لا شك إن تأخر إطلاق رواتب موظفي الدولة العراقية يلقي بظلاله هذه الايام على العائلة العراقية حيث إن الموظف يصنف على إنه ذوي الدخل المحدود والذي ينتظر رأس الشهر بفارغ الصبر لتلبية إستحقاقاته المعيشية اليومية وإن اي تأخر غير مسؤول في صرف الراتب سوف ينعكس مباشرة على القدرة الشرائية للموظف وبالتالي سوف يربك السوق بصورة عامة مما يؤدي إلى كساد إقتصادي كما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة من خلال تكدس البضائع في الاسواق وتلف قسم كبير منها وخصوصا المنتجات الطازجة والتي مدة صلاحيتها لا تتعدى أيام معدودة…وبحسابات سريعة فإن في الدولة العراقية كما هو معلن أربع ملايين موظف ولو فرضنا كل موظف مسؤول عن عائلة متكونة من خمسة أفراد فإن العدد الكلي في المجتمع العراقي الذي سوف يتأثر من تأخر صرف الرواتب يصل إلى عشرين مليون مواطن وبالتالي سوف ينعكس تأثير هذا العدد على الشريحة غير الموظفة الأخرى مما يؤدي إلى تأثر ما يقارب 90% من الشعب العراقي وإذا أستمر هذا الوضع قد يؤدي إلى إنهيار تام في الدولة العراقية ولم يمضي وقت طويل حتى تعلن الحكومة عن إفلاسها التام في تلبية ابسط إستحقاقات المجتمع العراقي.
السؤال الآن هل إن ما وصل إليه العراق في هذا الجانب كان متوقعا؟….الجواب نعم.
السؤال الآخرهل تم التحذير منه؟….الجواب نعم.
السؤال الثالث هل الحكومة جادة في معالجة هذا الوضع الشاذ؟ الجواب لأ والف لأ. لماذا؟
قبل الاجابة على السؤال الاول سوف نتطرق إلى الاجابة على السؤال الثالث. إن المطروح من قبل الحكومة العراقية لتلبية إستحقاقات الرواتب هو الإقتراض بشقيه الداخلي والخارجي…إن هذه المعالجة والتي تعكس بإن الحكومة العراقية تتصرف وكأنها حكومة تصريف أعمال لتمشية الفترة المتبقية حتى الإنتخابات وبعد ذلك فاليحدث ما يحدث…إن سياسة الإقتراض سوف تؤدي ليس فقط إنهيار العراق الآن وإنما سوف يؤثر على الأجيال القادمة وسوف يرهن الثروة الوطنية في العراق لتلبية دفع إستحقاقات فوائد القروض لسنوات طويلة مقبلة مما يعني إن سياسة القروض تعتبر من أغبى السياسات الإقتصادية في العالم…هناك بدائل متوفرة ومطروحة على الطاولة يمكن ان تخرج العراق من عنق الزجاجة ولكن تحتاج إلى شجاعة من الحكومة وإلى قرارات حاسمة في هذا المجال رغم أنف الذي يعترض عليها من الفاسدين ومن السياسيين الصدفة.
لكي نلقي الضوء ونضع الحلول على كل ما أثير من تساؤلات علينا أن نفهم من أين تأتي الأموال للدولة العراقية ليتسنى لها دفع رواتب الموظفين.
ابتداء يجب ان نعرف رواتب الموظفين لا علاقة لها بالموارد الطبيعية للدولة او أي موارد أخرى من زراعة أو صناعة أو تجارة وأي ربط بين هذه الموارد ورواتب موظفي الدولة يعد مغالطة كبرى للتغطية على حالات شاذة وفساد وسوء إدارة من قبل الحكومات التي تربط الاثنين معا. بناء على ذلك فإن رواتب موظفي الدولة مربوطة بالاموال التي تستحصلها الدولة من الضرائب وهذا ما معمول فيه عالميا وهذا الضرائب تشمل الأتي:
ايرادات الهيئة العامة للضرائب، ايرادات وزارة الاتصالات وشبكات الهاتف، ايرادات هيئة الاتصالات وشبكات الأنترنيت، ايرادات المنافذ الحدودية، ايرادات دوائرالكمارك، ايرادات المطارات والخطوط الجوية، ايرادات الطائرات التي تمر عبر الاجواء العراقية، ايرادات أمانة بغداد والبلديات في المحافظات، ايرادات دوائر التسجيل العقاري، ايرادات دوائر المرور، ايرادات وزارة الكهرباء، ايرادات دوائر الماء والمجاري، ايرادات وزارة الصحة، ايرادات وزارة الموارد المائية، ايرادات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ايرادات ايجارات عقارات الدولة، ايرادات وزارة الخارجية، ايرادات السفن العراقية لنقل النفط، ايرادات الموانىء العراقية، ايرادات سكك الحديد، وغير ذلك من الايرادات الأخرى وهي كثيرة جدا سواء بباقي الوزارات او خارجها.
هذه الايرادات لو دخلت إلى صندوق وزارة المالية مباشرة لكانت تكفي لتغطية رواتب موظفي الدولة العراقية. في الحقيقة إن جزء من هذه الايرادات في حدود 60% منها فقط تكفي لتغطية رواتب الموظفين وال 40% يخصص لتغطية حالات الاندثار ورواتب الرعايا الاجتماعية وتطور المؤسسات الخدمية في الدولة وغير ذلك وهذا المعمول فيه على نطاق العالم اجمع. والمقصود بتسمية الموظف من رئيس الجمهورية إلى اصغر موظف في الدولة العراقية.
