خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة جديدة على طريق الاستفزازات التركية التي تدخلها في توترات مع الشرق الأوسط، قررت سلطات ما تسمى جمهورية “شمال قبرص التركية” – والتي لا تعترف بها سوى تركيا – في خطوة مفاجئة؛ إعادة فتح ساحل مدينة “فاروشا”، المهجورة منذ عام 1974.
وبحسب صحيفة (غريك سيتي تايمز)؛ وصلت الجرافات والمعدات التركية إلى مدينة “فاروشا”، المهجورة منذ احتلال الجيش التركي للجزء الشمالي من الجزيرة القبرصية.
ووصفت “فاروشا” بأنها مدينة “أشباح” نظرًا لخلوها من أي مظاهر الأنشطة طوال أكثر من 46 عامًا، منذ الغزو التركي لقبرص، لكن التحول الجديد حدث بعد زيارة إلى تركيا أعلن خلالها، “إرسين تتار”، رئيس وزراء القبارصة الأتراك، إعادة فتح ساحل المدينة أمام الزوار.
في المقابل وصف، “رجب طيب إردوغان”، القرار بـ”القرار الشجاع”.
وبالنسبة لـ”إردوغان”؛ فإنّ: “فاروشا هي بلا شكّ منطقة قبرصية تركية، وأي قرار بشأنها يعود للسلطات القبرصية التركية”، مضيفًا أن: “جعل فاروشا منطقة جذب سياحي في المنطقة فرصة للاقتصاد القبرصي التركي”.
خطوة تؤجج التوترات بين الجانبين..
الصحيفة ترى إن تلك الخطوة من شأنها أن تثير غضب القبارصة اليونانيين الذين عاش الآلاف منهم ذات يوم في “فاروشا”، قبل فرارهم من الغزو التركي، موضحة أن تلك الخطوة؛ ستؤجج التوترات بين الجانبين.
ويأتي إعلان قبرص الشمالية، المدعومة من “أنقرة”، قبل انتخابات مرتقبة، المقرّرة في الـ 11 من الشهر الجاري؛ يترشح لها “تتار” الذي يحظى بتأييد الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، ضدّ الزعيم المنتهية ولايته، “مصطفى أكينجي”، الذي فترت علاقته بـ”إردوغان”.
وانتقد “أكينجي”، المتقدم على منافسه في استطلاعات الرأي، إعلان “تتار” والرئيس التركي عن فتح ساحل “فاروشا”، معتبرًا ذلك تدخلاً من جانب “أنقرة” في الانتخابات. وقال: “إنه عار على ديموقراطيتنا. (…) هذه الإجراءات تهدف فقط إلى تحبيذ أحد المرشحين”.
واعتبر “أكينجي” إن فتح جزء من مدينة “فاروشا”: “خطأ سيضع الشعب (القبرصي-التركي) في موقف صعب على الصعيد الدولي”.
انهيار التحالف الحاكم..
وعلى إثر هذه الخطوة؛ انهارالتحالف الحاكم في “جمهورية شمال قبرص التركية”، فقد أعلن “وزير خارجية” الكيان الذي لا تعترف به سوى أنقرة، “قدرت أوزرساي”، استقالته احتجاجًا على قرار “رئيس الحكومة” القومي، إعادة فتح “فاروشا”، وانسحب (حزب الشعب)، الذي ينتمي له وثالث أكبر الأحزاب في برلمان القبارصة الأتراك، من الائتلاف الحاكم ما يحرمه من الغالبية.
ويحتفظ الجيش التركي بقوة كبيرة في شمال قبرص، حيث تدعم السلطات الشمالية التدخل التركي، لا أنها تعتبر قوة احتلال من قِبل “جمهورية قبرص” و”الاتحاد الأوروبي” ككل والمجتمع الدولي.
ومنذ أن غزت تركيا، بشكل غير قانوني، شمال قبرص، انتقل عشرات الآلاف من المستعمرين الأتراك من بلادهم إلى الجزيرة، وكان معظمهم يعيشون في منازل كانت في السابق مملوكة للقبارصة اليونانيين.
إدانات وقلق دولي وأممي..
وفور إعلان الافتتاح إنهالت الإدانات الدولية، حيث أدانت “جمهورية قبرص”؛ قرار “المحتل التركي” وموافقة السلطات على ذلك، منتقدة ما اعتبرته عمل استفزازي غير قانوني تقوم به تركيا، وشددت الحكومة على أن أي خطوة في هذا الشأن سيتم إدانتها من قِبل “مجلس الأمن” و”الاتحاد الأوروبي”.
