26 نوفمبر، 2024 9:46 م
Search
Close this search box.

من الفساد إلى “كورونا” .. تعددت الأسباب وفقر العراق واحد !

من الفساد إلى “كورونا” .. تعددت الأسباب وفقر العراق واحد !

خاص : كتب – محمد البسفي :

يواجه العراق مزيجًا من الصدمات الحادة التي تعصف باقتصاده.. حيث أدى الإنهيار في أسعار النفط، إلى حد كبير، بخفض إيرادات الميزانية المالية العامة للدولة، وكذا الأزمة الصحية التي سببتها جائحة (COVID-19)؛ وتدابير الإغلاق اللازمة لإحتواء الوباء، قد وجهت ضربة قاسية للأنشطة الاقتصادية، خاصة قطاعات الخدمات مثل النقل والتجارة والسياحة الدينية، والاستياء المتزايد على سوء تقديم الخدمات وتصاعد الفساد.

اجتمعت كل تلك الأوضاع لتخيم على المواطن العراقي بشكل مباشر أشباح الخوف والقلق مما يأتي به الغد.. الخوف من توقف صرف الرواتب والفقر المدقع والبطالة والركود.. أزمات تلو الأخرى ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي الذي اصبح واضحًا وغير قادر على التخفيف من حدة تلك الأزمات.

أوجه الخلل..

“شذى خليل”، الباحثة بوحدة الدراسات الاقتصادية التابعة لـ”مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية”، ترى في تقرير حالة أعدته مؤخرًا، أن الاقتصاد العراقي يتميز بريعتيه التي أهدرت إيراداته، وغابت الاستثمارات والبنى التحتية وجعلت البلد من سيء إلى أسوأ، “تبعية كبيرة على عائدات النفط، أي اقتصاد غير متنوع”.

وبالنسبة إلى القطاع الخاص، فالتواجد الكبير للدولة في الأنشطة الاقتصادية والتجارية، تجعل من الصعب خلق الوظائف المطلوبة في القطاع الخاص لسكان يغلب عليهم الشباب. علاوة على ذلك، تفشي الفساد، وضعف الحكم، وأثار تقديم الخدمات، احتجاجات واسعة النطاق، عبر ضعف الإطار الكلي للعراق.

ومشكلة العجز التي أصبحت تشكل فجوة كبيرة في الموازنة المالية العامة؛ وسد هذه الفجوة من خلال سندات العُملة المحلية الذي يضعف الميزانية العمومية للبنك المركزي العراقي ويخلق ضغوطًا عليها، ويقدر عجز الحساب الجاري بنحو 18.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، يمكن أيضًا أن يسحب بنك (CBI) احتياطيات العُملة الأجنبية إلى أقل من 3 أشهر من الواردات، بحلول2022، مما يؤدي إلى تفاقم ضعف البلد للصدمات الخارجية.

فقد أعلن “الجهاز المركزي للإحصاء”، أن نصيب الفرد العراقي من الناتج المحلي للفصل الأول من العام الحالي، بلغ 1100 دولار. وقال الجهاز، التابع لوزارة التخطيط، في إحصائية له إن: “متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الجارية للنصف الأول من العام الحالي، 2020، بلغ مليونًا و341 ألف دينار أو ما يعادل 1100 دولار، مقارنة بالفصل الأول من عام، 2019، الذي بلغ فيه مليونًا و707 ألف دينار أو ما يعادل 1300 دولار؛ بانخفاض بلغ 12.3%”.

وأن: “متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الجارية للنصف الأول من العام الحالي؛ انخفض أيضًا عن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي للفصل الرابع من، عام 2019، الذي بلغ 1400 دولار وبمعدل 21.4%”.

وكشفت دراسة لـ”الأمم المتحدة”، في عام 2018؛ أن العراق يحتل المركز 108 عالميًا، والـ 10 عربيًا، من بين 122 دولة، في ترتيب الدول عالميًا لجهة مستوى دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالدولار سنويًا.

وتعلق “خليل”: “يشخص الخبراء والمختصون وحتى بعض السياسيين الأسباب التي أصبحت واضحة، لكن اصبح العجز أكبر من القدرة على المعالجة؛ وما زالت البلاد واقتصادها يعانيان من أزمة مركبة وشديدة التعقيد، وليس بالسهولة معالجتها في إطار العملية السياسية الحالية، بسبب الفساد المالي والإداري غير المسبوق في كل العالم”.

التردي مستمر..

