23 نوفمبر، 2024 2:17 ص
Search
Close this search box.

قراءة في رواية ( فرانكشتاين في بغداد ) لأحمد سعداوي

قراءة في رواية ( فرانكشتاين في بغداد ) لأحمد سعداوي

استراتيجية المنظور الإمكاني بين مواقع السارد و روابط التشكيل المفترض
توطئة :
لمن نافل القول أن الرواية الصادرة بعد سقوط النظام العراقي السابق ، وتحديدا تلك الروايات التي اتخذت من موضوعة الإرهاب ثيمة المعالجة و التحول والإعادة في الإنتاج ، لأجل تقديم ذلك المنجز الروائي الذي غدا سياقا مفترضا ضمن وحدات موضوعة التشكيل السردي الراصد لكل كيفيات ضحايا الإرهاب في أحداث غياب الدولة العراقية و إشكاليات تطرف مسيرتها المتعرجة في إدارة البلاد ، وهذا الأمر ما جعل من فن الرواية احيازا كيفيا في تصوير ثيمة و مواضعة تلك الحوادث التي أفرزتها الجماعات المسلحة في ثغرات الشق الوطني ، مما جعل من النظام المؤسساتي خاضعا لروافد من الفساد الإداري و الأمني الفادح ، وتبعا لهذا وجدنا الأدب الروائي راح يجسد أرهاصات هذه الحقيقة المركومة من مخلفات الزمن السياسي و الاجتماعي و بأدق ما تكون عليه اشتغالات الموضوعة الروائية من تواصيف و تقنيات و مفترضات سردية ، أخذت تستجمع بدورها جل حالات الشتات و البعثرة و التيه في طرقات الدماء الباردة ، والأشلاء النابضة من أصل بقايا أجساد و أرواح وثيقة اللامواطنة في وطن اللاوطن . أنا شخصيا أقول كنت من الدائبين على قراءة رواية مرحلة معالجة الإرهاب في العراق ، وتحديدا حقبة سقوط مدينة الموصل على أيدي قوى الشر ، فهذه المرحلة أفرزت العديد من النصوص الروائية ، ولكني ببساطة ما لفت نظري هو ما تركته بذائقتي انطباعات قراءتي لرواية أحمد سعداوي ( فرانكشتاين في بغداد ) من غرائبية مركبة في مكونات و تضمينات تقانة هذا النص الروائي ، ما دفعني الأمر إلى أن أمنح ذاتي في الإمعان و التفرس في مسار أحداث و مبئرات هذا النص الذي هو خلاصة قيمية من ناتجية ذائقة ثيماتية و تسجيلية غارقة في محمولات التركيز المخيالي وسحر التفصيل المتكاثر .
ـ السارد و هوية المواقع السردية .
يحيل لنا الضمير الساردي في مكونات مستهل رواية ( فرانكشتاين في بغداد ) نحو عتبة مناصية ، حاول من خلالها الروائي تأشير مرحلة متضمنة من غائية روابط التبئير السردي في بناء وحدات النص ، و ما تتلخص به هذه العتبة الأولية من زمن الرواية ، هو الحديث المسهب حول دائرة المتابعة والتعقيب في وزارة الداخلية احتمالا ، والتي يقوم بإدارتها الشخصية العميد سرور المجيد ، و من أهم مهام و واجبات هذه الدائرة المفترضة وهما خارج حدود واقع الرواية ، إنها تتكفل بمتابعة جملة الجرائم والأحداث الإرهابية ، التي هي أكثر تعلقا بالجوانب الباراسيكلوجية منها إلى حقيقة الإجرائية الأمنية المتبعة في دوائر و مخافر التحقيقات البوليسية (تفاصيل : ـ تم في 25 أيلول 2005 و تحت ضغط سياسي مباشر من الجانب العراقي تجميد عمل دائرة المتابعة والتعقيب جزئيا لإغراض تحقيق .. وقامت لجنتنا باستدعاء مديرها العميد سرور محمد مجيد و مساعديه .. وتم الإطلاع منهم على نوعية العمل الذي كانوا يتصدون له منذ تشكيل سلطة الائتلاف المدني في