الفصل الثاني ــ المبحث ( 1 )
توطئة :
نتعرف في حدود عتبات و مباحث الفصل الثاني من دراسة كتابنا حول تمفصلات أحداث رواية ( سيدات زحل ) ، من جانبها المنظوري كأداة معاينة لوحدات و عوامل وظيفة الذاكرة في محفزات و دوافع و استذكارات الشخصية المركزية الساردة حياة البابلي ، و ما يترتب عليه هذا العمق الذاكراتي لدى الشخصية من إجرائية منظورية خاصة من قبل الدارس للرواية ، هذه المنظورية التي من شأنها التعامل مع حالات الروي و المسرود عبر كيفيات علائقية خاصة و مسار الأحداث البنائية و التشكيلية في السرد الروائي . كما أن فعل مطالعة حيوات الشخوص في الرواية تأتي ضمن مؤشرات الحاضر و المغيب من إحالات الوظيفة التأريخية و الزمنية و المرحلية السابقة من مؤثرات صدورية الحكاية الروائية . إذ تبدو لنا أفعال الرواية من جهة ما و كأنها بحثا إيهاميا في تركات و متواريات بعيدة عن حاضرية الواقع التمثيلي في المسرود الروائي الواقعي . أما حالات جلب الشواهد و الأسماء و المخطوطات و التواريخ ، فتبقى هي الأخرى متصلة بعلاقة استدعائية خاصة من ذاكرة الشخصية الساردة في النص . ولكننا إلى حد ما لم نعثر في الرواية على محرك الخروج من قوقعة المكان و الذاكرة و الإيهام في فضاء أستدعاء الأحداث الخارجة عن سياق متن الحكاية و الزمن الحاضر في الخطاب الروائي ، لذا نجد أغلب أحداث الرواية يكون مصدرها عوامل خارجة عن متن نواة الحكاية و زمن خطاب الرواية ، مما يجعلها واصلة و فاصلة في الآن نفسه في حاضرية علاقات النص الدلالية ، إذ ما يتبقى في الحاضر الروائي مجرد علامات من خيوط المستعاد الذاكراتي ، حتى تكون لنا كقراء كمادة معروفة في تجليات الأواصر و الأحوال النصية الروائية . فعلى سبيل المثال تواجهنا شخصية ناجي و شخصية العم قيدار و حكاية جذور العائلة في مسيرتها النواتية و التناقلية ، كمستدعى ذاكراتي محتمل تقوم به الشخصية المشاركة حياة البابلي ، دون ذلك الحضور الفعلي لهاتان الشخصيتان في أواصر التكوين الوحداتي في مراحل نمو الرواية ، صحيح أنها تشغل المساحة المؤثرة في النص ، ولكنها على أية حال تبقى مجرد خطاطة إيهامية متخيلة في رحم الذاكرة المستعادة لدى الشخصية المهيمنة حياة البابلي .
ـ الذاكرة المدونة و تدوين أزمنة الذاكرة .
من المعروف أن الزمن في رواية ( سيدات زحل ) له الأثر البالغ في تحديد و تكوين مبنى و متن و شكل المسرود الروائي ، لذا نجد نقطة الاسترجاع متآتية عبر مرويات العرض و السرد و المسرود غالبا ، إذ تعتمد على صياغة ( حدث الرؤية و الرؤيا ) كوظيفة إدائية في عرض زمن الماضي و الحاضر وبطريقة تتناوب من خلالها آليات التوظيف (زمن السرد من حيث الماضي / زمن السرد من حيث الماضي و الحاضر / زمن متعدد الأبعاد / زمن استرجاع داخلي / زمن استرجاع خارجي / زمن بين البين / زمن للحظة الراوية بالإيهام / زمن يجمع الاسترجاعين ـ حقيقة ـ وهم ) و جميع هذه الأزمنة التوظيفية نجدها تمضي تحت مؤشرات اللحظة الزمنية الخاصة في صيغة و نقطة الراوي المشارك في الرواية .
1ـ زمن استرجاع ملفات الجذور و وجوه تواريخ العائلة :
لعل من أكثر العلامات الاسترجاعية الزمنية اقترانا في رواية لطفية الدليمي ، هي تلك التي تستذكر تأريخ عائلة البابلي و خاصة شخصية العم قيدار ، وعلى النحو الذي يجعلها كوحدة متعددة في تدوين حالات السرد الماضوية بطريقة الإبهام و التخييل ، فيما تمنحها من جهة ما ذلك التكثيف اللحظوي الذي يسع عشرات المخطوطات في أرشفة الإمكانيات التوظيفية للمسترجع من المواقف و الشواهد و الشخوص و الأسماء . تكشف لنا أحداث المسرود الذاتي على حال لسان الشخصية حياة البابلي ، عن سر مسمى العائلة ببيت البابلي : ( تفاصيل ـ كم من مرة سألت أبي عدنان رشيد البابلي : ـ لماذا يسموننا بيت البابلي ؟ زكم من مرة ضحك من فضولي الأنثوي و ربت على كتفي و أبتسم / : ـ أبي نحن لسنا من بابل لسنا من مدينة الحلة أساسا .. أليس كذلك ؟؟ : ـ بلى يا حياة نحن من هنا وماذا يعنيك إن كنا من نينوى أو من بابل أو الكوفة ؟؟ رأيت برقا في عينيه وهو يستعيد في ذاكرته تأريخ الأسرة .. عشنا منذ أجيال في كل جهات العراق و أستقر بنا المقام في بغداد منذ تسعة أجيال .. الجد السابع لجدي رشيد أبن الشيخ نعمان التميمي كان تاجر قمح و غلال .. يشتري القمح الجيد المعروف بالحنطة الكردية من سهل شهرزور في أربيل و من سهل نينوى ، و يبيعه لتجار بغداد و ديالى و البصرة .. وصل في تجارته إلى أستانبول وبلغ صيته البندقية كتاجر نسيج يصدر الموسلين الموصلي و الحرير البغدادي الذي سماه الإيطاليون ـ البلداكو ـ فبلداك أسم من أسماء بغداد .. كان يتاجر بعباءات فرو الخراف التي يرتديها البدو في الجزيرة .. أبوه من جزيرة الموصل و أمه من مصر .. كتب في مذكراته إن أباه كان مزواجا عشق فتاة من صعيد مصر ، حين سافر في تجارة إلى مصر و السودان و أتى بالعروس مع أحمال من العاج و الزمرد و فيروز سيناء . / ص45 ص46 الرواية ) .
2ـ شجرة الأنساب و تمثيلات الواصلة الزمنية :
تتبين كشوفية العلاقات الأنسابية في شجرة العائلة لحياة البابلي ، وصولا إلى كشف الرواية عن عودة الجد إلى العراق بصحبة زوجته المصرية ، حيث أنجبت له أبنه البكر رشيد حيث كانوا أخواله يقدمون إلى زيارته بعد إنصرام كل عامين على حد تعبير الرواية ، وقد كان أحد أخواله قد تزوج شقيقة الجد و عمة رشيد و أخذها معه إلى مصر ، أما رشيد فقد تزوج فتاة كردية جميلة أسمها أمينة خان ، وقد ترك أربيل و تجارته متوجها جنوبا ، ومع مرور الوقت سمع عن تواجد مقام للنبي إبراهيم الخليل (قرب برس جنوب بابل من السينور بيترو ديلافالي الرحالة و المنقب الإيطالي.. و أقسم جد أجدادي أن يجعل امرأته أمينة خان الجميلة المدللة تلد بكرها لدى مقام النبي إبراهيم ليتبارك به . / ص47 الرواية )و على الرغم من أنه كان راغبا بهذا الأمر غير إن أهل زوجته الكردية لم يحبذوا حدوث وضع مخاض الوليد عند هذا المقام لأسباب لم تذكرها الرواية ، على أية حال حاولوا ذوي زوجته إقناعه بعدم قبول الأمر واعداله عن رغبته في وضع زوجته لوليدها عند هذا المقام الأبراهيمي ، بما في ذلك إلغاء فكرة الرحيل تماما إلى هذا المقام ، ولكنه وبطريقة ماكرة أقنعهم بأنه ساورته في منامه أطيافا للنبي إبراهيم تبشره بغلاما صالحا شرط الإذعان لأمر رحيله و زوجته و ولادتها عند ذلك المقام ، وبعد زمن من العناد و الرفض و التردد ، أصر رشيد على الرحيل بصحبة زوجته مع جاريتين ومع مجموعة من الحراس المدججين بالبنادق و السيوف و الرماح ، مما شكلوا بدورهم قافلة كبيرة تتجه نحو مدينة بابل : ( ومن هناك إلى موقع برس نمرود كانت جدتنا أمينة في شهر حملها الثامن ، أستدعى الجد قابلة أرمنية أسمها أنوش أم أرمين التي تزوجها أبن عمه أحمد