وقد رصدت بعض الإحصاءات لتسليط الضوء على ما يعانيه المواطن، فكان عدد المسجلين تحت خط الفقر بأقل من 5 دولارات في اليوم، أي بحدود 35%، من الشعب وأن 6% يتعاطون المخدرات والحشيش، وأن 9% نسبة عمالة الأطفال دون سن الـ 15 سنة.

أما بالنسبة للقطاع المالي؛ فقد بلغ مجمل الديون العراقية 140 مليار دولار لصالح 29 دولة، يضاف إليها ديون “صندوق النقد الدولي” و6 شركات نفط غربية وديون “نادي باريس”.

هذا إذا علمنا أن مبيعاتنا من النفط، خلال الفترة 2006 و2014، وفترة ارتفاع أسعار النفط؛ بحدود ترليون دولار، ولم تسهم بحل أية مشكله، حيث بلغت نسبة الهدر بحدود 450 مليار دولار.

وكشفت جائحة فيروس (كورونا) وصدمة أسعار النفط بوضوح مقدار ما خسره العراقيون في العقدين الآخيرين، فكان التأثير كبير على جميع القطاعات، فالنظام التعليمي؛ الذي كان تصنيفه في وقت من الأوقات الأقرب إلى القمة بين أقرانه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بات الآن قريبًا من القاع. ومعدل المشاركة في القوى العاملة في العراق يتعثَّر عند مستوى 42%، بالإضافة إلى تسجيل العراق أحد أدنى معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في العالم. كما يواجه العراق الآن تدني مستويات رأس المال البشري، وتدهور مناخ الأعمال، وأحد أعلى معدلات الفقر بين الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل.

خارطة طريق “البنك الدولي”..

وبالرغم كل ذلك؛ ترى الباحثة أنه: لابد من بصيص أمل، حيث قدم “البنك الدولي” تقريرًا قال فيه: “إن تنويع النشاط الاقتصادي من خلال الإصلاح وتطوير القطاع الخاص؛ أمر بالغ الأهمية للحد من التحديات المتعاقبة التي يواجها العراق”.

وتتضمَّن هذه المذكرة الاقتصادية خارطة طريق لمساعدة العراق وشعبه على إعادة النظر في النموذج الاقتصادي القائم، وبناء اقتصاد أكثر قوة وتنوع للقضاء على البطالة، وإعادة بناء العقد الاجتماعي.

ويؤكد “البنك الدولي” على شراكته في مساعدة العراق على المضي في طريق الإصلاح لترسيخ السلام والاستقرار، وإتاحة الفرصة لكل العراقيين لتحقيق أعلى طموحاتهم وآمالهم.

وأن ثروة العراق النفطية مكَّنته، على مدى عدة عقود، من الإرتقاء إلى مصاف البلدان مرتفعة الدخل، ولكنها في نواحٍ كثيرة جعلت مؤسساته ومخرجاته الاجتماعية والاقتصادية تُشبِه أوضاع بلد هش منخفض الدخل. وأدَّت العائدات النفطية إلى تآكل القدرة التنافسية الاقتصادية للبلد، وقلَّلت من الحاجة إلى فرض الضرائب، وأضعفت رباط المساءلة بين المواطنين والدولة، وأجّجت الفساد.

ويُحدِّد التقرير الجديد، السبل الرئيسة التي يمكن للعراق إنتهاجها لتحقيق نمو مستدام بعد دراسة وافية لأوضاع الاقتصاد السياسي المُعقَّدة في البلد. ويُشدِّد التقرير على أنه ينبغي للعراق أن يعطي الأولوية لإعادة تركيز العملية السياسية على التنمية، ورفع مستوى الشفافية في إدارة الثروة النفطية والموارد العامة. ويُبرِز التقرير أيضًا الحاجة الملحة إلى أن يعيد العراق بناء الثقة بين المواطنين والحكومة من خلال تعزيز مشاركة المواطنين ومساءلة الحكومة في تقديم الخدمات والبنية التحتية ذات الأولوية، وتلبية احتياجات الشباب المتعلقة بالوظائف، ومعالجة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.

