داخل عادل السرحان (السردي) كعنصر يتفاعل مع الايحاء في شعره
شكل “التداخل النصي” بنائية نصوص السرحان والدلالة على مضمونها
وظف عادل السرحان ” النفي” كركن اساسي في قصيدته بنى عليه الصورة الحسية التي رسمها بمخيلة القارئ ليشكل ملامح قصيدته (ومثلنا تموت الفراشات)، وجاء به مدخلا عبر عما يجول في ( نفس الشاعر) تجاه الواقع المعاش، فعكس خيبة ضمنية حملها الاحساس العام بالقصيدة.
ومثل ذلك داخل بين النفي والتشبيه بصورة حسية متقنة ، جسدت حسه المرهف كشاعر حين استخدم ( الفراشات) التي هي دائما ماتكون أو تستخدم للتعبير عن المرهف من الأحساس. وجاء السرحان بالدلالة التي ابدع باستخدامها في مواضع شتى أ فصحت عن المعنى ، واكتملت بها صورته الشعرية ك ( أسوار الربيع) ، ( الكواتم ، الخواتم ) وتلك تعابير مجازية تحمل ضمنيا معان مختلفة عبر عنها السرحان عن مرحلة معاشة وكانت تلك الأدوات رموزاً لها.
لاأحد ينتظر ماضيه في غده مثلنا
ومثلنا تموت الفراشات
على أسوار الربيع
فالخريف
والكواتم
والخواتم
لعبتنا الجديدة
لغد يشبه ماضينا
أو يزيد
ولكي ندرك العلاقة الأساسية لنص السرحان، ونخرج من خلالها برؤية كلية لقصيدته، لابد من أن نسعى لتفكيك النصوص واجزائها والتعرف على تكوينها وبخاصة التي تحمل دلالة أكثر من غيرها، وهو ما يعرف في النقد (بالبنية الجزئية)، لنظهر منها إلى الأكثر اتساعاً عبر تسليط الضوء على التركيبات اللغوية والمعاني الدالة في القصيدة.
ولأن القصيدة لابد وأن تحمل أبعاداً مختلفة ، كان لابد من أن نركز ايضاً على البعد السياسي الذي جسده السرحان في نصه، وكشف من خلاله فحوى القصيدة ومضمونها، وهنا كانت قراءتنا لأبيات السرحان بدلالة الرموز المعبرة عن المرحلة. أي بما معناه أن عادل السرحان قد عمد إلى الرمزية في أبياته ليسقطها على مضامينه الشعرية لاستيفاء المعنى.
فالماضي الذي استوقفنا عنده ، كان هاجساً لديه للمقارنة بما يعيشه في حاضره، وبتناقض يحسب للسرحان استخدامه وتوظيفه بقوة في أبياته ، وهنا أقصد “كميزة” ، وليس عيب في البنية العامة، جاء بالغد قبل أوانه لينتظر فيه الماضي، وذلك شيء اشبه بالدخول في عالم الخيال ،الذي يأتي فيه الغد قبل اليوم لننتظر ما فات من خلال القادم.
نصرخ كل يوم بما نريد
فيرجع الصدى بما لانريد
موجوعون نحن
أيها العالم الزجاجي
أيها الليل
أيتها المسافات
أيها المخادعون
موجوعون نحن
نجر بخطانا المثقلة
عربات التيه
فلا أحد ينتظر ماضيه في غده
مثلنا
ومثلنا تموت الفراشات
داخل الشاعر في نصه الشعري (السردي) كعنصر تبنى من خلاله خطابا متكاملا يتفاعل مع الايحاء في شعره، وكان ماهرا في الفرز بين العناصر السردية والدرامية، فيما جاء بصيغة خطابية شخصية لتكون الغالبة اجمالا على النص، ومتداخلة مع عناصر السرد الأخرى في القصيدة .
وركز على (الوضعي) كعنصر يمثل الحكائية السردية، فيما شكل الخيالي تعريفا صحيحا للمشهد والوصف العام للقصيدة ، لخص لغته بمرادفات عامة عبراستخداماته المجازية ليشكل صوره بما يعرف ب (السرد الخيالي) عبر تضمين قصيدته بعناصر السرد التي إن وظفت بشكلها الصحيح ، دلت على استخدامها بالزمن الصحيح للحدث ومكانه، ما يعطي الوصف السردي الدلالة التي تفسر وجهة نظر الشاعر.