هنا يثار سؤال: إذا أين المشكلة؟ ولماذا هذا التأخير في صرف الرواتب؟
المشكلة ببساطة تكمن في سوء إدارة هذه الموارد وسبب سوء الإدارة ناجم عن المحاصصة والمحاصصة حولت الوزارات إلى ما يشبه الدكاكين الحزبية حيث 90% من واردات الوزارة من الضرائب يدور لصالح الأحزاب ولم يصل على أعلى تقدير 10% من هذه العوائد إلى خزينة الدولة مما اربك الوضع المالي للدولة..وبدأت الدولة تعتمد على العوائد من مصادر إخرى مثل النفط ومصادر أخرى لتلبية متطلبات الميزانية التشغلية ومنها رواتب الموظفين وعندما هبط سعر النفط طارت ورقة التوت التي كانت تغطي الفساد الناجم عن سوء إدارة المال العام وعجزت الدولة من تغطية ابسط حقوق موظف الخدمة العامة وهو الراتب.
لذا مطالب من وزارة المالية أتخاذ خطوات شجاعة في هذا المجال لإعادة تصحيح الوضع المالي للبلد وتتمثل هذه الخطوات بمايلي:
اولا: وضع نظام ضريبي محكم والكتروني بحيث ان كل دينار يدفعه المواطن كضريبة يدخل إلى خزينة الدولة ولا مجال لتسربه إلى الاحزاب.
ثانيا: إلغاء كافة النصوص القانونية التي شرعت والتي تحمل الدولة إستحقاقات مالية يتم تغطيتها من غير المصادر الضريبة ويشمل هذا الدرجات الوظيفية من وكيل وزارة ووزير والرئاسات الثلاث والمستشارين والنواب ومن هم بدرجاتهم وإعادة شمولهم بسلم الرواتب المرفق مع قانون الخدمة المدنية.
ثالثا: إلغاء كافة النصوص القانونية التي تمنح رواتب تقاعدية لفئات خارج صندوق التقاعد مثل قانون السجناء السياسيين وغيرها من التشريعات.
رابعا: يخير اقليم كوردستان خيارين لا ثالث لهما أما أن يلتزم الاقليم بالنظام الضريبي للحكومة الاتحادية وتؤول جميع الضرائب المستحصلة في الاقليم إلى وزارة المالية وعند ذلك تلتزم الحكومة الاتحادية دفع رواتب موظفي الاقليم على ان لا يزيد عن النسبة حسب عدد السكان كما في الحكومة الاتحادية. أو يترك للاقليم استحصال الضرائب داخل الاقليم لصالح وزارة المالية في الاقليم وعند ذلك تتكفل حكومة الاقليم دفع رواتب الاقليم ورواتب الرعاية الاجتماعية في الاقليم والمستلزمات الاخرى في الاقليم.
خامسا: منع أي وزير حق الصرف هنا وهناك خارج وزارة المالية أو مشاريع وزارة التخطيط. بمعنى لا يترك للوزير يبعثر بالأموال العامة هنا وهناك.
لو تم تطبيق هذه النقاط لتم حل مشكلة رواتب الموظفين في العراق عموما بما في ذلك الاقليم وبقية متطلبات الميزانية التشغيلية.
لاحظنا في هذه المعالجة لم نتطرق إلى أي مصادر أخرى من نفط وغيرها لأن هذه المصادر سوف تشكل الجزء الثاني من الميزانية وهي الميزانية الاستثمارية والتي مواردها تتكون من:
أولا: الصادرات النفطية
ثانيا: الموارد الزراعية
ثالثا: الموارد الصناعية
رابعا: عائدات بيع البانزين والنفط الابيض والزيوت وغير ذلك من المشتقات النفطية في الداخل والتي تصل ارباحها إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويا..وهذه أموال لا أحد يعرف أين تذهب
خامسا: عوائد صادرات الكبريت وبقية الثروات الطبيعية..ةهذه عليها ضبابية من السقوط لحد الآن
سادسا: إيقاف ما يسمى بمزاد العملة في البنك المركزي حيث سوف يوفر هذا الإيقاف توفير مبلغ لا يقل عن اربعة مليار دولار في السنة.
سابعا: إعادة النظر ببطاقات الصرف الآلي والاستقطاعات على الموظفين والمتقاعدين مما يوفر مبلغ قد يصل إلى مليار دولار في السنة على اقل تقدير.
ثامنا: يخير اقليم كوردستان أما أن تصب العوائد المذكورة أعلاه في بند الميزانية الاستثمارية في الحكومة الاتحادية عند ذلك يخصص نسبة من الميزانية الاستثمارية للاقليم أو يحتفظ الاقليم بعائداته من هذه المصادر وعند ذلك لا يخصص له دينار واحد من الميزانية الاستثمارية الاتحادية.
هذه بعض المعالجات السريعة التي يمكن للحكومة العراقية اتباعها إذا أرادت أن تخرج من عنق الزجاجة…أما إذا أرادت ان تتعمق في قاع الزجاجة بما يؤثر على العراق حاضرا ومستقبلا وتقود العراق إلى الافلاس فإن سياسة الاقتراض الفاشلة التي يروج لها البعض سوف لا تكون ابدا هي الحل.