الصراع الامريكي الصيني، الذي بدأ فعليا قبل اشهر، لا ينحصر فقط في التجارة بل يتعداها الى ابعد منها؛ في السياسية وعلى مناطق النفوذ في العالم، وفي سباق التسلح، وهو صراع لن يتحول الى مجابهة عسكرية كما يعتقد البعض وتحت اي ظرف كان وما سوف يكون الوضع عليه، مستقبلا. هذا الصراع سوف يكون اشد من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي في القرن العشرين، فقد كان الصراع الاخير اي الحرب الباردة بين القطبين اللذان تحكما في العالم على مدى ستة عقود مضت، كانا يقودان تكتلين ايديولوجيين، بين الرأسمالية والاشتراكية. أما الصراع بين الصين والولايات المتحدة الامريكية، سوف يكون صراع بين ندين اقتصادين، يحاول كل ند التوسع في مناطق النفوذ الاقتصادية والتجارية وما يرتبط بهما، على حساب مساحة نفوذ الند الاخر؛ باستخدام جميع ما في حوزته او ما هو يحاول ان يحوز عليها في جهات المعمورة الاربع. الصين لا تسعى كما كان الاتحاد السوفيتي؛ يسعى الى نشر الماركسية اللينينية في كوكب الارض، بل تعمل جاهدة على فتح اسواق العالم لها، وبالذات في افريقيا واسيا ومناطق اخرى، وضمان استمرار تدفق المعادن والطاقة( النفط والغاز) التي هي بحاجة ماسة لهما. استخدمت في هذا المسار او في هذا التوجه؛ الحزام والطريق. الصين يساعدها في هذه السياسية امتلاكها لكتلة مالية ضخمة وهي في ازدياد مستمر، بالإضافة الى انها لا تمتلك قواعد تستلزم منها الانفاق عليها الا قاعدة واحدة يتيمة في جيبوتي، بخلاف الولايات المتحدة الامريكية التي لها اكثر من 140قاعدة منتشرة في جميع بقاع الكرة الارضية، مما يجعلها هذا التواجد، ان تخصص الكثير من موازنتها العسكرية لهذا الهدف. الصين والولايات المتحدة، كلاهما تسعيان الى زيادة قدرتهما العسكرية الضاربة، لدعم واستدامة مساريهما في الاقتصاد والتجارة وما يرتبط بهما. وزير الدفاع الامريكي، أكد؛ من ان على الولايات المتحدة العمل على زيادة ترسانتها النووية، وتطوريها، لمواجهة الصين في المحيطين الهادىء والهندي. الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير على الصين في المسار الاقتصادي في الوقت الحاضر وفي المدى المتوسط والبعيد، جميع العوامل تشتغل لصالح الصين؛ لسبب واحد بسيط وعميق الفعل والمفعول والتأثير في الكرة الارضية بدولها وشعوبها؛ وهو ان الصين لا تفرض شروط على نقل او توطين التكنولوجيا المتقدمة على الشعوب والدول، أو صفقات السلاح؛ مما سوف يؤدي بالنتيجة وفي نهاية المطاف الى زيادة عديد الدول التي تفتح اسواقها او اراضيها للمشاريع الصينية، ومشترياتها من السلاح الصيني؛ كما حدث في الفترة الاخيرة، في اتفاق الشراكة بين الصين وايران، ولمدة خمسة وعشرين عاما. امريكا الرسمية او امريكا العميقة وليس امريكا ترمب الذي يحيل الكثيرون الصراع الحالي بين الصين والولايات المتحدة، إليه، على الرغم من انه فاعل جدي في هذا الاتجاه؛ تدرك تماما هذه السياسة وما تشكله من خطر كبير على قيادتها للعالم، فهذه السياسة الصينية تحطم على المديات البعيدة؛ الاعمدة التي تعتمدها الولايات المتحدة في استمرار تحكمها في الكرة الارضية، ويقتل حلمها في قيادة كوكب الارض، وفق توجه سياستها في الاقتصاد والتجارة والمال والعملة، اي وبعبارة اخرى اكثر تمثلا للواقع الذي تعمل امريكا على تحريكه وفق مشيئتها؛ جعل اقتصادات الدول، صور مستنسخة لاقتصادها وما يتبع هذا التوجه من فواعل عدة ذات صلة بالثقافة وفي بقية الحقول. لذا، الولايات المتحدة التي ليس لديها ما تؤثر به على الاندفاعة الصينية في العالم، من كوابح تحد من حركتها( الصين)؛ سوف تلجأ في المستقبل على تجيش الاقليات في الصين، وقد لجأت فعلا في الفترة الاخيرة على تفعيل هذه السياسة، ولكن اقل وطأة بالقياس الى ما سوف تعمل عليه لاحقا، في المديات المنظورة والمتوسطة والبعيدة، لأن الصراع الصيني الامريكي، في تقدير كاتب هذه السطور المتواضعة، سوف يستمر الى مديات بعيدة جدا، الا اذا حدث ما ليس في الحساب. اربع ميادين ستحركها الولايات المتحدة الامريكية؛ للتأثير على اندفاعة الصين، لتقليص فرصها اي الصين على مناطحتها على ريادة الكرة الارضية في المديات المتوسطة والبعيدة؛ هونغ كونغ، التبت، الإيغور، تايوان؛ على قاعدة حقوق الانسان، وحق الانسان في الحرية، وفي الرأي والكلمة والموقف، والحياة والوجود، اي كلمة حق يراد بها باطل. وسوف تؤطرها بغياب الديمقراطية في الصين اي الحكم الشمولي، الذي يغيب فيه؛ التبادل السلمي للسلطة. يبقى هنا السؤال المهم: هل هذه السياسة ستؤثر على الصين وتحد من اندفاعتها؟ قبل الاجابة على هذا السؤال، من المهم هنا التأكيد؛ على ان من يجيش الناس او الاصح، الشعب ضد اي سلطة، هو الاقتصاد، والفقر، وغياب الفرص في الحياة الافضل. هذا الأمر لا ينطبق على الصين باي شكل كان، فالصين تمتلك ثاني اقوى اقتصاد في العالم ولها وفرة مالية كبيرة جدا، أضافة الى انها مصنع عالمي لإنتاج البضائع الرخيصة أو بأسعار معتدلة، بفعل الكتلة البشرية الهائلة والمؤهلة فنيا، والتي تضمن استدامة هذه التنمية، وتطورها، وتوسعها، كما ونوعا؛ مما يؤدي وقد ادى الى توفير فرص كبيرة جدا وواسعة للناس في حياة افضل، التي تفتح جميع الابواب على حياة التمدن، واقتناء جميع وسائل ما انتجته الحضارة البشرية من تطور في كل حقول المعرفة؛ ووسائل ايصالها من خلال ثورة الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، على عكس ما كان يجري في ايام الاتحاد السوفيتي، في الحرب الباردة التي نجح الغرب فيها او انتصر فيها، وتفكك الاتحاد السوفيتي. اضافة الى الامر الاخر والذي هو الاكثر اهمية وفعل ومفعول في الواقع الاقتصادي وقدرته على التطور والصعود والمنافسة؛ هو ان الاقتصاد الصيني، اقتصاد شبه رأسمالي، مما يمنحه او منحه قدرة كبيرة على المنافسة سواء البينية، في الداخل الصيني، او على صعيد العالم. ان هذا الاقتصاد قادر على تفجير طاقات الشعب؛ على الاختراع والابتكار، وعلى زيادة الهمة والنشاط، وتشغيل العقل بأقصى اشتغال له؛ في اضافة الجمال للمنتج.. وقد فعل في العقود الاخيرة. من الجانب الثاني؛ ان سياسة الحزب الشيوعي الصيني تختلف كليا عن قرينه السوفيتي، فهو يمنح هامش كبير من الحرية في اختيار الزعامة الصينية، وفي ورش العمل، وفي النقد وتصحيح المسار؛ وهذا هو ما يفسر لنا تغير السياسة الصينية سواء في الداخل او في السياسة الخارجية بين فترة زمنية وفترة زمنية تالية.. عليه، فان الصراع الصيني الامريكي سوف يستمر لمديات بعيدة جدا، من غير ان تكون هناك مجابهة باي شكل او صورة كما يتنبأ الكثيرون…للكلفة الكارثية على الجانبين، في حالة حدوث صدام واسع النطاق، او حتى صدام محدود، لأنه، سيقود الى صراع مفتوح. ( الاتحاد الروسي، ابلغ الامريكيين، بأن اي صاروخ يطلق على روسيا، سيعتبر صاروخ نووي، وسيرد عليه نوويا. والصين هنا ليس حالة مختلفة..) أما الصراع على البحر الصيني الجنوبي والشرقي، سوف يستمر الجانبان بهز عصى الارعاب في وجه الأخر، بلا احتكاك فعلي؛ يلعب فيها، الطرفان، لعبة القط والفأر. كلمة اخيرة لابد من ان تقال؛ لا الصين تعمل او تبني سياستها من اجل شعوب ودول العالم، ومن اجل تطور ورفاه الناس في الكرة الارضية، بل من اجل مصالحها. الصين تضطهد الرموز النشطة، دينيا، وسياسيا، للمسلمين الإيغور، والبوذيين في التبت، لكن، في المقابل، تعمل على توفير، الرفاهية في المنطقتين، وفي غيرهما، لاحتوى رد الفعل، واسكات صوت الاعتراض. ( في اجتماع القيادة الصينية، مؤخرا، أكد الرئيس الصيني؛ على اهمية توفير الرفاهية والجمال للناس في هضبة التبت) أما الولايات المتحدة، فهي اشد ضراوة وشراسة وبدرجة كبيرة جدا، بما لا يمكن القياس عليه، بالمقارنة، مع سياسة الصين. السياسة الامريكية ديدنها؛ ابتلاع حقوق الدول والشعوب في جهات المعمورة الاربع. يبقى السؤال الاكثر اهمية؛ هو هل يستثمر الحاكم العربي، مخارج هذا الصراع، لصالح شعبه ووطنه؟ لا كبيرة، بكل تأكيد.. لأنهم خانعون، ومستبدون، ويركضون وراء الكيان الصهيوني، لحماية كراسي حكمهم من شعوبهم، او من عدو وهمي والمقصود هنا ايران!؟.. انهم منبطحون، وخائفون، ولسوف يضيعون الشعوب العربية والاوطان العربية ولو الى حين، لأن الشعوب العربية في نهاية المشوار، لا تقهر ولن تقهر، وسوف تنتصر على الحاكم العربي، وعلى الكيان الصهيوني، وتفشل مخطط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني…