لا يختلف اثنان ، ان الصبر صفة محمودة ، خصوصا في وادي الرافدين ، بل مَنْ لا يتصف بهذه الخصلة ، لن يتمكن من العيش في هذا البلد دقيقة واحدة ، فقد أصبح الصبر لدينا عادة.
قالوا ان للصبر حدود ، سبق وأن تجاوزناها منذ عقود ، فتحول الصبر لدينا ، الى خنوع ورضا بالضيم ، وانكفاء ونرجسية ، وسلبية في ابشع معانيها ، حتى دخلت في طور الادمان المزمن.
ترى ، هل تعلم (السلطة) بهذه الظاهرة بحيث استغلّتها أبشع استغلال ، واستخدمتها كسلاح لديمومتها ؟، فالواقع يدل على ذلك ، فالتحليل البسيط لوضع البلد ، يؤكد ان (السلطة) ولا أقول (الدولة) لأنها فقدت مقوماتها منذ عام 1991 ولحد الأن ،لا تعمل أي شيء ، لا على الصعيد الأمني ولا على الصعيد التنموي ، فبأمكان بضعة (صعاليك) ان يضربوا في أي وقت ، وفي أي مكان ، وبأية وسيلة دون رادع ، والحلول الأمنية المتخلفة خير (أقصد أسوأ) دليل على ذلك ، يتمثل ذلك بأحاطة مناطقنا السكنية بالكونكريت البشع ، وسيطرات لا تفتش سوى انها تسبب الأحتقان المروري ، تذكرنا بنكتة ظهرت أيام (صدام) حينما طلب من (جلاوزته ) أصطياد أرنب ، فوجد مجموعة من جلاوزته يعلّقون حمارا ويضربونه بالهراوات قائلين له (قل أنا أرنب) ! ، أما على الصعيد التنموي ، فحدّث ولا حرج !.
مشاهد مؤلمة في دوائر الدولة ، وأقصد أكمال معاملة ارقام سيارات (المنفيست) ، أو دوائر شهادات الجنسية ، مواطنون يقفون ساعات طويلة تحت الشمس وقت الظهيرة ، دون أن اسمع من شكاواهم الا ما ندر ، مواطن يتوسّل (بالمفوض) الجالس تحت (الايركوندشن) بوجهه المتجهم الكالح ويقول له (سيدي) ، المفوّض (ينتفش) كالطاووس ، لأنه يتوقع جازما سماعها من هذا المواطن المسكين ، وفي الدول الأخرى ، الشرطي هو الذي يقول للمواطن سيدي لا بالعكس !.
كنت اتبرم بصوت عال من قلة الأدب والاستخفاف بالمُراجع ، متعجبا من ان الدولة تجبي مليارات الدنانير وهي تمتص دمائنا مقابل كوننا مشروعا دائما للقتل بسبب تقاعس وكسل وأهمال وفساد الدولة تجاهنا ، وكان بأمكانهم وضع بضع مراوح برذاذ الماء ، ومظلات ، ومصاطب للانتظار ، وهي لا تكلف شيئا مقابل هذا (اللغف) الهائل ، فأقل معدل للجباية الرسمية للسيارة الواحدة تبلغ 400 الف دينار ، وبقدر هذا المبلغ على هيئة (اتاوات) ، وأنظر الى وجوه المراجعين المتعرّقة والمتعبة والمحمرة من الشمس ، الجميع صامتون وكأنهم منوّمون مغناطيسا ، وعيونهم تبدو بلا حياة كالروبوتات ، متكئون على الحيطان وكأنهم (خشب مسنّدة)! ، ولهم شيء من الحق في ذلك ، فهو لا يتوقع أي تسهيل لأنه يعلم ، ان أزاءه ضمير ميّت .
ندفن أشلاء أحباءنا في الانفجارات ، نذرف الدموع ، وكأننا نقدم نذور حتمية ، ولكن لأجل ماذا ؟ ، ندفع فواتير كهرباء مهزلة ، بمبالغ كبيرة ، ونخضع لأبتزازات اصحاب المولدات عن طيب خاطر ، ولا تستطيع (السلطة) محاسبتهم ،لأنها ليست أهلا لذلك ، ولا تمتلك الحدود الدنيا من هيبة ، صمْتنا ورضانا بالضيم ، أعطى (السلطة) الضوء الأخضر (للدوس) على بطوننا ، ونحن صامتون ، وتركنا التعبّد بالحديث النبوي (مَنْ رأى منكم منكرا ….) ، وتركنا واجب تغيير المنكر حتى بقلوبنا ، ربما لأنها توقفت عن الخفقان !.