خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “بوقرعون” للكاتبة الجزائرية “حنان بركاني” عن دار “ايكوزيوم آفولاي” للنشر، تحكي الرواية عن الصراع الداخلي لفتاة في مقتبل حياتها، تختبر الحياة بمفردها لأول مرة مع معوقات اجتماعية كثيرة، لكنها تنجح في النهاية في تجاوزها.
الشخصيات..
البطلة: شابة تدرس في الجامعة بعيدا عن مدينتها، تقع في حب أستاذ لها، وتشعر بالأمان معه، لكنها تصطدم بعقليته الذكورية، كما تعاني من أب متسلط وفاسد يفسد حياتها، لكنها تتجاوز ذلك معتمدة على نفسها.
الأم: الأم ضعيفة ومستكينة، تعيش مع رجل سكير وفاسد، لا تستطيع أن تحمي ابنتيها من عنفه، وتتحمل قسوته إلى أبعد الحدود، إلى أن تحدث لها مأساة فتسقط وتنهار.
الأب: رجل قاس، يشرب الخمر، ويعامل زوجته وابنتيه بقسوة شديدة، يؤذي فتيات أخريات، ويدعى حماية الشرف، ويقتل ابنته التي راحت ضحية قسوته ووحشيته وأفعاله المشينة.
الحبيب: أحبت البطلة أستاذها في الجامعة، بهرها بشخصيته القوية وحضوره الطاغي، لتكتشف أن له علاقات بفتيات أخريات، كما أنه يتعامل معها بتسلط وذكورية، وبعد صراع داخلي طويل تتخلص من تأثيره عليها وتستمر في حياتها.
الراوي..
الراوي هو البطلة، التي تحكي بضمير المتكلم، تحكي عن نفسها وعن مشاعرها الداخلية وانفعالاتها، وتحكي عن أسرتها التي تعد سبب أساسيا في شعورها بالحزن والتوزع النفسي، وتحكي الأحداث الخارجية وتأثيراتها عليها.
السرد..
الرواية محكمة البناء، تمتلئ بكثير من مناجاة الذات، والإشفاق عليها، كما أن هناك اهتمام كبير باللأماكن، حيث تهتم الكاتبة في وصف التفاصيل الدقيقة للأماكن، منطقتها التي تعيش فيها والمنطقة التي بها المدينة الجامعية والجامعة، وتربط تلك الأماكن بقيمتها التاريخية في نفوس الشخصيات. كما جاءت النهاية إيجابية رغم افتراقها عن حبيبها لكنها استطاعت أن تصبح سيدة قوية ومعتمدة على نفسها.
التضحية بالنساء..
الرواية تحكي بالأساس عن البطلة، تلك الفتاة الشابة التي تختبر الحياة بمفردها بعد ذهابها للجامعة وعيشها وسط الطالبات في المدينة الجامعية، واختبارها لأول قصة حب في حياتها، وكيف بهرتها وكيف تخللت كل ذراتها، وفي ذروة إحساسها بالعشق والأمان والاكتفاء ينقلب عليها الحبيب الذي كان حضوره طاغيا ومؤثرا على ذاتها، فقط لأنها تجرأت والتقط لها صورة بقرب شاب آخر، ورغم أن الأمر لم يكن متعمدا إلا أنه عاقبها بالهجر وظلت تعاني وقتا طويلا، وذهبت إلى بيتها تتلمس الأمان بعد أن فقدته بقسوة الحبيب.
لتعود إلى مكمن أزمتها وهو بيت أسرتها، ليكتشف القارئ أنها فتاة مأزومة تعيش حياة بائسة حيث خرجت من أسرة مفككة وتعاني من مشاكل كبيرة، أب سكير وعربيد وقاسي يعاملها بوحشية وقسوة هي وأختها، وأمها قد انصاعت من طول تعرضها للعنف، وأصبح بيت الأسرة مصدرا للشعور بالوحشة أكثر لا بأمان.
