22 نوفمبر، 2024 11:56 م
Search
Close this search box.

دعونا نتعايش بسلام!

دعونا نتعايش بسلام!

اتذكر جيدا وكأنه اليوم, كنت طالبا في جامعة بغداد – كلية تربية ابن رشد ايام حكم النظام الديكتاتوري البائد. حيث جمعتنا بيت في حي الوزيرية مع طلاب عرب سنة وشيعة من مناطق مختلفة في العراق. يومذاك كانت لتوها قد وضعت الحرب العراقية الايرانية اوزارها, تلك الحرب التي التهمت لهيبها نفوس مئات الالاف من الابرياء واودعت ورائها اعداد لا تحصى من الامهات الثكالى اللاتي تذرفن الدم على فقدان احبتهن.

بيت ذو طابقين تطل على شبابيك غرفها اشجار النخيل. غرف متقابلة يسكنها اناس جاؤوا من مشارق البلد ومغاربها, لكل منهم حكاية وجرح, حاملين خلفية ثقافية واجتماعية مختلفة, بشرة بيضاء واخرى سمراء, ناطقون بلغة لا تفهمها سوى اصحابها!

مضت الايام بدأت الاعين تتعارف على بعضها وتزيل غبار الخوف والشك على الوجوه, والقلوب تميل الى العناق ومشاركة هموم البعض. لأنه رغم اختلافهم شعروا بأن هناك قيمة سامية تجمعهم, الا وهي انسانيتهم, انسانية حالت من ان يشعر احد منهم بالشك والخوف تجاه الاخر. شك وخوف قد يلدان نوعا من الحقد والكراهية التي طالما دأب البعث جاهدا على بثها في روح ابناء البلد.

على الرغم من بطش البعث انذاك, لكن لم ار بيننا في تلك الايام عمرا يكره عليا, أو معاوية يشعر بظمأ لدم حسين, كالذي يجري اليوم حيث يقتل الناس فقط على اختلاف الاسماء, بل ولا اتذكر بأن جبليا منا كره زميله الاهواري, في حين كانت حملات الانفال الوحشية تحصد روح مئات الالاف من بني جلدة الجبلي!

بعد اشهر, لا بل واسابيع, فتح الكل باب قلبه لغيره دون حذر وخجل, تشاركوا المطبخ والمجلس, جمعهم سفرة الفطور والغداء والعشاء, انستهم ليالي اللعب والضحك هموم الحياة. الكل كان يتلعثم عند الحديث بسبب فارق اللغة, لكن مع مرور الزمن فككوا عقدة اللغة وبدأوا بمساعدة بعضهم البعض على فهم وتعلم بعض من كلمات هذة وتلك اللغة.

مضت اشهر اصبحوا وكأنهم اعضاء اسرة واحدة, وعندما يعود احدهم في زيارة اهله جالبا معه مستلزمات الحياة, كانوا يوزعون فيما بينهم جوز الجبال وخبز تنور البواد, واستمروا هكذا حتى اعتادوا على ضيافة بعضهم البعض في بيوتهم.

في الوقت الذي اكتب فيه هذه الكلمات وارى اقتتال الناس فيما بينهم بسبب الانتماء المذهبي والطائفي, كارهين بعضهم البعض نتيجة للسياسة التي انتجتها قوى واحزاب وساسة يتربعون على العرش, ناهبين اموال وخيرات البلد, مالئين بطونهم وتاركين الناس تلتهمهم نار الفساد والفقر والعوز والبطالة, عيوني تذرف الدموع على تلك اللحظات التي امضيتها مع اسرة (نعيم وعلي) في (الصويرة والزبير), وكأنني بين اهلي واسرتي, حيث كرم الضيافة ورحابة الصدر. لا بل اكثر من ذلك, حيث جعلني احتضان والدتيهما وعناق والديهما الحار لي اشعر وكأنني بين احضان امي وأبي.

وهكذا بالنسبة لاصدقائي وصديقاتي العرب الذين زاروني في قريتي واحتضنهم والداي ورحب بهم اخوتي ببشاشة الوجه فرحين بقدومهم, حيث اشعروهم بانهم ليسوا بغرباء بل هم بين اهلهم واسرتهم, صور لن تنساها الذاكرة ابدا.

اذن يا ساسة الحانات والحسينيات, يا ساسة الاخفاق والاوقاف, رابطي الياقات وواضعي العمامات الذين تتاجرون بدماء الابرياء, كفانا بممارسات البعث القمعية وعضا ودعونا كشعوب ان نعيش ونتعايش فيما بيننا بسلام ووئام!

أحدث المقالات