18 ديسمبر، 2024 9:36 م

حظوظ “النائب” بايدن، و ما يعنيه تجديد العهدة لترامب ..

حظوظ “النائب” بايدن، و ما يعنيه تجديد العهدة لترامب ..

مع خواتيم 2020م تنعقد في اميركا جولة الانتخابات الرئاسية التي تحدد مستقبل قيادة البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، ليس ذلك و حسب بل و مستقبل العالم اذ لطالما اضحي دور اميركا القائد هو من مسلمات العلاقات الدولية و السياسة الدولية في طور انهيار النظام العالمي القديم و ما قبل تشكل نظام جديد! لثلاثة عقود سمعنا كلاما كثيرا عن نظام عالمي جديد تقوده اميركا بمبادئها المعلومة (الديمقراطية الليبرالية و حقوق الانسان و العولمة التجارية..) لكن مع انتخاب الشعبوي “ترامب” تخلت اميركا عن مبادئها بل و تخلت عن مهمة قيادة العالم و شرعت في الانغلاق علي نفسها!
يمثل نائب الرئيس الاميركي السابق “جوزيف بايدن” احد طرفي السباق الي البيت الأبيض يدخله مدعوما من الحزب الديمقراطي و من كل القوي الليبرالية التي اذاقها ترامب خلال رئاسته الامرين؛ و يمثل حصوله علي ولاية رئاسية ثانية كابوساً عليها العمل بجد كي لا يتحول الي امر واقع، بهذا الدعم الانتخابي الكبير و بتجربة كبيرة في السياسة و الحكم (نائب سابق و سيناتور) و بحالة الحنق التي اثارها ترامب بقراراته بشأن الهجرة و المناخ و التجارة الدولية (وسط التيارات الليبرالية و اليسار الاميركي و الاقليات و النساء)، و بالانقسام الرأسي في صفوف الحزب الجمهوري (اعداد مهمة من نواب و شيوخ سابقين و حاليين و موظفين كبار سابقين بالاجهزة التنفيذية و الأمنية اعلنوا صراحة أنهم سيصوتون لبايدن أو علي الاقل لن يصوتوا لترامب) تبدو حظوظ “بايدن” جيدة..
صحيح ان اميركا جنت فوائد اقتصادية عبر سياسات ترامب المتعسفة و الخاصة بتقليص المشاركات العسكرية مع الحلفاء و الزامهم بدفع نفقات دفاع حقيقية أو متوهمة و ابتزاز حكام الخليج و فرض تعرفة جمركية علي السلع الكندية و المكسيكية و الاوروبية و الصينية، و الزام الشركات الوطنية و الأجنبية علي توطين اعمالها و الانسحاب أو التلويح بالانسحاب من منظمات (اليونسكو، و الصحة العالمية، و الناتو نفسه..) بكل تلك الاجراءات حققت اميركا فوائد في سوق العمل و غيره لكنها خسرت مكانتها كدولة قائدة (و هذا ما لا يهتم له ترامب و لا قاعدته الشعبوية .. فشعار اميركا اولاً يعني في عرف الشعبويين اميركا في المؤخرة!) لكن دخول عامل الجائحة (كورونا) التي ضربت العالم و ضربت اميركا بقوة ما يسبب في خسائر جاري حصرها و يمكن أن تكون النتيجة تآكل تلك الفوائد بل و تقليص حجم الاقتصاد نفسه و من ثم تناقص رصيد شعبية ترامب وسط قاعدته ذاتها.
كما ان تعاطي الرئيس مع حادثة مقتل المواطن الاميركي من اصول افريقية “جورج فلويد” اواخر مايو، و مع التداعيات التي اعقبتها و المظاهرات و حركة الاحتجاجات الواسعة بصورة غذت الغضب وسط الاميركين السود خصوصاً و من مختلف الاعراق بصفة عامة، ثم حادثة الطلاق النار علي (جيكوب بليك) في الظهر.. كل تلك الحوادث تدفع الأمور باتجاه ان تكون تلك الحادثة هي اكبر تحدي يواجه حكمه “اكبر حتي من اجراءات عزل الرئيس التي نفد منها بفضل انحياز نواب الكونغرس الجهوريين له – لحزب الرئيس”.
الطريقة التي نفذ بها الشرطي ذلك الاعتداء علي فلويد “بأن جثي بركبته علي عنق الضحية المقيد بذات الطريقة التي اعتمدها نجوم كرة القدم الاميركية السود في الاحتجاج اثناء عزف السلام الوطني علي اضطهاد السود” ربما عكست تعمد ايزاء السود، و هي الطريقة في الاحتجاج التي طالما تذمر منها الرئيس و هاجمها.. كما ان الرئيس صاحب الخلفية الشعبوية التي تضمر العنصرية و صاحب القاعدة الشعبية المكونة بالأساس من البيض المتعصبين للعرق الأبيض مثل فوزه و حكمه اكبر تشجيع لتفشي و اعلان النزعة العنصرية في اميركا.
لذا فان هذه الحادثة تمثل ضربة قاصمة للرئيس و حملته الانتخابية للرئاسة الثانية و تخصم كثيراً من حظوظه المتناقصة أصلاً، حتي يبدو لكل من يدقق النظر في وجه ترامب يكاد يقرأ صفة “رئيس سابق”.. بينما تدعم حظوظ منافسه “بايدن” خصوصاً بعد ردة الفعل التي صدرت عنه و التي وصفها احد المراقبين بأنها “كلمات رئيس” بعكس ردة فعل ترامب التي قسمت الشعب الاميركي.
لكن يبقي احتمال فوز ترامب بعهدة رئاسية ثانية قائماً، و في حال “لا قدر الله” و تم تجديد عهدته، فان ذلك سيعني أربع سنوات اخري من الألم و المتاعب ليس للحلفاء و العالم فقط بل لاميركا ذاتها، فترامب ليس سياسي عادي بل ليس انسان طبيعي، هو من نوع الاشخاص الذين وجدوا انفسهم في مركز القيادة بضربة حظ أو هي ضربة نحس (كهتلر) و كزعماء العالم الثالث الذين لا معرفة لهم بشؤون ادارة الدول و سياسية المؤسسات و الشعوب؛ و صعودهم ذاك يمنحهم ثقة زائدة فلا يقيمون وزناً لمشورة المستشارين و نصح الناصحين! لذا فليس مستبعد ان يسعي ترامب؛ ان مُنح تفويض جديد؛ ان يسعي لتحويل اميركا لدولة عالم-ثالثية و يشرع كصديقه بوتن و نظيره شي بينج و اردوغان لتعديل دستور اميركا ليلائم نزعته السلطوية ليحكم مدي الحياة!