نحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء على أحوال العرب ، أي الدول والحكومات العربية وايران خلال عهدين وحقبتين مختلفتين من التاريخ ، هما :
أولا / الحقبة الملكية للشاه الإيراني محمد رضا بهلوي [ 1919 – 1980 ] .
ثانيا / الحقبة الجمهورية التي بدات عام [ 1979 ] من القرن العشرين الماضي ، حيث الإطاحة بالملكية الإيرانية وتأسيس نظام ثيوقراطي ديني مذهبي متطرف بإسم ( الجمهورية الإسلامية ) في ايران بقيادة الفقهاء ورجال الدين الشيعة الإيرانيين على أسس المذهب الشيعي الجعفري الإثناعشري الذي تم جعله أيضا المذهب الرسمي في ايران ، في مادة قانونية خاصة ! ، وكان مؤسسها قائد الثورة الإيرانية الراحل روح الله الموسوي الخميني [ 1902 – 1989 ] كما هو معروف .
يقول الأصل الثاني عشر من قانون الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن المذهب الرسمي في ايران ، هو : [ المذهب الجعفري الإثناعشري ، وهذا الأصل غير قابل للتغيير الى الأبد ] ! . ينظر كتاب ( القانون الأساسي للجمهورية الإسلامية ] ، طبعة وزارة الإرشاد الإسلامية / الإدارة العامة للإعلام والنشر ، [ النسخة الفارسية ] . الفصل الأول ، الأصول العامة ، الأصل الثاني عشر ، ص 26
الحقبة الأولى : لقد تطورت ايران خلال حقب الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الفائت في ظل الملكية لأسرة بهلوي من النواحي الإقتصادية والصناعية والصحية والزراعية والعسكرية والتسليحية ، وذلك بعد تخطيها الكثير من المشاكل والحركات والإنتفاضات والأزمات الداخلية ، منها الإحتلال البريطاني – الروسي لإيران الذي آمتد من عام [ 1941 ] ، حتى عام [ 1946 ] من القرن الماضي ، ومنها أيضا تخلص الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي من منافسه الوطني المعروف والأبرز الدكتور محمد مصدِّق [ 1888 – 1967 ] رئيس الوزراء يومها لإيران بدعم الولايات المتحدة الأميريكية في عام [ 1953 ] .
خلال هذه الحقبة كانت ايران الملكية ، هي بمثابة شرطي الخليج العربي ، أو المنطقة بشكل عام ، وكانت للحكومات العربية في الخليج توجس وعدم آرتياح منها ، بخاصة حينما سلمت بريطانيا الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي التي كانت تحتلها ، وهي : طنب الكبرى ، وطنب الصغرى وأبو موسى لإيران عام 1971 . وبذلك تضاعف الهاجس العربي من الشاه المخلوع وإمبراطوريته الملكية التي كانت يومها في حالة تطور وآزدهار وقوة وتوسع . أما عربيا فلم يكن هناك رد فعل قوي مستحق للمتابعة سوى بعض المظاهرات والتنديدات – كالعادة ! – في بعض البلدان العربية على إحتلال ايران الشاه المخلوع للجزر العربية بعد تسليم بريطانيا إياها .
الغريب في الأمر كان ومازال ، هو إن الحكومات والقيادات العربية لم تتخذ خطوات جدية وعملية في إيجاد وتكوين نظام عربي حضاري عادل قوي مقتدر ، وذلك كي تدفع عن العرب وبلدانهم ما يواجهونه من تحديات وأخطار خارجية من جارتيهم ايران وتركيا ، فهم كانوا والى اليوم يفتقدون لمشروع عملي يكون مؤثرا في المنطقة والعالم بشكل عام . وبذلك فقط يتمكن العرب مواجهة ايران ، أو تركيا ، حيث هما دولتان طموحتان توسعيتان وتملكان مشروعين لخارج حدود بلديهما .
فالنظام العربي الحالي في المنطقة بغالبيته ، هو نظام قبلي ضعيف يفتقد الى عوامل القوة المؤثرة وأركانها ، فهو حتى – برأيي – ليس بدويلات فضلا أن يكون دولا ذات سيادة وإرادة ومَنَعَة ، مثل إمارات الخليج والسعودية ، أو غيرها كاليمن وليبيا وأمثالها ، أوغيرها التي تحكمها النظم المستبدة كمصر وسوريا والعراق في عهده السابق . هكذا كانت ايران الشاه شرطي الخليج ومتحكمة به خلال حكم الحكم الملكي الإيراني لمحمد رضا بهلوي المخلوع .
