القسم الرابع
*- إن وعد بلفور أو تصريح بلفور ، هو الإسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور في 2/11/1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد ، والذي يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، حين كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد على (5%) من مجموع عدد السكان ، وقد أرسلت الرسالة قبل أيام من إحتلال الجيش البريطاني لفلسطين في 9/11/1017 وفرض الحكم العسكري عليها ، حيث أطلق المناصرون للقضية الفلسطينية على وعد بلفور عبارة ( وعد من لا يملك لمن لا يستحق ) ، ولعل من الملاحظات المثبتة على الوعد ، أن صيغة الوعد واضحة تماما ، إذ توجد هيئة حكومية ( حكومة جلالـة الملك ) تؤكد أنها تنظر بعين العطف إلى إنشـاء وطن قومي سيضم ( الشعب اليهودي ) ، أي إعترف باليهود لا كلاجئين أو مضطهدين مساكين ، وإنما كشعب وليس شتات مجموعات دينية مثلما هم الآخرين . كما أن الهدف من الوعد ليس هدفا خيريا ، ولكنه هدف سياسي ( إستعماري ) . كما إن هذه الحكومة التي أصدرت الوعد لن تكتف بالأمنيات ، وإنما سوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف . هذا هو الجوهر الواضح للوعد . وإن كل أهداف التغطية للوعد ، لن يضر بمصالح الجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين ، ولا بمصالح الجماعات اليهودية التي لا تود المساهمة في المشروع الصهيوني ، بل تود الإستمرار في التمتع بما حققته من إندماج وحراك إجتماعي . لأن الوعد لم يتحدث عن كيفية ضمان هذه الحقوق . كما إن من تفسيرات الأسباب التي أوردها المؤرخين ( الصهاينة أو المتعاطفين مع الصهيونية ) لإصدار الوعد ، أن هنالك نظرية مفادها أن بلفور قد عبر في موقفه هذا ، عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من إضطهاد ، وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود ، وبذلك فإنه يرى بأن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التأريخي ، ولكن من الثابت تأريخيا أن بلفور كان معاديا لليهود ، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة البريطانية بين عامي 1903 و1905، هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا لرفضهم الإندماج مع السكان ، وإستصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية ، لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده .
*- وهناك نظرية تذهب إلى أن الضغط الصهيوني ( اليهودي ) العام ، هو الذي أدى إلى صدور وعد بلفور ، ولكن من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا كتلة بشرية ضخمة في بلاد غرب أوروبا ، وهم لم يكونوا من الشعوب المهمة التي كان على القـوى العظـمى أن تساعـدها أو تعـاديها ، بل كان من الممكـن تجاهلها . ويمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا مصدر ضيق وحسب ، ولم يكونوا مصدر تهديد قط . أما الصهاينة فلم تكن لهم أية قوة عسكرية أو سياسية أو حتى مالية ( فأثرياء اليهود كانوا ضد الحركة الصهيونية ) . ولكل هذا لم يكن هنالك من منفذ غير إستغلال الدول الكبرى للتوجهات الصهيونية المعادية للعرب بشكل خاص وللمسلمين بشكل عام ، بغية تحقيق مصالحها النافذة بضغوط تلك الورقة السياسية المناسبة .
*- أما بشأن إتفاقية فيصل الأول مع حاييم فايتسمان في مؤتمر باريس للسلام سنة 1919 . فقد ( ثبت في مراجع موقع وكيبيديا عبارة ( نص إتفاقية فيصل وايزمان مصدقة من موقع الأمم المتحدة الألكتروني ) . ويبدو أن هنالك ما تم إخفاء تأثيره أو التقليل من شأنه وعدم إنتشار ذكره ، والمتعلق بما يؤخذ على الملك فيصل الأول في حينها ، توقيعه مع حاييم فايتسمان رئيس المنظمة الصهيونية آنذاك على اتفاقية عقدت في مؤتمر باريس للسلام سنة 1919 ، بشأن التعاون بين العرب واليهود في الشرق الأوسط . بالنص الآتي :-
(( إن الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية والقائم بالعمل نيابة عنها ، والدكتور حاييم وايزمن ممثل المنظمة الصهيونية والقائم بالعمل نيابة عنها ، يدركان القرابة الجنسية والصلات القديمة القائمة بين العرب والشعب اليهودي ، ويتحقق إن أضمن الوسائل لبلوغ غاية أهدافهما الوطنية ، هو في إتخاذ أقصى ما يمكن من التعاون في سبيل تقدم الدولة العربية وفلسطين ، ولكونهما يرغبان في زيادة توطيد حسن التفاهم الذي بينهما فقد إتفقا على المواد التالية :-
أ- يجب أن يسود جميع علاقات وإلتزامات الدولة العربية وفلسطين أقصى النوايا الحسنة والتفاهم المخلص ، وللوصول إلى هذه الغاية تؤسس ويحتفظ بوكالات عربية ويهودية معتمدة حسب الأصول في بلد كل منهما .
ب- تحدد بعد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة ، الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين من قبل لجنة يتفق على تعيينها من قبل الطرفين المتعاقدين .
ج- عند إنشاء دستور إدارة فلسطين ، تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم أوفى الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917.دد- يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدى واسع ، والحث عليها وبأقصى ما يمكن من السرعة ، لإستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الإسكان الواسع والزراعة الكثيفة . ولدى إتخاذ مثل هذه الإجراءات ، يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ، ويجب أن يساعدوا في سيرهم نحو التقدم الإقتصادي .
ه- يجب أن لا يسن نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية ، ويجب أن يسمح على الدوام أيضا بحرية ممارسة العقيدة الدينية والقيام بالعبادات دون تمييز أو تفضيل ، ويجب أن لا يطالب قط بشروط دينية لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية .
و- إن الأماكن الإسلامية المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين .
ز- تقترح المنظمة الصهيونية أن ترسل إلى فلسطين لجنة من الخبراء لتقوم بدراسة الإمكانيات الإقتصادية في البلاد ، وأن تقدم تقريرا عن أحسن الوسائل للنهوض بها ، وتضع المنظمة الصهيونية اللجنة المذكورة تحت تصرف الدولة العربية بقصد دراسة الإمكانيات الإقتصادية في الدولة العربية ، وأن تقدم تقريرا عن أحسن الوسائل للنهوض بها ، وستستخدم المنظمة الصهيونية أقصى جهودها لمساعدة الدولة العربية بتزويدها بالوسائل لإستثمار الموارد الطبيعية والإمكانيات الإقتصادية في البلاد .
ح- يوافق الفريقان المتعاقدان أن يعملا بالإتفاق والتفاهم التامين في جميع الأمور التي شملتها هذه الإتفاقية لدى مؤتمر الصلح .
ط- كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال إلى الحكومة البريطانية للتحكيم .
*- لقد شارك في مؤتمر السلام الذي عقد في باريس سنة 1919 ، مندوبون عن أكثر من 32 دولة وكيانا سياسيا . وكان من أهم قراراته إنشاء عصبة الأمم ، كما وقع المشاركون خلاله على خمس معاهدات رئيسة مع المنهزمين ( بما فيها معاهدة فرساي مع ألمانيا ) . وتم التوقيع عليها في لندن في 3/1/1919 .