18 ديسمبر، 2024 11:25 م

وصايا لسياسي مبتدئ !

وصايا لسياسي مبتدئ !

من المؤكد أنك طموح جداً ولديك نظرة ثاقبة حين اخترت السياسة مهنةً، لأنّها قد تكون الوحيدة ـ من بين مهن عديدة سواها ـ لا تحتاج لإحترافها كدّاً وتعباً ودراسةً أو ذكاءً لامعاً. بالرغم من ذلك، فإنّها تدرّ على ممتهنها أموالاً طائلةً ومكانةً مرموقة وحصانةً من الإعتقال والمساءلة، مهمّا ارتكب من الجرائم أو ابتلع من ثروة البلاد وتسبب بإزهاق أرواح العباد، فللسياسة ضروراتها التي تبيح أيّ محظور.. المحظورات والقوانين، سيدي الكريم، وُضعت سيفاً على رقاب المحكومين فقط!!
    بدءاً، عليك الانتساب لحزبٍ أو تكتلٍ سياسي تدرك أنّه ارتقى واشتهر وأخذ مكانه ومكانته بفضل نَفَسٍ طائفيّ تلبّس سلوك أفراده. دعْ عنك الانتساب أو تمثيل حزبٍ وتكتلٍّ يسعى، فعلاً لا قولاً، لخدمة الوطن وأبنائه ويدعو لوحدتهم وتكاتفهم.. مَنْ يسعَ لخدمة الوطن ووحدته لن تجد معه هدفك الغالي ولن يتحقق لك فيه طموحك الكبير. تحدث بصوتٍ عالٍ ـ بمناسبةٍ أو من دونها ـ عن طائفتك التي هُضمت حقوقُها وقُتل أبناؤها وهُجِّر أفرادها، ولا تلتفت إلى حقيقة أنّ هضم الحقوق والقتل والتهجير توزّعَ على الجميع بعدالة صارمة.. ليس على السياسيّ أن يقول الحقائق، فإنْ قال حقيقةً سقط من زمرة الناجحين!!
    حين ترى أنك أصبتَ نجاحاً ونلتَ حظوةً ومكانةً تلمسُ منها أنّ المناصب المهمة دنت إليك، إخترْ لك شهادةً دراسيةً ولقباً علمياً من المهم أن يسبق اسمك وعشيرتك.. الشهادة الدراسية لم تعدْ تعني التمكّن من اختصاص ما، إذ أن كثيرين نالوها بطرق شتّى ليس من بينها ـ طبعاً ـ الكدّ والسهر والإجتهاد.. ليس عليك الخشية لو اشتريتَ شهادة أستاذ في الأدب وأنت لا تعلم إنْ كان محمد مهدي البصير شاعراً وزعيماً وطنيّاً أم طبيب عيون. ولو شئتَ نصيحةً أقترحُ عليك شهادةً في التربية الرياضية فحينها لن يسألك أحد ـ مهما كان وقحاً ـ بأيّ قدمٍ يمكن تسديدُ (الجلاق)!!
    إقبلْ بأيّ منصبٍ تفرضه المحاصصة عليك. ليس هناك من منصب، مهما كان مهمّاً وعظيماً وحساساً، لا يمكنك ارتداؤه، إذ علّمنا أهلنا الطيبون أن نقتني من الملابس ما لا يناسبنا إلاّ حين نكبر ونزداد بدانةً وسمنةً.. لا يُفترض بالقائد العسكري أن يعرف شيئاً من العلوم العسكرية، فالبس البزّة العسكرية ولتتألق النجوم الذهبية على كتفيك حتى إنْ كنت لا تعرف (اليس يم).. وافقْ على أن (تتسنم)، معاليك، وزارة التربية وإنْ كنتَ أميّاً، ولن يعترضَ أحدٌ لو عُرضت الثقافة عليك لمجرد ظنّك أنّها لا تعني إلاّ بضعة دارميات وأبوذيات تعلمتها بمتابعة برنامجك المفضل (أكو فد واحد).. المهمّ في إشغال أيّ منصب أنك واجد، لا محالة، منْ يفتح الطريق أمامك لدرب الثراء السريع ويعلّمك كيف تُبرم عقود لمشاريع استراتيجية عملاقة لا وجود لها إلاّ على الورق!!
    الخطر الذي يمكن أن يواجهك ليس انكشاف أمرك فهذا سهل هين، وأيّ إدانة مهمّا كانت دلائلها مثبتة يمكن ردّها بالاستهداف السياسي والطائفي ومحاولة التهميش والإقصاء.. الخطر الحقيقي يأتي منك أنت فقط لو أن ضميرك ـ لا قدّر الله ـ صحا من غفوته وبُعث من موته، وسوّلت لك نفسك العمل بإخلاص ونزاهة وزيّنت لك حبّ الوطن والخشية على حاضره ومستقبله، حينها ستخسر ثراءك وسمعتك ومكانك ومكانتك بين إخوة لا يجدون سعادتهم وخلاصهم إلاّ في خراب الوطن واحتراب أبنائه!!
[email protected]