مع أستطراد لزواج الرسول من خديجة بنت خويلد – قراءة نقدية
المقدمة :
في هذه السلسلة من المقالات ، سأتكلم عن بعض المؤشرات في الشخصية المحمدية ، وسأستعرض ذلك من خلال بعض الوقائع والأحداث ، وسأبدأ بالموضوع التالي ” زواج الرسول من خديجة بنت خويلد ” ، وسوف لن أسترسل في كل روايات وأحاديث هذا الزواج ، بل سأقتصر على بعض منها ، لأنه ليس موضوعنا الأساس ، وهدفي في هذه المقالات هو بيان النهج العقلي لشخصية الرسول في التعامل مع تفاصيل هذه الواقعة ..
النص :
في الرواية الأولى لزواج الرسول : أن الذي زوج خديجة للرسول / وبخديعة من خديجة نفسها ، هو والد خديجة بعد أن أسقته شرابا حتى ثمل ، فقد جاء في موقع / ملتقى أهل الحديث – نقل بتصرف ، التالي : (( حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس فيما يحسب حماد أن الرسول ذكر خديجة ، وكان أبوها يرغب أن يزوجها ، فصنعت طعاما وشرابا فدعت أباها وزمرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا فقالت خديجة لأبيها إن محمد يخطبني فزوجني إياه فزوجها إياه فخلعته وألبسته حلة وكذلك كانوا يفعلون بالآباء فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال ما شأني ما هذا قالت زوجتني محمد قال أنا أزوج يتيم أبي طالب لا لعمري فقالت خديجة أما تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش تخبر الناس أنك كنت سكران فلم تزل به حتى رضي ، حدثنا عفان حدثنا حماد قال أخبرنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس فيما يحسب أن الرسول ذكر خديجة بنت خويلد فذكر معناه . )) ، بينما في رواية أخري / تخالف الأولى ، أن الذي زوجهما هو ليس أباها وأنما عمها ” عمرو بن أسد ” ، فقد جاء في موقع / أسلام ويب – نقل بتصرف ، ما يلي : (( قالت نفيسة أخت يعلى بن أمية : فأرسلتني خديجة إليه دسيساً ( خفية ) ، أعرض عليه نكاحها ، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، والذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان قد مات في الجاهلية ، وحين تزوجها الرسول كانت أيماً بنت أربعين سنة )) ، وأنهي هذا المحور بمقتطفات من كتاب قس ونبي / للأب جوزيف قزي ، الذي يبين به أن عقد الزواج كان ” عقدا نصرانيا ” ، وأن القس ورقة بن نوفل هو الذي زوجهما ، ويبين الأب قزي التالي (( وكان محمد متزوج من خديجة بنت خويلد وهي أولى زيجاته ، و ورقة بن نوفل أبن عم خديجة / كان قسا نصرانيا و مرافقا لمحمد ، أذن من المنطق أن بنت عمه / خديجة كانت نصرانية أيضا ، والقس ورقة هو الذي زوجها الى النبي وأشهر زواجهما ، أذن كان زواجا نصرانيا ، والنبي لم يتزوج عليها في حياتها ، وكل زيجاته وملك اليمين حدثت بعد موتها )) .
القراءة الأولى :
1 . قبل الولوج في قضية الزواج ، أود أن أبين أن أهم حالة / وضع ، عانى منه الرسول ، ومن ثم أثرت على شخصيته ، هو اليتم الذي عاشه وألمه منذ نعومة أظفاره ، وهذا اليتم هو الذي شكل وكون أتجاهاته الشخصية الأولية ، وبنفس الوقت طبعت مؤثراته على عقليته فيما بعد ، ثم حدد بناءا على ما سبق الكثير من أهدافه المستقبلية ، وهذا العامل شكل محورا ومرتكزا في حياته .
2 . ويضاف الى ما سبق عاملا أخرا طبعت به شخصية الرسول وهو ” الفقر ” ، حيث عاش محمد مع عمه أبو طالب ، الذي كان فقيرا ، فقد جاء في موقع / ويكي مصدر ، التالي : ” لما بلغ الرسول ثماني سنوات توفي جده عبد المطلب بمكة سنة 578 م بعد عام الفيل بثماني سنين وله عشر ومائة سنة ، ولما حضرته الوفاة أوصى به إلى عمه شقيق أبيه «أبي طالب» واسمه عبد مناف وعبد الكعبة وكان كريما لكنه كان فقيرا كثير الأولاد ” ، وهذا الأمر جعل الرسول راعيا للغنم مرة ، وأحيانا أخرى يمارس التكسب / التجارة ، من أجل العيش ، وهذا ما جاء في موقع مركز الفتوى : ” فقد كان الرسول يشتغل بالتجارة قبل البعثة ، كما اشتغل برعي الغنم ، لأعمامه وغيرهم لقاء أجر ، في بعض فترات حياته الأولى . ” .
3 . مما سبق ، يتضح أن الملامح الشخصية للرسول تمخضت من رحم اليتم والفقر ، وأرى أن هذين العاملين ، فيما بعد قد أثرا على تفكيره وعلى بعض من قراراته المستقبلية ، وأرى أن هذين العاملين يعتبران من المؤشرات المركزية و الأساسية ، في حياة الرسول العائلية خاصة والمجتمعية عامة .
