نشأنا منذ الصغر على حب فلسطين والقضية الفلسطينيه بدءاً من المدرسة الأبتدائيه في السبعينات حينما كان يزور المدرسة وفود الشباب من منظمة العاصفة الجناح المسلح لفتح ويبيعون علينا طوابع التبرع للمقاومة ولا أزال اذكر كيف اننا نتبارى في جمع الطوابع ولصقها في آخر ورقة من دفتر القراءة ومن يملأ تلك الورقة من مصروفه البسيط مضحياً بأول تضحياته في الأمتناع عن الشراء من حانوت المدرسة وما يحويه من بسكويت وعصائر والذهاب بدل ذلك الى غرفة المعاون لشراء طابع ، كنا نؤمن بإن كل طابع يقتل صهيونياً وانتقلت معنا تلك الروح بنفس أشد في المتوسطه حيث كبرنا وكبرت معنا ثوريتنا وكانت ثانويتنا تضم طلاباً فلسطينيين تعرفهم من ارتداءهم لليشماغ الفلسطيني كربطة عنق وكانت الممرات مزينة بالملصقات والبوسترات اذكر منها بوستر لخارطة فلسطين الحبيبه تتوسطها رصاصة كلاشنكوف مكتوب فيها تبرع بقرشاً تقتل صهيونياً ، استمرت رحلتنا نحو الأعدادية فكبر الوعي وكبرت معها القضية واخترنا البعث انتماءً وفكراً فكانت فلسطين حاضرة فكره وايديولوجيته وكانت الندوات تعقد لنصرة الفضية بل كان لمنظمة التحرير الفلسطينية مكتباً بجانب مكتب الاتحاد الوطني لطلبة العراق في بناية الثانوية، تخرج التظاهرات الغاضبة في كل حدث ومناسبة نهتف حتى نفقد اصواتنا عاشت فلسطين حرة عربية .
اخواتنا لم يكنّ اقل حماساً فأذكر ان النساء كانت تقوم باعمال الخياطة والحياكة بمساعدة كل بنات الجيران للمشاركة في المعرض الخيري السنوي الذي يقيمه قاطع الاتحاد الوطني لطلبة العراق لتعود خيراته الى منظمة التحرير الفلسطينيه كما اذكر كم من مرة سجلنا فيها اسماؤنا كمتطوعين للقتال في العطلة الصيفية ولكن لم يتم استدعاؤنا كوننا طلبة .
رسمنا طريقنا نحوع التطوع في الكليات العسكرية وكلنا أمل في نيل الشهادة في معارك التحرير لفلسطين المحتله وكنا قد عشنا أيام معارك حزيران وألم النكسه ومعارك تشرين وفرحة عبور بارليف وحينما عاد الأبطال من الجيش والطيارين المشاركين بالحرب عام ١٩٧٣كانت أقصى امنياتنا ان نلتقي بأحدهم لنسمع قصص البطولة والفخر وكم أتمنى لو كانت لدينا الكاميرات المحموله كما اليوم لكنا وثقنا تلك اللحظات بدلاً من ان تسكن في ذاكرتنا .
دخلنا الكليات العسكرية ومشينا المسير على إيقاع اهازيج النصر لفلسطين وطالعلك ياعدوي طالع وجايك جايك يافلسطين ، فكانت ارجلنا تضرب الأرض بكل قوة حماساً لشدة رد الفعل الرجولي والبطولي وتمني يوم المنازلة الكبرى .
احببنا فلسطين واحببنا شعبها وعلقنا خرائطها في ديوانياتنا وكتبنا قصائدها في مطلع دفاترنا وصورة الأقصى معلقة في كل دار ومسجد وكنيسة وحتى بيوت اصدقاءنا من المسيحيين الذين لم يكونوا اقل منا اندفاعاً وحماساً وحباً وتقديساً للقدس .
هكذا كان جيلنا ، جيل تربى على حب فلسطين ونصرة شعبها ، جيل اشبع إيماناً في حق الشعب الفلسطيني في العودة وان لا تنازل عن أي شبر من فلسطين العربية وعاصمتها القدس .
اليوم هناك جيل جاء خلفاً لنا لا يعرف من فلسطين الا ان الكنافة نابلسية والفلافل فلسطينية ، جيل عمدت الحكومات بإعلامها وتثقيفها على تشويه أحلامه ومسخ تفكيره فلم يعد للعروبة لديهم معنى فتقلصت الهويات من أمة عربية عاصمتها القدس الى قطرية ومن ثم الى مناطقيه ومذهبيه وعرقيه وضاع مفتاح بيت المقدس الذي اهداه عرفات للقيادة العراقية في يوم الأرض في الثمانينات ان لم يكن قد بيع في بازار بيع العراق وبدء جيلنا بالتبخرونحرت قياداته التي كانت آخر كلمات شهداءها عاشت فلسطين حرة عربية ترددها مع النطق بالشهادة فوق منصة الأعدام ليحل محله جيل لايرى في إسرائيل عدواً بل عدوه جاره المختلف بالمذهب او العرق ولذلك لا تستغرب منه التطبيع ورفع علم إسرائيل في عواصم العرب وجيل صورني ياعطواني شباب تطبيع وتمييع ، وصمون عشره بألف أضحت بديلاً عن لاحت رؤوس الحراب واهازيج المسير في كلياتنا العسكرية تحولت الى مناقب طائفية وقصائد تتغنى بالولي القابع خلف الحدود وتطمأنه باننا جنده و( علي علي علي … احنه جيش الولي ) ، اصبح قسم التخرج للضباط قسمان واحد في مراسم التخرج للوطن وواحد في الحضرة الحسينية للمذهب ، ولم يعد لفلسطين حصة في تاريخنا ومناهجنا وضمائرنا ولم يتبقى الا ذكريات جيل مضى لم يحسن تقدير حاضره فضاع مستقبل اجياله وعاشت فلسطين حرة عربية وعاصمتها القدس الشريف
الى ان نموت .