خاص : كتب – محمد البسفي :
توأمان ملتصقان يتباريان.. من فيهما يمنح المجتمع ملامح أكثر خشونة؛ قساوة وغلظة.. من بينهما يكون أسرع في قتل الإبداع؛ خنق المواهب وإجهاض الحقيقة.. الرقابة السياسية أم الرقابة الدينية؛ أيهما أقدر على التسلط ؟.. رغم تسابقهما هدفهما واحد.. وإن تنوعت الأساليب والآليات.. نحت وجه لمجتمع “عربي” بسكين.. العنف والبطش والاستبداد والنبذ والتنفير والتكفير …
كثيرة هي الأسماء العربية من مبدعين ومواهب، روادًا كانوا أو محدثين، التي وقعت أعمالهم وبنات أفكارهم تحت سكين الرقابة الدينية.. يعملون فيها إجهاضًا وبقرًا لبطونهن حتى يصبحن مسخًا يليق بمجتمعات شوهاء ترقع قبحها بأمصال فاسدة.. الشاعر والأديب والكاتب المصري الكبير الأستاذ “عبدالرحمن الشرقاوي”، (1920 – 1987)، الذي انتهج الفكر اليساري في حياته السياسية والفكرية؛ وأنتج الكثير من الإسلاميات التي تنوعت فنيًا بين المسرحيات الشعرية والروايات والأبحاث التاريخية.. لذا كان جديرًا بأن يحتل موقع الصدارة في مواجهات متعددة مع “الرقابة الدينية” خلال معارك ساخنة مازال لهيبها بين صفحات أرشيف الأدب العربي ..
نظرة رجل الدين للأديب : ريبة واستعلاء !
الدكتور “مصطفى عبدالغني”، الناقد والباحث الأدبي بـ (الأهرام)؛ وصاحب كتابين مهمين عن الشرقاوي تناول فيهما حياته وأدبه من خلال لقاء مباشر واقتراب منه، يعدد في حوار له لصحيفة (القاهرة) عام 2007؛ معارك “عبدالرحمن الشرقاوي” حول كتاباته الإسلامية، قائلاً بأن المعركة الأولى هي التي دارت في بداية الستينيات عن كتابه “محمد رسول الحرية”، وفيها اتهم بأنه يتعامل مع الرسول وحوارييه بشكل بشري، ويفصل بين الوحي وبين الواقع حين يتحدث عن القضايا الاجتماعية، كانت هذه الفترة هي التي أحل فيها دمه، الشيخ “محمد الغزالي”، في إحدى خطبه، وثار الأزهر كله ضده، ومع ذلك لم يتوان عن رد الهجوم، بهجوم أعنف، حتى نال من هذه المعركة نيرانًا كثيرة، امتدت آثارها طيلة السبعينيات إبان مسرحية “الحسين ثائرًا وشهيدًا”، فقد رفض الأزهر النص، ودارت مكاتبات كثيرة انتهت بأن “دخلت مسرحية الشرقاوي فصل البيات الشتوي”.
أما المعركة الثانية: فكانت معركته الأخيرة قبل أن يرحل بعدة شهور، على إثر كتاباته لترجمة “سيدنا عثمان” ثم الآئمة العظام، حين أراد أن يتعامل مع الصحابة والآئمة تعاملاً مباشرًا يبعد بهم عن القداسة، ومن ثم وقع في أسر المبالغة، فهوجم من رجال الدين بدون استثناء، للعديد من التجاوزات التي تورط فيها، ووصلت الرسائل التي تهاجمه إلى عدد هائل كونت ملفات عديدة، حصلت أنا شخصيًا عليها جميعًا، ولم تنته هذه المعركة إلا بعد أن سعى الشيخ الباقوري في “جمعية الشبان المسلمين” إلى لم الشمل، فجمع بين الشرقاوي والشيوخ، واستطاع أن يدير مجلسًا كبيرًا دار فيه جدل طويل بين الشرقاوي ومناوئيه الكثيرين، انتهى بعد ساعات إلى بيان أبدى فيه الشرقاوي احترامه للدين ورموزه، وأبدى فيه الشيخ الغزالي – وكان أهم قطب – إقتناعه بأن موقف الشرقاوي ليس فيه شبهة أو ريبة.
كما أوضح “عبدالمجيد أبوزيد”، مدير مكتب الرئيس “جمال عبدالناصر” للشؤون السياسية والإعلامية وأمين عام المجلس القومي للسلام سابقًا، في حوار سابق مع الزميل “عمر عبد العزيز”، سر اعتراض شيوخ الأزهر على كتابات الشرقاوي في التاريخ الإسلامي، بأن: كثير من رجال الدين ينظرون لغير رجال الدين نظرة ريبة، وقد قالوا له ذلك بالفعل: “أحنا لم نكتب شعرًا ولا روايات فلماذا تكتب أنت في الدين ؟”.
وقد اعترضوا على “حسين شهيدًا” وقالوا: إنها دعوة شيعية. وأذكر أن الرئيس “مبارك”، عندما تولى الرئاسة، التقى بالمفكرين والمثقفين، فخرج علينا “عمر التلمساني”، (المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في فترة السبعينيات)، وقال: “إن الأوبرا القديمة أحرقت لأننا سمعنا أنه سوف يعرض على مسارحها الحسين شهيدًا”، وكان ذلك في حضور “كمال الشاذلي ويوسف والي” وحشد من الوزراء ورجال الدولة. (!!)
وكان للزميل الأستاذ “عبدالوارث الدسوقي”، الذي كان مشرفًا على الصفحة الدينية في (الأخبار) القاهرية في حقبة السبعينيات؛ وشهد جانب كبير من تلك السجالات والمعارك، تفسير للحملة على “الشرقاوي”، قائلاً: “عندما أثار عبدالرحمن قضية الثروة في الإسلام، وساق بصددها الأسانيد المعتبرة والأدلة المعتمدة من آئمة الإسلام الذين يرون رد فضول الأغنياء على الفقراء، هبت عليه الرياح الصرصر العاتية تتهمه بالشيوعية.
وكان أحد المهاجمين للشرقاوي قاضيًا. ووجه كاتبنا إليه الحديث قائلاً: “إن هذا الاتهام بالشيوعية أصبح باليًا. ولا يجمل بك – وأنت قاض – أن توجهه بلا دليل. وأنا أرجوكم جميعًا أن تعودوا إلى تراثنا الخصيب. أرجعوا إليه لتجدوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد صنع قاعدة للعطاء: “لكل وسابقته”.. “لكل وبلاؤه”.. “لكل وحاجته”. إنه – رضي الله عنه – أول من وضع قاعدة “كل وحاجته”، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول: “ما أغتني إلا بفقر فقير”.. أهما – عمر وعلي – شيوعيان.. إذن ؟”.