نيسان 2003 وحتى ساعة إجراء التحقيق .. وتبن أن الدائرة تقوم بعمل هو خارج اختصاصها الذي ينحصر بأمور مكتبية تخص أرشفة المعلومات و خزن و حفظ الملفات و الوثائق .. و أنها كانت توظف تحت إدارة العميد سرور مباشرة مجموعة منجمين وقارئي الطالع برواتب مرتفعة تصرف من الخزينة العراقية و ليس من الجانب الأمريكي . / تقرير نهائي ـ ص7 الرواية ) بهذه الموثوقية من الترابط والمنطق الشكلي في مواقع السرد و السارد ، تتبين لنا موجهات صياغة و بناء طبيعة موضوعة الرواية ، حيث الأهمية القصوى من خلالها تتآتى من جدل تحكمات مروي السارد بقطبية الثنائي المشترط ( العرض / السرد ) و تكمن قيمة مواقع السارد في الرواية ، من خلال تجسيدات أدوار الشخوص و تضمينها عبر ذلك التواصل التقابلي و المتماثل ما بين دليل الكاتب الضمني ومن خلفه المؤلف ، و بين أصوات مواقعه المتراصة في شواهد العلاقة من المسرود المنجدل في حدود تتابعية الإقناع و القبول و التنافذ ما بين صيغة ( راوي ـ شاهد ـ موقع الشخصية ) و عندما ندلف إلى متن النص الروائي ، تطالعنا شخوص و أحداث أكثر إثارة من شخصية ذلك المركب الافتراضي المسمى ب ( الشسمه ) و الذي هو بمثابة المعادل النصي و ليس الموضوعي في حكاية الرواية ، وذلك لأن الشخصية في المعادل الموضوعي تكون عادة ذات صفات تحولية و توظيفية كاملة في قرائن النص و محكومياته العضوية ن أما المعادل النصي فهو ذا مستوى بيني و نسبي من دلالة أجزاء النص التلميحية و الإيحائية الخاصة . على أية حال نتعرف في الرواية على شخصية العجوز النصرانية إيليشوا أم دانيال و حكاية ولدها المفقود منذ زمن الحرب العراقية الإيرانية ، وجملة مصاحبات مشاعرها الآملة في عودة دانيال رغم الإقرار المصيري الزمني المؤكد في صورة موته عبر دلالات النص . تحيلنا عادات العجوز في تفاصيل حياتها البوهيمية إلى معنى من حالات الانكفاء والعزلة داخل قوقعة ذاتها ، ذاتها التي تخالجها نزاعات عديدة مع أبنتيها ماتيلدا و هيلدا عبر الهاتف المحمول للأب يوشيا ، و لأن ماتيلدا و هيلدا متزوجتان خارج البلاد ، فكانتا تسعيان إلى اصطحاب أمهما العجوز إلى مكان إقامتهما في أحدى المدن الأوربية ، خيرا من بقاءها أسيرة لهواجسها الواهمة بعودة دانيال إليها يوما ما . و الأصعب من كل هذا باتت العجوز موضع لتهكمات جاراتها العجائز ، تعليقا على ظواهر سلوكياتها العمرية المنحدرة نحو الخرف و الأوهام و محاورة صور القديسين من خلف زجاج مؤطرات صورهم الواهنة ، وهذا الأمر ما جعل من جاراتها و أبنتيها و باقي سكان الزقاق يترسخ لديهم أشد الاعتقاد بجنون هذه العجوز بطريق لا يعتريها الظن و الشكوك ، تطلعنا الأحداث الروائية أيضا و بالتعرف التفصيلي على شخصية فرج الدلال و الشخصية أبا أنمار صاحب فندق العروبة و كيفية وصول النزاع بينهم حول مساءل مادية تتعلق أخيرا بشراء الفندق من قبل فرج الدلال . أما الشخصية الأكثر تفردا و محسوبية في الرواية ، فهي شخصية هادي العتاك و الصحفي محمود السوادي ، وهناك شخصيات أخرى ثانوية متممة لأحداث النص ، تكمن من خلالها ضرورة العرض و الوصل و التواصل كشخصية السعيدي و نوال الوزير و عزيز المصري .
1ـ الوقائع الروائية بين وظيفة المسرود و مواقع السرد :
يركز السارد في مسار أحداث شخوص الرواية على دلالة التحول في مواقع استجابة مسروده العرضي ، إيذانا إلى الدخول نحو شخوص الرواية إلى مساحة محتدمة من الاتصال و الاستدلال و التقابل في وظائف مواقع السارد . فالسارد ومن خلفه الكاتب الضمني ، تتاح إليه مهمة التداخل بين صوتين في علاقة ملفوظ واحد . الأول صوت الشخصية و يرتبط بظاهر القول و المعنى الحرفي منه ، والآخر صوت الراوي أو السارد وهو يقوم بمهمة المتقبل أو الشاهد أو ذلك الوجه الذي يتمثل فيه التشخيص النصي في سياق كون الشخصية على مسافة غير مستقرة على مستوى القول في خطاب النص ، و أجلى ما يمثل هذا التداخل الصوتي ، هو ما يقوم به السارد في أحداث استرجاعات الشخوص أو استعادتها لأزمنة و أمكنة ما في مواقع السارد ذاته ومن خلاله .
2 ـ تداخل خطاب السارد بواقع خطاب الشخوص :
أن الدخول الموقعي لوظيفة خطاب السارد بواقع مسافة منطوق الشخوص ، يترتب عليه إسقاط الخطاب الاسنادي لخلفيات واقع نمو الشخوص بأفعالها و صفاتها و سلوكها ، ولكنها أي الشخوص ن تبقى ضمن خطاب الراوي مهما حاولت أن تكون مستقلة في علاقاتها الذواتية و الوظيفية . وهذا الأمر ما وجدناه في حادثة الانفجار للفندق و حوادث العجوز عبر محاوراتها إلى صورة القديس ن وعلاقة طرف محمود بالسعيدي و امتدادا إلى العميد سرور المجيد . أردت أن أقول أن العلاقة العضوية ما بين حالات الأفعال الشخوصية ، هي ليست بذاتها مستقلة دون واصلة مواقع السارد المتحكمة بساردية و شاهدية حالاتها و مواقفها و تنقلاتها ، وإدماجها في نسيج الوظيفة السردية ، لولا الإيذان بذلك الموقع المختص بها من خلال موقعية و ساردية الراوي ذاته ، و تبعا لهذه المواقع المتحكمة بالخطاب المروي من جهة السارد ، تتبين لنا جوانية التلميح و الحكي من واقع باطن الشخصية ، كحال صوت الراوي المشترك و الشخصية في أحداث مواقف العجوز إيليشوا : ( تفاصيل : ـ حتى النساء في الكنيسة أصبحن أكثر برودة حين تتحدث أمامهن عن ولدها الذي فقدته في الحرب .. لا جديد لدى العجوز أنها تكرر الكلام ذاته . كذلك الأمر مع جاراتها العجائز .. بعضهن لا يتذكر شكل دانيال هذا رغم أنهن يعرفنه .. فهو على أية حال شخص ميت مر على ذاكرتهن التي ملئت و اتخمت بالميتين خلال سنوات طويلة . / ص14 ) .
