أجبرت على الاشتراك مع صديق لأحد اصدقائي في عالم الفيس بوك دخل الالحاد قبل فترة قصيرة الاشتراك بنقاش بطلب من صديقي ، وحاولت جاهداً أن لا يطول أمد النقاش بسبب المشاغل فبوبت النقاش ضمن محاور محددة لكننا مع ذلك لم نصل لنتيجة إيجابية. لا اريد ان ادخل في تفاصيل النقاش الذي دار ولكن هذا النقاش لفت نظري لأمور أردت ان اتحدث عنها باختصار مستغلاً فترة انقطاع التيار الكهربائي وبالتالي توقف الانترنيت فتنقطع الصلة بالهوس الانترنيتي عموماً والفيسبوكي خصوصاً وقلة الاتصالات في الفترة الصباحية التي تسبق الدوام الرسمي وهي الفترة المفضلة لدي للكتابة حيث تكون الفرصة سانحة للتفكير بعض الشيء.
هذه الأمور ألتفت لها منذ فترة إثناء متابعتي لانتشار الفكر الالحادي في مجتمعنا الشرقي والعراقي بوجه خاص في السنوات القليلة الماضية ولو بمستوى محدود وقد كنت في فترة ما احاول جمع بعض المعلومات لكتابة دراسة عن هذا الموضوع ولكن المشاغل حالت دون إنجاز ذلك، ولكني استفدت من هذه المتابعة للوصول لجملة من التساؤلات والنتائج التي سأعرض البعض منها هنا للبحث أمامكم وقد اكون مخطئاً في بعضها ولكن هذا ما أوصلتني إليه المتابعة.
دخلت في نقاش مع عدة ملحدين أو ممن يميلون للإلحاد أو اخواته-اقصد العلمانية والليبرالية واشباهمها لأن البعض يدخل الالحاد من هذا الباب مرة تقية ومرة جهلاً! ولا اقصد إن كل علماني أو ليبرالي هو ملحد- في فترات زمنية مختلفة منذ سنة 2005 ولحد الآن ولفت نظري وجود مشتركات تثير تساؤلات كثيرة وجدتها لدى النسبة الاكبر منهم ، ومن هذه المشتركات:
1-الميل القوي للجنس والتحرر الجنسي:
فما أن يعلن الشخص عن إلحاده ولو باسم مستعار حتى تصبح النسبة الاكبر من منشوراته وصداقاته تدور في فلك الجنس والحرية الجنسية وكانه ألحد ليتحرر جنسياً!!
ليس بخافٍ على أحد ولن نخرج عن الانصاف إذا قلنا إن غريزة الجنس غريزة قوية جداً يتطلب تنظيمها لعدم الوقوع في الأخطاء جهداً كبيراً وصراعاً متواصلاً فهل الحل الالحادي بالإباحة هو الحل الصحيح الذي يريحنا من هذا الصراع أم إنه استسلام غير منتج، شخصياً أقول إنه استسلام غير منتج !
لأن الجنس غريزة لا تهدأ باستجابة طلباتها بشكل مفتوح فهي غزيرة نهمة- إن صح التعبير- ودونكم المجتمع الغربي بكل المنافذ التي فتحها للحرية الجنسية بدءً من حرية المرأة وانتهاءً بالزواج المثلي!
فهل انتهت مشكلة الاغتصاب مثلاً أم إنها تزداد بوتيرة مجنونة؟
وعودة على عنوان المنشور أتساءل لماذا الملحد الشرقي أكثر ميلاً للجنس من الملحد الغربي؟
علماً إن الميل للجنس والتحرر الجنسي ظاهرة عامة لدى الملحدين بغض النظر عن غربيتهم أو شرقيتهم ومن لا يصدق بذلك فليتابع مواقعهم ومنشوراتهم!
فهل الدين هو السبب؟
أم طبيعة المجتمع؟
الملحد مع التفسير الأول قطعاً لأنه ينتصر بذلك لإلحاده!