جد والد أمي فيما بعد و أقام معها في بغداد ، نصب خيمة أمام المقام الذي ولد فيه النبي إبراهيم ولم يكن غير بناء متداع من حجرتين تعلوهما قبة طينية صغيرة / يشرف البناء على بقايا برج ـ برس نمرود ـ الذي ضربته الصواعق السماوية فأنصهرت حجارته و بقية كتل من جلاميد سوداء و أجر مفخور عليه كتابات مسمارية . / ص47 الرواية ) تخبرنا الرواية في هذا الفصل بأن الجدة أمينة أنجبت صبيا أسماه الأب على أسم إبراهيم الخليل ، وقد أستقر والد إبراهيم الذي هو ( جد أجدادي . ص48 ) في مدينة بابل وقد عمل مع بيترو ديلافالي / الإيطالي ، كمنقب في آثار الأسلاف من أهل بابل القدماء . وكما تكشف لنا مسودة المذكرات للجد الأكبر ،والتي هي في حوزة العم قيدار حقائق كبرى و تفاصيل غريبة عن سيرة تأريخ عائلة البابلي . و بعد هذا الفاصل من حكاية العائلة على لسان والد الشخصية حياة البابلي تذكرنا الشخصية بأن تأريخ سرد هذه الحكاية يعود إلى سنة 1987 أي قبل موت شقيقاها مهند و ماجد ، وقبل أن يتمحور هاني في عزلته المنكفئة : ( قتل مهند في منطقة دربندخان و أعدم ماجد قبل ليلة غزو الكويت ، هرب من المعسكر مع ثمانية من رفاقه رافضين المشاركة في الغزو ،وشى بهم أحد الجنود فأعدموا ، لم يترك لنا ماجد أي شيء لا ورقة ولا مذكرات ولا خلفا من نسل آل البابلي ، غاب كما تغيب النجوم و تختفي في هالة الشمس . / ص48 ص49 الرواية ) .
ـ الذوات في قعر مخطوطة الذاكرة و مرايا الأرواح المستعادة .
تشخص الروائية لطفية الدليمي في أحداث مكانية السرداب من أجزاء روايتها ، تلك الجملة الاقترانية والمقرونة بحوادث الخطاب في ( الماقبل) شاهدا على كبوات و فواجع المدينة بغداد ، وهي تحترق أسفل السماء المعبدة بعشرات الطائرات الأمريكية النازلة بأطنان القذائف على سطوح مباني المدينة ، لتحرق تواريخها و تقتل أطفاله و ترمل نساءها و تحبس كل مصدر من إشعاعها . تحيل حادثة النزول إلى قعر و جدران السرداب ، كعلامة مقترنة و إحالة مثمرة ب ( وظيفة الفعل التعويضي ) والتي كانت تنهض بها الشخصية حياة البابلي ، كوسيلة ما للاحتماء من رعب و نيران القصف الباطش ، و إلى غاية نفسية ما كانت تزرع السفينة في قلبها القلق و المثخن بملايين الجراح و وحشة الذاكرة و الفقد و مفروضية الواقع في العيش في مدينة هي ليست بالمدينة . تبعا لهذا تتمظهر لنا اداة الخلفية الأبهامية لدى الشخصية الساردة حتى تعرض لنا الأشياء في رؤية سرداب ، و كأنها مشاهدات حقيقة قادمة من خلف تركات الكواليس و ذاكرة الفراغ . بادىء ذي بدء كما هي العادة ترافق صور أرواح عائلتها سطوح المرايا المتعددة في زوايا أمكنة السرداب المغبرة ، مع وجود مخطوطات أثيرة تعود لعمها قيدار ، الأرواح تقوم بمخاطبة وجودها المركون على أريكة ما في مكان من السرداب ، و أن يقدم الحكي بالعرض المسرود ، هي الشخصية الساردة ذاتها ، كما نقرأء في ملحق هذه الفقرات : ( تفاصيل ـ أعتقلوا أبي بعد أعدام أخي ماجد ، أمضى عاما ثم أفرجوا عنه حين أكتشف طبيب السجن أنه مصاب بسرطان البروستات و سيقضي عاجلا ، مع أنهم لم يكونوا مبالين بحيوات البشر ، حدثني في شهور إنهياره الأخيرة عن بعض ما لا أعرفه عن عائلتنا ، قال : ـ هذا السرداب القابع تحت بيتنا كان مخبأ عمك أخي الشيخ قيدار حين لاحقوه بتهم تتعلق بالجمعية السرية التي أسسها ، كان سردابنا منبعا لأحلامه و فتوحاته الروحانية ، وهو عاكف على تحقيق مخطوطات تتعلق بتأريخ بغداد ليتم مشروعا بدأه منذ سنوات في جمع أخبارها خلال القرن التاسع عشر و القرن العشرين / ترافقه آلة العود في جهده المضني ، يعزف عليها مقاماته و أناشيد عشقه الروحانية و الدنيوية . / ص51 : سرداب الرؤية ـ الرواية ) .
