خاص : كتب – محمد البسفي :
في منتصف الإسبوع يقع صدام دامي بين قوات الأمن العراقية وتجمع من متظاهري “ثورة تشرين” في كربلاء، أثناء مراسم الزيارة الأربعينية، الذين ندووا بالنفوذ الإيراني وهتفوا ضد التدخلات الإيرانية والأميركية.. ثم في نهاية الإسبوع يقوم مجهولون بتخريب قبر متظاهر عراقي قتل في الاحتجاجات الشعبية.. فهل هناك رابط بين الواقعيتين؛ خاصة بعد تصاعد وتيرة حملة التحريض التي إنطلقت مؤخرًا ضد ثوار “انتفاضة تشرين” ؟.. الربط قال به عدد من النشطاء وشباب الانتفاضة في عرض تحليلهم لملابسات حادث تخريب “عمر سعدون”…
حتى الأموات في قبورهم !
فمنذ الساعات الأولى من يوم أمس، الخميس، اشتعلت مواقع التواصل بصور ومقاطع فيديو تظهر تمزيق صورة المتظاهر، “عمر سعدون”، التي كانت موضوعة على قبره، بالإضافة إلى تدمير أجزاء من ضريحه. وعكست حركة التفاعل والتعليقات على مواقع التواصل مستوى غضب العراقيين المتزايد، جراء الحادث، الذي حملوا جماعات متطرفة موالية لطهران مسؤولية الوقوف خلفه، بالتزامن مع حملات تحريض طالت مؤخرًا ناشطين في الحراك الشعبي من قبل قادة ميليشيات وفصائل مدعومة من إيران.
يذكر أن “عمر سعدون”، (21 عامًا)، تم قتله في 28 تشرين ثان/نوفمبر الماضي، مع عشرات آخرين خلال ما عرف بـ”مجزرة الناصرية”؛ على يد قوات أمن عراقية يقودها، الفريق الركن “جميل الشمري”. وتسببت المجزرة في الضغط على رئيس الوزراء العراقي السابق، “عادل عبدالمهدي” ليضطر بعدها بأيام قليلة إلى تقديم استقالته من منصبه.
وقال ناشطون إن تخريب قبر “سعدون” يؤكد أن الجهات المرتبطة بإيران “بدأت تفقد صوابها ولا تكتفي بقتل المحتجين؛ بل باستهدافهم حتى بعد مماتهم”.
وتم طرد محافظ النجف، “لؤي الياسري”، أثناء محاولته زيارة قبر “عمر سعدون” بعد ترميمه، كما أظهرت لقطات مصورة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
نبرة تهديد المتظاهرين تزداد عصبية وجنونًا..
زاد حادث تخريب قبر “سعدون” من ردود الفعل الغاضبة المخلفة من حادث “الإعتداء على المتظاهرين”، الذي وقع قبله بساعات، مع استمرار الهجوم على المتظاهرين من قبل السياسيين العراقيين الشيعة لا ينقطع ووصل إلى حد التهديد بـ”إنهاء التظاهرات” بالقوة، مما دعم مزاعم الربط بين الحادثين.
ووقع “حادث كربلاء”؛ بعد قيام السلطات بمنع دخول موكب المتظاهرين إلى منطقة ما بين الحرمين لأنه لم يُسجل كأحد “المواكب” التي يسمح لها بالدخول، لكنهم دخلوا عنوة ما دفع القوات، المسؤولة عن حماية زيارة “الأربعين”، إلى استخدام القوة لتفريقهم وإخراجهم من منطقة الحرمين.
وكان المشاركون في هذه المسيرة يرفعون صور “شهداء” التظاهرات، الذين سقط منهم أكثر من 600 متظاهر، قبل سنة خلال القمع الدموي للحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في البلاد.
وفيما يعتقد أن القوات المهاجمة مكونة من عناصر حماية العتبات وأمن (الحشد الشعبي)، اعترفت العتبات بإصدار أوامر الهجوم مبررة تصرفها بالرغبة في “حماية الزائرين”، أما (الحشد الشعبي) فقد وصمت عن أي تعليق.
لكن بيانات الكتل السياسية الشيعية الرئيسة لم تكن بنفس درجة هدوء بيان العتبات، بل أن بعضها هدد المتظاهرين بمنعهم من التظاهر، كما عبر بيان غاضب لزعيم ميليشيا جيش المهدي، (سرايا السلام)، “مقتدى الصدر”. واتهم “الصدر”، في بيانه: “المندسين في صفوف ما يسمى بـ (ثورة تشرين)”، ممن لهم “ميولات منحرفة وأفكار داعشية وبعثية”؛ باستغلال المناسبات الدينية لمصالحهم، مطالبًا “الثوار الصالحين” بالتبرؤ منهم. مهددًا بالتدخل بـ”طريقته الخاصة والعلنية”، في حال لم تتدخل القوات الأمنية لـ”حماية المقدسات”، وفي حال لم يتبرأ المتظاهرون من زملائهم، مؤكدًا: “ربما لن يستطيع المتظاهرون التظاهر في المستقبل”.
وقال الناشط في التظاهرات، “نجاح محمد”، وهو اسم مستعار خوفًا على سلامته الشخصية، لموقع (الحرة) الأميركي، إن: “هذه التهديدات خطرة للغاية”، مضيفًا: “الصدر مسؤول عن مقتل متظاهرين والهجوم على عدة ساحات تظاهرات، وخاصة في النجف وتهديده قد يشي بأنه يريد إعادة الكرة”.
وعبر “نجاح” عن استغرابه من اتهام “الصدر”، للمتظاهرين، بأنهم يريدون تخريب الزيارة (الأربعينية)، مضيفًا: “قوات (جيش المهدي) شاركت في مواجهات مسلحة قرب مرقد الحسين في كربلاء، في عام 2007، ضد قوات حماية الحرمين”.
وبينت اعترافات سربتها السلطات العراقية، وقتها، أن عناصر من ميليشيا (جيش المهدي) خططوا للمواجهة خلال الزيارة “الشعبانية”، وقاموا بإحراق خيم وإطلاق الرصاص قرب ضريح “الحسين” في كربلاء.
كما أن “الصدر” متهم “بإصدارالأوامر لقتل عبدالمجيد الخوئي، ابن المرجع الشيعي الراحل أبوالقاسم الخوئي”، في نيسان/أبريل عام 2003، في مرقد علي بن أبي طالب، بحسب “نجاح”، الذي تساءل: “من هو الذي لا يحترم المراقد المقدسة إذاً”.
وليس “الصدر” وحده من هاجم المتظاهرين، إذ أنضم إلى “حفلة التهديد”، كما يصفها “ناطق حكيم”، وهو ناشط في التظاهرات العراقية، اضطر إلى مغادرة العراق بعد تهديدات، كل من “قيس الخزعلي”، زعيم ميليشيا (عصائب أهل الحق)، وحزب (الدعوة الإسلامي)، الذي يترأسه، “نوري المالكي”.
ويقول الناشط “حكيم”؛ إن الانتخابات المقبلة أصبحت قريبة، والتهديد بخطر “يستهدف المذهب والشعائر”، هو من كلاسيكيات الأحزاب الإسلامية؛ قبيل كل انتخابات لدفع الناس للتصويت لها.
وبحسب “حكيم”، فإن: “التظاهرات أقلقت الأحزاب الإسلامية الشيعية أكثر من غيرها”؛ لأنها تركزت في مناطق ثقل تلك الأحزاب مثل “الناصرية والعمارة”، جنوبي العراق، أو في مناطق مصالحها الاقتصادية مثل “البصرة وبغداد”.
وتوقع “حكيم” أن ترتفع وتيرة “العنف والتهديدات والتشويه” كلما اقتربت الانتخابات، التي يتوقع أن يقاطعها الكثيرون، مثل انتخابات 2018، بحسب الناشط.
عناصر إيرانية تقمع تظاهرات كربلاء..
كما أظهرت تسجيلات فيديو صورت في محافظة كربلاء العراقية، الثلاثاء الماضي، أعدادًا كبيرة من أشخاص يرتدون الزي العسكري وهم ينهالون بالضرب على متظاهرين رفعوا صور ضحايا “انتفاضة تشرين”، مرددين شعارات وطنية عراقية تندد بإيران ووالولايات المتحدة؛ قرب مرقد “الحسين بن علي بن أبي طالب” في كربلاء.
وأكد ناشطون عراقيون، إن عناصر إيرانية شاركت في الإعتداء الذي وقع على مسيرة “مظاهرات تشرين”.
وقال الناشط، “محمد الكندي”، إنهم وثقوا وجود عناصر إيرانية قبل “الزيارة الأربعينية” بأيام.
وأضاف: “الإعتداء حصل بعد هتافات مناهضة لإيران، أطلقها شباب المسيرة، الذين خرجوا بكل سلمية لإحياء ذكرى شهداء الثورة في أربعين الإمام الحسين”. وتابع: “أمرنا الشباب بالانسحاب فورًا حقنًا للدماء”، مستغربًا من السماح لمسيرات أخرى ترفع صور قائد (فيلق القدس)، “قاسم سليماني”، الذي قتل في ضربة أميركية كانون ثان/يناير الماضي.
موضحًا قائلاً: “قبل أيام دخلت قوة من (لواء 27) بالقرب من العتبتين المقدستين، ومعهم عناصر من الحرس الثوري الإيراني ولدي دليل على ذلك”، مستشهدًا بفيديو يظهر فيه عناصر ترتدي الزي العسكري وهم يتناولون الطعام مع مدنيين. ويقول “الكندي” أن المقطع مسجل قبل أيام، وأن من يظهر فيه إيرانيون.
وقال “الكندي”؛ أن: “ثورة تشرين باتت سكين في خاصرة الميليشيات التي تسيطر على منافذ الدولة باستخدام قوة السلاح بما فيه مقتدى الصدر”، وشدد على الإلتزام الكامل بالسلمية في الحراك الشعبي، مضيفًا: “لن نحرف الثورة عن مسارها السلمي، رغم أننا واجهنا كل الأساليب القمعية وعمليات تشويه سمعة الثوار”.
رئيسة جمعية (فرح العطاء)، “سهيلة الأعسم”، استنكرت الإعتداء على شباب الثورة في كربلاء، مؤكدة أن الثوار ملتزمين بالخيار السلمي منذ البداية في تشرين أول/أكتوبر 2019.
وقالت الناشطة المدنية: “هذا الإعتداء لا يفسر على أنه (شيعي-شيعي)، الكل في هذا البلد هم أبناء الشعب العراقي، ويجب احترام مطالب الثورة التي خرجت بكل سلمية وتستمر في سلميتها”.
وأشارت إلى أن اعتذار ممثلي المرجعية الشيعية في العراق إلى الثوار، يؤكد أن المعتدين هم من المندسين.