ويمضي الشرقاوي ليقول لمهاجميه ناصحًا: “تعلموا قبل أن تتهموا فتأثموا. وكفى اتهامات بالباطل. وعودوا إلى الإسلام الحق تجدوه أكثر تقدمًا من كل الفلسفات البشرية.. أم أنكم ستسلبون الإسلام محاسنه لتضيفوها إلى الشيوعية ؟!”.
وثيقة .. على العقول !
والآن.. نعيد نشر محضر الجلسة “الطارئة” لمجمع البحوث الإسلامية، في 22 شباط/فبراير 1972، والتي عقدت بدعوة شيخ الأزهر لبحث ومناقشة نص مسرحية “ثأر الله”، من تأليف “عبدالرحمن الشرقاوي، والتي منعت من العرض في نهاية المطاف.. ننشرها كوثيقة هامة يجب قراءتها لمعرفة كيف يتناول صاحب العمامة إنتاج صاحب القلم الفني والفكري..
فقد أثارت مسرحيتا “الحسين ثائرًا” و”الحسين شهيدًا” اللتان كتبهما “عبدالرحمن الشرقاوي”، خلال عامي 1968 و1969، وكان خلالهما ممنوعًا من الكتابة في الصحف ويعمل مستشارًا فنيًا بمؤسسة السينما بوزارة الثقافة، وقد نشرتهما صحيفة (الجمهورية) على حلقات؛ ثم تقدم بهما في شهر تموز/يوليو 1970 إلى “مجمع البحوث الإسلامية” بالأزهر ليجيز تمثيلهما، متعهدًا بألا تظهر شخصيتا “الإمام الحسين” و”السيدة زينب” وأن يحل محلهما “راوٍ” و”راويةً” يلقي الحوار الوارد على لسانيهما، وفي 4 آب/أغسطس 1970 وافق مدير إدارة البحوث والنشر بالمجمع على تمثيل المسرحيتين، بعد إدخال عدد من التعديلات والحصول على تعهد كتابي من المؤلف، بأن يحل محل الشخصيتين المقدستين “راوٍ” و”راويةً”.
يقول أولهما في المشاهد الأولى لظهوره: “يقول الحسين”، وتقول الثانية: “تقول زينب”، لكسر الإيهام. بأن كل منهما يجسد الشخصية والتأكيد على أنه مجرد “راوٍ” ينقل عنها ما قالته ومع إن موعد عرض المسرحية كان قد تحدد له يوم 7 شباط/فبراير عام 1972، إلا إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية سحبت موافقة مديرها السابق وأرسلت تقول: إن المسرحية لا تزال قيد البحث وتحذر من عرضها، وفي الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء 22 شباط/فبراير 1972، عقد مجمع البحوث الإسلامية جلسة خاصة برئاسة الإمام الأكبر “محمد محمد الفحام” شيخ الأزهر – حينذاك – حضرها 16 عضوًا من أعضائه، لمناقشة الموضوع وهذا هو النص الكامل لمحضر اجتماع هذه اللجنة.
محضر الجلسة الطارئة لمجمع البحوث الإسلامية الرقم “76”
إنعقدت الجلسة في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء 7 من المحرم سنة 1392 هـ الموافق 22 من فبراير سنة 1972 بقاعة الاجتماعات بإدارة الأزهر برئاسة فضيلة الإمام الأكبر محمد محمد الفحام شيخ الأزهر ورئيس المجمع وبناء على دعوته وبحضور السادة الأعضاء :
1 – فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم اللبان. 2 – فضيلة الأستاذ بدوي عبداللطيف. 3 – فضيلة الأستاذ عبدالجليل عيسى. 4 – السيد المستشار عبدالحليم الجندي. 5 – السيد الأستاذ عبدالحميد حسن. 6 – فضيلة الشيخ الأستاذ عبدالعزيز عيسى. 7 – فضيلة الأستاذ الشيخ علي الخفيف. 8 – فضيلة الأستاذ الشيخ علي حسن عبدالقادر. 9 – فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أحمد أبوزهرة. 10 – فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري. 11 – فضيلة الأستاذ الشيخ محمد خاطر محمد الشيخ. 12 – السيد الأستاذ محمد خلف الله أحمد. 13 – فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار. 14 – فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبدالله ماضي. 15 – فضيلة الأستاذ الشيخ محمد على السايس. 16 – السيد الأستاذ الدكتور محمد مهدي علام.
واعتذر عن عدم الحضور كل من :
1 – فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري. 2 – فضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون “لمرضه”. 3 – الشيخ الأستاذ الدكتور سليمان حزين. 4 – فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالحليم محمود. 5 – فضيلة الأستاذ الدكتور محمود حب الله “لمرضه”.
وتغيب لوجوده خارج جمهورية مصر العربية :
1 – السيد الدكتور عثمان خليل عثمان.
وقام بأعمال السكرتارية الأساتذة: يحيى هاشم فرغل – عبدالرحيم خطاب – فهمي عبداللاه – محمد عبده البحيري. كما حضر الجلسة فضيلة الشيخ عبدالمهيمن الفقي. عن إدارة البحوث والنشر بالمجمع.
افتتح الجلسة باسم الله وبحمده والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد محمد الفحام شيخ الأزهر ورئيس المجمع مرحبًا بالسادة الأعضاء شاكرًا لهم استجابتهم لدعوته لحضور هذه الجلسة الطارئة.
وذكر فضيلته أن الغرض من عقد هذه الجلسة هو النظر في إبداء رأي المجلس في عرض مسرحية على الجماهير بعنوان “ثأر الله” تأليف الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوي تتعرض لحقبة مهمة من التاريخ الإسلامي، كما تعرض لشخصية الإمام الحسين والسيدة زينب وغيرهما من آل البيت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. وهي شخصية ينظر إليها العامة والخاصة من المسلمين نظرة الإجلال والإكبار ويستلزمها القدرة على مجال السلوك والتشريع.
وأعطى فضيلته الكلمة لفضيلة الدكتور عبدالرحمن بيصار عضو المجمع وأمينه العام ليعرض على السادة الأعضاء الحاضرين تفصيلات الموضوع وتطوراته تمهيدًا لإبداء رأي المجلس فيه. وتكلم فضيلة الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار فأشار سيادته في كلمته إلى ثلاث مسائل: المسألة الأولى تتعلق بإجراءات للأمانة العامة واتصالاتها التي قامت بها قبل عقد هذه الجلسة. المسألة الثانية: الرأي الذي يتعلق بتمثيل الشخصيات الإسلامية بصفة عامة.
