يستعد العراقيون لاطلاق الحملة الوطنية من التظاهرات والاعتصامات والتهديد بالعصيان المدني لايقاف الراتب التقاعدي وتقليل رواتب المتقاعدين وأعضاء مجلس الرئاسة والوزراء والمحافظين وأعضاء مجلس المحافظات وموظفي الدرجة الأولى في الدولة. ارتفاع الرواتب التي تعد محط شك وجدال حول جدواها والدور الذي اداه البرلمان وبقية مؤسسات الحكومة الى الشعب العراقي من استتباب الامن وإعادة الاعمار وعودة اللاجئين والنازحين والكفاءات الى العراق.
أعضاء البرلمان العراقي البالغ عددهم 325 عضواً هم الأكثر جدلاً لمايتمتعون به من امتيازات مذهلة ورواتب خيالية بالإضافة الى تمتعهم بهذه الرواتب مدى الحياة في حالة تقاعدهم. أعضاء البرلمان العراقي هم الموظفون الأكثر تغيباً عن جلسات البرلمان العراقي وفشلوا فشلاً ذريعاً في تأدية مهمتهم فيصياغة مشاريع القوانين والتصديق عليها وتسليمها الى الحكومة لتنفيذها. معظم القوانين المهمة التي تخص إعادة الاعمار واستتباب الامن وملفات الفساد والسرقات وقوانين تسهيل الخدمات تخاذل أعضاء البرلمان عن مناقشتها. عملية التخاذل كانت تمر بمراحل تآمرية بين الكتل تشمل التغيٌب المتعمد او الامتناع عن التصويت لبرلمانيي كتلة معينة مقابل تأييد التصويت لبرلمانيي كتلة أخرى، وهكذا تم تمييع القوانين المهمة او الالتفاف عليها بالغياب وعدم اكمال النصاب اوالتصويت المشروط لتمرير قوانين تصب بمصالح لا تخدم كيان الدولة العراقية.
رواتب ام رشاوى
التفسير الوحيد الذي يتجلى امام الباحث بالشأن العراقي ان الإمكانيات والرواتب العالية التي يتقاضاها أعضاء البرلمان هي عبارة عن رشاوى وهبات مقابل تفكيك كيان الدولة العراقية والتأمر عليها وخذلان الشعب العراقي الذي كلفهم كمحامين للدفاع عنهم في قضاياهم، وإيجاد قوانين تسهل حياة العراقي وتجعله امناً يعمل ويعيش في بلده دون منغصات. حصل العكس تماماً اذ ان هذه الفئة من المحامين الفاشلين المرتشين الذين خانوا شرف مهنتهم بالدفاع عن موكليهم تحت قبة البرلمان استخدموا توكيل الشعب العراقي لهم لتحقيقمايلي :-
اولاً: حماية مصالح كتلهم السياسية التي سهلت لهم مهمة الدخول الى البرلمان العراقي ، والعملية كما يبدو مشروطة لكل عضو برلمان عليه التوقيع على شرط حماية مصلحة الكتلة السياسية قبل الموافقة على ترشيحه وفوزه، وهذه اول مظاهر الخيانة التي تستدعي من المصوتين سحب أصواتهم والاعتراض على توكيل هذا النائب.
ثانياً: معظم البرلمانيين يرتبطون بولاءات دينية، مذهبية، طائفية، لدول الجوار الإقليمية، ودوائر تعود لدول عالمية. وهو نوع من رد الجميل باعتبار معظم البرلمانيين عاشوا فترات زمنية طويلة من حياتهم خارج العراق وارتبطوا بمصالح تلك الدول وحملوا جنسياتها مما يستدعي من أولئك البرلمانيين قياس مصلحة تلك الدول في التصويت قبل مصلحة الدولة العراقية.
ثالثاً: الحفاظ على المصالح الشخصية وتلك الرواتب والامتيازات التي تعد عوامل مغرية للحفاظ عليها مقابل الموافقة على أي ضغوط يتعرضون لها بالتصويت او عدم التصويت للحفاظ على مصالح أحزاب وكتل ودول وشخصيات لها مصالح بتعطيل بناء الدولة العراقية.