لن ندخل في مقارنة بين الأديان ولكن لا شك إن نظرة الدين للجنس نظرة مرتبطة بتربية النفس والتهيئة للعالم الآخر فمن لا يرى حاجة لتربية النفس أو يرى لها سبيل آخر ولا يؤمن بوجود عالم آخر سيرفض هذه النظرة بلا شك!
وكما قلنا سابقاً الجنس غريزة نهمة اطلاقها جنون وحسبها جنون أيضاً!
فما الحل الذي قدمته الرؤية الدينية-اتحدث بصورة عامة بغض النظر عن بعض التفاصيل المختلف عليها-:
تقنين لهذه الغزيرة لتأخذ حقها بعيداً عن استهلاك الوقت والجهد ويما ينسجم وتربية النفس، وفتح منافذ معقولة لها، ووضع عقوبات وحدود مع النصح والارشاد والتوضيح.
إذن لماذا اصبح الشرقي مهوس جنسياً حتى في إلحاده!
هل تم تطبيق الرؤية الدينية وهل أتيحت لها الفرصة لتأخذ حقها من التنفيذ لتؤتي أكلها؟
بدأت الرؤية الدينية تخوض صراعاً مع الرؤية الدينية الشخصية الباحثة عن الامتيازات والموظفة للدين من قبيل وأنا أمنعهما وأُعاقب عليهما!!
ومع القبلية بأعرافها وضغوطاتها التي تتيح بعض منافذ الحرية الجنسية من جانب وتغلقها من جانب آخر بلا مبررات واقعية وبلا رؤية وبلا مراعاة لخصوصية الرجل والمرأة وظرف كلٍ منهما.
فهل المشكلة في الدين أم في المجتمع الذي لم يطبق الدين والذي يضيف القيود ويربك إشباع الرغبات تحت مسمى العيب والعرف بعيداً عن الحاجات الفعلية!
حسب تصوري إن المجتمع هو سبب هوس الملحد الشرقي بالجنس اكثر من الملحد الغربي.
فالحل حاول إصلاح مجتمعك بدل الإلحاد!
2-نقد العقل الشرقي:
نقصد بالشرقي هنا المنتمي لمنطقة الشرق الأوسط.
يردد الكثير من الملحدين الشرقيين عبارات اختلاف وتخلف العقل الشرقي قياساً بالعقل الغربي ويضربون لذلك الكثير من الأمثلة ويتشدقون بالإحصائيات والدراسات والنسب، فإن قلت لهم لافرق بين العقل الشرقي والعقل الغربي قالوا لك فلماذا لم ينتج العقل الشرقيانشتاين والطيارات والصواريخ والآي بادووووو.
وكيف وصل العقل الغربي إلى القمر ويفكر في غزو المريخ ولا زال العقل الشرقي والعربي خصوصاً يغني على ليلاه في مضارب بني شيبان على حد تعبير أحدهم!
وإن قلت له إن العقل الشرقي أنتج الفارابي وابن سينا وجابر بن حيان ووو
قال دعنا من الماضي ولنتكلم عن الحاضر!
ولا أدري ما الفرق بين الماضي والحاضر في الاستعداد العقلي؟
لأنه حتى أكثر دعاة نظرية التطور تطرفاً لا يستطيعون القول بوجود فرق واضح في الاستعداد العقلي بين الآن وقبل 1000 سنة!
انا ضد مقولة العقل الغربي والعقل الشرقي . فالعلم إلى الآن لم يتوصل لمعرفة معقولة عن العقل البشري فضلاً عن تمييز شرقيه عن غربيه!
الاستعداد العقلي البشري واحد-إلا في حالات بعض الأمراض- والتقدم والتأخر نتيجة ظروف خارجية من مجتمع وتربية وظروف اجتماعية وتأثيرات الحروب ووسائل تعليم ورغبة شخصية في التعلم وغير ذلك.
وحتى لو كان العقل الشرقي يختلف عن العقل الغربي فهل الإلحاد سيعيد ترتيب جيناتك الوراثية لتصبح غربياً!
ثم إنك شرقي ولادةً وظرفاً فلماذا لم تبقى متخلف مثلنا وخرجت متحرراً لتلحق بركب الإلحاد!