4 . أما بخصوص قصة زواجه من خديجة بنت خويلد ، فكانت رد فعل ذاتي لحال هذا الشاب اليتيم الفقير ، حتى يكون حياته وطموحاته المستقبلية ، بالرغم من كون خديجة ثيب ، وقد قال ابن كثير : (( قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ متَزَوَّجَةْ قَبْلَ الرَسُولِ بِرَجُلَيْنِ ; الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ [هند] أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ .. )) ، والرسول وجد في هذا الزواج ، المال والجاه والأمان والأستقرار ، فلا رعيا للغنم ولا تكسب في أعمال يراها لا تلائم تطلعاته ، ومن المؤكد أنه كان يأمل ذلك الزواج في قلبه ونفسه ، بالرغم من فارق العمر ، ولكن الأمر ينظر له من جانب أو زاوية نفسية أخرى من قبل الرسول !! ، فأن هذا الزواج عوض له اليتم الذي عاناه ، فخديجة كانت زوجة وأم ، أضافة لكونها مصدرا للمال !! ، وتقول الأية : ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى / سورة الضحى 8 ) ، والمقطع الأخير من الأية تفسيره ( أي أغنى بمال خديجة ، كما قال المفسرون ./ نقل من موقع مركز الفتوى ) .
5 . أرى أن زواج الرسول من خديجة ، لم يكن مجرد صدفة ، بل كان مخططا له ، خاصة من خلال علاقة الرسول بالقس ورقة بن نوفل / أبن عم خديجة ، التي كانت جدا حميمة ، فهما مترافقان متصاحبان دوما ، وكان ورقة مؤثرا فيه داعما ومساندا له ، فقد جاء في موقع الكلمة ، التالي ” وتمدنا كتب السيرة النبوية ، وكتب المؤرخين المسلمين بالكثير من علاقات النبي برهبان هؤلاء النصارى ، ولهذه العلاقات قصص شيقة ومثيرة ويكتنفها الغموض ، بدءاً بقصته مع بحيرا الراهب ، مروراً بقصته المدهشة مع ورقة بن نوفل وهي من أهم قصصه مع رجال الدين النصارى على الإطلاق ، لا سيما لو عرفنا ما الذي صنعه ورقة بن نوفل مع محمد ومن ثمة الإسلام ذاته ، ولو عرفنا أيضاً من هو ورقة وما هي صلته بالنبي وبالوحي ، إنه ورقة بن نوفل ابن أسد ابن عبد العزى ابن قصي سيد قبيلة قريش ، وأول من أعزها ، وكان يتولى العناية بالكعبة وهو جد النبي ، أي أن ورقة والنبي جدهم واحد وهو قصي .. ” ومن المؤكد أن هذه العلاقة هي التي قادت الى هذا الزواج المؤمل ، والتي تطورت مستقبلا وقادت الى نبوة محمد ! ، وبفعل مؤثر من القس ورقة وخديجة زوجة محمد !!! .
6 . وأرى أن بأضافة المحور الخاص بدور وتأثير ” القس ورقة بن نوفل ومجموعة الرهبان ومنهم بحيرا الراهب ” على شخصية الرسول ، الى العاملين السابقين المذكورين في أعلاه ” اليتم والفقر ” تكتمل أهم المؤثرات الأولية للشخصية المحمدية .
7 . أما محور شخصية الرسول عقائديا قبل الأسلام وقبيل ظهوره كنبي ، فهي مجهولة !! وغير متفق عليها وليس من أجماع بشأنها أبدا ! ، وكل واحد يدلوا بدلوه ! ، فمنهم من قال ( فلم يكن النبي قبل البعثة على دين قومه قط ، بل هو مبرأ من ذلك ، وقد ولد مسلماً مؤمناً ، هذا ما قاله العلامة السفاريني في لوامع الأنوار البهية 2/305 ) ، أما السيد المجلسي فبين أن ( الرسول كان مؤيداً بروح القدس منذ البداية ) ويكمل ( بأن النبي كان قبل البعثة ، ومنذ أكمل الله عقله في بداية عمره الشريف ، كان نبياً مؤيداً بروح القدس ، يكلمه الملك ويعلّمه ويرشده إلى شرع الله سبحانه ويسمع صوته من دون رؤية شخصه ) ، وأخرين قالوا ( فذهب بعضهم انه على دين المسيح عليه السلام اذا انه الدين الاقرب اليه وهو الدين الرسمي الغير المنسوخ قبل بعثة الرسول ./ عن موقع منتديات مدرسة الحسين ) ، أما القرطبي في تفسيره ” ج 16 ص 57 ” فذكر ( أن العلماء تكلَّموا في النبي ، هل كان متعبدًا بدينٍ قبل الوحي أم لا ، فمنهم من منع ذلك مطلقًا وأحاله عقلاً ، قالوا أنه يبعد أنه يكون متبوعًا من عُرِف تابعًا ، وبنَوا هذا على التحسين والتقبيح ، وقالت فرقة أخرى بالتوقُّف وترك قطع الحكم عليه بشئ في ذلك ، حيث لا دليل على شئ بالعقل أو النقل ، وهذا مذهب أبي المعالي ، وقالت فرقة ثالثة : إنه كان متعبدًا بشرع من قبله وعاملاً به ، ثم اختلف هؤلاء في التعيين ، فذهبت طائفة إلى أنه كان على دين عيسى ، فإنه ناسخ لجميع الأديان والمِلل قبله فلا يجوز أن يكون النبي على دين منسوخ ، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين إبراهيم ، لأنّه من ولده فهو أبو الأنبياء ، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين موسى ؛ لأنه أقدم الأديان ( هكذا ) ، وذهبت المعتزلة إلى أنه لابد أن يكون على دين ، ولكن عين الدين غير معلومة عندنا ./ نقل من موقع فتوى أسلام أونلاين ) ، ما سبق هو بعضا مما ورد بشأن دين الرسول قبل البعثة !! ، ويتبين أنها روايات مختلفة متناقضة !! .
8 . ليس من رواية أو حديث واضح وجلي حول دين محمد قبل البعثة ، لأجله أرى أن دين محمد قبل الأسلام هو النصرانية ، على دين خليله ورفيقه القس ورقة بن نوفل ، وذلك لأن المصاحبة والعشرة دليل مؤكد على التشابه والتماثل والتوافق ، ويقول المثل ( قل لي من تصاحب ؟ أقول لك من أنت ؟ – إنها قاعدة عظيمة تقرها فطرة الإنسان وطبيعته ، فالنفس تؤثر وتتأثر سلبًا أو إيجابًا ، وكلما كثرت الخلطة وطالت .. كثر ذلك التأثر وزاد ، والناس على اختلاف ، فمن مقل ومكثر .. / نقل من موقع أسلاميات ) ، والرسول نفسه يؤكد ذلك في حديثه التالي : ( وما سمعت إلى قول نبيك : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ، الراوي : المحدث : ابن باز- المصدر : مجموع فتاوى ابن باز – الصفحة أو الرقم : 306/6 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح ) ، ومن جانب ثان ، كذلك كان عقد زواجه من خديجة ” عقدا مسيحيا ” ، حيث أن الرسول لم يتزوج بأخرى خلال فترة زواجه من خديجة التي دامت أكثر من 24 سنة ! / أن العقيدة المسيحية لا تسمح بتعدد الزوجات . وأخيرا ( أيعقل أن يكون الرسول عقائديا نصرانيا للفترة ، من قبل الزواج بخديجة ، ولغاية ترتيب شؤون البعثة ! ، حيث تغير النهج العقائدي للشخصية المحمدية للأسلام ! من أجل تبوأ مركز ” النبوة ” ) هذا تساؤل !! .
القراءة الثانية :
أرى أن الشخصية المحمدية بمحاورها / اليتم والفقر ، خاصة أذا أضفنا لها العلاقات مع القس ورقة والرهبان ، شخصية ميكافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، فصحابته مع القس ورقة ، كانت جسرا موضوعيا مدروسا للوصول الى خديجة بنت خويلد ، والعمل لديها ، ومن ثم الزواج منها فيما بعد ، من أجل الأستقرار والأمان المادي ، وبنفس الوقت هذه الشخصية بنت علاقة فكرية مع الكثير من المسيحيين من أجل التهيؤ لمرحلة ” النبوة ” ، ومنهم الرهبان / الراهب بحيرا ، والكثير غيرهم ، فعن ابن هشام قوله ” وكان الرسول – فيما بلغني – كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له جبر عبد لبني الحضرمي فكانوا يقولون والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني غلام بني الحضرمي ” ، وذكر في طبقات ابن سعد ” أن محمدا خرج مع غلام خديجة ميسرة حتى قدما بصرى من الشام ، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان يقال له نسطور ، فاطلع الراهب إلى ميسرة ، وكان يعرفه قبل ذلك ، فقال : يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ” ، فالشخصية المحمدية تحقق لها ما تمنت في عهد خديجة ! ولكنه بمجرد أن خديجة زوجته قضت ( 68 ق.هـ – 3 ق.هـ ) ( 556م – 620م ) ، ظهرت أفاق أخرى للشخصية المحمدية ، لم ينهجها سابقا ، وهي زيجاته المتكررة ، ( عدد زوجات الرسول إحدى عشرة ، مات منهن في حياته اثنتان ، وتوفي هو عن تسع / نقل من موقع طريق الأسلام ) ، وقد ربطت الشخصية المحمدية التقوى وأركان الدين بتعدد الزواجات ، بينما لم تكن ميوله الشخصية كذلك في عهد خديجة ، وأعتبر هذه الأمور سنة نبوية ، حيث قال ( أشدكم لله خشية أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء ، هذه سنتي ، فمن رغب عنها فليس من أمتي . / أخرجه أحمد في مسنده ) … والشخصية المحمدية في مراحل متقدمة أيضا تطورت وتغيرت ، وهذا ما سنلاحظه في المقالات القادمة !! .