رابعاً : بهذه الرواتب المرتفعة يتم تسهيل السيطرة على البرلمان وعلى الدولة العراقية , باعتبار ان تاريخ العراق هو دولة متمردة تمكنت من لعب أدوار إقليمية وعالمية خلال تاريخ تشكيلها وامتلكت أسلحة دمار شامل وكادت ان تمتلك القنبلة النووية. هذا التاريخ المرعب لاطراف ودول جعل الامريكان في تفصيلهم وتشكيلهمالدولة العراقية بعد عام 2003 يضعون هذا التاريخ نصب اعينهم، لهذا وان كانت هناك عملية سياسية ولون باهت من الديموقراطية في صورة العراق الجديد، كانت الرواتب المرتفعة واختيار شخصيات غير وطنية ضعيفة النفسية لحكم العراق، من الممكن ان تخدم تلك الرواتب والامكانيات العالية في جعل العراق تحت السيطرة وتمرير او عدم تمرير أي قانون لا ترغب به تلك الدوائر خلال أولئك البرلمانيين المرتشين بتلك الرواتب والامكانيات.
ان دور البرلمان في أية دولة ديمقراطية هو العمود الفقري لاقامة كيان تلك الدولة والمحافظة على أدائها ،وفي الحقيقة ان دولة العراق والتي كانت سباقة في تأسيس اول برلمان في المنطقة في تموز عام 1925 عن طريق الانتخاب غير المباشر عطلت برلمانها من تاريخ اجهاز مايسمى بالضباط الاحرار على الدولة الملكية العراقية في تموز عام 1958. ومن ثم حل البرلمان واستبداله بنظام العسكرتاريا الانقلابية الدكتاتورية الذي استمر الى عام 2003. أي طيلة 45 عاماً لم يكن هناك أي عمل برلماني في العراق ولم تكن هناك أية خبرة برلمانية في الترشيح والانتخاب وتقييم البرلمانيين لدى الشعب العراقي . لهذا فان العمل البرلماني يعتبر ممارسة جديدة لدى الجيل العراقي الحالي الذي لا يدرك أهمية البرلمان ودوره في تأسيس الدولة المدنية العراقية.
من هنا نعتقد بان الذي أعاد تشكيل البرلمان من الامريكان وبعض شخصيات المعارضة العراقية مارسوا دوراً مشبوهاً في عملية التأسيس ولهذا تم رفع رواتب البرلمانيين وأعضاء الحكومة وجعلها اقرب الى الرشاوى من الرواتب الاستحقاقية التي يتقاضاها أي موظف. لقد كان لرواتب البرلمانيين المرتفعة الدور الأكبر في مصادرة دور السلطة التشريعية واغرائها لتكون تحت السيطرة من قبل فعاليات محلية وإقليمية وعالمية لشل بناء الدولة العراقية والتحكم بها. وهذا مايفسر عدم استدعاء المتورطين بملفات فساد وسرقة المال العام وتركهم يمارسون حرياتهم خارج وداخل العراق لان البرلمانيين المرتشين لا يهمهم تصفية ملفات الفساد بقدر مايهمهم عدم تمكن العراق من النهوض كدولة قوية ارضاءاً للمصادر والمصالح المرتبطين بها.
الان حان الوقت للانتباه من قبل جميع العراقيين بأن الأصوات التي منحوها لهذا الفريق المرتشي الذي خان موكليه يستدعي سحبها. من حق أي عراقي ذهب الى صندوق الاقراع وادلى بصوته لهؤلاء البرلمانيين ان يخرج الى الشارع لسحب الثقة وإلغاء تعيين البرلماني الذي وكله كمحام للدفاع عن قضيته، لان ذلك المحامي فشل بالدفاع عن مصالح موكله وعليه الرحيل بأسرع وقت ممكن وارجاع الأموال والامتيازات التي استلمها من خزينة الدولة باسم العراقي الذي بقي على حاله من الجوع والتعب والفقر والحر والبطالة واللاأمان وانعدام الخدمات واغراق البلد بالفساد والسرقات الأسطورية للمال العام.