3 ـ خطاب السارد و تعددية أوجه تماثلات صوته الموقعي :
تتوالى مهام ( خطاب السارد ) في جملة أوجه خطاب الشخوص ، كأنه بذلك يصدر جزءا منه دالا بخطاب شخوصي غير مباشر ، قد تبدو هذه الوظيفة أكثر تداخلا و تعويضا عن هوية أفعال الشخصية في مسار أحداثها ، غير أن صوت و موقع السارد فيها يظهر تبادلا لفظويا بين طرفين و بتداخل شاهدي من السارد نفسه ، الأمر الذي جعل من مقومات حال الشخصية تبدو و كأنها مساحة تعليقية و تعديلية من جهة واردات السارد و أسلوب مساحته البينية ، كما الحال في هذه الفقرات من النص : ( تفاصيل : ـ على خلاف كثيرين فأن أم سليم البيضه جارة إيليشوا العجوز تؤمن بشدة أن هذه العجوز مبروكة و يد الرحمن على كتفها أينما تحل أو تمضي . / ص15 ) هكذا عبر السارد أو الراوي بصوته عن وجهة نظر شخصية أم سليم بحق العجوز ، حيث بدا أكثر تدليلا من حضور الشخصية ذاتها ـ أقصد أم سليم ـ عن قولها الوظيفي في حق العجوز ، و بذلك نعاين تعدد أوجه مواقع و خطاب الراوي تماثلا في عاملية الشخوص ، ولو بطريقة بدت على مسافة من الملفوظ نفسه التابع للشخصية ذاتها في الرواية .
4 ـ تقطيع الزمن و مقاربة الزمن في ترتيب الأحداث التقطيعية :
نستشف من خلال محاور أحداث و شخوص الرواية ، بأن هناك محورين من نسق الأحداث في رواية سعداوي ، أولا : التدقيق الزمني لغائية الأحداث ، وبهذا الترتيب من مستوى التدقيق نعاين دخول موقع السارد إلى حكايات شخوص الرواية بواسطة نظام ظهوري للحدث يتم بطريقة المراجعة و التعقيب و التوافق و الاتساق ما بين روابط أشتغالات زمن الحكاية المطرد و الذي يقدم في نتيجة النص ، خلوصا في علاقة الوحدات الدلالية ، فلو نظرنا مثلا إلى أحداث نشوء ذلك الكائن المجمع من عدة أجزاء في حكاية هادي العتاك ، لوجدناه حاضرا منذ البدء في سيرة هادي ، وذلك تدليلا على أن هادي العتاك معروف بكونه مختلقا إلى جملة حكايات ملفقة و كاذبة ، فيما يعمل العتاك على شراء الأغراض التالفة من الناس ثم أصلاحها و بيعها بأثمان باهظة . المفيد من ترابط علاقة ( الشسمة ) بعلاقة تفاصيل العتاك و سيرته ، هو ذلك الجانب الذي يشكل بذاته عاملا من النقص و الرفض للواقع محاولا ترقيع الأجزاء المفقودة من شخصيته بأختلاق المزيد من خرافات الكذب و مجاراته للآخرين لأجل إضحاكهم حتى يتم حصوله على زجاجة خمر مع وجبة عشاء بارد . فليس من المستبعد أن تكون المفارقة الذاتية في عنصر الشسمة ، هي في التحصيل الختامي صورة من حالات نقص هذا الكائن لأجزائه الحقيقية و روحه المفقودة في سعير اللامنتمي . ولو دققنا في صورة كل من الشسمة و هادي العتاك ، لوجدناهم شخصية واحدة في أبعادها العاطفية و النفسية و الدلالية و التكوينية . أما المحور الآخر فهو زمن الحكاية و زمن تقطيع الخطاب ، فلقد لاحظنا في شكل ما كيفية ترابط حكايات الشخوص في قلب ذروة التبئير و لكننا صرنا نتعرف في الآن نفسه على خصوصية موزعة و مشتركة في مجمل خطاب الرواية ، و كأن للكل حكاية تواصل