بسم الله الرحمن الرحيم ((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )( صدق الله العلي العظيم ) .
انغماس السلطان بالرذيلة وتكبيل الحريات واللهو والمجون والسهر والفسوق وشراء الرقيق واستعباد الناس والفساد والقتل والتنكيل والطرب والرقص, سلوك جبُل عليها خلفاء الدولة الأموية منذ نقض العهود وعدم الالتزام الأخلاقي بها , دفع امرائها لركوب سفينة الباطل وإباحة المحرمات ومنع المعروف , هجين مرفوض من كبار الصحابة والتابعين , في عهد عُرف بالتنكيل والقتل بعد ان تبوءا يزيد مقاليد السلطة وامارة الناس , امام مرأى الصحابة والمؤمنين مما أشكل عليهم موقف تخاذلي يؤدي لمعصية الله , جانب أما الجانب الاخر وجود بضعة الرسول (ص) الامام الحسين عليه السلام في تلك الحقبة , مهم من قوة ضاغطة وعامل مؤثر في هذا المد المخزي الذي يسيء للإسلام وتعاليمه , فكان الأمام عليه السلام امام امتحان صعب يحتم عليه أتخاذ موقف جريء وشجاع يتناسب وحجم التحدي , بالرغم من امتداد الدولة الاموية وسعت حكمها , جبروتها , طغيانها , امكانياتها الجمهور غير الواعي والمتزلف للسلطان وآخر يحمل أحقاد بدرية وخيبرية .. الخ , لن يكون الرد بالسهولة في قرار مصيري يذبحه وابناءه وتابعيه وشيعته ومحبيه , العقل والصبر والحكمة تتجسد فيه واحتساب المستقبل وردة الفعل ومصير القرار , مفترق طرق وصعوبة فكان الأفق واسع والصدر رحب والعقل أتزان , صفات نبوية متوارثه من ارحام طاهرة وبطون نظيفة وايادي بيضاء (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) , يزيد يعرف هذه الحقائق ويدرك عواقبها بالرغم من جبروته ودموية اخلاقه وسفالة سلوكه إلا انه يريد الانتقام واخذ الثأر لأسلافه من بضعة النبي محمد (ًص) بأي ثمن كان لان الغاية تبرر الوسيلة , فقد شرع منذ ان بويع ان يأخذ البيعة من الحسين بن علي (ع) عن طريق عاملة في المدينة , وقفت أمام سيد الشهداء كل هذه التحديات والعواقب وردة الفعل غير المعروفة عواقبها , وهذا لا يليق بصاحب رسالة وتكليفه الشرعي باعتباره أمام امة مسؤول عنها امام الناس والله , ورد على الوليد :(مثلي لا يبايع سراً فإذا خرجت غداً إلى الناس ودعوتهم لها أرجو أن يكون أمرنا واحداً ) (ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت ولؤمة » ، ثمّ اقبل على الوليد وقال) : « أيّها الأمير انّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد فاسق فاجر شارب الخمور وقاتل للنفوس المحترمة ومستحلّ لجميع الحرمات ومثلي لا يبايع مثله ) , لقد أعلن الحسين ثورته على يزيد ودولته بتلك الكلمات التي وجهها إلى الوليد بن عقبة المكلف بتوطيد حكمه في الحجاز وفي مدينة الرسول بالذات ولم يكن الوالي يحسب أنّ الحسين سيعلنها في مجلسه بتلك الصراحة وفي المجلس من هم أشدّ عداء لمحمّد وآل محمّد ورسالة محمّد من يزيد وأبيه. وقد اختار الحسين عليه السلام لنفسه مكّة وهو في طريقه إلى الشهادة على تراب كربلاء ليضع المسلمين حيث يجتمعون فيها في ذلك الفصل من جميع مناطق الحجاز امام الواقع المرير الذي ينتظرهم في ذلك العهد المظلم ، ويضع بين أيديهم ما يحدق بالإسلام من دولة أبي سفيان العدوّ الأكبر لمحمّد ورسالته وما عزم عليه من الثورة والتضحية لإنقاذ شريعة جدّه من اولئك المردة أحفاد أبي سفيان والحكم بن العاص طريد رسول الله حتّى ولو كلفه ذلك حياته وحياة بنيه وجميع أسرته ، وفيها اجتمع بتلك الوفود ومن بقي من أنصار جدّه ووضعهم تجاه مسؤوليّاتهم واستعرض جميع أحداث معاوية ومواقفه المعادية للإسلام وما ينتظرهم من خليفته , المستهتر الخليع ودعاهم إلى نصرته وجهاد الظالمين ، ومضى في طريقه إلى الهدف الاسمى والغاية القصوى: وهو يتمثل بقول :