وعلى الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجها العراق في الوقت الراهن، ثمة ثلاثة مجالات للتركيز يمكن أن تساعد على تحقيق تنويع النشاط الاقتصادي، والنمو، والاستقرار :

الأول: الحفاظ على السلام، يمكن أن يكون في حد ذاته مُحرِّكًا قويًا للنمو. كان متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في العراق، في عام 2018، أقل بمقدار الخمس عن المستوى الذي كان من الممكن تحقيقه لولا الصراع الذي بدأ في عام 2014، وذلك في حين كان إجمالي الناتج المحلي للقطاع غير النفطي أقل بمقدار الثلث. وفي البلدان التي تشهد حلقة مفرغة من العنف والهشاشة، يُعَد اتخاذ سياسات مُنسَّقة من قبل ائتلاف عريض من الجهات الفاعلة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على “مسارات السلام” وإرساء حلقة إيجابية. وخلص التقرير إلى أنه في الأجل القصير يجب أن يركِّز العراق على الإصلاحات التي توسع مظلة شبكات الأمان الاجتماعي للفئات الفقيرة والأكثر احتياجًا، وتحسين تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وضمان كفالة تحسين الشفافية في عمل المؤسسات الحكومية.

الثاني: استغلال الإمكانيات التصديرية للعراق للمساعدة في تنويع النشاط الاقتصادي بعيدًا عن إنتاج “النفط”، والاتجاه نحو التجارة والتكامل. ويتمتع العراق بموقع جغرافي يؤهله أن يكون مركزًا إقليميًا للخدمات اللوجيستية، لكن أداء العراق على صعيد الخدمات اللوجيستية يتأخر كثيرًا عن أداء نظرائه إلى درجة أنه أصبح نقطة إختناق إقليمية.

والثالث: النهوض بالقطاع الزراعي في العراق؛ ليصبح ركيزةً أساسية من ركائز اقتصاد أكثر تنوعًا يقوده القطاع الخاص. وتمتلك قطاعات الإنتاج الزراعي، والصناعات الغذائية، وما يتصل بها من خدمات، ومنها الخدمات اللوجيستية، والتمويل، والصناعات التحويلية، والتكنولوجيا إمكانيات كبيرة للتوسع وخلق الوظائف. ولا يخضع قطاع المنتجات الزراعية الغذائية لنفس المستوى من الرقابة الحكومية الذي تواجهه قطاعات أخرى، ولذلك فإنه في وضعٍ يُؤهِّله لإستحداث أساليب جديدة للعمل وتبنِّي أحدث التقنيات لتعظيم قدراته التنافسية.

وتبني المذكرة الاقتصادية للعراق الجديدة هذه على تقريرين سابقين، من عام 2006 وعام 2012، أكد “البنك الدولي” فيهما ضرورة أن ينتقل العراق من الصراع إلى إعادة التأهيل، ومن هيمنة الدولة إلى التوجه نحو السوق، ومن الاعتماد على النفط إلى تنويع الاقتصاد، ومن العزلة إلى التكامل الإقليمي والعالمي.

ويبني التقرير على تلك التوصيات عن طريق :

(1) إجراء تحليل وافٍ لتحديات الهشاشة والاقتصاد السياسي الكامنة التي يواجها العراق وآثارها على نموذج النمو المتنوع.

(2) تحليل خصائص النمو في العراق وإمكانيات لتنويع النشاط الاقتصادي والمنافع المرجوة منه.

(3) تقييم إمكانيات العراق للتجارة والتكامل الإقليمي من أجل تحقيق النمو.

(4) مراجعة أوضاع القطاع الزراعي في العراق وإمكانياته لدعم تنويع النشاط الاقتصادي.

وتعبأ طاقات العراق المادية والبشرية وزجها بخلق تنمية مستدامة وتقضي على جذور التخلف في العراق, والاهتمام بالتعليم والصحة والقضاء على الأمية والاهتمام بالبحث العلمي وبناء صناعة متطورة تعاضدها زراعة وطنية وقطاع خدمات مناسب لهذا التطور وإعادة بناء الإنسان على أسس وطنية بعيدة عن الطائفية.

أموال تكفي بناء عدة دول .. ضاعت بدون حساب !

من جانب آخر؛ تبرز تصريحات سابقة لـ”علي علاوي”، وزير المالية العراقي، التي أكد فيها على أن من بين أكثر من ترليون دولار مثلت مجموع موازنات العراق، منذ عام 2003، بحسب خبراء اقتصاد، ضاع أكثر من 250 مليارًا منها بسبب “الفساد الإداري”.

“علاوي”، قال في ندوة اقتصادية نقلتها (الوكالة الوطنية العراقية للأنباء)؛ إن صرف هذه الأموال كان “استفادة مالية” لبعض الجهات مما أدى إلى تراجع قدرات الدولة.

وبحسب خبراء، فإن الأموال الضائعة من الموازنات العراقية هي أكبر من المبلغ الذي تحدث عنه وزير المالية، والذي قال إنه: “كاف لبناء عدة دول”.

