هذا الانسان صناعة فاشلة لاحاجة له !!.