تنبه السرحان وبدقة للتداخلات بين النصوص فجاء خطابه الشعري على هيئة مجموعة من المصطلحات تعالج جزئيات الحالة، وهذا التداخل النصي لديه يعد جزءا من بنائية النص وتشكيلاً للدلالة على مضمونه، ما يؤدي بالمتلقي إلى استنهاض الذاكرة الجمعية للحدث وتطوير اللحظة الشعرية، وكأنها من بقايا الماضي، لتشرف على الراهن والقادم وللتأسيس للصورة الشعرية التي أراد لها الشاعر أن تكون بهذا المعنى والوصف.
على أسوار الربيع
نتساقط كالعصافير
في هذه الغابة الموحشة
دون ضجيج
وحزننا يهمي بين الأغصان المتشابكة
بلا انتهاء
الغرائبية التي وظفها عادل السرحان في أبياته شكلت منعطفا حاداً في السياق الشعري لأبياته، فكانت أن اضفت رونقاً يكمل توصيف الحدث بفعل الحاضر المشرف على الماضي ( دون ضجيج، بلا انتهاء، المحملقة في السراب)، دالة المبهم التي كرسها في ثنايا قصيدته دفعت لتشمل القصيدة برمتها بعنصر التشويق ، فلا القارئ يملك القدرة على ترك القصيدة دون اتمام قرائتها، ولا الشاعر ترك الباب مفتوحا للتصور بنهاية الحدث. وهذا يكرس نهجاً مختلفاً عن قصائد غيره ، ويدفع نحو تعزيز القدرة على شد الأنتباه والدهشة لدى القراء.
مثل عادل السرحان حالة شعرية متفردة مشحونة بالوجع ، جمع في شعره بين الوصف والرمز والحزن ، فجاءت نصوصه تحمل طابعا مغايرا عن شعراء جيله، وعادل يعد من جيل السبعينات الشعري الذي ابدع بنتاجه وأثرى المشهد الثقافي شعرا ونثرا، عمل السرحان على مسألة التداخل النصي في ابياته فأنتج نصا متناسقاً معبراً عما جال في خاطره تماماً ، ولم يذهب بإتجاه قاعدة ( المعنى في قلب الشاعر) ، كون صوره الشعرية كانت تفيض بما حملته من معان وتفصح عن العمل برمته ، وليس ما يخبأه الشاعر كمفاجئة يسوقها للقارئ كما أعتدنا.
وهنا لابد من القول إن القيمة الجمالية التي جاء بها السرحان في قصائده اعتمدت تفعيل المعنى والرؤى والدلالات في القصيدة ، ناهيك عن انسجام النص وجمالية تكوينه.
حُمُرٌ تضاجع المساء
وحَميرٌ مشدودة الى المعالف
وعذرةُ السباع تطيش في وجوهها
المحملقة في السراب
لا أحد ينتظر ماضيه في غده مثلنا
ومثلنا تموت الفراشات
على أسوار الربيع
عادل السرحان من مواليد البصرة 1964 تخرج في كلية الآداب قسم الإعلام جامعة بغداد 1988، صدرت مجموعته الأولى (الأم والأمومة) عام 2015 ، وكانت مشتركة عن دار المأمون للنشر والتوزيع في عمان الأردن.
فيما كانت مجموعته الشعرية الثانية (سابانيتا) قد صدرت عن دار أمل الجديدة – دمشق 2019 .
له قصائد عدة منها: قصيدة (رؤيا) ، (حدس النوارس)، ( ذكريات دمشقية) ، (الى روح آلان كردي) ، (إلى كاظم الحجاج) وهي قصيدة عمودية تركز موضوعها حول انتفاضة البصرة على الفساد، ولأربيل مدينة الحلم الوادعة خاصها عادل بثلاث قصائد هي : (الى هذه القلعة العتيدة) ، (أناشيد الألم والأمل ) (ريفراندوم) . يجمع الشاعر العراقي عادل السرحان في كتاباته الشعرية بين الفصيح والعامي ويستوحي قصائده من الأوضاع التي يشهدها العراق.
وللسرحان محاولات في القصة القصيرة كان من بينها (قوارب للجميع ) وهي حكاية معاناة كل العراقيين وركوبهم البحر مهاجرين الى أوربا، يقول: “أحاول أن أكتب قصيدة لايشار فيها لأحد غيري “.