3-الشعور بالدونية:
الملحد الشرقي متنكر لتراثه وتاريخ مجتمعه ووطنه ورموزه الوطنية والدينية وكل ما يربطه بماضيه غير الملحد بصلة!
ولا يذكر من ذلك شيء بخير إلا اذا شم فيه رائحة إلحاد!
في حين تجده يبجل حتى الرموز الدينية للآخر! ويضخم عناوينها وانجازاتها!
وينسب إنجازات الغرب لمحرك الإلحاد الخيالي في حين إن الغرب نفسه لا يقول ذلك!
هذا التنكر برأيي ناتج عن الشعور بالدونية أمام الآخر ورغبة في اللحاق بركبه بغض النظر عن التنازلات!
وشخصياً أطمئن الملحد الشرقي إنه لو خرج من جلده فإنهم لن ينسوا شرقيته!
4-الخوف من مواجهة المجتمع:
اتصل بي أحد الملحدين من بغداد مرة في وقت متأخر-ولم يكن بيني وبينه اتصال هاتفي سابق- مهدداً بالعشائر “كوامة بالمصطلح العراقي” وسبب التهديد وشاية أحدهم بأني ذكرت أسمه في مجموعة مغلقة على الفيس بوك وقلت عنه إنه ملحد!
فقلت له ما المشكلة في ذلك فهل كذبت انا؟ انت ملحد فعلاً وهذه كتاباتك وهذه منشوراتك والمواقع المشترك بها وبالنسبة لي أعرف حتى منشوراتك التي تنشرها بأسماء مستعارة وقد خضت معك حوارات على مواقع مختلفة وجاهرت بإلحادك بوضوح فأين المشكلة؟
كان جوابه إن اتهامه بالإلحاد سيعرضه للخطر وإني مسؤول عن كل ما سيحدث له بسبب هذا الاتهام!
طبعاً لم أعر تهديداته أي اهتمام وقد مضت أكثر من سنتين على هذا الاتصال ولازال هذا الملحد حي يرزق ولم يتعرض له أحد بسوء!
قطعاً لست من دعاة المواجهة ولا من دعاة التهديد وأقول إن الفكر يجب أن يواجه بالفكر.
من هذه القصة الواقعية نتحدث عن جبن الملحد في الإعلان عن فكره وإلحاده إلا تحت غطاء الاسماء المستعارة والحسابات الوهمية والتلميح في النشر والمقالات، والنسبة الأكبر منهم يتذرعون بذريعة التعرض للخطر في وسط مجتمع شرقي جاهل!!
شخصياً لم اسمع منذ 2003 ولحد الآن في العراق مثلاً عن شخص قُتل أو تعرض للتهديد لأنه ملحد!
ولكني سمعت ورأيت آلاف الاشخاص يقتلون ويذبحون وتحرق اجسادهم لكونهم ينتمون لدين أو لمذهب معين والتمويل والسلاح-والتدريب- في الغالب يأتي من دول علمانية للإلحاد فيها تأثير كبير!
وليس هذا فحسب فالشيوعيون في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في العراقمثلاً هل تعرض لهم أحد ونسبة كبيرة منهم كانوا يظهرون الإلحاد والاستهزاء بالدين بشكل واضح!
ومن تعرض منهم للقتل أو للسجن فقد كانت الاسباب في الاغلب سياسية وليست دينية!
فوهم التعرض للخطر غير موجود إلا بمقدار ما يتعرض له الاخرون وهو مؤشر على الحالة النفسية التي تحكم المنظومة الفكرية للملحد التي ربما سنتحدث عنها في مقال آخر.
وعودة على العنوان مرة اخرى فإننا نختلف عنهم بسبب ظروفنا وطبيعة مجتمعنا وتأثير ذلك علينا لا لأنهم الأفضل.
وهذه دعوة إلى كل من ركب موجة الإلحاد أو يسير باتجاه ذلك أعد النظر وتأمل جيداً فالمكاسب محدودة إن صدق ما تعتقد والخسارة كبيرة جداً إن لم يصدق!