1 ـ فضاء السرداب و إمكانية الفعل الروائي :
تتوفر في مداليل فضاء ( رؤية سرداب ) تلك الإفادة الوسائطية على مستوى تهيئة الزمن الاسترجاعي الملاحق لتتمة ذلك الاحساس بعضوية العلاقة السردية عبر خطوط الرواية ، و منها أيضا نستشف دور الفواعل المفصلية في ترابط قيم الحكي من قبل حال الشخصية المشاركة ساردا حياة البابلي . يفتتح الشريط الذاكراتي في رؤية سرداب لدى واقع و إمكانية الفعل الروائي ، موضوعة وحكاية تواريخ العائلة ، إيذانا منها بشروع بدء سرد حكاية أحوال البلاد وما أصابها من اعطاب و خراب دامي . فموضوعة السرداب تشكل في أبعادها الماقبلية ذلك الجزء التأريخي و المرحلي و الزمني من حكايات الساسة لحكام بغداد عبر مختلف عصورها الدامية ، مرورا بأفراد عائلة البابلي التي لم يتبق منها سوى حياة موضع شاهدية السرد في النص . أما حكاية و موضوعة المابعد الزمنية ، فتتركز في وصف و حكي جملة الأحداث التي هي خارج أو داخل السرداب ولكن في مواقع نسبية جدا : ( تفاصيل ـ تخلى عن كل شيء عندما يئس من عودة زوجته ــ فتنة ــ التي خطفها رجال يعملون في حماية أحد المسؤولين و تفرغ لبغداد وحدها ، وعندما أحس أن أختباءه تحت الأرض بلا معنى خرج يجوب البلاد لعله يعثر على خبر عن فتنة أو يفوز بمعلومة عن بغداد ، ستقرأين أوراقه التي وجدتها بين المخطوطات و التراجم في السرداب أقفلنا السرداب بعد ان أختفى عمك بعد عودته الأخيرة و أستخدمناه لحفظ الذكريات ، كان النوم فيه يأخذنا إلى أحلام و رؤى / ص52الرواية ) إذن فالحصيلة المدلولية من السرداب ، ما يشكل بذاته ولذاته كحاضنة متخيلة لأفعال تعويضية مفقودة من زمن الخارج أو زمن المدينة ، ومع ذلك تقودنا ذاكرة الشخصية في استرجاع ما هو أعمق و أدق في حلقات مدونة كراسات روايتها في بنية متخيل الرواية الواقعي ، حتى من خلالها نكتشف الفواعل المونتاجية الرائعة في استذكار لقاءها الإيهامي مع ناجي في طنجة : ( تفاصيل ـ أخبرت ناجي بأحوالنا و إختفاءات أفراد أسرتنا على نحو غريب ، حدثته عن سرداب الرؤى الذي سحر عمي حين ألتقينا في طنجة ، حدثته عن عمي قيدار و أبي و أخوتي و طليقي حازم المخصي ، كنا نقف على شاطىء البحر و الليل يذوب في الماء . / ص52 الرواية ) على ما يبدو من دال منظومة ذكريات الشخصية حياة البابلي ، أن الشخصية ناجي هو الآخر من زمن (الرؤية من الخلف ) أو أنه مختفيا وراء ضمير الغيابي السردابي الخارجي و ربما الداخلي أيضا من جهة عاطفة الشخصية حياة ، ليتجسد لنا بطلا وجدانيا في رواية و مدونة الشخصية حياة البابلي ذاتها حصرا ، و بهذا المعنى فهو يتمظهر بالجانب المفقود من حياة السكينة و العاطفة و هواجس الحب في مخطوطة و مخيلة الشخصية ، وجودا سريا يخاب ذلك الزمن الوردي من منطقة جمال و عذوبة الذات الأنثوية المسكوت عنها من سوء طوالع حظوظ نساء زحل .
