في حالة غريبة وشاذة جاء تعبير الرئيس اللبناني في جواب لصحفيه سألته الى اين نحن سائرون؟ فأجاب عون: الى جهنم. بالتأكيد ان سائق القافلة الى جهنم هو عون نفسه، لأن هو الرئيس الحالي للبنان وهو من يقوده الى جهنم، لكن الغريب في الأمر ان الرئيس اللبناني يشكو لشعبه هذه المرة، لقد قلب عون المعادلة رأسا على عقب، فصار الراعي هو الرعية، والرعية هم الراعي.
الرئيس عون هو حامي الدستور اللبناني كما جاء في الدستور، وهو صاحب الشأن العالي في البلد، وعندما يشكو من تعنت الثنائي الشيعي، فهذا يعني انه غير قادر على حماية الدستور، وهو يخل بأحد أهم واجباته، لأن الدستور لم ينص على ان يكون وزير المالية او غيره من طائفة معينة، بمعنى ان الثنائي الشيعي جعلا من العرف قوة تعلو على الدستور، علما ان وزارة المالية سبق أن تبوأها وزراء سنة ومارون وغيرهم، بمعنى انه عرفا وقتيا وليس دائما. بل ان وزير المالية الشيعي السابق كان من أفشل الوزراء، وساهم في تدمير الإقتصاد اللبناني وهو من مخرجات الثنائي الشيعي، وكان على الرئيس عون ان يصر على تطبيق الدستور، او يتنحى عن قيادة القافلة الى جهنم، لعله غيره قادر على قيادتها الى النعيم.
اذا كان الرئيس عون يشكو الى شعبه، فلمن يشكو الشعب اللبناني؟ لا نفهم لماذا يجهز الرئيس عون على ضحيته لبنان الجريح برصاصته القاتلة؟ هل ينطلق من قاعدة طلقة الرحمة، أم يريد تعميق حفرة اليأس في قلوب اللبنانيين، أو يشجعهم على الهجرة من البلد لأنه لا يوجد ثمة ضوء في الدهليز المظلم الذي بناه عون بقيادته الفاشلة؟
كان ازلام نظامه يطلقون عليه القائد الشجاع، وهذا القائد الشجاع سبق أن هرب بملابس النوم الى السفارة الفرنسية، فآوته وأعادت له زيه الرسمي، لكن يبقى السؤال المهم: لماذا ترك القائد الشجاع سلاحه أرضا، ورفع يده مستسلما لمن ساعدهم واعانهم ليكونوا أقوى منه، ويصبح دمية بأيديهم؟ نقول للقائد الشجاع انك تزعم بأن تراكم ملفات الفساد لفترات طويلة هي التي قادت الى الوضع اللبناني الحالي. لكن اين كنت يا شجاع من هذه الملفات، ولماذا جعلتها تتراكم؟ الست أنت الزعيم الأعلى وحليف القوى المسلحة التي تتجاوز على الدستور؟ اليس من مهام رئيس الدولة محاربة الفساد، أو ان يكشف عن الفاسدين بدلا من التستر عليهم، وهذا أضعف الايمان؟ الا تتحمل أنت ورئيس البرلمان ورؤساء الحكومات هذا الفساد، ام تريد ان تحمله للشعب اللبناني المنكوب بسببكم؟ ولو تركنا الفساد جانبا، اليس السلاح الشرعي لحليفك حزب الله يمثل انتهاكا للدستور وتمردا على نصوصه؟ فماذا فعلت تجاهه؟ بل لماذا نفخت فيه وصيرته ماردا ضخما، وبت قزما أمامه تخشاه وترتعب منه؟
طلقة الرحمة للحريري
ان مبادرة الرئيس الحريري أتت لتزيد الطين بلة، وكان من الأجدر بالحريري ان ينأى بنفسه عن هذا الصراع الشيعي وغير الوطني، الذي لا ناقة له فيه ولاجمل.
ـ يفترض بالزعيم سعد الحريري ان لا يشارك في أي صفقة فيها تجاوز على الدستور. فهو مدان حاله حال الثنائي الشيعي في تجاوز الدستور بمبادرته.
ـ سبق للثنائي الشيعي ان رفضا مبادرة الرئيس الفرنسي بتعيين وزير من قبل الحليفين الشيعيين، فلماذا يعيد الحريري السيناريو نفسه.
ـ لو افترضنا جدلا بأن الثنائي الشيعي وافق على مبادرة الحريري وقبلا بمرشحه، فأي نتائج سلبية تترتب على الوزير القادم ومنها اخفاقه في اصلاح الوضع الاقتصادي اللبناني سينعكس على الحريري نفسه لأنه هو من رشحه. ولو رفض الثنائي الشيعي مبادرته، فهذا سيزيد من تشويه صورته عند اللبنانيين، لأنه فشل، وتدخل فيما لا يعنيه.
ـ اذا كان الرئيس السابق يشبه الوضع بأكل السم، ورئيس الحكومة الحالي يشبه الوضع بالسير الى جهنم، فأي مصير ينتظر اللبنانيين؟ وما فائدة مبادرة الحريري طالما الوضع بهذا القدر من السوء.
ـ ما يثير العجب في مبادرة الحريري انه لخص مشكلة لبنان بوزارة المالية، مع ان المشكلة تتجاوز هذه الوزارة، لبنان مأزومة من كل الجوانب، ومن الحماقة ان تحصر في زاوية واحدة.
ـ لماذا تجاهل الحريري العقوبات الامريكية على وزيرين قريبين من الثنائي الشيعي وساهما بعمليات غسيل أموال لصالح حزب الله ومن خزينة الدولة المفلسة؟ الا يعني هذا ان حسن نصر كان يكذب عندما زعم ان جميع اموال حزب الله بما فيها من مأكل وملبس وعتاد وسلاح ورواتب تأتي من ولاية الفقيه، وتبين في المحصلة بأنها من أموال الشعب اللبناني الفقير.
ـ هل يعلم الحريري بأن تعنت الثنائي الشيعي الغرض من ورائه خلق مشكلة تطغي على انفجار مرفأ بيروت، وهذا ما حصل فعلا، اليوم لا أحد يتكلم على الكارثة ولا من سببها ولا عن نتائجها المريعة، بل عن وزارة المالية، وتأتي مبادرته لمساعدة الثنائي الشيعي في التعتيم على دور حزب الله في تفجير بيروت، سيما ان الأخبار بينت علاقات الحزب بنترات الأمونيوم في كثير من الإنفجارات التي هزت دول العالم.
كلمة أخيرة للحريري
كفاك تنازلات! لقد تنازلت عن دم الشهيد والدك، فلا تتنازل عن لبنان كله، اترك الثنائي الشيعي في صراع الذئاب، وكن مراقبا لا أكثر، فقدت الكثير بسبب مواقفك المثيرة للشك والقلق معا، فحافظ على ما تبقى من أنصار، ولا تبادر فيما لا شأن لك به، فقد تكون الواقعة فوق ما تتصور.