المسألة الثالثة: الرأي الذي يتعلق بعرض المسرحية المعروضة للفحص بصفة خاصة.
تعهد كتابي من الشرقاوي
في المسألة الأولى ذكر فضيلته أن إجراءات الأمانة العامة واتصالاتها جرت على النحو التالي :
1 – في 8/7/1970 تقدم الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوي بمسرحيته “الحسين ثائرًا” راجيًا من المجمع فحصها والموافقة على ظهورها على المسرح وقد عرض المؤلف في هذه المسرحية لمرحلة الخلاف والصراع الذي قام بين الإمام الحسين رضي الله عنه، وبين الدولة الأموية.. ووقف المؤلف في مسرحيته إلى نقطة وصول الإمام الحسين رضي الله عنه إلى شاطيء الفرات بمن معه مستعدًا للقاء عسكر الدولة وقد أرفق المؤلف بمسرحيته تعهدًا كتابيًا بخطه جاء فيه النص التالي :
كلما تعين أن يظهر الحسين أو السيدة زينب ظهر الراوي أو الراوية ليلق كل منهما الكلام المسند إلى الشخصية في النص المطبوع مسبوقًا بهذا القول: قال الحسين؛ أو قالت السيد زينب وهكذا.. ويتكرر هذا بالقدر الذي يرسي في ضمير المشاهد أنه يرى ويسمح راويًا وراوية وبحيث لا يخل في الوقت نفسه بقدرة المشاهد على التفاعل على أن تبدأ المسرحية بمشهد تمهيدي على النحو التالي :
الراوي: (يظهر على المسرح في الملابس العصرية المألوفة) ستمثل قصة إنسان عربي ثائر.. فقد تهدي إنسان العصر.. وتنير طريق القلب الحائر.. وهي تراث إسلامي ومع ذلك فهي تهم الناس جميعًا مهما اختلفت جنسياتهم ودياناتهم فالبطل تراث إنساني، واستشهاد المرء دفاعًا عن إيمانه فيه الإسوة والقدرة وهو فخار الإنسانية لكنهم لن يروا البطل الليلة.. سأروي عنه وأظهر في الوقت المقدور له أن يظهر وسأسبق كل كلام البطل بهذا القول.
يقول الحسين.. ورد الحسين.. فقال الحسين.. ولكن ولكيلا أزعجكم أثناء العرض لكيلا أفسد الإسترسال أو العبرة فقد يكفي أن أذكر هذا هذه مرات لا أكثر أنا لست أمثل هذا الدور لكني أروي ما قاله وما فعله.. فأنا راو لا غير.
الراوية: (تظهر على المسرح في الملابس العادية العصرية.. المألوفة المحشمة) وسأروي أنا عن أخت البطل.. سأردد كلمات البطلة.. ولن تروا البطلة أبدًا ليلة.. وسابق كل كلام البطلة قائلة :
“قالت زينب.. ردت زينب”.. ولكيلا أزعجكم أثناء العرض أنا أيضًا فسيكفيكم أن أذكر هذا عدة مرات.. والمرة قد تغني أحيانًا عن عشرات أنا لست بزينب سيدتي الطاهرة القلب.. أنا لست أمثل هذا الدور ولكني راوية عنها.
فلنذكر.. الراوي والراوية.. والآن ستبدأ أحداث المأساة التي يمثلها الأبطال جميعًا إلا نحن.. فنحن سنروي عن بطليها.. سنروي ما قال البطلان :
ثم ترفع الستارة عن المنظر الأول.
ملحوظة: كلما تعين أن يظهر الحسين أو السيدة زينب وفق النص المطبوع ظهر الراوي أو الراوية ليلقيا الكلام المسند إليهما في النص المطبوع مسبوقًا بهذا القول “قال الحسين أو قالت السيدة زينب أو رد الحسين أو ردت السيدة زينب وهكذا” وسيتكرر هذا بالقدر الذي يرسي في ضمير المشاهد أنه يرى ويسمع راويًا وراوية أو بحيث لا يخل في الوقت نفسه بقدرة المشاهد على الإنفعال.
حولت إدارة البحوث والنشر بالأمانة العامة للمجمع هذا النص في 11/7/1970 إلى الأستاذ عبدالمنعم النمر لفحصه، وبناء على تقرير الفحص كتبت الإدارة إلى المؤلف كتابها المؤرخ في 4/8/1970 أشترطت فيه لكي يصرح بالعرض أن تجري بالنص تعديلات في عدد من الصفحات كما طلبت الالتزام بعدم ظهور شحصية الحسين والسيدة زينب رضي الله عنهما وعرض المسرحية مرة ثانية على المجمع بعد تمثيلها وقبل عرضها على الجمهور حتى يطمأن على تنفيذ الملاحظات التي أبديت.
2 – في أواخر عام 1971 نشرت الصحف أنباء عن قيام ممثل بدور سيدنا الحسين وممثلة بدور السيدة زينب، وقد بادرت إدارة البحوث والنشر بالمجمع بالاتصال بالمؤلف والصحيفة التي نشرت الخبر لتذكر برأيها الذي أشير إليه في الفقرة السابقة.
وعلى إثر ذلك عقد اجتماع بين ممثلي إدارة البحوث والنشر الدكتور أحمد إبراهيم مهنا، الشيخ عبدالمهيمن الفقي، وبين ممثلين عن مؤسسة السينما والمسرح القومي والمؤلف وقد انتهى الاجتماع إلى أن المسرح القومي سيقدم عملاً جديدًا يضم المسرحية سالفة الذكر ومسرحية أخرى عنوانها “الحسين شهيدًا” وأنه تقرر إدخال المسرحية الجديدة بعنوان “ثأر الله” في خطة المسرح لعام 71/72 لاعتبارات مالية وفنية وخاصة بمؤسسة السينما والمسرح.
وبذلك يكون قد صرف النظر عن المسرحية التي عرضت من قبل ويكون الأمر محتاجًا إلى عرض المسرحية الجديدة على المجمع لأخذ الرأي فيها.
اتهام أمير إسكندر بالكذب
3 – في 11/12/1971 تقدم المسرح القومي إلى إدارة البحوث والنشر بالمجمع بالمسرحية الجديدة المسماة “بثأر الله” لفحصها وإبداء الرأي في السماح بها.
فحولت الإدارة النص الجديد المشار إليه إلى فضيلة الأستاذ الشيخ محمد حافظ الدسوقي للفحص وإبداء الرأي وقد أنتهة الفاحص في تقريره إلى أنه لا ينبغي عرضها للجمهور.