ـ حياة البابلي بين رؤيا أصوات الأرواح و هجران منزل الزوجية .
قد يجد القارىء في دلالات رواية (سيدات زحل ) ذاته أمامه تقنيات خاصة من التقديم و التأخير و التقطيع السردي في كل مفاصل فصول الرواية ، فالأخبار المسرودة حينا ، و السردية حينا تخبرنا عن أحوال و خصائص و أفعال حياة الشخوص عن طريق التمثيل الساردي الأوحد لشخصية لحياة البابلي كما قلنا مرارا ، فعلى سبيل المثال تخبرنا حياة البابلي كاتبة مخطوطة الرواية في الرواية ، أحداثا حول موقفها من زوجها و كيفية هجرانهم لبعضهم البعض ، في وقت يكون لزوجها الدور في أحداث أخرى متممة من الرواية ، وبذات الخلاصة من الخبر السردي ذاته : ( بعد سنوات من هذا الحديث و في سنة 1997 سأهجر بيت الزوجية بعد عودة حازم مخصيا من الاعتقال و أصراره على انفصالنا من خزي ما حدث له ، و سأعود إلى بيت والدي المهجور . / ص53 ) في وقت نلاحظ عودة حياة البابلي للحديث عن حازم مجددا في ص 58 ( كان خصاء حازم سببا لكشف زيف الحب الذي إدعيناه طويلا أمام أهلنا و معارفنا ، كان حتى قبل ذلك شخصا فانيا ، وكنت أشم روائح الفناء من أنفاسه و أصابعه / لعل ذلك يعود إلى ما تركته فيه ثلاثة سنوات على جبهات الموت في الحرب مع إيران . / ص58 ) .
ـ تعليق القراءة :
هكذا وجدنا الوحدات المسرودة حال لسان الشخصية حياة البابلي في متن الرواية ، تأتي على شكل جرعات خفيفة بدءا ، ثم إلى جرعات متوسطة ثم إلى ذروة الانغمار في علائق متقدمة و مستحدثة في مدار الأحداث . وذلك طبقا لما وجدناه في أول فصول الرواية من هواجس الشخصية الساردة حول أصوات و أرواح أهلها في قعر السرداب ، وكيفية تطور الجرعات المحكية نحو أكثف اللحظات من الأحداث المعروضة و المسرودة و السردية في النص ، حتى أن التفاعل مع خطاطة الأحداث غدا أمرا في أقصى درجات الارتداد و الانزياح و التشوف في علائق و عوامل و أحداث الإبدال المحوري في فضاء و متن النص . و يتسع مجال التصور في عوالم السرداب ، ليكشف لنا عن حلمية التحاور ما بين همس و صوت الأرواح و تفاصيل حياة الشخصية و هي تسترجع مشاهد تبئيراتها التدوينية الساردة لأشق واحة من واحات العيش مع أصداء أحلام و رؤيا السرداب الروائية و التأريخية ، و على النحو الذي غدا يجعل من واقعها الشخوصي حقيقة تسعى للعيش من خلال نافذة متصوراتها السردابية الماضوية في ملكوت المخطوطات و الكراسات المدونة و عبر تلافيف ذاتها المتشظية و المسترجعة عشرات المشاهد من الحكايا و التفاصيل و الأحاديث الطويلة إزاء أرواح المرايا الذاكراتية العاكسة للزمن و المكان و الميتارواية .