مرّ نصف قرن على رحيل الزعيم والقائد القومي العروبي طيب الذكر جمال عبد الناصر، وما زال رغم الغياب، حاضرًا في الوجدان والضمير العربي وقلوب الجماهير من محيطها حتى خليجها.
ولا نحتاج إلى أسباب كثيرة تدفعنا على استحضار وإحياء ذكرى هذه الشخصية والقامة التاريخية، التي عرفتها أمتنا وشعوبنا العربية قاطبة، رغم الحملات التي لم تتوقف ضده من قبل الأصوليين وجماعات الإخوان المسلمين والتأسلم السياسي، والتي تؤكد أهمية عبد الناصر وتأثيره وفعالية دوره الوطني والقومي.
فقد شكل عبد الناصر حالة سياسية وقومية فريدة من نوعها في التاريخ العربي وحالة قيادية لن تتكرر، وهو لم يحدث تغييرات نوعية وجذرية فحسب، وإنما لعب دورًا عربيًا وعالميًا يشهد له التاريخ والقاصي والداني.
ورغم الانجازات الكبرى، الوطنية والقومية، التي حققتها ثورة 23 يوليو ونظامها وقائدها، بقدر ما كان نهجًا وخيارًا ونموذجًا يقتدى به من شرفاء الأمة وكل الأحرار في العالم.
وكيف لنا أن ننسى انجازات عبد الناصر التي تحققت في فترة حكمه، وفي مقدمتها إجلاء الانجليز عن مصر العام 1956 من قناة السويس تحديدًا وتأميمها، فضلًا عن قانون إصلاح الأراضي وتوزيعها على الفقراء، وسن قانون التعليم المجاني، وإقامة الوحدة بين مصر وسورية، وبناء السد العالي، وهو من أهم وأعظم إنجازاته.
لقد حمل عبد الناصر راية العروبة، وخاض المعارك ضد الأحلاف والمشاريع العدوانية الاستعمارية، في الوقت الذي تسعى فيها الامبريالية العالمية إلى تعميق وترسيخ التجزئة للوطن العربي، وتفتيت البلدان العربية وتحويلها إلى عصبيات طائفية ومذهبية وعرقية، وهو الذي كان طوال الوقت يؤكد أن الوحدة الوطنية هي المقدمة للوحدة القومية.
إننا لا نتحدث عن عبد الناصر كذكرى من الماضي الجميل، وإنما كحاجة ماسة وضرورية لاستلهام أفكاره ومواقفه وطروحاته لمواجهة التحديات الراهنة وخيارات المستقبل.
عاش ومات عبد الناصر نظيف اليدين، نزيهًا وشريفًا، وتمتع بشخصية قوية وكاريزمية، فكان الزعيم الاستثناء المختلف عن كل الزعامات والقيادات السياسية العربية، وسيبقى مدونًا بحروف من نور وحرير على صفحات التاريخ المصري والعربي كرمز للكرامة والعروبة والوحدة العربية، ولتعش الناصرية.