4 – وقبل أن ينتهي الفاحص من إعداد تقريره أثيرت حملة صحفية شارك فيها الكاتب الصحفي أمير إسكندر، تستهدف حمل المجمع على إجازة عرض المسرحية بدعوى أنه أجاز من قبل عرض مسرحية “الحسين ثائرًا” وهي دعوى كاذبة في شكلها وفي موضوعها ذلك لأن المعروض للفحص مسرحية جديدة هذا من من ناحية الشكل ولأن المجمع أبدى تحفظات جوهرية بالنسبة للمسرحية الأولى.
تصاعدت هذه الحملة التي قادها المعنيون بأمر المسرحية الحريصون على عرضها إلى حد اللجوء إلى كبار المسئولين بوزارة الثقافة والاتحاد الاشتراكي والأزهر.
فحاول هؤلاء دعوة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد محمد الفحام وفضيلة الدكتور عبدالحليم محمود وزير الأوقاف وشئون الأزهر لمشاهدة التجارب الأخيرة لتمثيل المسرحية مستهدفين، بذلك استغلال هذه الزيارة في إيهام الرأي العام بأن الأزهر عدل عن موقفه في عدم إجازة المسرحية وفي الضغط على الأمانة العامة للمجمع لتغيير موقفها الذي أتخذته وفاء لمسئوليتها الدينية والعلمية.
وقد ساعدت الأمانة العامة بتوضيح الموقف أمام كل من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفضيلة الأستاذ الدكتور وزير شئون الأزهر كما أبلغت المسئولين عن المسرح وعن المسرحية إن مثل هذه الزيارة سواء تمت على هذا المستوى، أو على مستوى أقل منه لا تكون إلا بعد إجازة النص، وحينذاك يكون الهدف من الزيارة ومشاهدة التجارب والأطمئنان على المطابقة اللازمة بين النص وبين الأداء لا يخرج عن الاعتبارات التي تمليها وجهة النظر الإسلامية في الموضوع.
كذلك فإن المعنيين بعرض المسرحية على الجمهور حاولوا الإشارة في مكاتباتهم وفي حملتهم الصحفية إلى موقف المجمع من قضية حرية الرأي والفكر، مدعين أن رأي المجمع في إبداء رأيه في هذا الموضوع – وهو جهة الاختصاص الأولى بحكم القانون – ويحاولون الحجر على حرية غيرهم في إبداء آرائهم فيعتدون بذلك على حرية الرأي التي يتمسحون بها، كما يعتدون على وظيفة المجمع ذاتها وعلى واجبه في صيانة القيم الدينية المكفولة بنص الدستور.
وقد قدمت الأمانة العامة بمذكرة ضمنتها هذه النقاط جميعًا إلى فضيلة الأستاذ الدكتور وزير شئون الأزهر في 19/2/1972.
5 – نتيجة لذلك: لتكون الرأي على دعوة مجلس المجمع للنظر في الموضوع وإبداء الرأي لتكون كلمته هي الكلمة العليا والنهائية من حيث تباين وجهة النظر الإسلامية في عرض المسرحية.
وبإنتهاء فضيلته من عرض هذه الخطوات على السادة الأعضاء توجه إلى المجلس راجيًا إبداء الرأي في الموضوع بجوانبه المختلفة.
سلطة المجمع
وتكلم فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري، متساءلاً عن مدى تأثير رأي المجمع في العرض أو عدمه، راجيًا أن تتوفر الظروف الكفيلة باحترام رأي المجمع في هذا الشأن، وهنا أشار فضيلة الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار إلى الواجب الأساسي للمجمع من حيث إبداء الرأي وأكد أن رأي المجمع كان ولا يزال موضع الاحترام من الجهات المسئولة.
واقعة مماثلة
كما أكد السيد المستشار عبدالحليم الجندي أعتقاده بأن الشك لا يتطرق إلى أن المسئولين ينتظرون رأي المجمع في مثل هذه المسألة ويضعونه في موضعه من الاحترام والتقدير وأعرب عن رأيه بعدم جواز تمثيل الشخصيات التي يضعها المسلمون موضع القدوة والاعتبار ويستلهمونها مثلهم العليا في السلوك ويأخذون عنها أحكامهم الشرعية.
وتحدث فضيلة الأستاذ عبدالجليل عيسى فأشار في كلمته إلى سوابق تاريخية تؤكد موقف الأزهر وواجبه في المحافظة على القيم الإسلامية واستنكاره لما يقوم به بعض المغرضين، الذين لا تنطوي قلوبهم أو عقائدهم على شيء من الإيمان بالإسلام من محاولة إملاء الرأي في المسائل الإسلامية كما أشار إلى سوابق تاريخية تؤكد حرص المسئولين على المحافظة على بعض القيم التي ينبغي وضعها موضع الاعتبار دون أن يكون في ذلك شيء من الإعتداء على حرية الرأي وذكر فضيلته في هذا المجال ما حدث في عهد فضيلة الإمام الأكبر الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر من تدخل المسئولين بعدم إجازة مسرحية بعنوان “يوسف في القرآن” نظرًا لما فيها من إساءة للمشاعر الوطنية المصرية.
ثم رجا سيادته من السادة الحاضرين أن يضعوا في اعتبارهم أن المسرحية المعروضة لأخذ الرأي فيها تثير جانبين: أحدهما سياسي والآخر اجتماعي.
فأما الجانب السياسي فهو يتعلق بما تثيره هذه المسرحية من أحقاد لا تزال جذوتها مستعرة بين مجموعتين كبيرتين، من طوائف المسلمين تدين أولاهما لآل البيت وتضع شخصياته موضع التقديس والاحترام وتنطوي على كراهية شديدة للدوللة الأموية، وتدين ثانيتها الدولة الأموية وترى فيها دولة إسلامية حققت للأمة الإسلامية أمجادًا لا تنكر وتستلهمها عزة المسلمين وفخارهم، وأشار سيادته في هذا الصدد إلى قصيدة تمجد الدولة الأموية لأحد كبار الشعراء المعاصرين أذيعت على الأثير في الأيام الأخيرة ضمن برنامج الإذاعة عيون لا شعر الحديث وتساءل سيادته :
هل يراد بعث هذه الأحقاد بين النفوس مستعدة لها فيزداد بذلك تمزيق الشمل وتفريق الأمة ؟ وفي وقت يحاول فيه قادة المسلمين تخفيف حدة هذه الخلافات وقد تمكنوا بالفعل من إسدال ستر النسيان أو التسامح على تلك الأحقاد القديمة ؟
وأما الجانب الاجتماعي الذي أشار إليه سيادته فهو يتعلق بمبدأ تمثيل الشخصيات الإسلامية وصلاحية بعض الممثلين أو الممثلات لقيامهم بتمثيل تلك الأدوار.