بأخرى من حكايات أحداث الشخوص ، مما جعل في النتيجة جميع مفاصل حكايا ضمن تقطيعات خطابية و زمنية و مشهدية ، وكأن الغرض منها استكمال أحداث سابقة من تفاصيل الشخوص ، وصولا إلى نقطة تدرجية مشتركة من الزمن الروائي : ( تفاصيل : ـ كي يجعل لقصته جاذبية أكثر كان هادي العتاك حريصا على أيراد التفاصيل الواقعية .. وهو يتذكر هذه التفاصيل كلها و يوردها في كل مرة يروي فيها أحداث القصة التي حدثت معه / كان هادي العتاك يراقب المشهد بعد همود الصوت و ارتفاع غيمة الدخان الكبيرة التي ولدها الانفجار و بقاء خيوط دخانية سوداء ترتفع من السيارات مع ألسنة اللهب و تناثر أجزاء صغيرة محترقة أيضا / كان هناك جرحى يئنون .. والكثير من الأجساد النائمة أو المتحاضنة و المكومة فوق بعضها على الرصيف و قد تغطت لمزيج من اللونين الأحمر و الأسود .. يؤكد هادي العتاك أنه حين وصل إلى المكان ظل واقفا عند ركن محال بيع أدوات بناء يراقب المشهد بهدوء تام / ظل هادي يراقب المشهد بتركيز شديد .. كان يبحث عن شيء وسط مهرجان الخربات و الدمار هذا .. و بعد أن تأكد من مشاهدته .. رمى سيجارته على الأرض و أنطلق مسرعا ليلتقطه من الأرض قبل أن تدفعه المياه القوية لخاراطيم الإطفاء إلى فتحة المنهول . / ص25 ص28 ص29 )أن فعل القراءة إلى مصادر جمع أشلاء الأجساد من قبل هادي العتاك ، لم تكن بذلك المجال من الوضوح و البينية في وحدات السرد ، مما جعلنا لا نعثر على أدنى علامة حقيقية دالة على أن هادي العتاك هو من قام بجمع و ربط أجزاء من ضحايا الانفجار مكونا من خلالها ذلك الشسمه في الرواية ، تحديدا عثرنا على بعض من الوحدات الحوارية التي تؤكد على أنه ـ أي هادي العتاك ـ قد أنتشل من الأرض الغاطسة في عصف الانفجار ، سوى ذلك الأنف من جثة ما غدت رمادا في جحيم الانفجار ، ولكننا لا نعلم حتى مسافة متقدمة من الرواية ، بأن الشسمة هو من صنع أجزاء مقطعة ، وأن من قام برصفها و ربطها هو العتاك ، في حين أن الرواية لم تكشف لنا في أي حالة من وحداتها السردية الأولى بأن العتاك قام بجمع أشلاء من مجموعة جثث القتلى ، ذلك من أصل فكرة جمعها في هيئة جثة واحدة تدعى الشسمة : ( تفاصيل ـ رفعه و لفه بكيس الجنفاص و طواه تحت أبطه و غادر مسرعا / وصل بيته قبل أن تبدأ السماء زختها المطرية .. عبر على أرضية الحوش المخلعة بخطوات كبيرة ثم دخل غرفته و وضع كيس الجنفاص المطوي على السرير .. وظل يتابع صوت الصفير في أنفه وصدره بسبب أنفاسه المتسارعة .. نظر إلى كيس الجنفاص المطوي و قرب يده منه .. ثم ألغى الفكرة أو أجلها قليلا . / ص29 ) تبدو هذه الوحدة من السرد مرتبطة في حدود مغيبة من علاقة الذروة تماما ، فنحن لا نلمس علاقة حقيقية من خلال هادي العتاك في صنع جثة الشسمة ، سوى أشارات من التمويه و التقطيع و التقاطع و التورية مع الاستجابة المثمرة في صناعة الشسمة من قبل العتاك في هيئة واقعية و عينية من الاثبات النصي .
ـ الراوي بين الأصوات الشخوصية و الإيهام السردي .
وقد يسأل القارىء ، و أنا أجدني أسأل ذات السؤال معه : ما الذي حققه أحمد سعداوي من وراء فكرة الذي لا أسم له أو الشسمة ؟ هل هو أيقونة معادلة في موقع الدلالة التعويضية مثلا ؟ ولكننا لم نجد فيه سوى فكرة غرائبية تتعاكس مع ضرورات المسار الدلالي للعنف الطائفي و السياسي في البلاد ؟ كما أننا و من خلال أحداث الرواية لم نجد فيه المدلول الخالص من الفضيلة و الحسم الدلالي و لا من ناحية أخرى كونه ذلك التوظيف التقاني الجاد و الجديد في موضوعة الرواية ؟ فما كان هذا ( الشسمه ) وما كان يريد من ورائه أحمد سعداوي ؟ طالما هو أضحى صنيعا من قبل لحوم القتلة و الدواعش و ذوي العقول الناقصة كهادي العتاك أو لربما هو هادي العتاك في شكل من الأشكال الإحالية و التحولية في السرد ؟ أنا شخصيا كقارىء للرواية لا أجد في فكرة الشسمة من ضرورة دلالية جادة اطلاقا ، لربما أنا بدوري أميل إلى أجواء دلالات العجوز و حواراتها الإيحائية مع صورة القديس ، كذلك إلى رسم تطورات شخصية محمود السوادي و صراعه الشبقي في الوصول إلى نوال الوزير ، إلى جانب تواجد تمفصلات عديدة في جسد الرواية كان قد أجاد بها الروائي إلى حد ما من الأبداع الروائي المائز. ولكننا عندما نتمعن في شخصية هذا المخلوق النقيض ، قد لا تساورنا حوله أي استجابة معرفية في الخلق الابداعي ، بل أنه أضحى لنا في نهاية الفصول الروائية ، مجرد علاقة غير منتجة تماما في سياق تهويل الموضوعة الروائية حوله . تخبرنا نهاية الرواية حول لملمة الروائي لخيوط محاور روايته ، وذلك بحدوث ذلك الانفجار العاصف في منطقة البتاوين ، جاء بعد رحيل العجوز من حي البتاوين ، وذلك بالسفر مع حفيدها الذي كان شديد الشبه بولدها دانيال إلى محل إقامة مريحة في أحدى المدن الأوربية مع عائلة أبنتها ، في وقت يسارع فيه أبا أنمار في بيع فندقه إلى فرج الدلال راجعا أدراجه إلى مدينة ميسان ، و في غضون ذلك يبقى دار العجوز بعد بيعه إلى فرج الدلال فارغا إلا من جسد الشسمة و قطها العجوز ، و بحركة ميلودرامية يكتشف كبير منجمين العميد سرور تواجد المتهم شسمة في دار العجوز ن و تتزامن الأحداث مع دخول عجلة مفخخة إلى حي البتاوين مع نفير لأجهزة الطوارىء و ضباط وحرس العميد سرور وهم في طريقهم نحو اعتقال المتهم بالدخول إلى ذات المنطقة التي سوف يحدث فيها ذلك الانفجار الذي أحدث بعصفه و شظاياه أسقاط ما لا يمكن أحصاءه و عده من القتلى و المصابين بجروح بليغة ، ومع كل ذلك يبقى شبح الشسمة لائذا في الفرار داخل دار العجوز . كما و تكشف لنا أحداث الرواية عن وجود المتسبب الرئيسي في أحداث الانفجار ، وهو أحد مساعدي الساحر الكبير ، محاولا قتل ذلك الشسمة المتواجد في دار العجوز ، مشيرا بطريقة تنجيمية خارقة إلى سائق العجلة بتغيير هدفه من خلال لعبة الورق السحرية المتبعة لديهم ، مما أضطرت السلطات إلى إحالة العميد سرور إلى التقاعد و فض تلك الدائرة بتجميدها أمنيا .
ـ تعليق القراءة :
في الحقيقة أن حكاية رواية ( فرانكشتاين في بغداد ) تعد علامة روائية شيقة في مجال أدب الأرهاب ، كما أنها رواية ثرية في حجم تفاصيلها وعلاقات محاورها العضوية . أما فيما يتعلق بحصولها على جائزة البوكر ، فأنا شخصيا لا أعول على طبيعة هذه الجوائز لأنها سابقا منحت لروايات و كتاب لا يمتلكون تلك الابعاد الفنية و الابداعية و الادواتية في رواياتهم ، كحال رواية ( يا مريم ) لسنان أنطوان و روايات أخرى قد منحها البوكر مزايا و علامات هي لا تستحقها لحظة واحدة من زمن الجهد الابداعي الروائي الحقيقي .

أحدث المقالات

أحدث المقالات