الحقبة الثانية : هذه الحقبة قد تكون أخطر من الأولى لآمتلاكها مشروعا سياسيا – مذهبيا توسعيا للمنطقة وشعوبها . وتبدأ هذه الحقبة بعد إطاحة الثورة الإيرانية بالشاه عام 1979من القرن العشرين المنصرم وتأسيس الجمهورية الدينية الثيوقراطية المذهبية المتطرفة في ايران . بعد إنتهاء الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت ثمانية أعوام [ 1980 – 1988 ] أقدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تعزيز وتطوير كيانها وقدراتها إقتصاديا وسياسيا وزراعيا وعسكريا وتسليحيا ، ولم تمضي سنوات إلاّ وأصبحت جمهورية ايران الإسلامية هي المسيطرة تارة أخرى على الخليج العربي ، بل أقدمت على ضم أراض عربية أخرى في الخليج الى سيادتها ، والعرب كالعادة آكتفوا بعبارات شديدة اللهجة في الشجب والإدانة والإستنكار وحسب .
لم تتوسع طهران الجمهورية الثيوقراطية في الخليج وحسب ، بل إنها ذهبت الى بلدان أخرى فجعلتها جبهاتها الأمامية ، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن ، مضافا الى محاولاتها الأخرى ، في بلدان أخرى كمصر والصومال والمغرب العربي لأجل نشر مذهبها الشيعي بين المسلمين السنة . وحول بغداد قبل سنوات صرَّح علي فلاحيان وزير الأمن الإيراني الأسبق بأن بغداد ، هي عاصمة الإمبراطورية الإيرانية ، لا بل إن الحكم الإيراني الحالي إحتل جزراً ومناطق أخرى في الخليج العربي ، ثم صرح قادته رسمياً في مختلف أجهزة الإعلام بأنها أراض لا تتجزأ من ايران وسيادتها الوطنية ! .
تأسيسا على ما ورد يمكن ، وفي خضم التطورات الحالية في العراق ولبنان وسوريا واليمن ، كما في ايران أيضا طرح التساؤلات الإفتراضية التالية على العرب ، وهو : ماذا عساكم فاعلون لو تغيَّر الحكم في ايران ، في قادمات الأيام ، فهل إنكم ومواقفكم السياسية ستكون كحقبتي الشاه المخلوع والخميني ، أم إنكم سوف تقدمون على إيجاد تغييرات بنيوية وجذرية جادة وأساسية في نظمكم السياسية وطريقة حكمكم وإدارتكم لشعوبكم وبلدانكم ، أم إنكم تصرون الإستمرار فيما أنتم عليه ، أواذا ما لم يتغيرالحكم في طهران ماذا لديكم إزاءها وتركيا أيضاَ ..؟
العرب وكردستان : نعتقد لو كانت القيادات والحكومات العربية والنخب العربية بغالبية تمتازبالدقة في أبعادها الفكرية التحليلية والإستشرافية المستقبلية لأقدموا على تأييد ودعم القضية الكردية من جميع النواحي ، في مقدمتها الإستقلال وقيام الدولة الكردستانية في كردستان ، فذلك له كل النفع للأمة العربية والوطن العربي والدول العربية . ذلك إن الأمة الكردية هي الحد الفاصل المنيع والسد القوي بين العرب من جهة ، وبين ايران وتركيا الطموحتان التوسعيتان من جهة أخرى . لكن هيهات منهم وذلكم الدقة والإستشراف المستقبلي للقضايا في المنطقة .
وبغض النظر عما ورد فللكرد كقومية وأمة لها / لهم الحق ، كل الحق القانوني والشرعي والإنساني في تقرير مصيرها بنفسها ، بالمقدمة حقها في تأسيس كيانها السياسي المستقل في ربوع وطنها الجغرافي والتاريخي كردستان مثل العرب والترك والفرس وغيرهم من القوميات والأمم في العالم .. إنهم للأسى لم يفعلوا ذلك وحسب ، بل إنهم بخاصة في العراق وسوريا أقدموا على تعريب الكرد وكردستان وممارسة أشرس السياسات العنصرية تجاههم وتشويه قضية الكرد وكردستان في العالمين الإسلامي والعربي .
مضافاً تربط الكرد بالعرب روابط تاريخية متنوعة ومتعددة هامة ، وربما أهمها تاريخياً ترجع الى الحقبة الأولى للإسلام لنبي الله الأكرم محمد ، حيث شد الرحال الى المدينة في الجزيرة العربية من كردستان الشخصية الكردية كابان / جابان الكردي فآعتنق الإسلام على يديه الشريفتين الطاهرتين ، وبعدها كان للكرد شرف المساهمة الكبرى في تطوير الثقافة والحضارة الإسلامية وآزدهارها من النواحي العلمية والمعرفية والثقافية ، حيث كان الكثير منهم رواد العلم والمعرفة في شتى المجالات . أما عسكرياً فدور الكرد العظيم مشهود تاريخياً في التاريخين الماضي والحديث في نصرة العرب وقضاياهم في فلسطين والعراق وسوريا ، فقد ساندهم الكرد ونصروهم في أحلك المراحل التاريخية العصيبة وأخطرها .