إذا فرض جدلاً جواز القيام بها مهما يكن مستواه العلمي أو الديني، بل قرر سيادته أن الأمارة الأولى لصلاحية الشخص للقيام بهذا الدور هي أن يجد من ضميره الديني رادعًا يردعه عن مجرد التفكير في القيام به.
وانتهي فضيلته في كلمته بعدم جواز تمثيل الشخصيات الإسلامية بصفة عامة وإلى عدم جواز عرض المسرحية المعروضة لما تضمنته من تعرض لشخصية الحسين وغيره من آل البيت ولما تضمنته من إثارة الفتنة الكبرى بصفة خاصة.
استياء أبوزهرة
وتكلم فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أحمد أبوزهرة فأبدى استياءه الشديد من المحاولات المتكررة التي يقوم بها المسئولون عن المسرح وعن التمثيل من عرض شخصيات إسلامية لها إجلالها ومكانتها على شاشة التليفزيون أو المسرح أو غيره من وسائل الإعلام وذكر أن هؤلاء قدموا بالفعل شخصيات سعد بن أبي وقاص وأبي عيبدة بن الجراح وأبي ذر الغفاري وبلال بن أبي رباح وغيرهم من العشرة المبشرين بالجنة وهم يحاولون الآن تقديم شخصيات آل البيت وأعلن فضيلته إستنكاره الشديد لذلك معبرًا عما يتضمنه هذا الاتجاه من إساءة بالغة للمشاعر والقيم والتاريخ الإسلامي.. مقررًا أن أمجاد التاريخ الإسلامي التي يمكن تقديمها نتيجة عن تمثيل هذه الشخصيات معين لا ينضب أمام الراغبين في تقديمها على المسرح أو غيره ولهم فيها بديل واسع المدى والأرجاء.
ثم ذكر فضيلته أن المجمع سبق له دراسة هذا الموضوع وأن سيادته أبدى رأيه القاطع بعدم جواز تمثيل هذه الشخصيات وذلك في جتماع للجنة البحوث الفقهية وطلب من المجلس الإنتهاء إلى رأي في هذا الموضوع وإعلانه وتقديمه للمسئولين وإبراء للذمة وقيامًا بالواجب.
وتكلم فضيلته الأستاذ الشيخ محمد خاطر الشيخ وذكر أنه يرى عدم جواز تمثيل الشخصيات الإسلامية ذات المكانة والإجلال والقدرة في التاريخ وانه يحرص على أن تكون الإجراءات التي أتخذت من الأمانة العامة معبرة عن هذا الرأي، ولن يسجل في محضر الجلسة رد الأمانة على الإعلانات المنشورة في الصحف من أن المجمع سبق أن أجاز عرض هذه المسرحية.
وتحدث السيد المستشار عبدالحليم الجندي فأكد رأيه بأن تمثيل هذه الشخصيات الإسلامية فيه إساءة بالغة لمشاعر المسلمين وإثارة لخلافاتهم وقدحًا في بعض الصحابة أو آل البيت وخطورة بالغة بالنسبة للدعوة وللأمن الداخلي وللوضع الحاضر الذي تعيشه أمتنا.
وتحدث فضيلة الشيخ عبدالجليل عيسى فأضاف إلى كلمته السابقة مقارنة بين إثار الفتنة على النحو الذي تتعرض له هذه المسرحية وبين محاولة اليهود في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام إنما أتى ليمحو هذه الأحقاد وأشار سيادته إلى أنه يرى أصابع اليهود من وراء الموقفين القديم والحديث.
وتكلم فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري فقرر أن هذه المسرحية بما تناولته من موضوع الفتنة يجب أن ترفض رفضًا قاطعًا سدًا لباب الفتنة وتوقيًا لخطورتها الشديدة على أوضاعنا الإسلامية الحاضرة.
ظهور الراوي ليس كافيًا
ورأى فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالعزيز عيسى أن التعهد الذي يقدمه المؤلف بظهور شخصية الراوي بدلاً من الشخصية الإسلامية ليس كافيًا في تحقيق الهدف الذي يرمي إليه منع تمثيل هذه الشخصيات فضلاً عن أن بعض المواقف تكون موحية لدى المشاهد أنه يشاهد الشخصية الأساسية.
وتحدث الأستاذ محمد خلف الله أحمد فوافق على عدم جواز تمثيل الشخصيات الإسلامية ذات المكانة الخاصة في التاريخ الإسلامي وأشار إلى أن للموضوع جوانب أخرى يجب أن يعني المجمع بدراستها دراسة تفصيلية في فرصة لاحقة وذلك نظرًا لما للتمثيل من أثر مهم يتميز به عن ضروب التعبير والتصوير الأخرى لما يحققه من تهذيب وتثقيف ومتعة عقلية وفنية ولأهمية التمثيل كوسيلة من وسائل التربية في الأمة ولما يشتمل عليه التاريخ الإسلامي والتي يجوز تمثيلها كما يبين آداب فن التمثيل وما يشترط له في المجتمع الإسلامي.
ثم عرض فضيلة الإمام الأكبر على المجلس أخذ الرأي في مسألة جواز أو عدم جواز تمثيل الشخصيات الإسلامية ذات المكانة والإجلال والقدرة من وجهة النظر الإسلامية فقرر المجلس بإجماع الحاضرين عدم الجواز.
ثم نظر المجلس في خصوص إبداء الرأي في عرض مسرحية ثأر الله للأستاذ عبدالرحمن الشرقاوي المعروضة على الأمانة العامة والتي عرض موضوعها المجلس في هذه الجلسة.
رأي الأمانة العامة
فأعطيت الكلمة للأمانة العامة لعرض الذي أعدته عن المسرحية. فطلب فضيلة الدكتور عبدالرحمن بيصار الأمين العام للمجمع من الأستاذ الشيخ محمد حافظ الدسوقي أن يعرض تقريره الذي أعده عن المسرحية والذي سبق تقديمه للأمانة العامة.
فتفضل سيادته بعرض التقرير بادئًا بعرض ملخص المسرحية منتهيًا إلى خاتمة التقرير التي جاء فيها : ومن هذه الخلاصة السريعة العاجلة وهذا العرض الموجز لتلك المسرحية يتضح لنا :
1 – إنها تمثل فترة من أحلك فترات الحياة بين المسلمين إن لم تكن أحلكها بعد فتنة قتل الخليفة عثمان بن عفان.
2 – إنها تناولت جمعًا من الصحابة تناولاً غير كريم وأن يكن الكثير مما جاء بها إحتوته كتب التاريخ ودون في ثنايا السير.
3 – إنها تصور قادة الجيوش أشخاصًا لا يتمسكون بدين ولا تحكمهم آداب من دينهم ولا تقودهم مباديء من أخلاقهم.
4 – وفيها تصور آل بيت الرسول مخادعين حين تقول سكينة لأبيها في المنظر الخامس بايع يزيد تخادعه ثم أنقض البيعة بعد.
ولقد أجهز بالسخط عليك.. فالقلب لا يضمر إلا الحب لك.. فلا تروع بالذي أقول عنك فإنها كياسة السياسة وخذ من الأشياخ فتوى دائمة.. بقتل من شق عصا الطاعة عنك.. بقتل أولاد على أجمعين.
وكافيء المحسن من أشياخكم خير صلة فإن عصوك في الذي تريد فأبعث إلينا من البريد.. أبعث بهم مكبلين في الحديد فمن هؤلاء الأشياخ.
وفي ص 50 في حوار ابن زياد من عمر بن سعد بن أبي وقاص “قائدي يزيد” يكون الإغراء على قتل بالمال والإمارة وفي ص 52 مشاهد يتعذر أداؤها عن طريق الحاكي لها بل لابد فيها من تقمص شخصيات آل البيت على خلاف ما وعد المؤلف.
ثم ما هذا الذي في ص 107، 108 إذ ينادي القائد شمر في الجند مشيرًا إلى خيمة الحسين وآل بيته والحرب دائرة.
أحرقوا الخيمة يا قوم بمن فيها ولا تبالوا أحرقوها هكذا تشعل أصحاب الحسين.. وهنا يرد الحسين: أتحرق بيت الرسول ؟ فتلك لعمر أبي – خيمته .. أتحرق النار وجه الرسول ؟
ويجيب شمر: وما ضرني أن أحرقه ؟
ثم ما هذه العبارة :
ص 38: رأس يحيى وهو قديس نبي.. ص 42 وحيث يقول: أنا ذا أحطم مصباح السموات العلى ؟ ص 47 غباء الصالحين وذكاء المفسدين ص 57 في وصف الريات خرق المحيض ؟ ص 74 يقول أبحر لشمر: يا ابن الفاعلة “الزانية” ؟ ص 93 يالبن العوال على عقيبة “أجاءت بك أمك من قرد أو تيس أو خنزير” ؟ ص 97 الحر لشمر “ثكلتكم أمهات زانيات”.
وأخيرًا: أو ليس بقي أدبنا العربي “جاهلية وإسلام” يصور التمسك بالفضيلة والحق والدفع عن المباديء السامية حتى يتلمس ذلك في مثل هذه الفتن العمياء – إن صح ما دون التاريخ وما سطر في كتب السير ثم ما الحاجة لمثل هذه المسرحيات في ظروفنا التي نجتازها ؟ وما القضية.
5 – وفيها تحريض بالإعتداء على أعراض آل البيت في المنظر الثالث عشر ص 123 حين تقول سكينة : أخذ الرجال متاعنا وحلينا فلتعذريني أنهم قد هددوا أعراضنا.
6 – بها تصور شأنه للرعيل الأول في فترة إمتلأت ببقايا الصحابة وخيار التابعين ممن أخذنا عنهم ديننا وفي ذلك من فقد الثقة بقدرتنا وتاريخنا فإذا بنا كالركب خاب حاديه وضل عنه الدليل.
7 – ثم ما المقصود من إبراز أحداث هذه الفتن على خشبة المسرح – على فرض صحتها – وإن أحداثها كانت وفق ما دون التاريخ ؟
9 – إن إثارة مثل هذه الأحداث على تلك الصورة يدع عدونا يقول فينا: إن أمة هذا ماضيها وذلك حاضرها، لا ينبغي أن يخشى لها بأس أو يحسب لها وبعد فإن نجاح المسرحيات إنما يقاس بمقدار ما انعكس من صادق الصور للماضي، وبقدر ما تتفشى من أمراض أو تقوم من إنحرافات في الحاضر ومسرحيتنا للأسف.
1 – لم تحظ بشيء من الصدق فيما عكست علينا من صور ماضينا البعيد اللهم إلا تلك الصور الشائعة الممسوخة.
2 – ولا وصلت بنا إلى هدف من تقويم معوج أو ردع منحرف، بل لعلها وصلت بنا إلى هدف عكسي، فما الذي يؤخذ – مثلاً – من رسالة يزيد بن زيادة حين يوصيه بهذا الوصية الرابعة ؟ وبهذا الأسلوب: ص 47 و48 لا تبق من نسل علي أحدًا” وخذ من الأشياخ فتوى محكمة عن الحكم في منفرق شمل الأمة.. ولتكن الفتوى بإدهار دمه” ثم يخاطبه منافقًا :
التي نخدمها ؟ ما الذي تعالجه في مجتمعنا ؟ اللهم إن الفتن نائمة فأحفظنا من أحيائها ونفث كربها في الناس.. والله وحده ولي التوفيق.
وبعد أن انتهى سيادته من عرض هذا التقرير :
فتح لباب الفتنة الكبرى
رأى المجلس أن المسرحية بما تناولت من موضوع وحوار تعتبر فتحًا لباب “الفتنة الكبرى” – كما عرفت بذلك في تاريخ المسلمين – وبعثًا لأخطار تخريج جمهور المسلمين وفقائهم عن إثارتها مما يمثله القول المأثور عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه “تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نلوث بها ألسنتنا”. كما يرى المجلس أن إعادة مثل هذه الصورة إلى الأذهان للمسلمين في حاضرهم بطريقة العرض المسرحية خاصة، يساعد على تفتيت وحدتهم وتمزيق شملهم وإثارة الفتنة بين طوائفهم وجماعاتهم، ويحدث بلبلة في الرأي العام الإسلامي، فوق أنه يمكن لأعدائنا من الطعن في سلفنا واستغلال ذلك في النيل منا.
بناء على ذلك :
قرر المجلس الموافقة على تقرير الفحص المبدئي ومنع عرض هذه المسرحية. وإبلاغ هذا القرار إلى السيد وزير الأوقاف وشئون الأزهر مع رجاء إبلاغه إلى السيد نائب رئيس الوزراء للثقافة والإعلام وإلى السيد نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ومن يرى سيادته إبلاغه ممن يعنيهم الأمر.
كما قرر المجلس تأليف لجنة من فضيلة الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار الأمين العام وعضو المجمع والسيد المستشار عبدالحليم عضو المجمع وتفويضها في تحرير الكتاب الذي يرسل للمسئولين متضمنًا رأي المجلس. وكانت الساعة قد بلغت الواحدة ظهرًا فأنهى فضيلة الإمام الأكبر الجلسة على أن تعود للإنعقاد في جلسة عادية في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء 15 من المحرم 1392 الموافق أول مارس سنة 1972.
والله الموفق
تحريرًا في 22 / 2 / 1972
السكرتارية الفنية – الأمين العام
الإمام الأكبر
(توقيعات)
الشرقاوي والغزالي .. وجه لوجه..
يحكي “أحمد حسين الطماوي”، أنه في عام 1983 نشر الأستاذ “عبدالرحمن الشرقاوي” مقالات اسبوعية في جريدة (الأهرام)، تحت عنوان “علي إمام المتقين”، ثم جمعت بعد ذلك في كتاب، وأثناء نشر هذه المقالات جرت مناظرات كتابية بعضها حاد بين “الشرقاوي” وعدد من الكتاب حول ما جاء فيها عن المال والملكية والصحابة والمعلومات التاريخية وغير ذلك، وكان “الشرقاوي” قد ذهب في الحلقة الثامنة من حديثه إلى أن الإمام قال: إن الإقتناء مباح وهو غير مذموم إن لم تكن هناك حاجات تسد، أما إذا كانت هناك حاجة لأحد فما يحق لمسلم أن يقتني فوق حاجته ولو دينارًا، وذكر أحاديث نبوية مفادها أن من يكنز دينارًا فوق حاجته يتشدد الله معه في الحساب والعذاب.
وقد أنبرى “ثروت أباظة” ليرد على “الشرقاوي” قائلاً ما معناه إذا كان ذلك كذلك فما مصير “عبدالرحمن بن عوف” الذي ترك جبالاً من الذهب وهو أحد المبشرين بالجنة ؟، وتساءل هل يعطي الإنسان ماله للدولة ويترك أبناءه جياعًا ؟ في أي شرع هذا ؟، ثم وافاه بتفسير “الزمخشري” للآية {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}، ومفاد تفسير “الزمخشري” أن الزكاة نسخت آية الكنز، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما أدى زكاته ليس بكنز، ورأى “ثروت أباظة” أن “الشرقاوي” يقرب بين الإسلام والشيوعية.
وقد رد “الشرقاوي” على أباظة مبديًا عدم اقتناعه بأن الزكاة كافية لسد حاجات الفقراء والنهوض بجماعات كثيرة هابطة.. ومن هنا قال أنه إذا كان في الأمة أصحاب حاجة فليس من حق أحد أن يقتني فوق ما يحتاج إليه. وإن على ولي الأمر أن يأخذ من الأغنياء لمصلحة الأمة.
مآخذ الشيخ النجار
ثم دخل فضيلة الدكتور محمد الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر الأسبق في زمرة مناظري الشرقاوي وكتب مقالاً في الأهرام عنوانه خواطر حول ما نشر عن علي إمام المتقين، وهي خواطر تتم عن حسن الظن، وجميل الرضا وتفيد أيضًا أنه أعمل النظر في مقالات الشرقاوي وأخذ عليه مآخذ منها. إن أبا ذر هو الذي طلب من الخليفة عثمان أن يأذن له بالخروج من المدينة وأحتج بما جاء في الكامل لأبن الآثير، وكان الشرقاوي قد قال في مباحثه أن الخليفة عثمان نفاه.
وكتب الشرقاوي عن ليلة عثمان من نائلة ويقول فضيلة الشيخ النجار أن الحديث الذي جرى بين عثمان وزوجته هو كل حديث يمكن أن يجري بين زوجتي ورأى أن تحذف هذه القصة والظاهر أن الشرقاوي الذي يعالج الأدب الحكائي يقتنص مثل هذه القصص ليجذب بها القراء ومهما يكن من أمر فإن مثل هذه الأشياء لا تخلخل عملاً كبيرًا ولا تهد ركنًا فيه، وهذا يتبدى من المديح الذي قاله فضيلة الشيخ النجار لنظيره بل تجاوز الثناء إلى الدفاع عنه قائلاً إن الثورة التي قامت في وجه الأستاذ الشرقاوي واتخذت طريقها إلى التشهير به، والتجريح فيه ثورة ظالمة ذلك بأنه من حق أي باحث أن يكتب عن أصحاب رسول الله مادام يستقي كتابته من المنابع الأصلية وأن يذكر آراءه حرة صريحة في كل ما يكتبه.
ثم يقول ليس من المعقول أن نتهم مسلمًا بأنه كافر أو فاسق أو شيوعي دون أن تكون لدينا البينة الواضحة وقد استقبل الشرقاوي مقال د. النجار بصدر منشرح وأشاد به وأثنى على علمه وأدبه وطريقته في الحوار ثم ناقشه فيما قاله ووعد بإسقاط ما أشار فضيلة الشيخ بإسقاطه عند طبع الكتاب.
وإذا كان لي تعليق على هذه الخلافات فهو الخلافات فهو أن كتب التاريخ الكبر مثل تاريخ الرسل والملوك ومروج الذهب للمسعودي الكامل لابن الآثير والبداية والنهاية لابن كثير تتضارب فيها الروايات وتجد فيها أكثر من رواية لحادثة واحدة.
وتختلف تواريخ حادثة معينة والمؤرخ الحديث يجد نفسه حائرًا وأخيرًا يختار رواية حسب ترجيحه وقد تكون خاطئة وقد يكون اختياره موفقًا.
المعركة تمتد إلى قطر
ثم تجددت المناظرات والمحاورات وانتقل العراك إلى دولة قطر وجريدة الخليج، وكان المناظرون هم الشيخ عبدالقادر العماري الذي يتقلد أكبر منصب ديني في قطر، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ موسى لاشين، واستشهد أحد هؤلاء بكلام ثروت أباظة وأوله وحينئذ بعث أباظة برسالة إلى الشرقاوي نشرتها الأهرام، وفيها يقول أنا أعلم من إسلامك العميق.. وإيمانك ما لا يجرؤ شك أن يتسلل إليه، وأنا أعلم أنك تؤدي الفرائض جميعًا أصدق ما يكون الأداء وأنا أعلم أن أحب الألقاب إليك هي ما اكتسبته بحجتك إلى بيت الله الحرام أنت وأهل بيتك.
والظاهر أن كلام أباظة هذا موجه إلى من شككوا في عقيدة الشرقاوي وإيمانه، وإلى جانب ذلك صحح بعض أخطائه السابقة التي وردت في مقاله الأول، وأوضح ما أستبهم عليه وأكد على قوة الصداقة التي تربط بينهما، ويؤخذ من رسالة ثروت أباظة في مجملها أنها رسالة اعتذار.