لتتعرض البطلة لأحداث متسارعة تزيد من صراعها الداخلي، حيث تدس لها جارة مخدرات في حديقة بيتهم وتتهم هي ويقبض عليها من الشرطة، ويعنفها الأب أكثر رغم تعرضها لتجربة قاسية بالنسبة لشابة، وتخرج بعد ثبوت براءتها لتجد أبيها أشد قسوة، ثم تتعرض لتجربة قاسية أخرى حين تكتشف أن أختها الأكبر منها قد فسدت حياتها حيث تعرضت للاغتصاب حين كانت تعمل خارج مدينتها، ثم أجبرت أن تعمل كبائعة لجسدها، تكتشف البطلة هذه التفاصيل ببطء أولا، ثم ينكشف لها الأمر بوضوحه التام حين ترسل لها أختها فيديو لها وهي تقوم بتلك الأمور.
وقبل أن تفيق من صدمة كون أختها بائعة لجسدها يأتي خبر مقتل أختها بطريقة وحشية، وتزداد الكوارث على كاهل البطلة التي تشعر بالدوار ولا تفهم ماذا يحدث لها، خاصة بعد أن تمرض أمها مرضا شديدا ويختفي والدها، لتعرف بالمصادفة أن أبوها هو السبب الرئيسي لما حدث لأختها الوحيدة، حيث جرها بعض الشباب لهذا الطريق انتقاما من أبيها الذي أذى فتيات أخريات واغتصبهن ودفعهن دفعا إلى مصير بائس، فكان انتقام هؤلاء الفتيات ومن يناصرهن من الشباب في ابنته، وحين عرف الأب بأمر ابنته دبر أمر قتلها دون أن تطرف له عين.
حين اكتشف البطلة ذلك بدلا من أن تنهار بانهيار حياتها، خاصة بعد فقدانها لذويها، أختها وأمها التي مرضت مرضا شديدا وأصبحت غير قادرة على التفاعل معها، بالإضافة إلى فقدانها حبيبها الذي كان قد ذهب للتجنيد وفقدت إمكانية التواصل معه، اختارت البطلة أن تصمد وأن تقف على قدميها وسط كل تلك المآسي، واختارت لها طريقا لتصير فيه ويصبح لها مهنة تحقق من خلالها ذاتها.
وحين تقابلت مع حبيبيها عن طريق الصدفة ذات مرة وأوهمها أنه تخلص منها من داخله وتزوج بأخرى لم تنهار ولم تهتم، واهتمت بمواصلة طريقها الذي اختارته مفردها، وبنت حياتها وأصبح لديها أسرة وأبناء. هكذا استطاعت البطلة أن تصمد وتبني حياتها وسط خرب وفوضى عاشت فيها لكنها لم تهزمها من الداخل.
استطاعت الرواية أن تكشف المجتمع الذكوري البائس الذي يتخذ من النساء ضحايا لعجرفته ولمساوئه، فمن يتم معاقبتهم والانتقام منهم هم النساء رغم أن الرجال هم من يكونون المعتدون، أب سكير وعربيد يتسبب في رسم حياة بائسة لابنتيه وزوجته، لكنه لا يكتفي بتخريب حياة أسرته لكنه أيضا يودي بهم إلى مصير بائس قاس، منهن من تصبح ضحية ومنهن من تقاوم وتصمد في وجه كل ذلك التخريب لتنجو بحياتها وبذاتها.
الرواية مميزة، تستخدم لغة شاعرية عذبة، ويتضح من طريقة الحكي مدى ثقافة كاتبة الرواية، وإطلاعها على تاريخ بلدها وأيضا إطلاعها على الأدب والروايات والكتاب، واسم الرواية مأخوذ من العامية في شرق الجزائر وهو اسم يطلق على زهرة شقائق النعمان، وهو اسم كان يطلق على البطلة لجمالها.
الكاتبة..
“حنان بركاني”، كاتبة جزائرية، صدر لها رواية “خفايا متجلية” ، ورواية “بوقرعون”.