ويقول الخبير الاقتصادي، “منار العبيدي”، لموقع (الحرة) الأميركي، إن مجموع موازنات العراق للأعوام التي تلت 2003، هو أكثر من 1.1 ترليون دولار، مؤكدًا على أن: “المبلغ الذي تحدث عنه وزير المالية هو فقط للأموال التي ضاعت بدون قيود صرف رسمية”.

وتعتبر المبالغ التي لا ترتبط ببيانات رسمية لموارد صرفها مبالغ “مجهولة المصير”، بحسب مصدر مسؤول في ديوان الرقابة المالية العراقي. وقال المصدر إن هذه الأموال “تبخرت” ببساطة، ولم تفلح محاولات الكشف عن مصيرها، لكن المدة الزمنية لـ”ضياع” الجزء الأكبر منها كانت في الفترة بين 2008 و2014.

ومن المعروف أنه قد تولى “نوري المالكي”، الأمين العام لـ (حزب الدعوة الإسلامي)، منصب رئاسة الوزراء في العراق للأعوام 2006 – 2014.

ويعلق “العبيدي” بإن المقدار الحقيقي للأموال “الضائعة” يقدر بـ”400 – 450 مليار دولار أميركي”، أي نحو 40 بالمئة من مجموع موازنات العراق. مبلغ 400 مليار يعتبر كافيًا لبناء 400 ألف مدرسة نموذجية بقيمة مليون دولار للمدرسة الواحدة، أو 20 ألف مستشفى نموذجي قيمة الواحدة 20 مليون دولار. ويكفي المبلغ أيضًا لشراء 28 ألف طائرة ( F-16 ) سعر الواحدة منها نحو 16 مليون دولار، أو تكفي لمنح كل فرد عراقي مبلغ 10 آلاف دولار.

وبحسب “العبيدي” فإن: “العقود الوهمية والعقود المبالغ بأسعارها، والموظفين غير الموجودين في الحقيقة، والمصروفات التشغيلية والمشاريع الاستثمارية وتحويل العقود هي أوجه الهدر الأكبر في الأموال العراقية”.

لكن الهدر الأكبر هو في: “سوء الإدارة والتخطيط وتسييس الاقتصاد”، بحسب الخبير الاقتصادي، “سلام سهيل”. قائلاً: “السرقات كانت كبيرة جدًا، لكن الهدر المرتبط بسوء الإدارة والتخطيط أكبر لأن الفساد مرتبط بسوء الإدارة والإفراط في الاعتماد على القطاع العام والتوظيف الحكومي أيضًا”.

وأمتلك العراق نحو 850 ألف موظف، قبل 2003، ارتفعت أعدادهم إلى أكثر من 4.5 مليون موظف الآن؛ “وأغلبهم لا يقوم بأية عمل”، بحسب “سهيل”؛ الذي قال إن أغلب الدوائر الحكومية تحولت إلى “مراكز استنزاف للوقت والمال” بالنسبة للمواطنين.

ويعتقد “سهيل” أن من الممكن إدارة العراق بأقل من 500 ألف موظف عام، وتحويل الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد “القطاع الخاص” لتلافي الهدر الكبير في الموارد والفساد المرتبط بالقطاع الحكومي بشكل كبير.

“الموضوع متشعب جدًا”، يعلق “سهيل”، مضيفًا: “أعتقد أن ما تم صرفه حقيقة على الخدمات، مثل التعليم والصحة والدفاع، لا يتجاوز 30 بالمئة من موازنات العراق، فيما توزع الباقي بين جيوب الفاسدين وثقوب سوداء للهدر وسوء الإدارة والاعتماد على الاستهلاك ودعم الاستيراد على حساب التصنيع المحلي”.

ويؤكد “سهيل” أن: “مهمة وزير المالية لن تكون سهلة، والكلام عن أرقام المهدور والضائع يهدد الفاسدين الذين ما يزالون نافذين جدًا”، وربط بين التسريبات عن وجود حملة نيابية لإقالة وزير المالية، “علي علاوي”، وتصريحاته الأخيرة التي تحدث فيها عن الهدر والفساد.

وقال نواب عراقيون إن هناك تحركًا لإقالة وزير المالية العراقي، “علي علاوي”، بسبب تأخر صرف رواتب الموظفين الحكوميين، فيما قال “علاوي” إن تأخر الصرف مرتبط بموافقة البرلمان على تمرير قانون للإقتراض الداخلي.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة