18 ديسمبر، 2024 9:00 م

قطار الموت.. القصة الكاملة

قطار الموت.. القصة الكاملة

ـ بعد نجاح انقلاب 8 شباط 1963.. الذي قاده البعثيون بالتحالف مع القوميين والحركة الكردية.. أصبح رشيد مصلح عضواً في مجلس قيادة الثورة.. وهو الذي اصدر البيان الخاص بإعدام الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه.. ويقال انه أصبح حاكماً عسكرياً عاماً بتأثير احمد حسن البكر.. وهذا الأخير أصبح رئيساً للوزراء.

ـ يقول طالب شبيب (وزير الخارجية وابرز قادة انقلاب 8 شباط): إن احمد حسن البكر (رئيس وزراء الانقلاب.. ورشيد مصلح (الحاكم العسكري العام لانقلاب).. وآخرين أسهموا في تجهيز مراكز التعذيب الرئيسة في بغداد بعد 8 شباط 1963 لتعذيب المعتقلين من الشيوعيين والديمقراطيين والقاسمين.

من هنا سنفسر موقف هذين الشخصين من الشيوعيين وموقف من الاعدام الجماعي للشيوعيين.. ومؤامراتهم في قطار الموت.. كجزء اساس من هذه الدراسة.

حركة ضباط الصف الشيوعيين:

ـ قام بعض ضباط الصف والجنود في معسكر الرشيد صباح يوم 3 تموز 1963 بتحريض من الحزب الشيوعي.. بحركة للاستيلاء على الحكم.
ـ قاد الحركة حسن سريع.. ذلك الفتى الذي لا يتجاوز من العمر الخامسة والعشرين.. نحيف البنية.. وذو بشرة سمراء.. وعينان صغيران.. لكنهُ كان يمتلك قوة الشخصية.. وقابلية الحوار والصدق في التعامل مع الآخرين.

ـ وهو من عائلة فلاحية في ريف السماوة.. رحلت إلى مدينة (عين تمر) في كربلاء.. أكمل دراسته الابتدائية.. والتحق بمدرسة قطع المعادن في معسكر الرشيد.. وصار لاحقا ضابط صف برتبة عريف.. عين معلما في المدرسة نفسها.. كان حبهُ لإكمال دراسته وطموحاته مما أدى إلى التحاقه بالثانوية المسائية.
تزوج حسن من إحدى قريباته.. ورزقا طفلة وسكنا في حي الشاكرية.. وهو من أحياء الصفيح المحيطة بالعاصمة بغداد.

تفاصيل الحركة:

ـ أشار عزيز سباهي في كتابة عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق: “(ان كادراً حزبياً عمالياً يدعى إبراهيم محمد علي.. الذي كان يعمل في إطار اللجنة المحلية للمشاريع العمالية الصغرى التابعة إلى منطقة بغداد.. هو الذي بدأ هذا النشاط وقادهُ.

ـ كان من بين الذين انخرطوا فيه وبهمة .. محمد حبيب(أبو سلام) وهو عامل في مقهى.. وكان يقود لجنة قاعدية.. فقد عرف التنظيم بـ (اللجنة الثورية).

ـ لكن وقوع قائد المجموعة إبراهيم محمد علي في قبضة الحرس القومي.. وقد واجه التعذيب حتى لفظ أنفاسه دون أن يفشي سراً.. مما خلف من بعده في قيادة التنظيم محمد حبيب (أبو سلام).

ـ بدأ حسن سريع مع محمد حبيب التهيئة لانطلاق الانتفاضة بعد تحرك ثوري لتنظيمه.. الذي كان ينوي إطلاق سراح المعتقلين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد والمقدر عددهم بأكثر من 1300 ضابط من مختلف الرتب والأصناف.. ومجموعة كبيرة من الطيارين والأطباء.. وبعض المصادر تؤكد أن عدد السجناء يقدر بـ(1150) سجيناً

ـ كان حسن سريع (عنصراً فاعلاً في التحضير وتنفيذ الانتفاضة.. فهو الذي هيأ المكان لاختباء المنفذين في وحدته).. فقد تم الاتفاق على ساعة الصفر في الخامس من تموز 1963.

ـ لكن هذا الموعد قدم إلى يوم الثالث من تموز لأسباب عدة منها: التخوف من اكتشاف أمر التنظيم بسبب إلقاء القبض على عريفين من قادة التنظيم.. وخشية أن يبوحا تحت التعذيب بخطط الحركة.

ـ سارع قادة الحركة إلى تنفيذ خطتهم.. وقد تمكنت هذه المجموعة في الاجتماع الأخير في الساعة الثانية عشرة والنصف من ليلة الانتفاضة في أحد أكواخ كمب سارة حيث توزيع المهام من تحديد ساعة الصفر.

ـ فقد أقسم حسن سريع وأعضاء حركته: (نقسم بتربة هذا الوطن أن نحررهُ من رجس المجرمين).

ـ وتحت جنح الظلام تحرك الثائر حسن سريع ومجموعته من جنود وضباط صف المدرسة المهنية العسكرية.. ومن المدنيين الذين وزعت عليهم أدوارهم والملابس العسكرية.. كما حمل البعض رتب الضباط منطلقين نحو كتيبة الهندسة.

ـ سيطر الثوار على الباب النظامي المعسكر والحرس المتواجد فيها.. ثم السيطرة على كتيبة الهندسة.. وعلى أغلب أقسام معسكر الرشيد.. التي كانت تضم أعداداً كبيرة من الدبابات والمدرعات والطائرات.

ـ تمكن حسن سريع من: اعتقال ضابط الخفر.. وكسر مشجب السلاح.. ووزع السلاح على المنتفضين.. وهو الذي أطلق الرصاصة الأولى لبدء الانتفاضة.

ـ أول الأمر القيام باعتقال قادة الانقلاب بعد استدراجهم إلى المعسكر.. وقد تم ذلك.. ومنهم:
طالب شبيب.. وحازم جواد.. والمقدم منذر الونداوي قائد الحرس القومي واعتقالهم عند وصولهم الى المعسكر.. وآخرين!!

قمع الحرك:
حال معرفة الحركة حضر عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية بقيادة كتيبة الدبابات الرابعة (كتيبة دبابات القصر الجمهوري).. فصعد إلى الدبابة الأولى وقاد رتلاً من الدبابات نحو معسكر الرشيد.
ـ ذكر علي سعيد “ان الدبابة التي صعد فيها الرئيس عبد السلام محمد عارف كان قائدها احد رجال الحركة.. الذي كان مكلفا بالذهاب بدبابته إلى الإذاعة بعد السيطرة على معسكر الرشيد وتطور التمرد للمساهمة في السيطرة عليها ” واضاف علي سعيد” ان الدبابة التي كان سائقها من رجال الحركة.. تفاجئ بصعود الرئيس عبد السلام محمد عارف في دبابته وامره بالذهاب إلى معسكر الرشيد مما جعله عاجزاً عن القيام باي فعل عدا قتل الرئيس عبد السلام محمد عارف.. لكنه جبن امامه.(علي سعيد، العراق :البيرية المسلحة، ص 48 – 54 ).
ـ وصل عبد السلام محمد عارف إلى معسكر الرشيد.. وسيطر على الموقف.. بعد مباغتته للثوار..

ـ ووصل أنور عبد القادر الحديثي إلى معسكر الرشيد بعد انتهاء المحاولة الانقلابية.. إذ ذهب إلى غرفة آمر الحرس الرئيس الأول حازم الصباغ.. ووجد فيها الرئيس عبد السلام محمد عارف وطاهر يحيى رئيس أركان الجيش..(جريدة الجماهير.. العدد 132، 4 تموز 1963).

ـ حاول الرئيس عبد السلام محمد عارف استثمار اخفاق الحركة الانقلابية لصالحه.. فدعا إلى عقد اجتماع عاجل للمجلس الوطني لقيادة الانقلاب في مقر وزارة الدفاع، وتم إصدار بيان حول الأحداث واقترح احمد حسن البكر من أعضاء المجلس الوطني بتعيين الرئيس عبد السلام محمد عارف رئيساً دائماً للمجلس الوطني لقيادة الثورة فاعتراض على ذلك حازم جواد والمدنيين الآخرين.. فرفض هذا الاقتراح.. مما أثار عارف الذي صب غضبه على سعدون حمادي ومحسن الشيخ راضي متسائلاً: “عما سيفعله الشيوعيون بهم لو قدر النجاح.. ثم اجاب: السجن لأشهر معدودة.. في حين ان قتله هو ورفاقه محقق.

ـ يقول طالب شبيب (عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ووزير الخارجية الانقلاب).. في مذكراته:

ـ اهم عامل في فشل حركة حسن السريع كان في عدم تمكنها من اطلاق سراح الضباط الشيوعيين المعتقلين في معسكر الرشيد ببغداد.. وايضا عدم وجود ضباط في قيادة الحركة.

ماذا حدث في وزارة الدفاع؟

ـ بعد الصدمة التي تلقيناها.. ذهبنا الى منزلي (اي منزل طالب شبيب).

ـ ثم توجهنا الى وزارة الدفاع.. وكانت شوارع بغداد مكتظة بالحراس القومي والتظاهرات.

ـ دخلتُ الى غرفة الوزير صالح عماش في وزارة الدفاع وكان عنده: عبد السلام عارف (رئيس الجمهورية).. واحمد حسن البكر (رئيس الوزراء).

ـ استقبلنا عبد السلام عارف بمزيج من الجد والهزر.. قائلاً: لماذا لم يقتلوكم ويخلصونا منكم؟ فضحكنا.. ثم اكمل: هذه نتيجة سياسة التساهل ودفاعكم عن الشيوعيين ليلا نهاراً.

ـ لو أن التصفيات استمرت لما حدثت هذه الحركة.. كان البكر يومئ برأسه موافقاً على عبد السلام.. كذلك صالح عماش الذي كان واقفاً خلف مكتبه يرد على التلفونات مزهواً كالطاووس.. أذ اعتبر انه تمكن أخيراً من القيام بعمل ما يعوض تقصيره في حركة 14 رمضان.. (8شباط).

ـ حتى تلك الساعة لم ار أياً من أعضاء القيادة المدنيين.. فكلفتُ مرافقاً لعماش بالاتصال بهم.. وأبلغت عبد السلام بضرورة عقد جلسة طارئة لمجلس الوطني لقيادة الثورة لمناقشة أسباب الحركة وما أعقبها.

ـ بدأ أعضاء المجلس بالوصول الى غرفة وزير الدفاع وعقد اجتماع طارئ في الساعة بين التاسعة والعاشرة صباحاً.

 

اعدام العسكريين الشيوعيين:

ـ يقول القيادي البعثي هاني الفكيكي في مذكراته: اما المفاجأة الثانية كانت أصرار العسكريين.. وفي مقدمتهم عارف والبكر على اعدام الضباط القاسمين والشيوعيين المعتقلين في المعسكر.

ـ بذريعة تتواطئيهم مع حسن سريع ورفاقه.. ومشاركتهم في الحركة المسلحة ضد الثورة.. فضلا عن ان إبقاءهم على قيد الحياة سيغري الآخرين بالتآمر.

ـ وقف جميع اعضاء القيادة المدنيون ضد هذا التوجه الخطير.. وعرضنا ما توافر لدينا آنذاك من المعلومات عن تلك الحركة.. وأكدنا عدم علاقة هؤلاء المعتقلين بما جرى.. فضلاً عن الحاجة الى أجراء تحقيق حول الحادث للوقوف على حقيقة الامر.

ـ فجأة اندفع الى داخل قاعة الاجتماع العميد الركن عبد الغني الراوي.. وقدم الى عارف وريقات ما أن أطلع عليها حتى هتف: ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ وتصورنا للحظات ان امر خطيراً وقع.. وأن تمرد اخر حدث.. وأن الانتفاضات الشيوعية المسلحة قد عمت وحدات الجيش ومعسكراته.

ـ واصل عارف: ها هم الشيخ قاسم القيسي.. والمفتي نجم الدين الواعظ.. والسيد محسن الحكيم قد أفتوا بجواز قتل الشيوعيين.. فماذا تنتظرون بعد؟.

ـ لم نرى تلك الوريقات وما كتب فيها.. غير أننا رفضنا الامر.. وتساءل محسن الشيخ راضي عن مبرر وجود مجلس قيادة الثورة والحاجة لاستمراره اذا كان هؤلاء هم اصحاب القرار في البلد.

ـ تأزم الموقف.. وهدد عبد السلام عارف بترك الاجتماع.. ثم غادر القاعة لأداء فريضة الصلاة.

ـ انتهزنا غيابه للضغط على البكر.. ونجحنا في تشكيل لجنة تحقيق خاصة من: محسن الشيخ راضي.. وحمدي عبد المجيد.. والبكر.. وأبو طالب الهاشمي.. و منذر الونداوي.. لتباشر اعمالها فوراً.. على أن نعود الى الاجتماع في التاسعة من مساء ذلك اليوم.

ـ اتفقنا مع حمدي عبد المجيد على ملازمة البكر والمبيت في القصر الجمهوري.. أن لزم الامر.

ـ تحركنا بسرعه لتهريب هؤلاء الضباط المعتقلين.. خوفاً أن يتكرر ما حدث سابقاً في قصر النهاية.

ـ خصوصاً أن عبدالسلام طلب الى عبد الغني الراوي عند مغادرتنا القاعة التحضير لإعدام (150) ضابطاً شيوعياً.. الامر الذي رفضه عبد الغني الراوي بسبب قلة العدد وتواضعه.

ـ بعد التداول مع القياديين في البعث (حازم جواد وعلي صالح السعدي).. تقرر تهريب الضباط المعتقلين الى سجن نقرة السلمان في تلك الليلة أن أمكن.

محاولة اعدام السجناء:

تمكن المتشددون وعبد السلام عارف وغيره من (الصقور) من ادخال فكرة (ضرورة القضاء عليهم ) في ذهن احمد حسن البكر.. وذلك من اجل قطع الامل امام اي مغامر قد يحاول مستقبلا اخراجهم من السجن واستخدامهم في عمل عسكري ضد السلطة .

ـ على هذا الاساس اتفقوا على نقل السجناء الى سجن نقرة السلمان في الصحراء المحاذية لمدينة السماوة.. فيما سمي بقطار الموت.

ـ يقول طالب شبيب.. إن احمد حسن البكر استدعى عبد الغني الراوي (عضو مجلس الثورة قومي) .. وطلب منه ان يذهب الى نقرة السلمان.. وهناك يجري تنفيذ اعدام بعض الضباط بعيدا عن بغداد.
ـ الا ان هذا الامر لقيً مقاومة حازمة وشديدة من قبل قيادة الحزب المدنية.. ولقيً موقفنا دعما من بعض العسكريين ..واذكر منهم على وجه التحديد سكرتير مجلس قيادة الثورة انور عبد القادر الحديثي.

ـ سعينا نحن المدنيون ومعنا انور الحديثي الى ايقاف دعوة الموت المندفعة الصادرة عن فورة من الانفعال الشديد.. وقد ساعدتنا عصبية عبد الغني الراوي الذي رفض التنفيذ لان عدد المطلوب قتلهم قليل جداً بالنسبة له !

ـ حيث طالب بإعدام المئات.. فتدخلنا وبعد جدال طويل اقنعنا احمد حسن البكر ان لا ينفذ حكم الاعدام سوى بثلاثين اسماً يحددون بالاسم.

ـ أنتهى النقاش الى حل وسط يقضي بأرسال الضباط المعتقلين بعيداً عن مركز السلطة في بغداد.. الى سجن نقرة السلمان الصحراوي.. وهو قرار كانت الحكومة قد اتخذته قبل قيام حركة معسكر الرشيد.. والتراجع عن فكرة اعدام الضباط في بغداد وبهذا العدد الكبير .

ـ المتشددون من الانقلابيين اتخذوا طريقة أخرى لقتلهم.

نقل السجناء الى سجن نقرة السلمان:

ـ يحدثنا مخلص بركات رومي (أبو عمار).. عن يوم الثالث من تموز1963.. حين كان مع السجناء السياسيين ومعظمهم من الشيوعيين والديمقراطيين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد.
ـ عند العصر حوالي الساعة الخامسة أو السادسة.. من نفس اليوم فتحوا الأبواب وبدأوا بقراءة أسمائنا وطلبوا منا أن نحضر حاجاتنا ونخرج.

ـ تجمعنا في باحة السجن المواجهة لقاعتنا.. شدوا أيادينا بالحبال كلٌ لوحده.. وأخذونا مجموعة الى باب السجن.. حيث كانت باصات خشبية بانتظارنا.

ـ توجهنا بحدود الساعة السابعة عصرا من معسكر الرشيد الى المحطة.. وهناك ترجلنا من السيارات وأوقفونا على رصيف محطة القطار الواقف هناك.

ـ شاهدنا ضباطا برتب كبيرة يعتقد من بينهم أحمد حسن البكر.. طاهر يحيى.. حردان التكريتي.. صالح مهدي عماش.. عبد الغني الراوي.. سعيد صليبي.. محمد المهداوي.. منذر الونداوي.. وآخرون.

ـ كانت الأوامر تصدر مع التنبيه بشد وثاق أيادينا بشكل جيد قبل أن نصعد الى القطار.. كان القطار خاص بالحمل وليس لنقل البشر.. وكان غير نظيف.. فما تزال العربات (الفركونات الحديدية) مليئة بمخلفات الحيوانات والتبن.. وبقايا الزفت.

ـ وضعوا المعتقلين من صنف الدروع في العربات التي كانت محملة بالزفت انتقاماً منهم كونهم كانوا يحتجزون من ساهم في حركة الشواف.. أذكر منهم ضابط الدرع خليل حسون السعدي الذي وضعوه في عربة كانت محملة بالزفت مع آخرين.

ـ العربة: هي عبارة عن صندوق حديدي كامل لا توجد فيه أية فتحة للتهوية.. وذو بوابة من نصفين تحكم الغلق عند انسداد الأبواب.

ـ وفي حالتنا أحكم أغلاق الأبواب.. فلا مجال لدخول الهواء إلا من ثقوب صغيرة في الجدران.. أو شقوق صغيرة بين الحافات.

انطلاق قطار الموت:

ـ انطلق بهم في الساعة الحادية عشرة صباحاً السابع تموز 1963.. ومع ارتفاع شمس تموز الحارقة.. كان يمكن للركاب ـ حسب التقديرات العلمية ـ أن يموتوا بعد ساعتين من انطلاق القطار.. حيث تتحول كل عربة الى تنور متنقل أو فرن مغلق على لحوم بشرية.

ـ كان السجناء مكبلون.. بعضهم بـ (كلبجات) وآخرون بسلاسل حديدية.. وتوزع الحراس على الممرات بملابس مدنية أو فلاحيه إمعاناً في التمويه.. ومهمتهم منع أية محاولة لكسر الأبواب وتهريب أو هرب السجناء.

ـ بعد ساعة من تحرك القطار بدأ السجناء يعانون من الغثيان.. وهبوط ضغط الدم بسبب نقص الأوكسجين داخل العربات.

ـ ولولا وجود عدد من الأطباء الضباط بين السجناء لما صمد السجناء أحياءً فترة أطول.. إذ أعطوهم النصائح بأهمية (مص) أصابعهم وأجزاء الجسد الأخرى لاستعادة بعض الأملاح المفقودة وغيرها من النصائح.

 

ـ توزع الحراس على الممرات بملابس مدنيه وارتدى بعضهم ملابس بطريقه ابناء الفرات الاوسط ليظهروا بمظهر عمال او فلاحين امعانا في التمويه.

ـ كانت مهمة هؤلاء الحراس.. منع اية محاوله لكسر الابواب والهرب.

ان صمود السجناء احياء فتره اطول سببه وجود عدد من الاطباء الضباط معهم اعطوهم النصائح بأهمية (مص)اصابعهم واجزاء الجسد الاخرى لاستعاده بعض الاملاح التي يفقدها الجسم.. وهي ضرورية لاستمرار صمود الجسم البشري وغيرها من النصائح المفيدة.

ـ كان السجناء قد فقدوا قدرتهم على تحمل الحرارة بعد ساعه من تحرك القطار.. وبدأوا يعانون من الغثيان وهبوط ضغط الدم بسبب نقص الاوكسجين داخل العلب التي حاول السجانون احكام اغلاقها، فتقيأ اكثرهم .

الاستراحة.. المفاجأة:

ـ تدخل الحظ.. لكن هذا المرة لصالحهم فبعد بعد تجاوز منطقة الدورة وهور رجب.. وفي محطة المحاويل.. أوقف سائق القطار.

ـ هنا صعد رجل في الثلاثين من عمره وقال لي: خالي تعرف ان حمولتك ليست حديد بل بشر.. هم افضل ابناء شعبنا.

ـ يقال ان شخص اخر اتصل بالسائق عبد عباس المفرجي في المحاويل قائلاً: ان حمولتك ليست بضاعة خاصة.. وانما سجناء سياسيين انهم ضباط عبد الكريم قاسم.

ـ كلف المفرجي (السكن) مساعد السائق ان يذهب للتأكد.. فعاد مصفراً.. وهو يصيح (الحك الحجي طلع صدك).

ـ لم يكن السائق يتوقع انه يقود تابوتا بهيئة قطار مصفح.. لهذا السبب استبدت به الشهامة العراقية المتوقعة.. فانطلق قبل الموعد بأقصى سرعة ممكنة فوصل بالقطار قبل موعده بساعتين.

استقبال اهالي السماوة للسجناء:

ـ قبل ان تتهيأ السلطات المحلية لاستقبال القطار .. وعندما فتحت ابوابه في السماوة.. تكشفت العربات عن حشرجات صادره عن هياكل بشرية زاحفه للخارج.. في حين غاب اخرون عن الوعي.

ـ وللمرة الثانية.. لعب الاطباء الثلاثة السجناء دوراً مهماً في انقاذ حياة السجناء.. أذ قفزوا للأمام.. وآمرو المستقبلين الذين احضروا معهم مياه مثلجه وحليب ومشروبات غازيه.. ومنعوا السجناء من الشرب.. وآمروا الناس بجلب ماء دافئ.. وملح ورشوا بها السجناء وسقوهم.

 

ـ جرى كل ذلك وسط حشود من الناس تتعالى بينهم.. ولولة وبكاء النساء.

ـ عندما حاول رجال الشرطة والحراس الاعتراض.. تحدث معهم بعض الضباط السجناء فأخجلوهم فابتعدوا واحترموا ذاك المشهد الانساني النادر

من بين السجناء عسكريون كبار. منهم:

ـ كان من بين سجناء القطار: غضبان السعد.. والعقيد ابراهيم حسن الجبوري.. و العقيد سلمان عبد المجيد الحصان.. والعقيد حسن عبود.. والمقدم عدنان الخيال.. ورئيس اول لطفي طاهر.. وحمدي ايوب.. والدكتور رافد صبحي.. والطيار ابراهيم موسى.. والمهندس الكهربائي الضابط عبد القادر الشيخ.. ورئيس اول صلاح الدين رؤوف قزاز.. والضابط يحيى نادر.. وجميل منير العاني.. واخرين ..

ـ كان من بين سجناء القطار ضابط صيدلي هو ابن السيد طالب.. وهو شخص مرموق في السماوة.. فاستأجر شاحنة لوري حملها بالمواد الغذائية.. وسارت مع سيارات نقل السجناء الى سجن نقرة السلمان.. وقد سمى حمدي ايوب نجدة اهالي السماوة ب (انتفاضة السماوة الصامتة).

الخسائر:

ـ لم يتوفى من السجناء سوى شخصاً واحداً.. كان في الاساس يعاني من مرض الربو هو الرئيسي الاول (الرائد) يحيى نادر اخو اللواء محمد نادر مدير الشؤون الطيبة في وزارة الدفاع.. (كان قاسمياً وليس شيوعيا وهو تركماني وسكن الاعظمية.. هزيل البنية.. يتمثل بأخلاقه الحميدة).