ورد عبدالرحمن الشرقاوي على ثروت أباظة في نفس الصفحة بمقال عنوانه “الذين يعكرون الماء” وأعلن إرتياحه للرسالة وطربه لها.. ولكن مقال الشرقاوي لم يكن موجهًا لأباظة بقدر ما كان موجهًا إلى الذين عكروا الماء وذكرنا أسماءهم وهم الشيخ العماري والشيخ الغزالي ود. موسى شاهين لاشين، وكانوا قد انتقدوه وعرضوا به في الخليج.
وكان الشيخ العماري قد كتب مقالاً في صحيفة الراية القطرية عنوانها هوامش على ما كتبه عبدالرحمن الشرقاوي عن الإمام علي رضي الله عنه التفسير المادي للتاريخ الإسلامي تجن على الحقيقة وقد دافع الشرقاوي عن نفسه بأنه لا يهمل التفسير المادي للتاريخ ولكني لا التزمه التزامًا.. وما لي لا أضعه في الاعتبار وهو باب من العلم يجب ألا نغلقه والرأي عندي أن التفسير المادي لا يفسر التاريخ كله، لأن هناك عوامل تفسر الأحداث مثل العامل الروحي والعامل الشخصي والعامل القومي إلى آخره، ويكون التفسير المادي أحد العوامل فكل حادثة تاريخية أو فترة زمنية لها عامل يفسرها.
وليس بالضرورة أن يكون هو العامل المادي فوثبات الإسلام الأولى كان يحركها العامل الديني وكان من شعارات الإسلام ونحن دعاة ولسنا جباة وحروب نابليون يفسرها العامل الشخصي والحركة الاستعمارية يدفع إليها العامل المادي.
والشرقاوي يقول أنه يأخذ العامل المادي في الاعتبار ولكن لا يلتزمه التزامًا أي لا يفسر به كل شيء.
ولم يبد الشيخ العماري إرتياحًا لكتاب الشرقاوي محمد رسول الحرية وقد دافع الشرقاوي عن نفسه بأنه عندما صودر الكتاب وقامت حوله ضجة قرأه جمال عبدالناصر وحوله لشيخ الأزهر محمود شلتوت لإبداء الرأي فأظهر فضيلة الإمام الأكبر إعجابه بالكتاب فأمر عبدالناصر بنشره على نطاق واسع وذكر شهودًا على كلامه منهم محمد عبدالقادر حاتم وقصد الشرقاوي من هذا أن شيخ الأزهر لم يعترض عليه.
الأهرام ترفض
ثم انتقل الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوي إلى ما قاله عنه فضيلة الشيخ محمد الغزالي وكان الأخير القى محاضرة في جامعة قطر عن كتابات الشرقاوي في الأهرام حول علي إمام المتقين، ونشرتها جريدة الراية القطرية ثم أرسل الشيخ الغزالي المحاضرة التي ألقاها في الجامعة القطرية ونشرتها جريدة الراية إلى جريدة الأهرام فرفضت نشرها وقالت نحن نأسف لعدم نشر المحاضرة لأنها تخالف النشر الذي نشرته الراية القطرية والذي تضمن قذفًا ضد بعض كبار المثقفين المصريين والعرب يعاقب عليها القانون ونحن نرى أن هذا النص الجديد أولى بنشره زميلتنا الراية الغراء.
ماذا بين الرجلين ؟
يقول “الطماوي”: ولا أدري ما الذي بين الرجلين ودفعهما إلى الحدة في الحوار ويفهم من كلام الشرقاوي أن بين الرجلين موقفًا قديمًا يتعلق بكتاب محمد رسول الحرية فقد ذكر الشرقاوي أن الشيخ الغزالي كان يخاطب في جامع عمرو ضد هذا الكتاب إذن بينهما عداء قديم، أما الخلاف الجديد فمنه قول الشيخ الغزالي أن الشرقاوي يكتب في التاريخ ويذهب الشرقاوي أن ما يكتبه نثر فني يعتمد على حقائق التاريخ ولكنه ليس هو التاريخ ويتهمه بأنه شيوعي يعمل لحساب أمريكا وليس لحساب موسكو وهي مقولة غريبة بل أنه يذهب إلى أن الشرقاوي والسادات يعملان لحساب أمريكا ويقول حسب ما جاء في مقال الشرقاوي ما الذي يجعل السادات يقول أقرأوا لعبدالرحمن الشرقاوي، هل يعمل سمسارًا لكتبه، وما دخله في ذلك ؟
ويدافع الشرقاوي عن اتهام الغزالي له بإهانة الصحابة بقوله أن الخلافات بين الصحابة ذكرها المؤرخون القدامى مثل ابن كثير والسيوطي والنويري وغيرهم وكان أولى بالاتهام هؤلاء المؤرخين لأن المعاصرين ينقلون عنهم ثم يحيله أي الشرقاوي إلى كلام في أوراقة تعلي من قدرهم، وتعرب عن تقديره لهم وقد رد الشيخ النجار في مقاله السالف الذكر وذهب إلى أنه من الواجب أن نمضي مع الرأي القائل بتسجيل جميع أعمال الصحابة لنعرف ما لهم وما عليهم وليكون في ذلك عبرة وتبصرة.
وجرى نقاش بين الرجلين حول السنة أو الأحاديث النبوية وتشكيك الشرقاوي في حديث منسوب إلى أبي هريرة فاعتبر الشيخ الغزالي ذلك رفضًا للسنة وبعض الأحاديث النبوية مجال أخذ ورد بين العلماء إلا ما كان صحيحًا منها ويوافق جوهر الإسلام وكان الإمامان البخاري ومسلم لا يثبتان إلا الصحيح منها. وقد ذكر الشرقاوي أن الشيخ الغزالي رفض حديث شق الصدر وأسانيده جيدة وأسهب عبدالرحمن الشرقاوي في رده على الغزالي فيما يتعلق بالأحاديث ثم أن الشك في حديث واحد لا يعتبر رفضًا للسنة.
وقد تطور الكلام وتهور اللسان، وكشف كل منهما عن صدر ملتهب وقلب حران فجاءت لهجة الخطاب شديدة.
وقد تتوهج الجمرة حينًا إلا إنها بعد ذلك تخبو ثم تنطفيء فقد هدأت نفس الشرقاوي ورقت لهجته، ودعا إلى نبذ الخلافات والتعاون وضم الصفوف لبناء مجتمع إسلامي ينهض على التراحم والتكافل وكانت دعوة صالحة ثم توسط في الصلح فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري والتقى الخصمان في دار الشبان المسلمين، وتصافحا وتعاتبا وشهد هذا الصلح عديد من الرجال الأبرار الصالحين.