ان كان دين محمد لم يستقم ياسيوف خذيني
وبذلك فقد وضح الصورة المأساوية التي تنتظر المسلمين ودولتهم ان سكتوا عن فضح افعاله ولزموا الصمت اتجاه تصرفاته , هذا الجانب الاعلامي والتكليف الشرعي قد أداه وابرأ ذمته امام الله والناس , اما الجانب الاخر من شخصيته سلام الله عليه المتسمة بالنقاوة وعدم مداهنة الباطل فقد كان بإمكانه ان يستنجد بالدول التي تحيط به كاليهودية , الساسانيين , اهل اليمن , البيزنطيين ليكونوا عونا له في مقارعة يزيد واتباعه ضد الامويين في ثورته, أبت نفسه الخيانة ومداهنة العدو طريقا للنصر الدنيوي (وَلَا تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النار وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ألله مِنْ أولياء ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) , حزم أمره واصطحب عياله وبعض محبيه لأرض كربلاء بعد ان اعترض عليه الكثير وابدوا ممانعتهم في هذه المسيرة الظافرة ليخاطبهم (اما بعد فأن من لحق بي أستشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام ) وأكد (انا سائر للشهادة والموت وان الشهادة والموت هي قضاء رباني قضاه الله سبحانه وتعالى كما قال في حديثه محمد بن الحنفية (شاء الله ان يراني قتيلاً وشاء الله ان يرى النساء سبايا ) . دلائل وبراهين على عظمة الشخصية وتأثيرها وصدق نواياها واستنباط مدلولاتها المستقبلية ,حتى تُمتحن النوايا وتعرف الحقائق مع أقرب الناس له , وبذلك اظهر شجاعة لا يمتلكها في زمانه انسان (الحمد لله، وماشا الله كان، ولا قوّة إلّا بالله، وصلّی الله علی رسوله. خطّ الموت علی ولد آدم مخطّ القلادة علی جيد الفتاة، وما أولهني إلی أسلافي اشتياق يعقوب إلی يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النّواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سغباً. لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علی بلائه ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده. ألا من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً علی لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحا إن شاء الله تعال)
مثل ابن فاطمة يبيت مشرّداً ويزيد في لذّاته متنعّم
يرقى منابر أحمد متآمرا في المسلمين، وليس ينكر مسلم
ويضيق الدنيا علی ابن محمّد حتی تقاذفه الفضاء الأعظم
خرج الحسين من المدينة خائفاً كخروج موسی خائفاً يتكتم
وقد انجلی عن مكة وهو ابنها وبه تشرّفت الحطيم وزمزم
درس أخلاقي وتربوي واجتماعي نستلهمه من ثورة الحسين عليه السلام الذي لم يداهن أو يجبن أو يبيع ضميره بسكوت عن باطل ورضا عن عماله ومداهنة الفاسد والفاجر والقاتل
قال الإمام الصادق (ع) : ” شيعتنا كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا “, ان الحياة فرصة للاستغفار والتوبة من المعاصي والذنوب , قادتنا تعلموا وافهموا هذا الدرس المحمدوراجعوا انفسكم قبل ان يصلى عليكم فالحياة قصيره وايامها معدودة (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) .