بدوره؛ قال وزير الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، “غوزيب بوريل”، إن التكتل قلق من الأمور التي أعلنت والتطورات التي حدثت بخصوص “فاروشا”، مؤكدًا على أنها ستؤدي لمزيد من التوترات.
من جانبها؛ أدانت الخارجية اليونانية قرار تركيا السماح بدخول الجمهور إلى شاطيء “فاروشا”، مؤكدة أنه انتهاك واضح لقرارات “مجلس الأمن الدولي”.
وتنص القرارات الدولية أن تبقى منطقة “فاروشا” المهجورة، كما هي، ووقف أنشطة الاستيطان، ولا يسكنها سوى سكانها الأصليون. حيث تحتل تركيا الجزء الشمالي من الجزيرة القبرصية منذ 1974.
من جهته، قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، “بيتر ستانو”، أمس الخميس، في بروكسل، إن قادة “الاتحاد الأوروبي” سيقيمون إجراءات تركيا في “فاروشا” القبرصية، وسيحددون المزيد من القرارات في إطار النهج الثنائي المقرر في “المجلس الأوروبي”، يوم الخميس الماضي.
وأضاف “ستانو”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء القبرصية الرسمية: “نراقب الحقائق ونسجل ما يجري، كان موقف الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والدول الأعضاء واضحًا جدًا، في البيان الذي صدر الليلة الماضية وفي استنتاجات المجلس في الأسبوع الماضي”.
وأوضح؛ أن: “توقعات وموقف الاتحاد الأوروبي من كل هذه القضايا التي نناقشها واضح للغاية وما ينتظره الاتحاد الأوروبي الآن هو علامات من شأنها أن تسمح للقادة عند عودتهم إلى مسألة العلاقة مع تركيا في كانون أول/ديسمبر المقبل، تقييم إذا كان هناك تقدم أو نهج بناء أم كان هناك شيء عكس الروح البناءة والحوار. وبناء على هذا الاستعراض سيقرر القادة الخطوات التالية”.
كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، “أنتونيو غوتيريش”، عن قلقه إزاء الإعلان عن افتتاح شاطيء أو ساحل “فاروشا”، مشيرًا إلى أن موقف “الأمم المتحدة” بشأن “فاروشا” لم يتغير ويسترشد بقرارات “مجلس الأمن” ذات الصلة.
ويؤكد على الحاجة لتجنب أية إجراءات أحادية من شأنها إثارة التوتر في الجزيرة وتقويض العودة إلى الحوار أو النجاح المستقبلي للمحادثات. ويدعو جميع الأطراف إلى المشاركة في حوار من أجل تسوية خلافاتهم، ويؤكد على استعداده لجمع الأطراف معًا.
قرارات مسبقة..
يُذكر أنه في قرار رقم 550 لعام 1984، اعتبر “مجلس الأمن” أن أية جهود لتوطين “فاروشا” بأشخاص من غير سكانها، غير مقبولة، ودعا إلى نقل المنطقة إلى إدارة “الأمم المتحدة”.
وفي القرار 2483، المُتخذ في 25 تموز/يوليو 2019، أشار “مجلس الأمن” إلى وضع فاروشا “على النحو المنصوص عليه في القرارات ذات الصلة”.
يعرف أن تركيا احتلت الثلث الشمالي من قبرص، في عام 1974، ردًّا على محاولة انقلابية لإلحاق الجزيرة باليونان، ومنذ ذلك الحين قسّمت الجزيرة إلى قسمين. ولا تعترف أي دولة، إلى غاية اللحظة، بما يسمى “جمهورية شمال قبرص التركية”.
وبقيت “فاروشا”، الواقعة على أطراف المنطقة العازلة، تحت السيطرة المباشرة للجيش التركي الذي يحظر الوصول إليها، فيما كانت مدينة سياحية مزدهرة بفنادقها ومياهها الصافية وأمسياتها الصاخبة، لكن سكانها رأوها تذبل أمام أنظارهم اليائسة ما دفعهم إلى الفرار إلى الجزء اليوناني في جنوب الجزيرة.
وقالت مصادر في قبرص إن الخطة تستهدف فتح نحو 1.5 كيلومتر من شاطيء البحر أمام الناس وليس المنطقة الداخلية التي تبلغ مساحتها نحو ستة كيلومترات مربعة؛ والتي كانت تضم فنادق ومساكن.